من شهداء الفرما وقديسيها
1- القديس الناسك ايسيذورس الفرمي
ولد القديس العالم الناسك الأنبا ايسيذورس الفرمي بمدينة الإسكندرية حوالي سنة 360م من والدين كانا من أغنياء ووجهاء البلاد المصرية ، ولم يكن لهما من الأبناء سواه فأدباه بكل الآداب وعلماه العلوم الدينية مع مختلف العلوم ، وقد تعلم اللغة اليونانية وأتقنها حتى فاق كثيرين من أهل زمانه ، و مع ما بلغه من علم و معرفة كان ذو روح وديع هادئ ناسكاً و متواضعاً وقد عد واحداً من أعظم علماء عصره وواحدا من علماء الكنيسة العظام و لما كان قد عزم الشعب على اختياره أسقفاً هرب إلى تل الفرما (بيلوز) و ترهب في دير تل الهر كما أسلفنا و هذا الدير هو أحد الأديرة الكثيرة التي كانت في هذه المنطقة قد كان عدد رهبانها يربو على 500 راهب.
و في الدير عاش راهباً متنسكاً محبا للصمت ميالاً للتأمل والصلاة مع الدراسة العميقة للكتاب المقدس ، و كان أيضا عنيفا مع جسده يتدرب على أصوام كثيرة ووسط صمته كان قلبه يلتهب غيرة على خلاص الكل و رسم كاهناً و أحبه أخوته الرهبان وولوه رئاسة الدير.
ولم يكد يتولى منصبه الكهنوتي حتى بدأ يكتب رسائل ملتهباً حباً و رغبة في خلاص الآخرين و يبعث بها إلى القيادات و العظماء و كل من له منصبا من آباء الكنيسة ولقد كانت رسائل الحب الملتهبة هذه ذات أثر فعال في حياة الكثيرين و كما يقول بعض الدارسين إنها لم تكن تقل عن أعمال القديس يوحنا فم الذهب خاصة و أنه كان قد قرأ كتاباته و تأثر بها و خاصة كتابه عن الكهنوت حتى حسب تلميذا له و، وقد دافع عنه بحرارة أمام البابا ثاؤفيلس البطريرك الثالث و العشرين و كان قريبا له و بعد نياحته بذل كل الجهد مع خليفته البابا كيرلس البطريرك الرابع و العشرين - وقد كان قريباً له أيضاً - موضحاً له سمو القديس يوحنا فم الذهب مما حمله على أن يضع اسمه بين أسماء القديسين في صلوات المجمع بالقداس الإلهي.
و في غيرة القديس الأنبا ايسيذورس المقترنة بالشجاعة كتب إلى رئيسه الأنبا أوسابيوس أسقف الفرما والى حاكم المنطقة يؤنبه على المظالم التي يرتكبها وعلى عدم مراعاته حقوق الكنيسة.
وقد اهتم في كتاباته بالجانب التفسيري و كر س اكثر من ستون رسالة في تف\سير رسائل القديس بولس الرسول كما اهتم أيضاً بالجانب الروحي العميق و عن النسك قال : " لا تصير ناسكاً كاملاً لمجرد أن لك طعام القديس يوحنا المعمدان وشرابه وثوبه و إنما يلزم لك أن تكون لك روحه لتصل إلى الكمال".
كما تحدث عن الحياة البتولية بكونها أفضل من الحياة الزوجية ولكن في وضوح أعلن إنها إن خلت عن الإتضاع صارت بغير قيمة.
أورد ( منى) في مجموعته عن كتابات الآباء أن لهذا الأب العالم ألفين وعشر رسالة مقسمة إلى أربع مجموعات كل مجموعة تحتوي على 500 رسالة و يذكر القديس ساويرس الإنطاكي أن لهذا الأب 3000 رسالة و ذكر آخرين أن عدد رسائلة قد بلغت ثمانية عشر ألف رسالة.
جاء عنه في مقدمه تاريخه في كتاب قاموس تاريخ الآباء أن حياته تمثل القلب الناري الملتهب حبا يشتاق إلى الوحدة و النسك مع انطلاقة قوية وغيرة للعمل بقوة و جراءة خاصة مع الخدام و أصحاب المراكز المدنية والدينية ليحدثهم في محبة صادقة مع صراحة ووضوح بلا مداهنة من أجل الحق وبروح الإتضاع بلا عجرفة ".
وجاء عنه في كتاب الرهبنة و الديرية : " انه من نفس الدير الذي ترهب به وصار رئيساً له دير تل الهر أرسل له آلاف من رسائله المشهورة إلى ملوك و أباطرة و أساقفة وولاة و أغنياء وعظماء عصره تارة يذكرهم بمبادئ الآداب القويمة و تارة مؤنباً إياهم و مقوماً اعوجاجهم ، و حيناً مرشداً و معزياً ولذلك كانوا يطلقون عليه ( معلم المسكونة ) و مع انه كان راهباً بسيطاً في دير بسيط بعيداً عن مراكز السلطة الدينية و الزمنية و لكن كان صوته مسموعاً لا عند أكابر مصر فحسب بل في أنحاء العالم الأخرى من المسكونة".
وعن الدير جاء : " انه عندما انتشر خبر نياحة الأنبا أنطونيوس الكبير في عام 356م و بلغ النبأ إلى تلميذه القديس هيلاريون مؤسس الرهبنة في الشام قام من ديره بجانب مدينة غزة بصحبة أربعين راهبا و ساروا إلى جبل القلزم ليقوموا بواجب عزاء نحو ذلك الراحل العظيم معلمهم و كوكب البرية و استراحوا في دير الفرما ثم استأنفوا المسير". و يضيف " وليس هناك من المصادر ما يدلنا على مصير الدير المذكور بعد نياحة القديس ايسيذورس و كم من الزمان ظل قائماً إلا انه مما لا يدعو مجالاً للشك في زوال هذا الدير بعد عام 1118م حيث استولى ( بلودين الأول ) ملك الفرنجة على الفرما و أحرقها جنوده كما جاء في كتاب ( أبي المكارم - ورقة 58) و لم تقم للمدينة قائمة بعد ذلك وقد كانت بمدينة الفرما أديرة عديدة وكنائس و قد كان مصيرها الخراب على يد الفرس و العرب وقد جاء في كتاب ( مذكرات في الرهبنة المسيحية - تأليف الأنبا يؤانس) بأن عدد الرهبان في الفرما كان نحو ألفين راهب.
2- الشهيد أبيماخوس
ومن شهداء الفرما الشهيد أبيماخوس وقد ولد هذا القديس بمدينة الفرما و كان يعمل حائكاً وقد اتسم برقة الطبع و الهدوء محباً لحياة التأمل و كثيراً ما كان ينطلق إلى البرية في الفرما مشتاقاً إلى الحياة الرهبانية و لكنه نال إكليل الاستشهاد عوضاً عن هذه الرتبة.
وقد تم له ذلك عندما علم بقدوم والي جديد بمدينة الإسكندرية و سمع عنه و كيف يتفنن في اضطهاد و تعذيب المسيحيين و قد امتلأت بهم سجون الإسكندرية فقرر أن يذهب إلى هناك لكي يلتقي بالوالي و يوبخه على أعماله وتصرفاته الوحشية و يشجع أيضاً المؤمنين وعندما وصل إلى الإسكندرية انطلق فوراً إلى ساحة المحكمة و صار يتحدث مدافعاً عن الإيمان و المؤمنين فلفت أنظار الكل إليه و سرعان ما تحول الوالي إلى الثورة ضده لما رآه فيه من شجاعة و قوة إقناع دفعت الكثيرين إلى إعلان إيمانهم وترحيبهم بالاستشهاد.
وأمر الوالي بضربه وإسكاته و أن يلقى في السجن بتهمة إهانة الوالي أثناء عمله وفي السجن التقى القديس أبيماخوس بالمسيحيين المسجونين فصار يشجعهم ويقويهم مذكراً إياهم بالسعادة الأبدية و بأن آلام هذا الزمان الحاضر لا تقاس بالمجد العتيد أن يستعلن فينا ..
وعندما علم الوالي بدور هذا القديس بين المسجونين و ضع في قلبه بأن يذيقه أمر أنواع العذابات فاستدعاه و دخل معه في حوار و قد طلب منه القديس أن يترك عبادة الأوثان و يقبل عمل المسيح الخلاصي أما الوالي فكان يهزأ بالصليب حاسباً أن الإيمان به غباوة و أمر بتعليق القديس و جلده حتى تهرأ لحمه و تناثر و ظهرت عظامه و أثناء ذلك كان يقول لنفسه " طوباك يا نفسي إذ علقت كفاديك و يردد بصوت عال تشجع يا أبيماخوس في هذه العذابات بجانب آلام المسيح".
بعد ذلك أمر الوالي بضربه بالهيمبازين و أثناء ذلك خرج من جسده دم سقطت منه نقطة على عيني فتاة عمياء فأبصرت في الحال و لما رأى ذلك أقاربها و جمع كثير من الحاضرين آمنوا بالسيد المسيح و تقدموا للاستشهاد مما أثار غضب الوالي و خوفه و أمر بقطع رأسه. وعندما قدموه للسياف كان فرحاً متهللاً ومتلهفاً على سرعة اللقاء بفاديه ومخلصه الرب يسوع أما السياف فكان يرتجف و لم يجسر أن يضرب رأسه فطلب من زميله أن يقوم بهذه المهمة وتكرر الأمر مع غيره حتى السياف الرابع عشر الذي استطاع أن يضرب رأسه فنال إكليل الشهادة.
و بعد استشهاده حمل أحد الجنود جسده ليطرحه بعيداً و إذ كان أصم انفتحت أذنيه فصار يسمع و كان يوجد قوم من أهل ادكو حملوا جسده إلى بلدهم و قد أقيمت على اسمه كنيسة في البرمون وقد نقل جسده إليها وتعيد الكنيسة بعيد استشهاده يوم 14 من شهر بشنس.
3- الشهيد ايسيذورس وصديقه الشهيد سنا
و من شهداء مدينة الفرما أيضاً الشهيد ايسيذورس ولد بالفرما وعمل بصناعة الصوف ونسجه وكان له صديقاً يدعى سنا الجندي من الجنود المرافقين لوالي الفرما وكانا معاً يتعبدان و يتصدقان بما يفضل عنهما مما يكسبانه من مال على الفقراء و المعوزين ، وذات ليلة أبصر كل منهما رؤية كأن فتاة عذراء بيدها إكليل تضعه على رأسيهما فلما استيقظا أعلم كل منهما الآخر بما رآه ففرح الاثنين بذلك لاعتقادهما بأن الرب قد دعوهما لنوال إكليل الشهادة فأتيا إلى الوالي و حمل سنا منطقة الجندية وطرحها أمامه و اعترف كليهما بالسيد المسيح و أمر الوالي باعتقالهما ووضعهما في السجن و أرسل الرب ملاكه وعزاهما ثم أرسل الوالي سنا إلى الإسكندرية و بقي ايسيذورس سجيناً وحده وبعد قليل عاد سنا إلى الفرما ففرح ايسيذورس بلقائه وذكر كل منهما لرفيقه ما جرى له ، ثم أمعن الوالي في تعذيبهما و أمر بإلقاء ايسيذورس في حفرة موقده فصلي القديس طالباً من السيد المسيح أن يقبل روحه و سلم نفسه للجند فألقوه في الحفرة فلم يلحق جسده أذى وكانت أم القديس سنا تبكي لحرمان ولدها من رفيقه و بعد قليل أسلم القديس ايسيذورس روحه و في تلك اللحظة رأت أم القديس سنا جماعة من الملائكة تصعد بروحه إلى الفردوس و كان ذلك في 18 برمهات حوالي سنة 305 ميلادية.
و قد اهتمت أم سنا بجسد الشهيد ايسيذورس و بعد أيام قليلة تمتع ابنها أيضاً بإكليل الاستشهاد
4- الشهيدان ابرؤه واتوم
هما ولدى الكاهن التقى القس يوحنا من بلدة (تاسمبوتى) حاليا (سنباط مركز زفتى) بعد نياحة والديهما سافرا إلى الفرما لأعمال تجاريه وفى الفرما وجد الشابين جنود (بومبيوس) والى الفرما يحملون جسد الشهيد (أتوا) وكان كاهنا ليلقوه في البحر فتقدما إليهم يسألونهم أن يعطوهم الجسد مقابل قطعتين من الذهب فوافقوا بعد تردد وكفن القديسان جسد الشهيد وحملاه سرا إلى قريتهما سنباط حيث دفناه في بيتهما وكان الله يتمجد في جسد هذا الشهيد بالآيات و العجائب و تحول المكان إلى مركز روحي يأتي إليه الشعب ليتبارك برفات الشهيد ، و ليجدوا أيضاً في الشابين صورة حية للسيد المسيح إذ كانا تقيين محبين للبذل و العطاء بلا حدود.
و بعد ثمانية اشهر اتفق الأخان أن يوزعا كل ما لهما و يذهبا إلى الإسكندرية ليعترفا جهراً بالسيد المسيح، و في الإسكندرية أمر الوالي بسجنهما ثم استدعاهما و أخذ يلاطفهما واعدا إياهما بالعمل في العمل بالبلاط الملكي، و إذ لم يستجيبا لوعوده أمر بجلدهما و تعذيبهما بالدولاب الحديدي حتى يمزق جسديهما إلى غير ذلك من العذابات الشديدة و في أثناء تعذيبهما كان الرب معهما و حدثت معهما آيات وعجائب كثيرة جعلت الكثيرين من الوثنيين يعلنون الإيمان بالسيد المسيح ويتقدمون إلى الشهادة فخاف الوالي و خاصة من ثورة الشعب فأمر بسجنهما.
وفي هذا الوقت زار ( بومبيوس ) والي الفرما الإسكندرية فتحدث واليها إليه في شأن هذين الشابين متهماً إياهما بعمل المعجزات بقوة السحر ، فطلب والي الفرما إرسالهما إلى ولايته و أمر بأن يسجنا حتى يعود.
و في الفرما التقى رجل يدعى ( اتريبوس) بحراس السجن ودفع لهم مالاً حتى يسمحا للشابين بزيارة بيتهما وبالفعل أخذهما إلى حين .. وهناك صليا إلى ابنته العمياء فشفيت واجتمع كثيرون من المرضى فشفوا باسم السيد المسيح وفي السجن ظهر لهما رئيس الملائكة جبرائيل وعزاهما و شجعهما على متابعة جهادهما من أجل الرب.
و إذ حضر الوالي ( بومبيوس ) من الإسكندرية استدعاهما و صار يعذبهما والرب يشفيهما و رأى ذلك ثلاث ضباطك ومعهم أربعون جندياً فأعلن الكل إيمانهم بالسيد المسيح و سلموا أنفسهم للاستشهاد فأغتاظ الوالي و ازداد عنفا و قسوة في تعذيب القديسين طالباً خلع أظافرهما وضرب فميهما بكتل حديدية لتكسير أسنانهما، وبقدر ما كان الوالي يزداد قسوة وعنفاً كان الله يتمجد فيهما ويرسل ملاكه ليبسط جناحيه علانية عليهما و يشفيهما.
و أحس الوالي بالهزيمة أمام الجماهير فطلب بإلقائهما في السجن وفي هذه الأثناء ماتت ( مورفياني ) زوجة الوالي وهي تلد فحزن عليها فاجتمعت المدينة من حوله تعزيه وتواسيه. و في حزنه ومرارة نفسه ندم على ما فعله بالقديسين و طلب منهما بواسطة عظماء المدينة الصلاة من أجل زوجته فصليا إلى الله من أجلها فأقامها الله من الموت.
وعندئذ آمن الوالي ومن معه و أطلقا القديسين أحراراً و سافرا إلى بلديهما ( سنباط ) و بعد مدة سلما ما تبقى من أملاكهما لرجل تقي يدعى صرابامون ليوزعها على المحتاجين ويهتم ببيتهما الموضوع فيه جسد الشهيد ( أبا أتوا). ثم خرج الاثنين بقوة وذهبا إلى (بيلوزيوم ) ضاحية الفرما حيث التقيا بالحاكم (بوبليان) وقد وجداه يحاكم شهيدا يدعى ( أبا هيس ) و أعترف أمامه بالسيد المسيح فاصدر أمره بقطع رقابهما و اقتيد الشهيدان إلى شرق المدينة وفي موضع الاستشهاد سمح لهما بأن يصليا ثم نظرا إلى الجنود قائلين لهم كملوا ما أمرتم به فاستل أحد الجنود سيفه وقطع رأسيهما فنالا إكليل الشهادة و كان ذلك في الثامن من شهر أبيب.
1- القديس الناسك ايسيذورس الفرمي
ولد القديس العالم الناسك الأنبا ايسيذورس الفرمي بمدينة الإسكندرية حوالي سنة 360م من والدين كانا من أغنياء ووجهاء البلاد المصرية ، ولم يكن لهما من الأبناء سواه فأدباه بكل الآداب وعلماه العلوم الدينية مع مختلف العلوم ، وقد تعلم اللغة اليونانية وأتقنها حتى فاق كثيرين من أهل زمانه ، و مع ما بلغه من علم و معرفة كان ذو روح وديع هادئ ناسكاً و متواضعاً وقد عد واحداً من أعظم علماء عصره وواحدا من علماء الكنيسة العظام و لما كان قد عزم الشعب على اختياره أسقفاً هرب إلى تل الفرما (بيلوز) و ترهب في دير تل الهر كما أسلفنا و هذا الدير هو أحد الأديرة الكثيرة التي كانت في هذه المنطقة قد كان عدد رهبانها يربو على 500 راهب.
و في الدير عاش راهباً متنسكاً محبا للصمت ميالاً للتأمل والصلاة مع الدراسة العميقة للكتاب المقدس ، و كان أيضا عنيفا مع جسده يتدرب على أصوام كثيرة ووسط صمته كان قلبه يلتهب غيرة على خلاص الكل و رسم كاهناً و أحبه أخوته الرهبان وولوه رئاسة الدير.
ولم يكد يتولى منصبه الكهنوتي حتى بدأ يكتب رسائل ملتهباً حباً و رغبة في خلاص الآخرين و يبعث بها إلى القيادات و العظماء و كل من له منصبا من آباء الكنيسة ولقد كانت رسائل الحب الملتهبة هذه ذات أثر فعال في حياة الكثيرين و كما يقول بعض الدارسين إنها لم تكن تقل عن أعمال القديس يوحنا فم الذهب خاصة و أنه كان قد قرأ كتاباته و تأثر بها و خاصة كتابه عن الكهنوت حتى حسب تلميذا له و، وقد دافع عنه بحرارة أمام البابا ثاؤفيلس البطريرك الثالث و العشرين و كان قريبا له و بعد نياحته بذل كل الجهد مع خليفته البابا كيرلس البطريرك الرابع و العشرين - وقد كان قريباً له أيضاً - موضحاً له سمو القديس يوحنا فم الذهب مما حمله على أن يضع اسمه بين أسماء القديسين في صلوات المجمع بالقداس الإلهي.
و في غيرة القديس الأنبا ايسيذورس المقترنة بالشجاعة كتب إلى رئيسه الأنبا أوسابيوس أسقف الفرما والى حاكم المنطقة يؤنبه على المظالم التي يرتكبها وعلى عدم مراعاته حقوق الكنيسة.
وقد اهتم في كتاباته بالجانب التفسيري و كر س اكثر من ستون رسالة في تف\سير رسائل القديس بولس الرسول كما اهتم أيضاً بالجانب الروحي العميق و عن النسك قال : " لا تصير ناسكاً كاملاً لمجرد أن لك طعام القديس يوحنا المعمدان وشرابه وثوبه و إنما يلزم لك أن تكون لك روحه لتصل إلى الكمال".
كما تحدث عن الحياة البتولية بكونها أفضل من الحياة الزوجية ولكن في وضوح أعلن إنها إن خلت عن الإتضاع صارت بغير قيمة.
أورد ( منى) في مجموعته عن كتابات الآباء أن لهذا الأب العالم ألفين وعشر رسالة مقسمة إلى أربع مجموعات كل مجموعة تحتوي على 500 رسالة و يذكر القديس ساويرس الإنطاكي أن لهذا الأب 3000 رسالة و ذكر آخرين أن عدد رسائلة قد بلغت ثمانية عشر ألف رسالة.
جاء عنه في مقدمه تاريخه في كتاب قاموس تاريخ الآباء أن حياته تمثل القلب الناري الملتهب حبا يشتاق إلى الوحدة و النسك مع انطلاقة قوية وغيرة للعمل بقوة و جراءة خاصة مع الخدام و أصحاب المراكز المدنية والدينية ليحدثهم في محبة صادقة مع صراحة ووضوح بلا مداهنة من أجل الحق وبروح الإتضاع بلا عجرفة ".
وجاء عنه في كتاب الرهبنة و الديرية : " انه من نفس الدير الذي ترهب به وصار رئيساً له دير تل الهر أرسل له آلاف من رسائله المشهورة إلى ملوك و أباطرة و أساقفة وولاة و أغنياء وعظماء عصره تارة يذكرهم بمبادئ الآداب القويمة و تارة مؤنباً إياهم و مقوماً اعوجاجهم ، و حيناً مرشداً و معزياً ولذلك كانوا يطلقون عليه ( معلم المسكونة ) و مع انه كان راهباً بسيطاً في دير بسيط بعيداً عن مراكز السلطة الدينية و الزمنية و لكن كان صوته مسموعاً لا عند أكابر مصر فحسب بل في أنحاء العالم الأخرى من المسكونة".
وعن الدير جاء : " انه عندما انتشر خبر نياحة الأنبا أنطونيوس الكبير في عام 356م و بلغ النبأ إلى تلميذه القديس هيلاريون مؤسس الرهبنة في الشام قام من ديره بجانب مدينة غزة بصحبة أربعين راهبا و ساروا إلى جبل القلزم ليقوموا بواجب عزاء نحو ذلك الراحل العظيم معلمهم و كوكب البرية و استراحوا في دير الفرما ثم استأنفوا المسير". و يضيف " وليس هناك من المصادر ما يدلنا على مصير الدير المذكور بعد نياحة القديس ايسيذورس و كم من الزمان ظل قائماً إلا انه مما لا يدعو مجالاً للشك في زوال هذا الدير بعد عام 1118م حيث استولى ( بلودين الأول ) ملك الفرنجة على الفرما و أحرقها جنوده كما جاء في كتاب ( أبي المكارم - ورقة 58) و لم تقم للمدينة قائمة بعد ذلك وقد كانت بمدينة الفرما أديرة عديدة وكنائس و قد كان مصيرها الخراب على يد الفرس و العرب وقد جاء في كتاب ( مذكرات في الرهبنة المسيحية - تأليف الأنبا يؤانس) بأن عدد الرهبان في الفرما كان نحو ألفين راهب.
2- الشهيد أبيماخوس
ومن شهداء الفرما الشهيد أبيماخوس وقد ولد هذا القديس بمدينة الفرما و كان يعمل حائكاً وقد اتسم برقة الطبع و الهدوء محباً لحياة التأمل و كثيراً ما كان ينطلق إلى البرية في الفرما مشتاقاً إلى الحياة الرهبانية و لكنه نال إكليل الاستشهاد عوضاً عن هذه الرتبة.
وقد تم له ذلك عندما علم بقدوم والي جديد بمدينة الإسكندرية و سمع عنه و كيف يتفنن في اضطهاد و تعذيب المسيحيين و قد امتلأت بهم سجون الإسكندرية فقرر أن يذهب إلى هناك لكي يلتقي بالوالي و يوبخه على أعماله وتصرفاته الوحشية و يشجع أيضاً المؤمنين وعندما وصل إلى الإسكندرية انطلق فوراً إلى ساحة المحكمة و صار يتحدث مدافعاً عن الإيمان و المؤمنين فلفت أنظار الكل إليه و سرعان ما تحول الوالي إلى الثورة ضده لما رآه فيه من شجاعة و قوة إقناع دفعت الكثيرين إلى إعلان إيمانهم وترحيبهم بالاستشهاد.
وأمر الوالي بضربه وإسكاته و أن يلقى في السجن بتهمة إهانة الوالي أثناء عمله وفي السجن التقى القديس أبيماخوس بالمسيحيين المسجونين فصار يشجعهم ويقويهم مذكراً إياهم بالسعادة الأبدية و بأن آلام هذا الزمان الحاضر لا تقاس بالمجد العتيد أن يستعلن فينا ..
وعندما علم الوالي بدور هذا القديس بين المسجونين و ضع في قلبه بأن يذيقه أمر أنواع العذابات فاستدعاه و دخل معه في حوار و قد طلب منه القديس أن يترك عبادة الأوثان و يقبل عمل المسيح الخلاصي أما الوالي فكان يهزأ بالصليب حاسباً أن الإيمان به غباوة و أمر بتعليق القديس و جلده حتى تهرأ لحمه و تناثر و ظهرت عظامه و أثناء ذلك كان يقول لنفسه " طوباك يا نفسي إذ علقت كفاديك و يردد بصوت عال تشجع يا أبيماخوس في هذه العذابات بجانب آلام المسيح".
بعد ذلك أمر الوالي بضربه بالهيمبازين و أثناء ذلك خرج من جسده دم سقطت منه نقطة على عيني فتاة عمياء فأبصرت في الحال و لما رأى ذلك أقاربها و جمع كثير من الحاضرين آمنوا بالسيد المسيح و تقدموا للاستشهاد مما أثار غضب الوالي و خوفه و أمر بقطع رأسه. وعندما قدموه للسياف كان فرحاً متهللاً ومتلهفاً على سرعة اللقاء بفاديه ومخلصه الرب يسوع أما السياف فكان يرتجف و لم يجسر أن يضرب رأسه فطلب من زميله أن يقوم بهذه المهمة وتكرر الأمر مع غيره حتى السياف الرابع عشر الذي استطاع أن يضرب رأسه فنال إكليل الشهادة.
و بعد استشهاده حمل أحد الجنود جسده ليطرحه بعيداً و إذ كان أصم انفتحت أذنيه فصار يسمع و كان يوجد قوم من أهل ادكو حملوا جسده إلى بلدهم و قد أقيمت على اسمه كنيسة في البرمون وقد نقل جسده إليها وتعيد الكنيسة بعيد استشهاده يوم 14 من شهر بشنس.
3- الشهيد ايسيذورس وصديقه الشهيد سنا
و من شهداء مدينة الفرما أيضاً الشهيد ايسيذورس ولد بالفرما وعمل بصناعة الصوف ونسجه وكان له صديقاً يدعى سنا الجندي من الجنود المرافقين لوالي الفرما وكانا معاً يتعبدان و يتصدقان بما يفضل عنهما مما يكسبانه من مال على الفقراء و المعوزين ، وذات ليلة أبصر كل منهما رؤية كأن فتاة عذراء بيدها إكليل تضعه على رأسيهما فلما استيقظا أعلم كل منهما الآخر بما رآه ففرح الاثنين بذلك لاعتقادهما بأن الرب قد دعوهما لنوال إكليل الشهادة فأتيا إلى الوالي و حمل سنا منطقة الجندية وطرحها أمامه و اعترف كليهما بالسيد المسيح و أمر الوالي باعتقالهما ووضعهما في السجن و أرسل الرب ملاكه وعزاهما ثم أرسل الوالي سنا إلى الإسكندرية و بقي ايسيذورس سجيناً وحده وبعد قليل عاد سنا إلى الفرما ففرح ايسيذورس بلقائه وذكر كل منهما لرفيقه ما جرى له ، ثم أمعن الوالي في تعذيبهما و أمر بإلقاء ايسيذورس في حفرة موقده فصلي القديس طالباً من السيد المسيح أن يقبل روحه و سلم نفسه للجند فألقوه في الحفرة فلم يلحق جسده أذى وكانت أم القديس سنا تبكي لحرمان ولدها من رفيقه و بعد قليل أسلم القديس ايسيذورس روحه و في تلك اللحظة رأت أم القديس سنا جماعة من الملائكة تصعد بروحه إلى الفردوس و كان ذلك في 18 برمهات حوالي سنة 305 ميلادية.
و قد اهتمت أم سنا بجسد الشهيد ايسيذورس و بعد أيام قليلة تمتع ابنها أيضاً بإكليل الاستشهاد
4- الشهيدان ابرؤه واتوم
هما ولدى الكاهن التقى القس يوحنا من بلدة (تاسمبوتى) حاليا (سنباط مركز زفتى) بعد نياحة والديهما سافرا إلى الفرما لأعمال تجاريه وفى الفرما وجد الشابين جنود (بومبيوس) والى الفرما يحملون جسد الشهيد (أتوا) وكان كاهنا ليلقوه في البحر فتقدما إليهم يسألونهم أن يعطوهم الجسد مقابل قطعتين من الذهب فوافقوا بعد تردد وكفن القديسان جسد الشهيد وحملاه سرا إلى قريتهما سنباط حيث دفناه في بيتهما وكان الله يتمجد في جسد هذا الشهيد بالآيات و العجائب و تحول المكان إلى مركز روحي يأتي إليه الشعب ليتبارك برفات الشهيد ، و ليجدوا أيضاً في الشابين صورة حية للسيد المسيح إذ كانا تقيين محبين للبذل و العطاء بلا حدود.
و بعد ثمانية اشهر اتفق الأخان أن يوزعا كل ما لهما و يذهبا إلى الإسكندرية ليعترفا جهراً بالسيد المسيح، و في الإسكندرية أمر الوالي بسجنهما ثم استدعاهما و أخذ يلاطفهما واعدا إياهما بالعمل في العمل بالبلاط الملكي، و إذ لم يستجيبا لوعوده أمر بجلدهما و تعذيبهما بالدولاب الحديدي حتى يمزق جسديهما إلى غير ذلك من العذابات الشديدة و في أثناء تعذيبهما كان الرب معهما و حدثت معهما آيات وعجائب كثيرة جعلت الكثيرين من الوثنيين يعلنون الإيمان بالسيد المسيح ويتقدمون إلى الشهادة فخاف الوالي و خاصة من ثورة الشعب فأمر بسجنهما.
وفي هذا الوقت زار ( بومبيوس ) والي الفرما الإسكندرية فتحدث واليها إليه في شأن هذين الشابين متهماً إياهما بعمل المعجزات بقوة السحر ، فطلب والي الفرما إرسالهما إلى ولايته و أمر بأن يسجنا حتى يعود.
و في الفرما التقى رجل يدعى ( اتريبوس) بحراس السجن ودفع لهم مالاً حتى يسمحا للشابين بزيارة بيتهما وبالفعل أخذهما إلى حين .. وهناك صليا إلى ابنته العمياء فشفيت واجتمع كثيرون من المرضى فشفوا باسم السيد المسيح وفي السجن ظهر لهما رئيس الملائكة جبرائيل وعزاهما و شجعهما على متابعة جهادهما من أجل الرب.
و إذ حضر الوالي ( بومبيوس ) من الإسكندرية استدعاهما و صار يعذبهما والرب يشفيهما و رأى ذلك ثلاث ضباطك ومعهم أربعون جندياً فأعلن الكل إيمانهم بالسيد المسيح و سلموا أنفسهم للاستشهاد فأغتاظ الوالي و ازداد عنفا و قسوة في تعذيب القديسين طالباً خلع أظافرهما وضرب فميهما بكتل حديدية لتكسير أسنانهما، وبقدر ما كان الوالي يزداد قسوة وعنفاً كان الله يتمجد فيهما ويرسل ملاكه ليبسط جناحيه علانية عليهما و يشفيهما.
و أحس الوالي بالهزيمة أمام الجماهير فطلب بإلقائهما في السجن وفي هذه الأثناء ماتت ( مورفياني ) زوجة الوالي وهي تلد فحزن عليها فاجتمعت المدينة من حوله تعزيه وتواسيه. و في حزنه ومرارة نفسه ندم على ما فعله بالقديسين و طلب منهما بواسطة عظماء المدينة الصلاة من أجل زوجته فصليا إلى الله من أجلها فأقامها الله من الموت.
وعندئذ آمن الوالي ومن معه و أطلقا القديسين أحراراً و سافرا إلى بلديهما ( سنباط ) و بعد مدة سلما ما تبقى من أملاكهما لرجل تقي يدعى صرابامون ليوزعها على المحتاجين ويهتم ببيتهما الموضوع فيه جسد الشهيد ( أبا أتوا). ثم خرج الاثنين بقوة وذهبا إلى (بيلوزيوم ) ضاحية الفرما حيث التقيا بالحاكم (بوبليان) وقد وجداه يحاكم شهيدا يدعى ( أبا هيس ) و أعترف أمامه بالسيد المسيح فاصدر أمره بقطع رقابهما و اقتيد الشهيدان إلى شرق المدينة وفي موضع الاستشهاد سمح لهما بأن يصليا ثم نظرا إلى الجنود قائلين لهم كملوا ما أمرتم به فاستل أحد الجنود سيفه وقطع رأسيهما فنالا إكليل الشهادة و كان ذلك في الثامن من شهر أبيب.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق