من أقوال الأب الروحاني المعروف بالشيخ «تعليم للمبتدئين» 7 |
من أقوالِ مار إسحق: «برُّ المسيحِ عَتَقَنا من برِّ العدالةِ، وبالإيمان باسمِهِ تخلَّصنا بالنعمةِ مجاناً بالتوبةِ. لا تثبت مع أيِّ فكرٍ كان، حتى ولو كان حقيراً، لئلا تتأسسَ فيك عاداته، واضطرارُ العادةِ يجعلُك عبداً لذاك الألم. المتوحدُ الذي يخدمُ الآلامَ، هو تلميذٌ للآلامِ، واضطرار عادة معلمِهِ، تغصبه ليكونَ كمثلِ معلمهِ بغير إرادتِهِ، حسب الكلمةِ السيدية. كلُّ ملكٍ ولو أنه حقيرٌ، لكنه فاتكٌ في بلدِهِ وقويٌ، وكلُّ ألمٍ ولو أنه حقيرٌ، ولكن في بلدِهِ يُظهر سلطانَه. العاداتُ تشجعُ الآلامَ، والأعمالُ تؤسِّسُ الفضيلةَ. سلاحُ الآلامِ والفضائلِ هو تغيير العوائد والخاصيات، فالعوائدُ تطلبُ ما يُقدم لها، وهي رباطاتُ النفسِ، وبالسهولةِ تقتنيها وبصعوبةٍ تنحلُّ منها.
إن الآلام والفضائلَ التي لم تؤسَّس بالاعتيادِ مدةً من الزمنِ، فهي كالشجاع العاري من سلاحِه. لا تترك عادةً تتأسس فيك، وتزيدُ الأفكارَ بغير قيامٍ، لئلا تتجدد فيك الآلامُ التي قد هدأت قليلاً. الأنواعُ والعوائدُ التي قد عتَّقت في الإنسانِ، تُكَمِّل له موضعَ الطبعِ. كلُّ عادةٍ إذا سلَّمتَ لها باختيارِك، تجد لها في الآخرِ سيداً، تسير قدامه مضطراً بغير اختيارك. الهذيذُ بأمورٍ كثيرةٍ، غذاءٌ للنفسِ، سواءً كان صالحاً أم طالحاً أم خليطاً منهما. الهذيذُ بالواحدِ هو الانحلالُ من الكلِّ، والانحلالُ من الكلِّ هو الارتباطُ بالواحدِ. الطبعُ المخلوقُ الميال، إذا بَطُل من العملِ اليميني، لا يثبت هادئاً، بل يرجع إلى الأمورِ اليسارية. البطّالُ من الاهتمام بالفضيلةِ، والتسير بها، بتخيل الخطيةِ يهذي. ذاك الذي لا يريد أن يعملَ البرَّ، فيضطر أن يفعلَ أفعالَ الإثمِ».
وقال أيضاً: «الإنسانُ الذي يُغصبُ ذاتَه دائماً، ليتدبَّر بمقتضى حكم النيةِ، لن يخطئَ بلا توبةٍ. من كان ضميرُه دائماً يهذي بالصالحاتِ، لا ينظرُ إلى نقائصِ قريبَه. الذي يُعَوِّد لسانَه ليقولَ الصالحات على الأخيارِ والأشرارِ، يملكُ السلامُ في قلبهِ سريعاً. الذي فَرَشَ مراحمَه بلا تمييزٍ على الصالحين والأشرارِ، بالشفقةِ، فقد تشبِّه باللهِ. الذي يُبغضُ صورةَ اللهِ، لا يمكن أن يكونَ محبوباً من اللهِ.
من يغلبُ دائماً خُلُقَ مشيئتهِ، فهو مجاهدٌ نشيطٌ، والنعمةُ تفعلُ به بزيادةٍ. الذي يُحكَمُ عليه مرةً ويُلام من نيتهِ، ولا يُقوِّم نوعَ عوائدِه، ترتفع منه النعمةُ ويُترك في التجاربِ ويتبهدل. الذي قد أحسَّ بالراحةِ التي من محقرةِ الذات، أخيَر من الذي وجدَ تكريماً من تاجِ المملكةِ. الذي قد ضُرِبَ بحبِ المديحِ والكرامةِ من الناسِ، ليس لجُرحهِ شفاءٌ، حتى ولو كان بأعمالِ سيرتهِ يقوِّم كثيرين، ففي العالمِ المزمعِ، يكون تدبيرُ سيرتِه مبكِّتاً له بعذابِ الجحيمِ. من كانت في كلِّ وقتٍ طرقُ سيرتِهِ منحلةً، فإن ضميرَه بعيدٌ من الإله، ومن كان قلبُه غيرَ منسحقٍ، وغيرَ محزونٍ، فلن يُعتقَ من الطياشةِ. من زلَّ وأخطأ، وعرف سببَ مرضِهِ، فإنه بسهولةٍ يُشفى بالتوبةِ.
الذي يُصوِّم فمهَ من الغذاءِ، ولا يُصوِّم قلبَه من الحنقِ والحقدِ، ولسانُه في الأباطيلِ، فصومُه باطلٌ، لأن صومَ اللسانِ، أخيَر من صومِ الفمِ، وصومُ القلبِ، أخيَر من صومِ الاثنينِ. من لا ينشقُّ قلبُه بالتحسرِ والتنهدِ، وهو فارغ من صلاةِ الدموعِ، وعادمٌ من القراءةِ، فهو سائرٌ في التيه، لأنه إذا أخطأ فلن يحسَّ. إنَّ الذي يمزجُ قراءته بالتدابيرِ والصلاةِ، يُعتقُ من الطياشةِ.
قوتُ الجسدِ المآكلُ، وغذاءُ النفسِ الكلامُ والحكايات. وكما أن شَرَه كثرةِ الحكايات، هو رغبةُ النفسِ، هكذا السكوتُ هو ثمرةُ الحكمةِ المزمعةِ. من يزيل من ضميرِه هفوات قريبه، يزرع السلامَ في قلبهِ. الساذجُ الحكيمُ باللهِ، أخيَر من الفهيم الغاش بضميرِه. الذي استعبد بطنَه ولسانَه، أخيَر من الذي استعبد الأسدَ. والذي قَمَعَ الكلمةَ في قلبهِ، أخيَر من الذي طَمَرَ وزنتَه في الأرضِ. الإنسانُ العادمُ من الصلاةِ، ويجادلُ على الفضائلِ، لا فرقَ بينه وبين الأعمى العادم النورِ، ويجادلُ على حُسنِ الفصوصِ الكريمةِ، والألوان الكثيرةِ. الذي يماحك قبالةَ التأديبِ تبعد عنه المراحم الأبويةِ. الذي يتذمَّر مقابل التجاربِ، تتضاعف عليه. الذي لا يتأدب ههنا، ويمقت التجاربَ، يتعذَّب هناك بلا رحمةٍ. العادم من الأصدقاءِ المغرورين، عادمٌ من الضنكِ. من يصالحُ نفسَه، أخيَر ممن يصالح شعوباً، وهو مُغضَبٌ منقسمٌ على ذاته.
كما أنه لا يمكن أن تتعلمَ الصنائعَ من حكمةِ الكلامِ، هكذا لا يمكن أن تتعلمَ الفضائلَ التي للسيرةِ من قراءة الكتبِ وحِدَّةِ الحركات ودِقة الفهم، من دونِ تجربةٍ طويلةٍ بذواتنا، نستطيع بهما احتمال فلاحة الأعمالِ. أبله يصنع صناعة البحريةِ من ذاته، أخيَر من عارفٍ يتعلم سيرةَ الروحِ من أسطرِ الكتبِ، وبالتسليم من آخرين، من غير تجربةٍ محكمةٍ بذاته. الذي يعمل التوبة ويفلح في النسكِ بل وفي ممارسةِ الأعمالِ والفضائلِ، ولكنه يتكل على برِّه، لا على النعمةِ، فهذا لا فرقَ بينه وبين من يجمع حجارةً (ليفرقها). هناك مَن صومُهُ أبعَدَه من الحقِّ، وآخر بنسكه، وآخر بتجرده، وآخر بسهره، وآخر بعمله، وآخر بصدقتِه، وآخر باحتماله، وآخر بكمال أعماله الإلهية، وكم نريد أن نقول، لأن ربنا جزم: بأنه من دوني لا تقدرون أن تعملوا شيئاً، أي بالهدوء وتواضع القلبِ اللذين بهما أنا غلبتُ العالمِ».
قال شيخٌ: «لا تطلب حوائجَ كثيرةً، لأنك عاهدت المسيحَ أن تعيشَ معه بالفقرِ، لأن المسيحَ هو حياةُ النفسِ، وكلُّ من اقتناه في قلبهِ وفي فكرِه وكلِّ تصرفاته بامتدادِ عقله إليه، فهو ذاك الذي ينجحُ في سيرةِ هذا العمرِ، وينال الحياةَ التي لا تزول».
وقال أيضاً: «من يخافُ من مرضِ الجسدِ، فهو عادمُ الفضيلةِ، وإذا عُتِقَ بالكمالِ من الآلام، فحينئذ يسيُر بغيرِ مانعٍ. القلبُ النقي ينظرُ كلَّ الناسِ أطهاراً، وهو وحده النجس. كن ملازماً للمشايخ الروحانيين، وتعلَّم سيرتهم وابعُد عن الأحداث والصبيان. أحبَّ السهر فإنه ينقي العقلَ، ولا تظن في نفسِك، أنك تنالُ سيرةً فاضلةً، أو خلاصاً لنفسِك بغير تعبٍ. لا تضعف عن مقاومةِ التجارب التي توافيك، بل اطلب من اللهِ المعونةَ. قد سمعنا اللهَ يقول: أنا معكم فلا تجزعوا، ومن ذلك تحققنا أنه ليس بقوتِنا نقاتِلُ، بل بقوةِ اللهِ الذي ألبسنا سلاحَ الظفر وأعطانا الروحَ القدس.
الضجرُ إنما يعرض لنا من أن خوفَ اللهِ لم ينغرس بعدُ في فكرنا، ولم ننسَ إلى الآن أكلَ خبزِنا من صوتِ تنهدنا. فحبُّ الجسدِ، لا يدع عقولنَا تسيُر إلى فوق. إذا لم تتحرك الأوجاعُ على الإنسانِ، فلن يكونَ مجرَّباً. النسيانُ هو هلاكُ النفوسِ، وقد يكون من التهاونِ. تحفَّظ من النظرِ والحديثِ، لأنهما أسبابُ الخطيةِ. النوحُ يغسلُ الخطايا، وبتعبٍ كثيرٍ يصلُ الإنسانُ إليه، إذ لا يأتي البكاءُ إلا بكثرةِ الهذيذ، وبِذكرِ الموت، والدينونةِ المرهوبة، والعذابِ الدهري، وأن تكفرَ بنفسِك وتقطعَ هواك وتحمل الصليبَ».
من أقوالِ أنبا برصنوفيوس: «كلُّ شيءٍ من أمورِ العالمِ هو فانٍ وليس بشيءٍ، فاسبق وصوِّر الله بين عينيك، وكن حريصاً في أن تتوبَ، لأن زمانَك في هذا العالمِ قليلٌ. كن وديعاً بقلبك واذكر الخروفَ الوديعَ وكم صبر، ورغم أنه لم تكن له خطيةٌ، لكنه احتملَ الشتمَ والضربَ وسائرَ الأوجاعِ حتى الموت. اتعب وجاهد ليبعدَ عنك الغضبُ والحردُ بمعونةِ اللهِ الحق، إلهك المسيح الذي أحبك له المجد دائماً إلى الأبدِ آمين».
وقال أيضاً: لا تنم يا أخي، لئلا يفوتك القائل: «هو ذا الختن قد أقبل، اخرجن للقائِه». وكيف تستطيع أن تقول في ذلك الوقتِ إني مشغولٌ، وهو قد صيَّرك بلا همٍّ، ولكنك تلقي بنفسِك في الهمومِ، فلن ينتظرك الزمانُ لتنوحَ على خطاياك. انتقل بفكرِك من هذا العالمِ البطال إلى العتيد. اترك الأرضيات واطلب السماويات. مت بالكمالِ لكي تحيا بالتمامِ بالمسيح يسوع ربنا. كلُّ من لا يحتمل المحقرةَ والتبكيتَ والإهانةَ، فإن الإنسانَ العتيقَ لا زال حياً فيه بعد. إن أردتَ أن تتلذذَ بنِعمِ اللهِ، احرص بكلِّ جهدِك على أن تُبعدَ عنك كلَّ لذةٍ جسديةٍ. إنسانٌ ساكتٌ، يجبُ عليه ألا يحسبَ نفسَه شيئاً. إن زلَّ الجاهلُ في كلامِه فهو معذورٌ من الكلِّ، وإن زلَّ الراهبُ فلن يقدرَ أحدٌ أن يعذرَه.
من أقوال الأنبا أوغريس: «من يقول إنه قد اقتنى فضيلةً بغيرِ جهادٍ، فهو إلى الآن ممسوكٌ في الآلامِ، لأن شرَّ الأعداءِ هو قبالة أتعابِ الفضيلةِ، والقلبُ الذي ليس به قتالٌ، ليست فيه فضيلةٌ ولا شجاعةٌ. وكما أنَّ الإنسانَ البراني يعملُ شغلَ اليدِ كي لا يحتاج، هكذا الجواني يعملُ لئلا يثقل العقل، لأن الأفكارَ إذا وجدت النفسَ بطالةً من تذكارِ اللهِ، حينئذ يُذكِّرونها بالأفعالِ الرديئةِ. الوديعُ ولو صنعوا به الشرَّ، فلن يتخلى من المحبةِ. الذي ليس فيه قنيةٌ، له حياة بلا اهتمامٍ، أما المحبُ القنية، فله تنغيصٌ في قلبهِ، الذي هو الاهتمام.
لا تنسَ أنك أخطأت، حتى ولو أنك قد تُبتَ، بل اجعل النوحَ وتذكارَ الخطيةِ اتضاعاً لك، لكي بالاتضاعِ تتقي الكبرياءَ. اختم بابَ أتعابك بالصمتِ، لئلا يقلعه اللسانُ، فينتج المجدُ الفارغ الذي ينزعها. كما أنك تُخفي خطاياك عن الناسِ، كذلك أخفِ أتعابك أيضاً، فإن كنتَ للهِ وحده تُظهرُ نقائصَك، فلماذا تُظهرُ للناسِ تلك الأتعابَ التي تصنعها لأجلها، بقلةِ رأيٍ. ممدوحٌ هو الإنسانُ الذي يربطُ النسكَ بالفهمِ، لكي تُروى النفسُ من هذين النوعين، وتُظهر النسك بقتلِ الاعضاءِ التي على الأرضِ، أعني: الزنى والنجاسة والأغراض الشريرة. إنَّ من كان همُّه في تذكارِ الموتِ، فذلك يهديه بخوفِ اللهِ. الذي يجمعُ كلامَ الكتبِ المقدسة إلى قلبه، يُلقي الأفكارَ براحةٍ، لأننا نحتاجُ إلى أتعابٍ كثيرةٍ لكي نقطعَ كمالَ الأفكارِ».
قيل عن أنبا يحنس الذي كان من أسيوط، إنه أقام ثلاثين سنةً في مغارةٍ، ضابطاً السكوت، والبابُ مختومٌ عليه، وكانوا يعطونه حاجتَه من طاقةٍ، والذين كانوا يأتون إليه، كان يكتب لهم ويعزيهم. فحدث مرةً أنَّ أربعةَ لصوصٍ نظروا كثرةَ الجموعِ التي كانت تأتي إليه، لأنَّ اللهَ قد منحه موهبةَ الشفاءِ، فظنوا أن عنده أموالاً في مغارتِهِ، فأتوه بالليلِ لينقبوا بابَ المغارةِ، فضُربوا بالعمى جميعاً، وبقوا هكذا واقفين خارج المغارةِ إلى الصباحِ، حيث أتى الناسُ وأمسكوا بهم، وأرادوا أن يسلموهم للوالي فيقتلَهم، فتكلم معهم القديس قائلاً: «إن لم تتركوا هؤلاء الناس، فنعمةُ الشفاءِ تذهب عني»، فتركوهم، وهذه هي الكلمةُ الوحيدةُ التي خرجت من فمهِ خلال مدةِ الثلاثين سنةً.
قال أخٌ لشيخٍ: «أجيدٌ هو أن أُمَجِدَ أخي؟»، فقال له الشيخُ: «إنَّ السكوتَ أفضل». ثم قال له: «لو أنك ملأتَ جرةً بحشراتٍ ضارةٍ، وسددتَ فوهتها، ألا تموت جميعُها؟ ولكنك لو تركتَ فوهتها مفتوحةً، فإن الحشراتَ سوف تخرجُ وتضرُّ من تصادفه، هكذا الذي يسكتُ، فجميعُ الأفكارِ الرديئةِ التي داخل قلبه تموتُ».
قال شيخٌ: «إنَّ اللسانَ مملوءٌ ناراً، وهو يُدنسُ جميعَ الجسدِ، فالذي يحبُ حياتَه، فليشفق على لسانِه، احرس شَفَتيك يا رجل الله، والجم لسانك كي تنتفعَ بجميعِ أتعابك، فالذي يحفظ لسانه، له كراماتٌ كثيرةٌ، فطوبى لمن يسود على لسانهِ، فإنَّ أهراءَه تمتلئ من الخيراتِ».
حدَّثوا عن عذراءٍ حرةٍ عفيفةٍ هادئةٍ في منزلها، فأحبها شابٌ رديءٌ، ولم يكن يكف عن الترددِ على منزلها، فلما شعرت العذراءُ بتردده وقتاله، شقَّ ذلك عليها جداً وحزنت. فحدث في يومٍ من الأيامِ أنه جاء كعادتِهِ يدقُّ البابَ، وكانت العذراءُ حينئذ جالسةً على المنسج، فلما علمت أنه هو الذي يدقُّ على البابِ، خرجت إليه ومعها كركدنها (أي مخرازها)، وقالت له: «ما الذي يأتي بك إلى ههنا يا إنسان؟». فقال لها: «هواكِ يا سيدتي». فقالت: «وما الذي تهواه مني؟»، فقال لها: «عيناك فتنتاني، وإذا أبصرتُك يلتهبُ قلبي»، فجعلت مخرازها في إحدى عينيها، وقلعتها بصرامةٍ ورمتها له، وشرعت في قلعِ الأخرى، فأسرع الشابُ وأمسك بيدها، فدخلت إلى منزلِها وأغلقت بابَها. فلما رأى الشابُّ أن عينها قد قُلعت حزن جداً، وندم على ما كان منه، وخرج إلى البريةِ من ساعته وترهب.
قيل إنه لما نُهبَ بيتُ المقدس، وقعت عذراءٌ راهبةٌ شابة جميلة في قسمِ أحدِ الفرسان، الذي أراد إفسادها. فقالت له: «تمهَّل قليلاً لأن بيدي مهنةً تعلمتُها من العذارى، ولا تصلح لعملِها إلا عذراء، وإلا فلا نفع لها». فقال لها: «وما هي؟»، فقالت له: «هي دُهنٌ، إذا دُهِنَ به إنسانٌ، فلن يؤثرَ فيه لا سيفٌ ولا أيُّ نوعٍ من الأسلحةِ البتة، وأنت تحتاجُ إلى ذلك، لأنك في كلِّ وقتٍ تخرجُ للحربِ». فقال لها: «وكيف أتحقق ذلك؟»، فأخذت زيتاً ووجَّهت إليه الكلامَ قائلةً: «ادهن رقبتَك، وأعطني السيفَ كي أضربَك به». فقال لها: «لا، بل ادهني أنتِ رقبتَكِ أولاً، وأنا أضربُ بالسيفِ»، فأجابته إلى ذلك ببشاشةٍ، وأسرعت فدهنت رقبتَها وقالت: «اضرب بكلِّ قوتِك». فاستلَّ سيفَه، وكان ماضياً جداً، ومدت القديسةُ رقبتَها، وضربَ بكلِّ قوةٍ، فتدحرج رأسُها على الأرضِ، ورضيت عروسُ المسيحِ أن تموتَ بالسيفِ، ولا تدنس بتوليتها. فحزن الفارسُ جداً، وبكى بكاءً عظيماً، إذ قتلَ مثلَ هذه الصورةَ الحسنة، وعرف أنها خدعته لتفلتَ من الدنسِ وفعل الخطيةِ.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق