الأنبا أرسانيوس |
ِ
جاء عن القديس أرسانيوس إنه كان من روميا العظمى، وكان من أفاضلِ فلاسفتِها. وكان والدُه من أكابرِ البلاطِ المقرَّبين إلى الملكِ. فلما ملك ثاؤدوسيوس أرسلَ إلى الملكِ والبابا بروما طالباً رجلاً فيلسوفاً يُحسن اللغتين الرومية واليونانية لكي يعلمَ أولادَه الحكمَةَ والأدبَ. فلم يجدوا في كلِّ فلاسفة روما رجلاً يشبه أرسانيوس في الحكمةِ والفضلِ ومخافةِ الله. فأرسلوه إلي الملكِ بالقسطنطينية، ففرح به الملك وأحبه لفيضِ معرفتِهِ، ولأجلِ نعمةِ الله التي كانت عليه، فسلَّم له الملكُ أولادَه وقدَّمه على أكابرِ مملكتِهِ. وكان إذا رَكِبَ يكونُ قريباً من الإمبراطور. وكان له أمرٌ نافذٌ وعبيدٌ كثيرون يقومون بخدمته. ولم يتخذ في بيتهِ امرأةً. فلما بلغ مركزاً عظيماً هكذا بدأ يفكر في نفسِهِ قائلاً: «إن كلَّ هذا لا بدَّ له من أن يتلاشى كما ينحلُّ المنامُ، وإن كلَّ غنى الدنيا ومجدِها وجاهِها عبارةٌ عن حلمٍ، ولا يوجد شيءٌ ثابتٌ غيرُ قابلٍ للتغيير، وأنه لا ينفعُ الإنسانَ إلا خيرٌ يقدمه قدامه». فزهدتْ نفسُه كلَّ شيءٍ، وصار يطلبُ من الله كلَّ وقتٍ قائلاً: «عرِّفني يا ربُّ كيف أخلُص». فجاءه يوماً صوتٌ يقول له: «يا أرساني اهرب من الناس وأنت تخلص». فقام لوقتِهِ وترك كلَّ شيءٍ ونزل إلى البحرِ فوجد سفينةً إسكندرية تريد السفرَ، فركب فيها وجاء بها إلى الإسكندرية، ومن هناك أتى إلى الإسقيط إلى الأب مقاريوس، ذاك الذي أسكنه في إحدى القلالي الخارجةِ عن الديرِ لأنه وجده عاشقاً للهدوءِ. وبعد حضورهِ بأيامٍ قلائل تنيَّح الأب مقاريوس. وقد بدأ أرسانيوس حياتَه الرهبانية بنسكٍ عظيمٍ وصلاةٍ وقداسةٍ وزهدٍ حتى فاق كثيرين. وسمع بفضلِهِ أولادُ أكابر القسطنطينية ودواقستها، وابتدأ كثيرون منهم يتزهدون ويجيئون إلى ديارِ مصر ويترهبون.
فسمعتْ بخبرِهِ عذراءٌ من بناتِ رؤساءِ البلاطِ في روما. وكانت غنيةً جداً وخائفةً من الله، فلما جاءت لتُبصرَه ومعها مالٌ كثيرٌ وحشمٌ وجنودٌ، تلقاها البابا ثاؤفيلس البطريرك بوقارٍ كثيرٍ وأضافها. فسألته أن يطلبَ إلى الشيخِ بأن يُفسِحَ لها الطريقَ للمضي إليه. فكتب يقول له: «إن السيدة لارية السقليكي ابنه فلان من بلاطِ ملكِ رومية تريدُ أن تأذنَ لها برؤيتِك لأخذِ بركتَك». وكتب كذلك لمقدمِ الأديرةِ بأن يُمكِّن السيدةَ السقليكي من زيارةِ الآباءِ القديسين وأخذ بركتهم. فلم يشأ الأنبا أرسانيوس أن تأتي إلى البريةِ، وأنفذ لها بركةً من عندِهِ وقال لها: «هو ذا قد علمتُ بتعبِك وسفرِك، ونحن مصلين لأجلِك. فلا تحضري لأني لا أشاءُ أن أُبصرَ وجهَ امرأةٍ». أما هي فلم تقبل وقالت: «إن ثقتي باللهِ أن أُبصرَ وجهَك الملائكي، لأني ما تعبتُ وجئتُ لأنظرَ إنساناً، فبلدي كثيرةُ الناسِ، بل أتيتُ لأعاينَ ملاكاً». وأمرتْ أن يشدُّو على الدوابِ حتى أتت إلى البريةِ. فلما وصلت إليه كان القديسُ أرسانيوس خارجَ قلايته. فما أن أبصرته حتى خرَّت عند قدميهِ، فأقامها بغضبٍ وقال: «لقد آثرتِ أن تُبصري وجهي، وها أنت قد أبصرتِه فماذا استفدتِ»؟ أما هي فمِن حِشمتها لم تستطع النظرَ في وجههِ. فقال لها: «إذا سمعتِ بأعمالٍ فاضلةٍ فاعملي على أن تمارسيها ولا تجولي طالبةً فاعليها. كيف تجرأتِ فعبرتِ هذه البحار؟ أما تعلمين أنك امرأةٌ ولا يليقُ بك الخروج إلى مكانٍ ما. أتريدين المضي إلى رومية قائلةً للنساءِ الباقيات إنني رأيتُ أرساني، فتُحوِّلين البحرَ طريقاً للنساء ليأتوا إليَّ». فأجابته السيدةُ قائلة: «إني لإيماني يا أبي أتيتُ إليك وإن شاء اللهُ لن أَدَع امرأةً تأتي إليك، فصلِّ من أجلي واذكرني دائماً». فأجابها منتهراً قائلاً: «لا. بل إني أصلِّي إلى اللهِ أن يمحوَ خيالَكِ واسمَكِ وذِكرَكِ وفكرَكِ من قلبي». وتركها ودخل قلايته. فلما سمعت ذلك لم تَرُدَّ له جواباً ورجعت وهي قلقةُ الأفكارِ. ولما دخلت الإسكندرية اعترتها حمى لفرطِ حزنِها. أما البابا البطريرك فإنه استقبلها بإكرامٍ جزيلٍ، وسألها عن أمرِها. فقالت: «يا أبتاه، ليتني ما قابلتُ الشيخَ لأني لما سألتُه أن يذكرَني أجابني: إني أصلِّي إلى الله أن يمحوَ خيالَكِ واسمَكِ وذِكرَكِ وفكرَكِ من قلبي. وهو ذا عبدتُك تموتُ من الحزنِ». فقال لها البابا البطريرك: «ألا تعلمينَ أنكِ امرأةٌ، وأن العدوَ يُقاتلُ الرهبانَ بالنساءِ. فإلى ذلك أشار الشيخُ. وأما عن نفسِك فهو يصلِّي دائماً وغيرُ ناسٍ تعبَك وسفرَك». فطاب قلبُها ورجعت إلى بلادِها مسرورةً.
جلس الأب أرسانيوس في بعضِ الأيامِ يأكلُ فولاً مسلوقاً مع الإخوةِ، وكانت عادتهم أن لا ينقُّوه. أما هو فكان يُنقِّي الفولَ الأبيضَ من بين الأسودِ والمسوِّس ويأكلُه. فلم يوافق رئيسُ الديرِ على ذلك، وخشي أن يَفسدَ نظامُ الديرِ. فاختار رئيسُ الديرِ أحدَ الإخوةِ وقال له: «احتمل ما أفعله بك من أجلِ الربِّ». فأجابه الأخُ: «أمرُكَ يا أبي». قال: «اجلس بجانب أرسانيوس ونقِّ الفولَ الأبيضَ وكُلْهُ». فعمل الأخُ كما أمره رئيسُ الديرِ، الذي فاجأَهُ بلطمةٍ مُرَّةٍ على صدغِهِ وقال: «كيف تنقي الفولَ الأبيضَ لنفسِك وتترك الأَسودَ لإخوتك»؟ فسجد أرسانيوس للرئيسِ وللإخوةِ وقال لذلك الأخ: «يا أخي، إن هذه اللطمةَ ليست لك ولكنها موجهةٌ لخَدِّ أرسانيوس». وأردف قائلاً: «هوذا أرسانيوس معلمُ أولادِ الملوكِ اليونانيين لم يعرف كيف يأكلُ الفولَ مع رهبانِ إسقيطِ مصرَ، وهكذا ازداد فهماً واحتفاظاً بموهبتهِ».
قيل إن أحدَ الإخوةِ المجاورين لقلاية أنبا أرساني خرج يوماً ليقطع خوصاً. وكان يوماً حرُّه شديدٌ. فلما قطع الخوصَ ورجع أراد أن يأكلَ، فلم يمكنه أن يبلعَ الخبزَ اليابسَ لأن الحرَّ كان قد يبَّس حلقَه. وفي ذلك الوقتِ كان الإخوة بالإسقيط يسلكون بتقشفٍ عظيمٍ ونسكٍ زائدٍ، فأخذ الأخُ وعاءً به ماء وأذاب فيه قليلاً من الملح، وبلَّ فيه الخبزَ وبدأ يأكلُ. فدخل إليه الأب إشعياء ليفتقِدَه، فلما أحسَّ الأخُ بالأنبا إشعياء رفع الوعاءَ وخبَّأه تحت الخوصِ. وكان أنبا إشعياء رجلاً ذكياً حاراً في الروحِ جداً. وكان يعلمُ بأن أنبا أرسانيوس يعمل صِنفَين من الطعامِ: بَقلاً وخلاً، ولكن لأجلِ احتشامهِ لم يُرِد الآباءُ أن يكسروا قلبَه سريعاً. فوجد أنبا إشعياء أنها فرصةٌ مناسبةٌ لأن يؤدِّبَ أنبا أرسانيوس بواسطةِ هذا الأخ. فقال للأخِ: «ما هذا الذي خبأته مني»؟ فقال الأخُ: «اغفر لي يا أبي من أجلِ محبةِ السيد المسيح. لقد دخلتُ البريةَ لأقطعَ خوصاً فاشتدَّ عليّ الحرُّ جداً لدرجةِ أنه سدَّ حلقي. فلما دخلتُ القلايةَ أردتُ أن آكُلَ فلم أستطع بلعَ الخبزِ لجفافِ فمي وحلقي، فأخذتُ ماءً وأذبتُ فيه قليلاً من الملح وبللتُ به القراقيش ليَسهُلَ لي بلعه». فأخذ الأنبا إشعياء الوعاءَ وخرج ووضعه قدام قلاية أنبا أرسانيوس وقال للمراقب: «دُقَّ الجرسَ كي يحضرَ الإخوةُ ليبصروا الأخ زينون كيف يأكلُ مَرَقاً»، فلما حضروا التفتَ إلى الأخِ وقال له أمام الإخوةِ: «يا أخي، لقد تركتَ تنعمَك وكلَّ ما لك وجئتَ إلى الإسقيط حباً في الربِّ وفي خلاصِ نفسِك. فكيف تريدُ الآن أن تُلذِّذَ ذاتَك بالأطعمةِ؟ إن كنتَ تريدُ أن تأكلَ مَرَقاً امضِ إلى مصرَ لأنه لا يوجد في الإسقيط تنعمٌ». فلما سمع الأنبا أرسانيوس قال لنفسِهِ: «هذا الكلام موجَّهٌ إليك يا أرساني». وفي الحال أمر خادمَه أن يعملَ له بقولاً فقط. وقال: «ها أنا قد تأدبتُ بسائرِ حكمةِ اليونانيين أما حكمةُ هذا المصري بخصوصِ الأكلِ وحُسنِ تدبيرهِ فإني لم أصل إليه بعد. لقد صدق الكتاب إذ يقول: وتأدَّب موسى بكلِّ حكمةِ المصريين».
قيل عن أنبا أرسانيوس إنه بعد ما هرب من القسطنطينية وأتى إلى الإسقيط كان يداوم الصلاةَ والتضرعَ إلى اللهِ أن يرشدَه إلى ما ينبغي له أن يعملَ وكيف يتدبَّر؟ وبعد مضي ثلاث سنين جاءه صوتٌ يقول له: «يا أرسانيوس الزم الهدوءَ والبعدَ عن الناسِ واصمت وأنت تخلص، لأن هذه هي عروق عدم الخطية». فما أن سمعَ الصوتَ دفعةً ثانيةً حتى كان يهرُبُ من الإخوةِ ويُلزِم نفسَه الهدوءَ والصمتَ.
وقيل عنه: قَصَدَه الشياطين مرةً ليجرِّبوه. فلما جاءه الذين يخدمونه سمعوا صوتَه وهم خارج القلاية وهو يصرخُ إلى اللهِ ويقول: «يا ربُّ، لا تخذلني فإني ما صنعتُ قدامك شيئاً من الخيرِ. لكن هَبني من فضلِك أن أبدأ في عملِ الخيرِ».
وقيل عنه: «كما أنه لم يكن أحدٌ في البلاطِ الملكي يلبسُ أشرفَ من لبسِهِ، كذلك بعد خروجهِ إلى الرهبانيةِ لم يكن أحدٌ يلبسُ أحقرَ من لبسِهِ».
وقال عنه دانيال أحدُ تلاميذه: «إن مَئونتَه في السنةِ تليس قمح. وإذا جئنا إلى عندهِ كنا نأكلُ منها». وما كان يجدِّدُ ماءَ الخوصِ إلا دفعةً واحدةً في السنةِ، فكلما نَقُصَ الماءُ أضاف إليه قليلاً منه، وهكذا صارت له رائحةٌ كريهةٌ جداً ونتن لا يُطاق، وكان يعمل الضفيرةَ ويُخيِّط إلى ست ساعات. وحدث أن زاره الأب مقاريوس الإسكندري، فلما اشتمَّ الرائحةَ قال له: «يا أبانا أرسانيوس، لِمَ لا تغيِّر هذا الماء لأنه قد أنتن»؟ فأجابه أنبا أرسانيوس قائلاً: «الحق إني لا أستطيعُ أن أطيقها، لكني أكلِّف نفسي باحتمالِ هذه الروائح الكريهة وذلك عوض الروائح الذكية التي تلذَّذتُ بها في العالمِ». فلما سمع الإخوةُ الموجودون ذلك انتفعوا.
وقيل عنه: إنه إذا جلس يُضفِّر الخوصَ كان يأخذ خِرقةً ويضعها على ركبتيه لينشفَ بها الدموعَ التي كانت تتساقط من عينيه. وفي زمانِ الحرِّ كان يرطِّب الخوصَ بدموعهِ وهو يُضفِّر. ولما سمع الأنبا بيمين بنياحتِهِ تنهد وقال: «طوباك يا أنبا أرسانيوس، لأنك بكيتَ على نفسِك في هذا العالم. فإنَّ مَن لا يبكي على نفسِهِ ها هنا زماناً قليلاً، فسوف يبكي هناك زماناً طويلاً. فإن كان ها هنا بكاءٌ فبإرادتنا، وأما هناك فالبكاءُ من العذابِ. وعلى تلك الحالتين لن ننجوَ من البكاء. وعلى ذلك فما أمجد أن يبكي الإنسانُ على نفسِهِ ها هنا».
قيل: كان أنبا أرسانيوس دفعةً يسأل أحدَ الشيوخِ المصريين عن أفكارِهِ، فرآه شيخٌ آخر وقال له: «يا أبتاه أرسانيوس كيف وأنت المتأدِّب بالرومية واليونانية تحتاج إلى أن تسألَ هذا المصري الأمي عن أفكارِك»؟ أجابه أنبا أرسانيوس قائلاً: «أما الأدب الرومي واليوناني فإني عارفٌ به جيداً. أما ألفا فيتا التي أحسنها هذا المصري فإني إلى الآن لم أتعلَّمها»، وهو يقصدُ طريقَ الفضيلةِ.
قيل: «أتى ذات يومٍ البابا ثاؤفيلس البطريرك ومعه والي البلادِ إلى أنبا أرسانيوس وسألوه كلمةً، فسكت قليلاً ثم قال لهم: «إن قلتُ لكم شيئاً فهل تحفظونَه»؟ فلما ضَمِنَ له البابا البطريرك أمرَ حفظِهِ، قال لهم: «أينما سمعتم بأرساني فلا تدنوا منه».
وحدث مرة أن اشتهى البابا البطريرك أن يراه، فأرسل إليه يستأذنه إن كان يفتحُ له. فأجاب: «إن جئتَ فتحتُ لك، وإن فتحتُ لك فلن أستطيعَ أن أغلقَه في وجهِ أحدٍ. وإن أنا فتحتُ لكلِّ الناسِ فلن أستطيعَ الإقامةَ ها هنا». فلما سمع الأب البطريرك هذا الكلام قال: «إن مضينا إليه فكأننا نطردُه. فالأفضل ألا نمضي إليه».
وأيضاً سأله الأخُ أن يقولَ له كلمةً. فقال له الشيخُ: «جاهد بكل قوَّتِك أن يكونَ عملُك الجواني باللهِ لتستطيعَ أن تغلبَ الأوجاعَ البرانية».
وقال آخر: «ماذا أصنعُ، فإن الأفكارَ تحزنني وتقول لي: إذا لم تستطع الصومَ أو العملَ فلا أقل من أن تذهبَ لافتقادِ المرضى، فهذه هي المحبةُ». فقال له الشيخُ: «امضِ وكُلْ واشرب وارقد ولا تخرج من قلايتك». لأن الشيخَ عرف أن الصبرَ في القلايةِ يردُّ الراهبَ إلى طقسِهِ. فذهب ذلك الأخُ إلى قلايته. فلما استمر ثلاثةَ أيامٍ كما أمره الشيخُ ضجر، فأخذ قليلاً من الخوصِ وشقَّقه وبدأ يُضفِّرُ. فلما جاع قال لفكرِهِ: «لنفرغ من هذا الخوصِ القليل الذي معنا ثم نأكلُ». فلما فرغ من الخوصِ قال أيضاً: «لنقرأ في الإنجيلِ ثم بعد ذلك نأكلُ». فلما قرأ قال: «لأتلوَ مزاميري ثم بعد ذلك آكل بلا همٍّ». وهكذا قليلاً قليلاً بمعونةِ اللهِ كان يفعلُ حتى رجع إلى سيرتِهِ الأولى وأخذ سلطاناً على الأفكارِ وكان يغلبُها.
وسأله آخر: «لأيِّ شيءٍ أضجرُ إذا ما جلستُ في قلايتي»؟ فأجابه الشيخُ قائلاً: «لأنك إلى الآن لم تبصر ولم تتيقن من نياح الآخرةِ ولا عذابها. لأنك لو تيقَّنتَ من ذلك حقاً وكانت قلايتُك مملوءةً دوداً وأنت غارقٌ فيه إلى عنقِك لما ضجرت بالمرةِ».
وسأله مرقس أحدُ تلاميذهِ مرةً قائلاً: «لماذا تهرب منا يا أبتاه»؟ فأجابه الشيخُ قائلاً: «الله يعلمُ إني أحبُكم، ولكني لا أستطيع أن أكونَ مع اللهِ ومع الناسِ. لأن ألوفَ الملائكةِ والربوات العلوية لهم إرادةٌ واحدةٌ، أما الناسُ فلهم إرادات كثيرة، وهكذا لا أستطيعُ أن أتركَ اللهَ وأصيرَ مع الناسِ».
وأيضاً قيل عنه: إنه كان يستمرُ الليلَ كلَّه ساهراً. فإذا كان الغد كان يرقد من أجلِ الطبيعةِ مستدعياً النوم قائلاً: «هلمَّ يا عبدَ السوءِ». وكان يغفو قليلاً وهو جالسٌ، ولوقتهِ يقوم، وكان يقولُ: «يكفي للراهب أن يرقدَ ساعةً واحدةً من الليلِ إن كان عمَّالاً».
جيء إلى الإسقيط مرةً بقليلٍ من التين، فاقتسمها الرهبانُ فيما بينهم. ولأجلِ أنه شيءٌ ضئيلٌ استحوا أن يرسلوا له منه شيئاً قليلاً وذلك لجلالِ منزلته. فلما سمع الشيخُ امتنع عن المجيء إلى الكنيسةِ وقال: «أفرزتموني من الإخوةِ، ولم تعطوني من البركةِ التي أرسلها الله كأني لستُ أهلاً لأن آخُذَ منها، ولوجهِ آخر نسيتموني بسبب كبريائي». فلما سمعت الجماعةُ انتفعوا من اتضاعِ الشيخِ وانطلق القسُّ وأتاه بنصيبٍ من التينِ، ففرح وجميعُهم سبَّحوا الله وجاء معهم إلى المجمع.
مرض الأنبا أرسانيوس مرةً واحتاج إلى شيءٍ قيمته خبزةً واحدةً، وإذ لم يكن له ما يشتري به، أخذ من إنسانٍ صدقةً وقال: «أشكرك يا إلهي يا من أهلتني لأن أقبلَ الصدقةَ من أجل اسمِك».
وقيل إن قلايته كانت على بعدِ اثنين وثلاثين ميلاً وما كان يأتي بسرعةٍ، وكان آخرون يهتمون به. فلما خرب الإسقيط خرج باكياً وقال: «أهلك العالمُ رومية وأضاع الرهبانُ الإسقيط».
جاء دفعةً الأب أرسانيوس إلى ألكسندروس أحد تلاميذهِ وقال له: «إذا أنت شققتَ خوصَك، هلمَّ إلينا لنفطرَ، وإن أتوك غرباءُ فكُلْ معهم». فلما جاءت الساعةُ ولم يحضر لأنه لم يكن قد أتم تشقيق الخوصِ، فظن أنبا أرسانيوس أنه قد جاءه غرباءٌ فأكل معهم. ولما أتم ألكسندروس عملَه، أتى إليه، فقال له الشيخ: «هل كان عندك غرباء»؟ قال: «لا». فقال له: «فلماذا لم تأتِ بسرعةٍ»؟ فأجابه: «لأنك قلتَ لي إذا فرغتَ من تشقيقِ الخوصِ هلمَّ إليَّ، والساعةُ فقط أكملتُهُ». فتعجَّب الشيخُ من أقصى طاعتِه وقال: «قم أسرع وخذ طعامَك».
ومرةً أتى إلى مكانٍ به قصبٌ، فتحرَّك القصبُ من الريحِ، فقال الشيخُ للإخوة: «ما هذا الزلزال»؟ قالوا له: «إن هذا قصبٌ يا أبانا». فقال الشيخُ: «إن من كان جالساً في سكوتٍ وهدوءٍ وسمع صوتَ عصفورٍ فلن يكون لعقلِهِ نياحٌ. فكم بالحري إذا سمعتم هذا الزلزالَ من القصبِ».
ودفعةً أتى إليه رجلٌ يُدعى جسريانوس بوصيةٍ من رجلٍ شريف من جنسِهِ مات وأوصى له بمالٍ كثيرٍ جداً. فلما علم القديسُ بذلك همَّ بتمزيقِ الوصية، فوقع جسريانوس على قدميه وطلب إليه ألا يمزقها وإلا فرأسه عوضها. فقال له القديسُ: «أنا قد متُّ منذ زمانٍ، وذاك مات أيضاً». وبذلك صرفه ولم يأخذ منه ولا فلساً واحداً.
وقيل عنه: «إن أحداً لم يُدرك ولم يصل إلى معرفةِ كيف كان تدبيرُه وجهادُه».
وقيل عنه: «إنه في ليلةِ الأحدِ كان يخرجُ خارج قلايته ويقف تحت السماءِ ويجعلُ الشمسَ خلفه ويبسط يديه للصلاةِ حتى تسطع الشمسُ في وجهِهِِ ثم يجلس».
قيل عن أرسانيوس وتادرس الفرمي إنهما كانا مُبغضَيْن للسُبح الباطلِ جداً أكثر من غيرهم من الناس. أما أنبا أرسانيوس فلم يكن يلتقي بالناسِ كيفما اتفق. وأما أنبا تادرس فإنه وإن كان يلتقي بهم لكنه كان يجوزُ بسرعةٍ كالرمحِ.
تحدَّث القديسُ أرسانيوس عن إنسانٍ وفي الحقيقةِ كان يتحدثُ عن نفسِهِ، فقال: «كان أحدُ الشيوخِ جالساً في قلايته متفكراً، فأتاه صوتٌ قائلاً: هلمَّ فأريكَ أعمالَ الناسِ. فنهض إلى خارجِ فرأى رجلاً أَسودَ يقطعُ حِملاً من الحطبِ، وبدأ يجرِّبُ إن كان يستطيعُ حملَه فلم يستطع. فبدلاً من أن يُنقص منه، قام وقطع حطباً وزاد عليه. وهكذا صنع مراراً كثيرةً. ثم أنه مشى قليلاً فرأى رجلاً آخر واقفاً على حافةِ بئرٍ يتناول منه الماءَ ويصبُّه في جرنٍ مثقوبٍ، فكان الماءُ يرجع إلى البئرِ ثانية. وجاز قليلاً فرأى رجلين راكبين فرسين حامليْن عموداً على المجانبةِ، كلٌّ من طرفٍ وسائريْن بعرضِ الطريق، فلم يتضع أحدُهما ليكونَ خلفَ الآخرِ فيُدخلان العمودَ طولياً. وعلى ذلك بقيا خارج الباب». وأردف قائلاً: «هؤلاء هم الحاملون نير ربنا يسوع المسيح بتشامخٍ ولم يتواضعوا أو يخضعوا لمن يهديهم. لذلك لم يستطيعوا الدخولَ إلى ملكوتِ السماوات. أما قاطعُ الحطبِ فهو إنسانٌ كثيرُ الخطايا، فبدلاً من أن يتوبَ، يُزيد خطايا على خطاياه. وأما المستقي الماءَ فهو إنسانٌ يعملُ الصدقةَ من ظلمِ الناسِ فيَضيعُ عملُهُ».
قيل عن الأنبا أرسانيوس: أتى أناسٌ من الإسكندريةِ في بعضِ الأوقاتِ لينظروه، وكان أحدهم خال تيموثاوس بطريرك الإسكندرية، وكان الشيخُ في ذلك الوقت مريضاً. فلم يشأ أن يلقاهم لئلا يأتي آخرون فيسجسوه. وكان الشيخُ يسكنُ في طرواوس. فرجع الإخوةُ حزانى. فاتفق حضور البربر، فجاء وسكن في الأرض السفلى. فلما سمعوا عنه جاءوا إليه أيضاً ليبصروه فقبلهم بفرحٍ. فقالوا له: «هل عرفتَ يا أبانا أننا جئنا إلى طرواوس ولم تقبلنا»؟ فأجاب الشيخُ: «أنتم أكلتم خبزاً وشربتم ماءً. وأما أنا يا أولادي فما أكلتُ خبزاً ولا ذقتُ ماءً، بل كنتُ جالساً معذِّباً نفسي حتى علمتُ أنكم وصلتم إلى مواضعكم. لأن تعبَكم كان من أجلي، لكن الآن اغفروا لي»، فرجعوا مسرورين.
وحدث وهو في الإسقيط أن مرض فمضى القسيسُ وجاء به إلى الكنيسةِ ووضعه على فراشٍ صغير، ووضع تحت رأسهِ وسادةً من جلدِ الغنم. فلما جاء بعضُ الشيوخ ليفتقدوه ورأوا الفراشَ والوسادةَ قالوا: «أهذا هو أرسانيوس المتكئ على هذا الفراش»؟! فما كان من القسيس إلا أن يختلي بأحدهم ويسأله قائلاً: «ماذا كان عملُك في بلدتِك قبل أن تترهبن»؟ قال: «راعياً». قال له: «وكيف كان تدبيرُك في معيشتك»؟ أجابه: «تدبيرٌ كثيرُ المشقةِ والتعب». ثم سأله: «والآن كيف حالُك في قلايتك»؟ فأجابه: «بكلِّ ارتياحٍ، أفضلُ مما كنتُ في العالمِ». فقال له القسيس: «ألا تعلم أن أنبا أرسانيوس هذا كان في العالم أبَ الملوكِ. وكان له ألفُ غلامٍ من أصحابِ المناطق الموشاةِ بالذهبِ وأطواق اللؤلؤ. وكان له عبيدٌ وخدمٌ يقومون بخدمتهِ وهو جالسٌ على الكراسي الملوكية وتحته البرفير والحرير الخالص الملون. فأما أنت فقد كنت راعياً ولم يكن لك في العالمِ ما هو لك الآن من النياح. أما هذا فليس له شيءٌ من النعيمِ الذي كان له في العالمِ. فالآن أنت مرتاحٌ أما هو فمتعَبٌ». فلما سمع الشيخُ ذلك ندم وصنع مطانية قائلاً: «اغفر لي يا أبي فقد أخطأتُ. بالحقيقةِ هذا هو الراهبُ لأنه أتى إلى الاتضاع، وأما أنا فقد أتيتُ إلى نياحٍ»، وانصرف منتفعاً.
ودفعة أتاه أحدُ الإخوةِ وقرع بابَه، ففتح ظاناً أنه خادمه، فلما رآه أنه ليس هو وقع على وجهِهِ. فقال له الأخُ: «قم يا أبي حتى أسلِّمَ عليك ولو على البابِ». فقال له الشيخُ: «لن أقومَ حتى تنصرفَ». وألح الأخُ في الطلبِ فلم يقُم. فتركه الأخُ وانصرف.
وحدث مرةً أن جاء أخٌ غريب إلى الإسقيط ليبصرَ الأنبا أرسانيوس، فأتى إلى الكنيسة وطلب من الإكليروس أن يروه له، فقالوا له: «كُلْ كِسرة خبزٍ وبعد ذلك تبصره». فقال: «لن أتذوقَ شيئاً حتى أبصره». فأرسلوا معه أخاً ليرشده إليه لأن قلايته كانت بعيدةً جداً. فلما قرع البابَ فتح له فدخل وصليا وجلسا صامتين. فقال الأخُ الذي من الكنيسةِ: «أنا منصرفٌ فصلِّيا من أجلي». أما الأخُ الغريبُ لما لم يجد له دالةً عند الشيخِ قال: «وأنا منصرفٌ معك كذلك». فخرجا معاً. فطلب إليه أن يمضي به إلى قلاية أنبا موسى الذي كان أولاً لصاً. فلما أتى إليه قبله بفرحٍ ونيح غربتَه وصرفه. فقال له الأخُ الذي أرشده: «ها قد أريتُك اليوناني والمصري، فمَن مِن الاثنين أرضاك»؟ أجابه قائلاً: «أما أنا فأقولُ إن المصري قد أرضاني». فلما سمع أحدُ الإخوةِ ذلك صلَّى إلى الله قائلاً: «يا ربُّ اكشف لي هذا الأمرَ، فإن قوماً يهربون من الناسِ من أجلِ اسمِك، وقوماً يقبلونهم من أجلِ اسمِك أيضاً. وألحَّ في الصلاةِ والطلبةِ، فتراءت له سفينتان عظيمتان في لُجَّةِ البحرِ. ورأى في إحداهما أنبا أرسانيوس وهو يسير سيراً هادئاً وروحُ الله معه. ورأى في الأخرى أنبا موسى وملائكةُ الله معه وهم يُطعمونه شهدَ العسلِ.
زاره مرةً بعضُ الشيوخِ وسألوه عن السكوتِ وعن قلةِ اللقاءِ، فقال لهم: «إن العذراءَ ما دامت في بيتِ والديها فكثيرون يريدون خطوبتها. فإن هي دخلت وخرجت فإنها لن تُرضي كلَّ الناسِ لأن بعضَهم يزدريها وبعضَهم يشتهيها، ولن تكون لها الكرامةُ إلا وهي مختفيةٌ في بيتِ أبيها. هكذا النفسُُ الهادِئةُ المعتكفةُ، متى اشتُهِرت تبهدلت».
قال أنبا أرسانيوس هذا التعليمَ لتلاميذهِ قبل نياحته: «ثلاثةُ أشياءٍ تكونُ من جودةِ العقلِ: الإيمانُ باللهِ والصبرُ على كلِّ محنةٍ وتعبُ الجسدِ حتى يُذَّل. وثلاثةُ أمورٍ يفرحُ بها العقلُ: تمييزُ الخيرِ من الشرِ والتفكر في الأمرِ قبل الإقدامِ عليه والبعدُ عن المكرِ. وثلاثةُ أشياءٍ يستنيرُ بها العقلُ: الإحسانُ إلى من أساء إليك، والصبرُ على ما ينالك من أعدائك، وتركُ النظرِ أو الحسد لمن يتقدمك في الدنيا. وستةُ أشياءٍ يتطهرُ بها العقلُ: الصمتُ، حفظُ الوصايا، الزهدُ في القوتِ، الثقةُ باللهِ في كلِّ الأمورِ مع ترك الاتكال على أيِّ رئيسٍ من رؤساء الدنيا، قمعُ القلبِ عن الفكرِ الرديء وعدم استماع كلام الأغنياء والامتناع من النظر إلى النساء. وأربعةٌ تحفظُ النفسَ: الرحمةُ لجميعِ الناسِ، تركُ الغضب، الاحتمالُ، إخراج الذنب وطرحه من قلبك بالتسبيح. وأربعةٌ تحفظُ الشابَّ من الفكرِ الرديء: القراءةُ في كتبِ الوصايا، طرحُ الكسلِ، القيامُ في الليلِ للصلاةِ والابتهال، والتواضع دائماً. وثلاثةٌ تُظلم النفس: المشي في المدن والقرى، النظرُ إلى مجد العالم، الاختلاطُ بالرؤساءِ في الدنيا. من أربعةِ أمورٍ تتولد للجسد النجاسةُ: الشبع من الطعامِ، السُكر من الشرابِ، وكثرة النوم، نظافةُ البدنِ بالماءِ والطيبِ وتعاهد ذلك كل وقت. وأربعةٌ تُعمي النفس: البغضةُ لأخيك، والازدراءُ بالمساكين خاصةً، الحسدُ، والوقيعةُ. وأربعةٌ يتولد عنها هلاكُ النفسِ وخسارتُها: الجوَلان من موضعٍ إلى موضعٍ، محبةُ الاجتماعِ بأهلِ الدنيا، الإكثارُ من الترفِ والبذخِ، كثرةُ الحقدِ في القلبِ. من أربعةِ أمورٍ يتولد الغضبُ: المعاملةُ، المساومةُ، الانفرادُ برأيك فيما تهواه نفسُك، عِدولك عن مشورةِ الآخرين واتِّباع شهواتك. وثلاثةٌ إذا عَمل بها الإنسانُ يسكنُ في الملكوتِ: الحزنُ والتنهدُ دائماً، البكاءُ على الذنوبِ والآثامِ، وانتظارُ الموتِ في كلِّ يومٍ وساعةٍ. وثلاثةٌ تحاربُ العقلَ: الغفلةُ، الكسلُ، وتركُ الصلاةِ».
ولما قَرُبَ وقتُ نياحته دعا تلاميذَه وعزَّاهم ووعظهم وقال لهم: «اعلموا أن زماني قد قَرُبَ، فلا تهتموا بشيءٍ سوى خلاصِ نفوسِكم ولا تنزعجوا بالنحيبِ عليَّ. ها أنذا واقفٌ معكم أمام مِنبرِ المسيحِ المُهاب، فإذا جاءت الساعةُ رجائي ألا تُعطوا جسدي لأحدٍ من الناسِ». فقالوا له: «فماذا نصنعُ لأننا لا نعرف كيف نكفِّنه»؟ فقال لهم الشيخُ: «أما تعرفون كيف تربطون رجليَّ بحبلٍ وتجرونني إلى الجبلِ لتنتفعَ به الوحوشُ والطيورُ». وكان الشيخُ يقول لنفسِه دائماً: «أرساني أرساني تأمَّل فيما خرجتَ لأجلهِ».
وقال: «كثيراً ما تكلمتُ وندمتُ، وأما عن السكوتِ ما ندمتُ قط».
ولما دنت نياحته نظروه يبكي فقالوا له: «يا أبانا أتفزع أنت أيضاً»؟ أجابهم قائلاً: «إن فزعَ هذه الساعةِ ملازمٌ لي منذ جئتُ إلى الرهبنةِ». وهكذا رقدَ ودموعُه تسيلُ من عينيهِ. فبكى تلاميذُه بكاءً مُرّاً وصاروا يقبِّلون قدميه ويودِّعونه كإنسانٍ غريبٍ يريدُ السفرَ إلى بلدهِ الحقيقي.
وقد أخبر عنه دانيال تلميذُه فقال: «إنه ما طلب قط أن يتكلمَ من كتابٍ، بل كان يصلِّي من أجلِ ذلك لو أرادَ. وما كان يكتبُ رسالةً. ولما كان يأتي إلى الكنيسةِ كان يقفُ خلفَ العمودِ لئلا يبصرَ إنسانٌ وجهَه. وما كان ينظرُ إلى وجهِ إنسانٍ. وكان منظرُه يشبه منظرَ ملاكٍ. وكان كاملاً في الشيخوخةِ وصحيحَ الجسمِ مبتسماً. وكانت لحيتُه تصلُ إلى بطنهِ، وكان شعرُ جفونِه يتساقط من كثرةِ البكاءِ. وكان طويلُ القامةِ، لكنه انحنى أخيراً من الشيخوخةِ. وبلغ من العمرِ سبعاً وتسعين سنةً، أربعون سنةً منها حتى خروجِه من بلاطِ الملك، وباقيها في الرهبنةِ والوحدةِ. وكان رجلاً صالحاً مملوءاً من الروحِ القدس والإيمان. وقد ترك لي ثوباً من الجلدِ وقميصاً من الشعرِ ونعالاً من ليفٍ، وبهذه الأشياءِ كنتُ أنا غيرُ المستحق أتبارك بها».
قيل عن البابا ثاؤفيلس البطريرك لما حضرته الوفاة، قال: «طوباك يا أنبا أرسانيوس لأنك لهذه الساعةِ كنتَ تبكي كلَّ أيامِ حياتك».
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق