أقوال بعضِ القديسين في الدينونة 3 |
قال الأب غريغوريوس الثاؤلوغوس: «إن هذه الأشياءَ الثلاثة الآتية، يطلبها اللهُ من كلِّ إنسانٍ من بني المعمودية وهي: إيمانٌ مستقيم من كلِّ النفْسِ، وصدقُ اللسانِ، وطهرُ الجسدِ وعفته».
وقال أيضاً: «إن العمرَ كيومٍ واحدٍ بالنسبةِ لأولئك الذين يعملون بشوقٍ».
كان للأب جلاسيوس مصحفٌ (أي كتاب مقدس) يساوي ثمانية عشر ديناراً، إذ كان محتوياً على العتيقةِ والحديثةِ. وكان موضوعاً في الكنيسةِ، فكلُّ من جاء من الإخوةِ قرأ فيه، فجاء أخٌ غريبٌ إلى الشيخِ، ولما دخل ذلك الأخُ إلى الكنيسةِ، أبصرَ الكتابَ فاشتهاه وسرقه ومضى. فلم يتبعه الشيخُ الذي كان قد علم بما فعله الأخُ. فمضى به الأخُ إلى المدينةِ، وأعطاه لإنسانٍ وطلب منه ستة عشر ديناراً، فقال المشتري: «إني لا أدفع الثمنَ دون أن أفحصَ الكتابَ». فتركه عنده. وإذا بالرجلِ يأتي به إلى أنبا جلاسيوس ويعرِّفه بما وافق البائع عليه، فقال الشيخ: «اشترِه، فإنه جيدٌ ويساوي أكثرَ من هذا الثمن». فمضى ذلك الرجل وقال للأخ: «إني أريته للأب جلاسيوس، فقال لي إن هذا الثمنَ كثيرٌ». فسأله الأخُ: «ألم يقل لك الشيخُ شيئاً آخرَ»؟ فقال: «لا». حينئذ قال الأخُ: «إني لا أريد أن أبيعَه». ثم أن الأخَ أخذ الكتابَ وجاء به إلى الأب جلاسيوس وهو نادمٌ، فلم يشأ الشيخُ أن يأخذَه، فطلب إليه الأخ قائلاً: «إن لم تأخذه فلن يكونَ لي راحةٌ». فقبله. وبعد ذلك مكث الأخُ عند الشيخِ إلى حينِ وفاتهِ.
ومرةً أُحضِر إلى الديرِ سمكٌ، فشواه الطباخُ وتركه في الخزانةِ وخرج. فقبل أن يمضي أقام عليه صبياً ليحرسَه إلى حين عودته. إلا أن الصبي بدأ يأكل من السمكِ بشَرَهٍ. فلما جاء الخازنُ ووجده يأكل غضب ورفسه، فصادفت الرفسةُ يافوخه (أي رأسَه) وهو جالسٌ، فوقع الولدُ على الأرضِ ميتاً. أما الخازن فقد اعتراه الخوفُ، وأخذ الصبي ووضعه على سريرهِ وغطاه، وجاء إلى الأب جلاسيوس وخرَّ عند رجليهِ وأعلمه بما حدث. فقال له الشيخُ: «لا تُعلم إنساناً بهذا الأمرِ، لكن اذهب وأحضره سراً إلى الدياقونيكون (أي مكان الخدمةِ) وضعه قدام المذبح وانصرف». فجاء الشيخ إلى الدياقونيكون وقام في الصلاةِ. ولما اجتمع الإخوةُ في الكنيسةِ لتأدية صلاة الليل، خرج الشيخُ والصبيُ خلفه.
وقيل عن الأب جلاسيوس أيضاً إنه قلق من أفكارٍ تعرض عليه الخروج إلى البريةِ. فقال لتلميذهِ: «احرص على عدم مخاطبتي هذا الأسبوع». ونهض وأخذ عصاه بيدِهِ وبدأ يمشي خارج القلاية، وجلس قليلاً، ثم قام ومشى، فلما صار العشاء قال لفكرِهِ: «إن الذين يطوفون البريةَ، خبزاً لا يأكلون، وتحتَ سقفٍ لا ينامون، كما أن أولئك أيضاً يقتاتون بالحشيش. أما أنت فلكونك ضعيفاً، كُلْ بقولاً». فأكل ورقد تحت السماءِ، واستمر على ذلك ثلاثةَ أيامٍ وهو يمشي طول النهار، ويأكل في العشيةِ بقولاً يسيراً وينام في العراءِ. فلما تعب حينئذ بدأ يعاتب نفسَه قائلاً: «بما أنك لا تقدر أن تقومَ بأعمالِ أصحابِ البريةِ، فأَولى بك أن تجلسَ في قلايتِك وتبكي على خطاياك، ولا يطيش عقلُك قائلاً: ادخل إلى البرية. لأن عيني الربِّ في كل مكانٍ ناظرةٌ إلى أعمالِ جميعِ الناس، وهو يعرفُ جميعَ فاعلي الخير».
قال الأب جيرونديوس: «إن كثيرين يقاتَلون بشهوةِ الجسد وهم زناةٌ من غير أن يقتربوا إلى جسدٍ غريب، لأنهم لم يعرفوا كيف يقمعون أفكارَهم، فحفظوا البتوليةَ لأجسادِهم فقط، وزنوا بأنفسِهم. فجيدٌ هو أن يحرصَ كلُّ واحدٍ منا على أن يحفظَ قلبَه».
قيل عن الأب دانيال إنه لما أتى البربر إلى الإسقيط وهرب الرهبانُ كلُّهم قال: «إن لم يشأ لي الله أن أعيشَ، فما لي وللحياة». وإنه جازَ بينهم فلم يبصروه البتة. فقال في نفسِه: «هو ذا قد اهتم الله بي ولم أمت، فلأصنع الآن مثل إخوتي». فقام وهرب.
وحدث مرةً أن سأله أخٌ قائلاً: «ارسم لي وصيةً واحدةً أحفظُها». فقال له: «لا تجعل يدك مع امرأةٍ في صحفةٍ واحدةٍ، ولا تأكل معها لأن هذا فخُ شيطانِ الزنى».
أخبر أنبا دانيال، أنه حدث أن كان لرجلٍ غني في بابيلون مصرَ ابنةٌ مجنونة (بروحٍ نجس)، ولم يحصل لها على شفاءٍ. وكان له صديقٌ راهب، هذا قال له: «إنه لا يستطيع أحدٌ أن يشفي ابنتك إلا الشيوخ الرهبان، ولكنك إن طلبتَ إليهم فلن يجيبوك إلى طلبك لتواضعهم. فأُشير عليك بأن تصنع حسب ما أقوله لك، فإذا هم جاءوا إلى السوقِ ليبيعوا عملَهم، تظاهر بأنك تريد الشراءَ منهم، وخذهم معك إلى منزلِك لتعطيهم الثمنَ، وحينئذ اسألهم أن يصنعوا صلاةً، وأنا واثقٌ أن ابنتَك تبرأ». فلما خرج الرجلُ إلى موضع البيعِ وجد راهباً واحداً من التلاميذ جالساً، فأخذه إلى بيتِهِ مع زنابيلِهِ بحجة أنه يعطيه ثمنها، فلما وافى الراهب إلى المنزلِ، خرجت البنتُ المجنونةُ ولطمت خدَّ الراهبِ، فَحَوَّلَ لها الآخرَ باتضاعٍ حسب الوصيةِ، فتعذب الشيطانُ من إتمام الوصيةِ، وخرج منها متألماً صارخاً قائلاً: «الويل لنا من وصايا يسوع لأنها تزعجنا». فلما علم الشيوخُ بما كان، سبَّحوا الله قائلين: «لا شيء يُذِلُّ عظمةَ الشيطان مثل إكمال وصية السيد المسيح ربنا باتضاعٍ».
قيل عن الأب ديسقورس التناسي إن خبزَه كان من شعيرٍ وعدس، وفي كلِّ سنةٍ كان يرسم لنفسِه خطةً يبدأ بها جهادَه قائلاً مثلاً: «في هذه السنةِ سوف لا ألتقي بإنسانٍ، ولن أكلِّم أحداً، وفي هذه السنةِ لن آكل طبيخاً، ولن أتذوَّق ثمرةً». وهكذا كان يصنعُ في كلِّ خطةٍ، فإذا تمم إحداها، بدأ بالأخرى، وهكذا كان الحالُ طول السنة. وقد كان يقول: «إنْ كنا نلبس الثوبَ السماوي، فلن نوجد عراةً، وإن وُجدنا لابسين غير ذلك الثوب، فماذا نصنع؟ نخاف أن نسمعَ ذلك الصوت القائل: أخرجوه إلى الظلمةِ القصوى، هناك يكون البكاء وصرير الأسنان. فالآن يا إخوتي، قبيحٌ بنا بعد أن لَبسنا الإسكيم هذه السنين كلَّها، أن نوجد عراةً في اليوم الأخير، وليس علينا ثيابُ العُرسِ، فالويل لنا من تلك الندامةِ، إذا ما نظرنا إلى سائرِ الأبرارِ والصديقين، وهم يصعدون إلى السماءِ، ونحن نُساقُ إلى العذاب».
قال الأب إبيفانيوس: «إن التأمُّلَ في الكتبِ حِرزٌ عظيمٌ يحفظُ الإنسانَ من الخطيةِ، ويستميله إلى عملِ البرِ».
وقال أيضاً: «إن الجهلَ بما في الكتبِ جُرفٌ عظيمُ السقوطِ، وهوَّتُه عميقةٌ».
وقال أيضاً: «إن الذي لا يعرف النواميسَ الإلهية، فقد ضيَّع رجاءَ خلاصِهِ».
كذلك قال: «إن خطايا الأبرارِ على شفاههِم، أما خطايا المنافقين فهي في جميعِ أجسادِهم، من أجلِ ذلك يقول النبي: ضع يا ربُّ حافظاً على فمي وباباً حصيناً لشفتيّ. وأيضاً: قلتُ أحفظُ طريقي كيلا أُخطئ بلساني».
كما قال: «إن الله يتركُ للخطاةِ رأسَ المالِ إزاء توبتِهم، مثل الزانية والابن الشاطر، فأما الصديقون فإنه يطلب منهم رأسَ المالِ مع ربحِه، إذ قال له المجد لتلاميذِه: إن لم يزد برُّكم على الكتبةِ والفريسيين، فلن تدخلوا ملكوتَ السماوات».
وأيضاً قال: «إن الربَ إلهَنا يبيع ملكوتَه للناسِ بشيءٍ يسير، بكسرةِ خبز، بثوبٍ بالٍ، بكأسِ ماءٍ بارد، بفَلْسٍ واحدٍ، وذلك إذا قُدمت بإفرازٍ».
حدث في ذاتِ يومٍ أن التقى القديس أفرام السوري بامرأةٍ فاسدةٍ، وراودته عن نفسِها كي يشتركَ معها في جماعٍ نجسٍ، وإلا شنَّعت عنه، فقال لها: «إن بعضَ الإخوةِ اعتادوا المجيء إلى هنا، فاتبعيني إلى موضعٍ آخر». فتبعته. ولما اقتربوا من موضعٍ يجتمع فيه أناسٌ كثيرون، قال لها: «إني أرى أن نُكْمِلَ الفعلَ ههنا». فقالت له: «يا راهب، أما تستحي من كثرةِ هؤلاءِ الناس الذين يبصروننا ونحن في الفعلِ القبيح»؟ فقال لها: «وأنت يا امرأةُ، أما تستحين من اللهِ خالقِ الناس الذي ينظرنا في هذا الفعل القبيح»؟ فخزيت وانصرفت خائبة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق