أعظم خادم
الجميع قبلما يتكلمون يعرفون أنفسهم أولا .
أنا متخوف جدا .. بل مرتعب من هذه اللحظة
فأنا أخشي أن يحدث ما يحدث في كل مرة ..
و أخاف أنكم بمجرد أن تعرفون اسمي تنفرون من قراءة بقية قصتي
فما رأيكم ؟ .. هل أتشجع ؟ .. و هل تحتملون ؟
حسنا
اسمي .. اسمي .. ززفت
مهلا أرجوكم ..
لا تلقوا بقصتي في الهواء .. انه اسمي و من منكم يختار اسمه في الميلاد ؟
ثم انكم أنتم الذين اخترتموه لي ليطلق علي فما ذنبي اذن ؟
لوني أسود قاتم .. رائحتي منفرة .. و هيئتي لا أحسد عليها غير أني لست سيئا تماما .
فأنا أحب الجميع الا ذاتي .. و أخدم الكل الا نفسي ..
حياتي كلها .. أخشي أن أقول كلها آلالام .. فلست أريد أن أضايقكم بدراما مشاكلي ..
دعوني أقول حياتي كلها صعاب ..
أكثر عمري أقضيه تحت الأرض خلف طبقاتها السحيقة في صورة بترول ..
و أظل تائها مجهولا لأزمنة بعيدة الي أن أكتشف بعد مجهود شاق أو بمحض الصدفة .. ..
و حينما يخرجونني ..
أفرح و أحسب أنني قد تحررت من سجني .. لكنهم فورا يودعونني أفرانا ساحقة الحرارة .. فأتعذب في جحيم نيرانها بهدف عندهم ..
ثم لا أكاد أهدأ حتي تنهال علي عمليات كيماوية كثيرة و معقدة يعملون بي فيها ما يحسن في أعينهم و أنا مستسلم تماما لا أعترض علي أي شئ يضيفونه الي ولا أتمسك بشئ ينزعونهعني .. و كلما يزدادون في سحقي أتذكر قول اشعياء النبي عن الرب يسوع
"مسحوق لاجل أثامنا"
في النهاية .. بعدما انسحق تماما .. و أكون كما يتمنون يلقونني هناك في الشوارع في الطرقات التي تحتاج الي تصليح و تجميل و تري ذلك عيناي فأتعجب ..
كيف يستخدم الله قتامي و سوادي في الاصلاح و يسخر قبحي لأجل التجميل ؟
و هنا تذكرت قول عروس النشيدu .. "أنا سوداء و جميلة" ( نش 5: 1 ) u
و يدفعني التعجب أن أشكر و أصبر .. احتمل و أتحمل ..
و تمضي ماكيناتهم الهندسية تسحقني تحتها و آلاتهم الثقيلة تطحنني كي يمهد بي الطريق ..
و كلما يمرون يعودون و كلما يذهبون يجيئون و أنا أعتصر ألما لكني أبقي فرحانا لأن الطريق يزداد جمالا وينتهي العمل و تبدأ مرحلة الآلام اليومية صباحا و مساء .. الكل يعبر , يمضي و يدوس و أنا أرقد صامدا تحت أثقالهم .. تطأني أقدام الجموع فلا أحتج ولا أتذمر فأتذكر قول النبي أرميا عن الرب يسوع
"أشبعني مرائرو أرواني أفسنتينا . جرش بالحصي أسناني .. كبسني بالرماد" u
تحركت في الشكوي ذات يوم فلم أستسلم و أقمعت ذاتي و قلت :
طالما أنك يا الهي وضعتني هنا .. فلن أكون هناك
و طالما قد جعلتني لهذا .. فلن أكون لذاك و بقيت في مكاني سنوات طويلة مرت .. ,
لا أتذكر فيها أن شخصا ما قد أحني رأسه يوما يشكرني . أو أن انسانا قد جال بخاطره أن يبدي لي شيئا من الامتنان .
هم لا يهتمون بي .. الا اذا ظهر بي عيب ما .. حينئذ يثورون ويسخطون و قد يلعنونني أيضا قائلين .. ( طريق زي الزفت ) .. و هنا أتذكر قول الرسول بولس
" نُشتم فنبارك .. نُضطهد فنحتمل .. يُفتري علينا فنعظ" ( 1 بط 2: 23 )
و أتذكر قول الرسول بولس عن رب المجد يسوع
" الذي اذ شُتم لميكن يشتم عوضا" ( 1 بط 2: 21 )
فما علي أنا الآن الا أن أصمت متشبها بالخادم الأعظم .. الخادم الصامت ..
الرب يسوع
و هكذا فأني ان كنت سيئا أذم .. و ان كنت حسنا لا أُُمدح .
عفوا .. عفوا ..
تذكرت أمرا حدث ذات صباح ..
شيخ وقور ينظرني .. يشخصني بعمق صامتا .. مدفوعا يروح التأمل والخشوع .. يومها رقص قلبي مبتهجا .. رغم أن الشيخ لم ينطق الي بكلمة واحده . لكني اكتفيت أنه قد
أهداني دقيقة من حياته .. غير أني حزنت أن الرجل مضي مغموما .. مكتئبا و لم يكن السبب أن شكلي يدعو للاكتئاب .. مع أنه كذلك فعلا .. لكن الرجل قد ساءه فعلا أن يشار اليه بالبنان و يقال عنه في شيخوخته أنه مجنون . و اعتقدت الأمر سيختلف هذه المرة ..
فهذا طفل جميل برئ لست أدري لأي سبب انحني فوقي ينظرني فاحصا يميني و يساري بعين لاهثة قلت في نفسي ما أجمل الطفل .. ما أحلي براءته ..
اشتقت لو أن يجلس فوقي .. يكلمني .. يصاحبني ..
لكنه هب مفزوعا و انطلق فجأة يعبر الطريق .. و لم أكن قد فهمت شيئا .. حتي سمعت صوت صاحبه يناديه علي الجانب الآخر :
" تعال يا جون .. تعال .. لقد وجدت العشرة قروش هنا "
و عرفت ما كان يجذب الطفل الي .
. لقد كان يبحث عن 10 قروش ضائعة وخابت آمالي .. لقد كنت أظنه يتأمل جمالي ..
و لكني نسيت نفسي فأين هو جمالي ؟
الجميع في زحمة مشغولياتهم ينسوني ..
لكن الأمر لا يعنيني كثيرا فأنا لا أسعي خلف الشكر ..
و لا ألهث وراء المديح ..
الحب الصادق أبلغ من كل الكلمات ..
و أعظم ما في الخدمة أن تكون صامتة .. لذا سأظل كما أنا دائما ..
أحب الكل و أخدم الجميع
لا فرق عندي أن تدوسني سيارة ثري أو حذاء متهدل لفقير ..
و لست أسمح للأبرار بالمضي فوقي ثم أعترض الأشرار
لا لست أفرق في محبتي ..
فللكل في قلبي مكان و مكانة ..
مهما اختلفوا لغة أو دينا أو جنسا ..
مهما نسوني أو تركوني أو انشغلوا بحياتهم عني ..
مهما ثقلت أوزانهم علي ..
حتي ان أُهنت منهم و صرت مثالا للقبح في تعبيراتهم
حتي ان ثاروا يوما و اغتاظوا من أحمق بينهم فراحوا ينعتونه في غضب أنه : كالزفت .
صديقي الخادم
هذه القصة الرمزية تحمل معاني كثيرة جدا ..
هل أنت تخدم في صمت أم تُصوت أمام الناس بالبوق
و تذيع خدماتك في كل مكان أمام الناس ؟
ان أولادك في الخدمة سيتعلمون من صمتك أكثر من كلامك ..
ليتك تخدم في صمت و تعلم أولادك بصمتك قبل كلامك
صديقي
هل قابلتك اهانات في خدمتك ؟
هل قابلت آلام و مشاكل في خدمتك ؟
و هل تحملتها في صبر و شكر ؟
و هل تحب الكل و تخدم الجميع بلا تفرقة ؟ .. ليتك تكون كذلك
هل أنت مجهول و محتقر بين الناس ؟
ليتك تكون هكذا متشبها بمسيحك الذي جاء ليخدم لا ليُخدم
فاحتقروه و عروه و ضربوه
ان كل خادم أو خادمة ممن تركوا بصمة علي صفحات التاريخ واجهوا الاحتقار والازدراء في زمانهم .. ان هذه هي الخدمة الحقيقية .. أعظم خدمة .
أم أنك تريد خدمة ممتلئة بالكرامة و المديح و التمجيد لذاتك ..
تريد خدمة تنال فيها أمجادك من الناس و ليس من الله ..
ليتنا نتعلم من هذه القصة الرمزية كيف تكون الخدمة ..
_
منقول للامانة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق