زهور من بستان الرهبان 17 |
سُئل أنبا يوحنا رئيس الكنوبيون عند نياحته:« قل لنا كلمةً يا أبانا». فقال: «إني لم أُكمِّلَ هوايَ قط، ولم أُعلِّم أحداً شيئاً لم يسبق لي عمله».
قال شيخٌ: «من يغلبُ الأسدَ ليس بشجاعٍ، كذلك من يقتل اللبؤةَ ليس بجبارٍ، أما من يخرج من هذا العالمِ وهو نقي من عيبِ النساءِ فهذا هو الغالب».
أخٌ أغضَبَه أخوه، ولما دخل قلايتَه، استحى أن يصليَ للهِ بسببِ الوجعِ المتقد في قلبهِ، ولكنه لما تطارح قدامَ اللهِ قائلاً: «يا سيدي، لقد غفرتُ لأخي من كلِّ قلبي». فللوقتِ جاءه صوتٌ يقول له: «قد أخذتَ شبهي، إذن فصلِّ لي بدالةٍ».
قال شيخٌ: «إن من لا يقبل الإخوةَ جميعَهم بمساواةٍ بل يفرز، فلن يستطيعَ هذا أن يكونَ كاملاً».
قال شيخٌ: «الشيطانُ فتَّالُ حبالٍ، فأنت تدفعُ له الخيوطَ وهو يفتلُ. هذا ما قاله من أجلِ مساعدتنا للأفكارِ».
سأل أخٌ شيخاً قائلاً: «إذا بَذَرَ فيَّ الشياطين فكراً نجساً، أو غوايةَ الليلِ بالجنابةِ، يمنعونني من أن أصليَ قائلين لي: إنك نجسٌ». أجاب الشيخُ قائلاً: «إذا وضعت الأمُ الصبيَ على الأرضِ متمرغاً في وسخِهِ، فإنه عندما يرى أمَّه يرفع يديه ووجهَه نحوها وعيناه ممتلئةً دموعاً، فتتحنن أمُّه عليه وتضمه إليها، وتُصعِدَه على صدرِها، وتُقَبِّله، ولا تنظر إلى شيءٍ من وسخِهِ. كذلك نحن يا أخي، إذا ما أغوتنا الشياطين فلنُسرع صارخين نحو اللهِ باكين بين يديه، فإنه يقبلنا من وسطِ نجاساتنا ويطهرنا له دفعةً أخرى».
قيل: حدث مرةً أن اتفق ثلاثةُ شيوخٌ على أن يخرجوا معاً إلى البريةِ لعلهم يجدون رجلاً متعبداً للهِ، ولما ساروا ثلاثةَ أيامٍ، وجدوا مغارةً، فأتوْا إليها، فأبصروا نفساً خارجةً من جسدِها، وهي تُساقُ إلى جهةِ الغربِ، فبكوا لذلك قائلين: «يا ربُّ، كيف أنَّ متوحداً كهذا، وفي هذا المكانِ من القفرِ، تُساقُ نفسُه إلى الغربِ»؟ فجاءهم صوتٌ قائلاً: «إن لهذا الشيخِ في هذه المغارةِ أربعين سنةً، وقد فكَّر في قلبهِ قائلاً: إنه لا يوجَد راهبٌ آخر مثلي. فلهذا السببِ تُساقُ نفسُه إلى الغربِ». فقال الشيوخُ: «بالحقِّ إنَّ الكبرياءَ تُهلِكُ جميعَ ثمرِ الراهبِ».
سأل بعضُ الإخوةِ شيخاً قائلين: «هل الاسمُ يُخلِّصُ أم العملُ»؟ فقال لهم الشيخُ: أحدُ الشيوخ القديسين اشتهى أن يُبصِرَ نفسَ بارٍ، ونفسَ خاطئٍ وقتَ خروجِهما. فابتهل مصلياً إلى اللهِ زماناً، وإذ لم يشأ الربُّ الصالحُ أن يُحزِنَه لأجلِ تعبهِ، فأصدر إليه صوتاً يقول له: «امضِ إلى المدينة وأنا أريكَ». فقام الشيخُ بسرعةٍ وتوجَّه إلى المدينةِ، وكان هناك ناسكٌ كبيرٌ له اسمٌ عظيمٌ، وكان في شدةِ الموت، ولعظم اسمهِ بَطُلَ سوقُ المدينةِ في ذلك اليوم، وبكى الناسُ قائلين: «إن اللهَ بصلاةِ هذا القديسِ يصنعُ الرحمةَ للعالمِ». وأعدُّوا أكفاناً فاخرةً ومصابيحَ كثيرةً وأطيابَ للجنازةِ. فلما قربت ساعتُه، نظر الشيخُ فأبصرَ خازنَ جهنم قد أقبل وبيده خطافٌ يشبه الحديد المغلي بالنار، فوقف على رأسهِ، وسمع صوتَ الربِّ يقول «لا ترحم هذه النفسَ لأن ذلك الإنسانَ لم ينيحني على الأرضِ ولا يوماً واحداً». وفيما الشيخُ يريدُ الرجوعَ إلى قلايته، عَبَرَ ببعضِ أزقةِ المدينةِ، فرأى راهباً صغيراً مطروحاً على الأرضِ في خرقٍ باليةٍ وهو في شدةِ الموتِ، وليس أحدٌ يهتمُ به. فجلس الشيخُ عنده، ولما أتت ساعتهُ، نظر الشيخُ وإذا بملاكين جليلين قد انحدرا لأخذِ نفسِهِ، فمكثا وقتاً طويلاً ينتظران، ولكن تلك النفسَ لم تشأ الخروجَ من جسدِها، فنظر الملاكان إلى السماءِ وقالا: «يا ربُّ، ماذا تأمر عبيدَك من أجلِ هذه النفسِ، لأنها لا تشاء مفارقةَ جسدها»؟ فأرسل إليها الربُّ داودَ وكلَّ منشدي السماءِ، فلما قالوا: «ارجعي يا نفسي إلى موضعِ راحتكِ فإن الربَّ قد أحسنَ إليكِ»، وأيضاً: «كريمٌ أمام الربِّ موتُ قديسيه». فمن الفرحِ خرجت نفسُ ذلك الأخِ متهللةً.
قيل عن شيخٍ إنه أقام سنين كثيرةً ناسكاً، لا يأكل سوى خبزٍ وملحٍ فقط، مرةً في كلِّ أسبوعٍ، حتى لصق جلدُه بعظمِهِ، وفي بعضِ الأيامِ زاره شيخٌ آخر، فلما رآه متعباً جداً قال له: «يا أبي إنك قتلتَ نفسَك وحدك بكثرةِ التعبِ، فكلْ شيئاً قليلاً من الإدامِ لترجعَ إليك قوتُك. فلم يشأ، فكرَّر عليه قائلاً: كُلْ ولو قليلاً من الفاكهةِ». فأجابه الشيخُ: «لماذا تضطرُّني إلى الكلامِ، لأني حتى ولو أكلتُ الرمادَ مع الطعامِ لا أستطيعُ أن أُرضيَ اللهَ، لأني عالمٌ بما حصل لنفسي أنا شخصياً، إذ حدث مرةً وأنا راقدٌ، إذ أُخذتُ إلى موضعِ الحكمِ، وكان كثيرون قياماً من ههنا ومن ههنا، وكنتُ واقفاً بخوفٍ شديدٍ، فقلتُ: اذكر يا ربُّ تعبي. وبقولي هذه الكلمة عوقبتُ فوراً، إذ قال للقيامِ: أخرجوا هذا. فدنا مني واحدٌ وأدخل يدَه في فمي، وقطع لساني، وجعله في يدي، فاستيقظتُ وأنا مرتعدٌ، فوجدتُ يدي مطبوقةً ففتحتُها ظانّاً أنها ممسكةٌ بلساني». فلما سمع الشيخُ هذا الكلامَ أمسك عنه.
قال شيخٌ: «لو كنا حكماءَ ونجعل أنفسَنا جهلاءَ، فإننا نستريحُ ونتنيح». فقال له أخٌ: «وكيف يجعلُ الإنسانُ نفسَه جاهلاً وهو حكيمٌ»؟ قال له الشيخُ: «إذا أنت قلتَ كلمةً في وسطِ الإخوةِ، وكانت تلك الكلمةُ حقاً وصواباً، ويتفقُ أن يقومَ آخر ويقول كلمةَ كذبٍ وغيرَ صائبةٍ، فإنك إن أبطلتَ كلمتَك الصائبةَ، وأقمتَ كلمةَ أخيك الكاذبةَ، فتكونَ حكيماً وقد جعلتَ نفسَك جاهلاً من أجلِ اللهِ».
سأل أخٌ شيخاً قائلاً: «ماذا أفعلُ يا أبي، فإنَّ الخوفَ يتبعني إذا لحقتني أفكارٌ»؟ فقال له الشيخُ: «إنَّ جندي الملكِ إذا خرج للحربِ قبالة الأعداءِ، فكلما رموه وجرحوه ينهضُ مسرعاً لمقاتلتهم دفعاتٍ كثيرةً، فما لم يترك الحربَ ويهرب فإن الملكَ لن يغضبَ لأجلِ أنهم جرحوه، بل بالحري يفرح له بالأكثرِ، لكونِه قبل الجراحَ في سبيلِ مقاتلةِ أعداء سيدِهِ، هكذا أنت أيضاً، كلَّما هاجمتك الأفكارُ، انتصب بالأكثرِ لمقاتلتها».
كان لرجلٍ شريفٍ غريمٌ، فلبثَ يطالبه عشرَ سنين ولم يجبه، وكان الدائن بطيبهِ يصبر، وكان له صديقٌ، فقال له: «إني متعجِبٌ منك كيف لم تحنق منه لأن لك زماناً وأنت تطالبه وهو لا يجيبك». فقال له: «إنك تعجب لأني أطلتُ روحي عليه عشر سنين، وهو ذا اللهُ أكثرَ من خمسين سنةً، يطلبُ إليَّ أن أحفظَ وصاياه، وحتى الآن لم أجبه، ولم أصنع هواه، وهو بطيبهِ يصبرُ عليَّ، فإن كنتُ وأنا الإنسانُ لم أُجِب اللهَ وهو لا يغضبُ عليَّ، فليس بعجيبٍ إن كان إنسانٌ مثلي لا يجيبُني، وأطيلُ روحي عليه».
نَهَبَ إنسانٌ شريرٌ مالَ أحدِ الحكماءِ، فلم يغضب عليه، فقيل له: «لماذا لم تغضب على الذي نهب مالَك»؟ فقال: «إني شبَّهتُهُ بالموتِ، لأنَّ الموتَ ينتزعُ كلَّ إنسانٍ من مالِهِ ولا يغضبُ عليه أحدٌ».
قال أنبا يوحنا: «تركْنا الخدمةَ الخفيفةَ التي هي أن نلومَ أنفسَنا، ولازمنا الخدمةَ الثقيلةَ التي هي أن نمجِّدَ أنفسَنا».
سُئل شيخٌ: «ما رأيُكَ في أُناسٍ يقولون إنهم يُبصرون ملائكةً»؟ فأجاب الشيخُ: «طوبى لمن أَبصرَ خطاياه كلَّ حينٍ».
سأل أخٌ شيخاً: »ما هي الغربةُ؟« فقال له الشيخُ: »إني أعرف أخاً، هذا خرج ليتغرَّب، فدخل كنيسةً، واتفق أن كانت هناك أغابي، حيث كان كثيرون مجتمعين، فلما تهيَّأت المائدةُ جلس يأكلُ مع الإخوةِ، فنظر إليه إنسانٌ وقال: من أدخلَ هذا الغريب معنا؟ ثم قال له: اخرج خارجاً. فقام وخرج كما أُمر بدون تزمرٍ. فلما أبصرَ آخرون حزنوا وخرجوا فأدخلوه، فدخل، فقال له أخٌ: ماذا كان في قلبك حين أخرجوك وحين أدخلوك؟ فقال: حسبتُ إني كلبٌ، إذا طُرد خرج، وإذا دُعي دخل«.
قال أخٌ لأنبا تيموثاوس: »إني أرى نفسي بين يدي اللهِ دائماً« فقال له: »ليس هذا بعجيبٍ، ولكن الأعجب أن يبصرَ الإنسانُ نفسَه تحت كلِّ الخليقةِ«.
قال شيخٌ: »في كلِّ التجاربِ التي تأتي عليك، لا تلُم إنساناً، ولكن لُم نفسَك قائلا: إنه من أجلِ خطاياي لحقني هذا«.
قال أنبا يوحنا التبايسي: »ينبغي للراهبِ قبل كلِّ شيءٍ أن يقتني الاتضاعَ، لأن هذه هي وصية مخلصنا الأولى، إذ قال: طوبى للمساكينِ بالروحِ فإن لهم ملكوتَ السماواتِ، لأن آباءنا إذ كانوا يفرحون بشتائم كثيرةٍ، دخلوا ملكوتَ السماواتِ«.
قال يوحنا ذهبي الفم: »إن السكوتَ هو نموٌ عظيمٌ للإنسانِ، ونياحٌ لنفسهِ. السكوتُ يعطي القلبَ عزلةً دائمةً، السكوتُ يجلِبُ الدِعةَ مع كلِّ إنسانٍ، السكوتُ يُبعدُ الغضبَ، السكوتُ قرينُ النسكِ، السكوتُ يولِّد المعرفةَ، السكوتُ يحرس المحبةَ، السكوتُ لا يُوجعُ قلبَ إنسانٍ، ولا يشكك أحداً، السكوتُ يعمل عملَه بلا تقمقمٍ، السكوتُ يحفظ شفتيه ولسانَه، فلا يبقى في قلبهِ شيءٌ من الشرِّ، السكوتُ هو كمالُ الفلسفةِ، فمن يعيشُ بالسكوتِ، فإنه يستطيع أن يتمسكَ بجميعِ الحسناتِ الأخرى، الملازم للسكوتِ بمعرفةٍ قد خُتِمَ بخاتمِ المسيحِ، والحافظُ إياه بلا شكٍ يرثُ ملكوتَ السماواتِ«.
سأل أخٌ شيخاً عن الجسدِ، فقال له الشيخُ: »جميع الوحوشِ والحيوانات إذا أنت أكرمتها، فإنها لا تسيءُ إليك، إلا الجسد وحده، فإنك إن أحسنتَ إليه أساء إليكَ عوض الإحسانِ«. كما قال هذا الشيخُ أيضاً: »إني سألتُ شيخاً آخرَ، وكان ذلك الشيخُ في رباطات ضيقةٍ، فقلت له: يا أبي، لعلك إذا جئتَ إلى وسطِ الإخوةِ استرحتَ من هذا التعبِ، فقال: نعم، يا ابني، لكني أخاف من هذا الفرسِ الذي أنا راكبه، أعني جسدي، لأنه إذا أصبحَ في الراحةِ، وعدم الضيقِ، رماني إلى أعدائي، وجعلني شماتةً«.
قيل عن راهبٍ: إن ألمَ الزنى أتى عليه بشدةٍ، فلما أزعجه جداً، قام وخرج من قلايتهِ ومضى إلى جحرِ ضبعةٍ ونزل إليه وهو يقول: »خيرٌ لي أن أموتَ بهذه الضبعةِ، من أن أموتَ بالخطيةِ«. فأقام هناك ستةَ أيامٍ وهو صائمٌ لا يذوقُ شيئاً، وفي اليومِ السابعِ أتته الضبعةُ بمأكولٍ، فاستمرَ مقيماً في ذلكِ الموضعِ أربعينَ يوماً، وفي كلِّ أسبوعٍ كانت الضبعةُ تأتيه بما يأكله، وبعد ذلك أتاه صوتٌ يقول له: »تقوَّ«، ومن ساعتهِ هرب عنه روحُ الزنى، فشكرَ اللهَ ورجع إلى قلايتهِ.
سأل أخٌ شيخاً عن وجعِ الزنى، فقال له الشيخُ: »إني لم أُقاتَل به قط«، فعمل الأخُ مطانيةً قائلاً: »لماذا لم تقاتَل أنت به يا أبي؟« فأجابه الشيخُ: »إني منذ ترهبتُ لم أشبع خبزاً ولا ماءً ولا نوماً، فالتعبُ والهمُّ لا يدعان هذا القتالِ يؤذيني«، ثم قال له: »احذر يا ابني من كلامِ الباطلِ، ولا تفرح بكلامِ الهزءِ، ولا تدع فمَك يتكلمُ بكلِّ كلامٍ يأتي عليه، لئلا تقع في صغرِ النفسِ، لا تفرح بالضحكِ لئلا يتسلط عليك النسيانُ، وإذا كنتَ في أوجاعٍ فلا تكن بغيرِ هَمٍّ، بل أسرع لتتخلصَ منها، ولا تُدمن المشيَ في المدنِ، لئلا تقع في أوجاعٍ مختلفةٍ، أبغض الاجتماعَ بكثيرين، لئلا تكون في تعبٍ دائمٍ، اهرب من كثرةِ الكلامِ لئلا تنسى ذاتَك، وتغفلَ عن أوجاعِك، اهرب من كثرةِ المأكولات لئلا تزني بدون امرأةٍ تحضرك، لا تأكل كثيراً لئلا يظلم عقلُك، لا تغذي جسدَك للشبعِ لئلا تُهلك نفسَك وحدك، ليكن لك هدوءٌ بمعرفةٍ، وقليلُ عملٍ، وقليلُ صلاةٍ، وقليلُ قراءةٍ مع الصومِ إلى المساءِ كلَّ يومٍ، وخِدَم النهارِ والليلِ بخوفِ اللهِ. أظلم نفسَك في أخذك وعطائك، لتستريح في جلوسك. أبغض شهوةَ الأطعمةِ، فيخف ألم الزنى عنك، لا تقتنِ ثوباً حسناً لئلا تكره نفسُك المحقرة، أحب الغربةَ بمعرفةٍ ولا تَعُدَّ نفسك في شيء ما، اذكر ابن الله، إنه من أجلك عُلَِق على خشبةٍ، من أجلِك شُتم، ومن أجلك سُقيَ خلاً، ومن أجلِك سُمِّر بالمسامير وقَبل اللعنةَ من أجلِك، فعليك باحتمالِ كلِّ شيءٍ يلمُّ بك بطيبةِ نفسٍ، واحذر أن تَعُدَّ نفسك، حتى ولا أحد يَعُدَّك، واحرص بكلِّ قوَّتِك أن تُخرج من جسدِك أوجاعَ الهوانِ البهيمية، هذه التي تفصل الإنسانَ من الروحِ القدس، اهرب من خلاف الطبيعةِ الذي لسدوم كما يهرب الطائر من الفخِ، لأن من أجلهِ ينزلُ غضبُ اللهِ على بني العصيانِ، ولا سيما إذا أنت سقطتَّ فَتُب وابكِ بحرقةِ قلبٍ واسأل الله ألا تخطئ أيضاً، لأنك إن حفظتَ نفسَك قدامه، يغفر لك ويطهرك مثل طهارةِ القديسين، لأنه مكتوبٌ: إنه يتكلم بالسلامةِ على شعبه، وعلى قديسيه وعلى الذين يرجعون إليه بكل قلوبهم، فما أعظم هذه المراحم، كيف أنه يتكلم بمساواةٍ حتى أنه يجعل من يرجع إليه بكل قلبه، مساوياً للقديسين».
«ليكن مشيُكَ بثباتٍ، وكلامُك بثباتٍ، وأكلُك بثباتٍ. وإذا كنتَ جالساً في قلايتكِ فاحفظ نفسَك من الغفلةِ والنسيانِ. ولا يكن لك همٌّ خارجاً. ولا تترك عقلكَ يطيشُ في العالمِ. ولا تُلزم نفسَك بعملٍ زائدٍ. بل قسِّم النهارَ: قليلَ عملِ يدٍ، قليلَ صلاةٍ، قليلَ درسٍ، وعقلُك يهذُّ، إياك ومحبة الطوافِ من موضعٍ إلى موضعٍ، لأن الشجرةَ المتنقلة دائماً، تكونُ بغيرِ ثمرةٍ وربما تموت، لتكن رحوماً على المحتاجين من تعبك، لكي ما يرحمك الله ويعينك، ومهما عملتَ فاعمله بإفرازٍ ومشورةِ العارفين، وأحبَّ فعلَ الخيرِ بقدرِ قوتِك. لا تتوانَ لئلا تقع وتُؤخذ في سقطتِك، لا ترقد في موضعٍ تلومك فيه نيتُّك، من دونِ شدةٍ شديدةٍ وضرورةٍ لازمةٍ. إذا حضرتَ لتأكلَ مع شيوخٍ، فكن مثلَ إنسانٍ يستحي أن يأكلَ، ليكن كلُّ الإخوةِ عندك جياداً، وعلِّم لسانَك أن يُكرِّم كلَّ الناسِ، وجاهد ما استطعتَ في أن تكونَ بانفرادٍ دائمٍ كي تركز همَّك جهةِ خطاياك، لتصيرَ بلا همٍّ من العالمِ، فتُؤهل للعزاءِ من قِبل اللهِ، لأنك إنما هربتَ من العالمِ وتركتَ أباك وإخوتك ومالَك، لمثابرةِ اللهِ، فماذا لك بعد مع همومِ الناسِ؟ فجاهد كي تتفرغ للهِ بكلِّ قوَّتِك، ولا تدع شيئاً من همومِ هذا المسكنِ الزائل، أن يفصِلَك من اللهِ«.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق