القدّيس سيرافيم ساروفسكي
هذه القصة تناسب، خصوصاً، الأعمار من 10 إلى 13 سنة
القدّيس سيرافيم ساروفسكي القدّيس سيرافيم ساروفسكي هو أحب القدّيسين والأكثر إكرامًا لدى الشعب الرّوسيّ. لم يقم باختراع عظيم، إلا أنّ ذكراه بقيت في الوجدان كرجل جزيل الحكمة والقداسة.
فحملته أمّه وأخذته ليقبّل الأيقونة ولم يمضِ عليه وقت قصير حتّى تعافى تمامًا
منذ طفولته، اهتمّ القدّيس سيرافيم بقصص الكتاب المقدّس وحياة القدّيسين. ذات مرة، مرض مرضًا شديدًا، فظهرت له العذراء مريم وقالت له أنّ حالته ستتحسّن. بعد بضعة أيام كان يقام زيّاح لأيقونة "كورسك" العجائبية لوالدة الإله، وبسبب رداءة الطقس أخذت الجموع طريقًا مختصرًا بقرب منزل القدّيس سيرافيم. فحملته أمّه وأخذته ليقبّل الأيقونة ولم يمضِ عليه وقت قصير حتّى تعافى تمامًا. ومنذ هذه الحادثة أحسّ أنّ والدة الإله تحيطه دائمًا بعنايتها. كان يذهب إلى الخدم الكنسية كلّما توفّر له ذلك، ويقرأ الكتاب المقدّس بشغف.
عندما بلغ سيرافيم الثامنة عشرة من عمره، عرف أنّه يريد أن يصبح راهبًا. ولمّا غادر المنزل، أعطته أمّه صليبًا من البرونز، لبسه حول عنقه طيلة حياته.
ولمّا غادر المنزل، أعطته أمّه صليبًا من البرونز، لبسه حول عنقه طيلة حياته.
ٱنشغل الرّاهب المبتدئ بأعمال الطاعة في الدير. كان يجيد النّجارة وقد بقي إلى آخر حياته يصنع أثاثه بنفسه. كرّس سيرافيم الكثير من وقته للقراءة والصّلاة. أثناء قراءته الإنجيل أو كتابات آباء الكنيسة، كان يجثو على ركبتيه أمام الإيقونة محاولاً ٱختبار المشاعر الموصوفة في ما يقرأ. بهذه الطريقة أصبحت قراءاته جزءًا من تمارينه النسكية الصّارمة. تمرّس سيرافيم على الصّوم أيضًا، فكان لا يأكل سوى مرة واحدة في اليوم، ويبقى من دون طعام يومي الأربعاء والجمعة. كان ينسحب لفترات طويلة إلى الغابة ليصلّي بتركيز، بعيدًا عن أي إزعاج. لكنّه مرض مجددًا، وظن الكلّ أنّه سيموت، إلا أنّ والدة الإله ظهرت له وقالت: ”هذا الشاب يخصّنا“، وما لبث أن تعافى بعد ذلك بقليل.
رأى القدّيس سيرافيم الرّب يسوع المسيح يدخل إلى الكنيسة ويبارك الحاضرين
ذات يوم، في خدمة الخميس العظيم، عاين الأب سيرافيم رؤية مؤثّرة. عندما كان يصلّي - واقفًا أمام الباب الملوكي يتلو الطلبة - في خدمة القدّاس الإلهي، رأى الرّب يسوع المسيح يدخل إلى الكنيسة ويبارك الحاضرين. أطلع سيرافيم رؤساءه على ما عاينه، فحذّروه من أن يستكبر بسبب الرّؤية الّتي هي علامة حظوة لدى الله، وحثّوه على تكريس حياته بالأكثر إلى الصّلاة.
بنى الأب سيرافيم لنفسه قلاية في الغابة. هناك كان يصلّي ويتبع بصرامة القوانين الّتي وضعها آباء الصحراء الأوائل القدّيسون. كانت لديه حديقة خضار زرع فيها مأكولاته. ولقد أطلق على بعض الأماكن المحيطة بقلايته في الغابة أسماء مناطق من الأرض المقدسة: أورشليم، الناصرة، بيت لحم إلخ... وعندما كان يصلي في هذه الأماكن كان يتذكر أحداث حياة يسوع الّتي ارتبطت بهذه الأسماء. كذلك حاول الاشتراك في هذه الأحداث، قدر استطاعته، وبذلك سعى لأن يقترب من الله.
وذهب الأب سيرافيم إلى الغابة حيث بنى لنفسه قلاية
ذات مرّة قالت امرأة أنّها رأته يطعم دبًا بيده أحبّ القدّيس سيرافيم بالأخص، الحيوانات: فاجتمعت حوله الدببة والأرانب والثعالب والذئاب لتأخذ منه فتات الخبز. كان يربت عليها ويطعمها. ذات مرّة قالت امرأة أنّها رأته يطعم دبًا بيده، وكتبت تصف المشهد بهذه الكلمات: "لقد كنتُ بالأكثر منزهلة من وجه القدّيس سيرافيم، إذ بدا لي فرحًا ومضيئًا كوجه ملاك." بهذه العلاقة السّلامية مع الحيونات المفترسة، استعاد القدّيس سيرافيم الإلفة البسيطة الّتي كانت في الفردوس، عندما أُعطي آدم سلطانًا على كلّ الحيونات، وكان يعيش في إلفة معها.
بمرور الزمن، أصبح القدّيس سيرافيم أكثر تشددًا في قانونه النّسكي حتّى كان يمضي نهاره وليله بطولهما واقفًا يصلّي متنقلاً من صخرة إلى أخرى
بمرور الزمن، أصبح القدّيس سيرافيم أكثر تشددًا في قانونه النّسكي حتّى كان يمضي نهاره وليله بطولهما واقفًا يصلّي متنقلاً من صخرة إلى أخرى. وفي وقت لاحق، تبنّى الصّمت فلم يعد يكلّم أحدًا. سار على خطى آباء البريّة الأوائل الّذين كان يقرأ عنهم باستمرار. وفي النّهاية عزل نفسه عن النّاس مغلقًا على نفسه في قلاية غير مدفأة ونائمًا فقط على ركبتيه.
بعد سنوات من القراءة والجهاد، أحسّ القدّيس سيرافيم بأنّه بات جاهزًا ليشترك في ثمار سنواته الطويلة من الصّلاة والتأمّل مع القادمين إليه. في هذه الفترة أصبح "شيخًا" أي راهبًا يستقبل الآتين لطلب العون ويرشدهم. وبقوة قداسته، بنعمة الله عليه شفى المرضى. فذاع صيته في كلّ الرّوسيا. تعجّب النّاس من قدرته على إرشادهم وفهم مشكلاتهم رغم بقائه طويلاً في العزلة بعيدًا عن الاهتمامات العالمية والعصرية. كان يعطي النّصح الحكيم والسّهل التطبيق، ويقرأ أفكار الناس ويساعدهم.
أيقونة والدة الإله الّتي كان يصلّي أمامها ويجلّها كثيرًا
مرة سأل رجلاً يُدعى موتوفيلوف أن يأتي إليه. قال له: "لقد أعلمني الرّب الإله أنّك، لسنوات طويلة، تحاول أن تعرف هدف الحياة المسيحية".
تعجّب موتوفيلوف من قدرة القدّيس سيرافيم على معرفة مكنونات القلوب. فهو كان كلّما سأل الكهنة أو المعلّمين هذا السّؤال كان يجيبونه: "إذهب إلى الكنيسة وصلِّ إلى الرّب، واحفظ وصاياه، ووزع الحسنات." لكن هذه الأجوبة لم تقنعه.
فأخذ القدّيس سيرافيم يفسّر له هدف الحياة المسيحيّة قائلاً: "الصّلاة والصّوم وسواهما، كلّها مقاصد سامية في حياتنا؛ هي الطرق الّتي تقود إلى الهدف. لكنّ هدف حياتنا هو أن نقتني الرّوح القدس. الإحسانات والصّلوات كلّها أعمال حميدة إذا ساعدتنا على اقتناء الرّوح القدس."
فسأله موتوفيلوف: "وما معنى اقتناء الرّوح القدس، لست أفهم؟".
فأجابه القدّيس: "يشبه اقتناء الرّوح القدس تخزين الأموال! كحساب توفير! نقتني الرّوح القدّس كما نختزن الأموال! نحن نقتني الرّوح القدس عندما نقوم بالأعمال الحسنة لأجل اسم الرب يسوع المسيح، أو عندما نصلّي، أو عندما نفكّر بالله. وأفضل طريقة لاقتناء الرّوح القدس الصّلاة، لأنّنا في كثير من الأوقات لا نذهب إلى الكنيسة بسبب انشغالاتنا، أو لا نُعطي الحسنات بسبب فقرنا. ولكن نستطيع في جميع الأحوال أن نصلّي، وعندما نصلّي نشعر بالقربى من الله. وهذا أسعد شعور في حياتنا".
"ولكن ماذا نعمل، إلى جانب الصّلاة؟"
"إعمَل أي شيء يقرّبك من الله، أي شيء يساعدك على الاستزادة من الرّوح القدس؛ هذا ما يجب عليك أن تفعله. فكر بالأمر كمن يتاجر ليُحرز ربحًا أكبر. إذا كانت الصّلاة تساعدك أكثر على اقتناء الرّوح القدس، فصلِّ. وإذا كان الصّوم يساعدك أكثر، فصم. إذا كانت مساعدتك للآخرين هي السبيل لاقتناء الرّوح القدس، فساعد الآخرين. تصرّف كالتاجر الّذي يحاول أن يتمِّم الصّفقة الأفضل ليحصِّل الرّبح الأكبر. الفرق هنا أنّه كلما كثرت أموالك كثرت مصاريفك، وهكذا تقلّ أموالك! أما نعمة الرّوح القدس فكلّما استزدت منها، كلّما ادخرت لنفسك كنزًا أكبر في السموات".
"ولكن كيف أعرف أنّي أقتني الرّوح القدس؟"
فأمسك القدّيس سيرافيم موتوفيلوف بكتفيه وقال له: "نحن الآن كلانا في الرّوح القدس. لماذا لا تنظر إلى وجهي؟"
"نحن الآن كلانا في الرّوح القدس. لماذا لا تنظر إلى وجهي؟"
"لا أستطيع يا أبي، لأنّ بريق نورٍ يخرج من عينك، ووجهك مضيء لدرجة أنّ عيني قد أُعميتا!"
"هذا يعني أنّنا في ملء نعمة الرّوح القدس. هيا أنظر إلي، لا تخف"!
فنظر موتوفيلوف، وبدا له كأنّ وجه القدّيس يتطلّع إليه من وسط الشمس.
فسأله القدّيس سيرافيم عن إحساسه.
"أشعر بالهدوء والسّلام في روحي".
"هذا هو السّلام الّذي يعطيه الله. وماذا تحسّ أيضًا؟"
"حلاوة هائلة"
"هذه هي الحلاوة التي يخال لك أنّها تُذيب القلوب. وماذا تحسّ أيضًا؟".
"فرح لا يوصف في قلبي".
"يملأ الرّوح القدس فرحًا كلّ من يلمسه. هذا الفرح هو ذوق مسبق، ولكن طفيف، لما ينتظرنا في السموات مقابل آلامنا وتعاستنا في هذه الحياة. ماذا تحس أيضًا؟"
"دفء مذهل، ورائحة جميلة، أجمل من أي عطر".
"إنّها أجمل من أي عطر أرضي. والدفء يأتي من داخلنا، لأنك ترى أنّ الثلج المحيط بنا لا يذوب. يكشف الرّب ذاته للذين يحبّونه ويحبّون القريب، ويملأهم بفرح الرّوح القدس. كلّ من آمن به، لا فرق راهبًا أو كاهنًا أو علمانيًا، يستطيع اختبار هذا الفرح. والآن إذ قد رأيت الرّوح القدس، إذهب بسلام".
غادر موتوفيلوف القدّيس سيرافيم، منذهلاً من قدرة هذا الرّجل الّذي لا يرى فقط الإله بل يساعد الآخرين على رؤيته أيضًا.
"طوبى للأنقياء القلوب، فإنّهم يعاينون الله".
يُعيّد للقدّيس سيرافيم في 2 كانون الثّاني و19 تموز.
رسم عن حفل إعلان قداسته في 19 تموز عام 1903
صلواته تكون معنا. آمين
أيقونات للقدّيس سيرافيم ساروفسكي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق