أحكام الله المدهشة
هذه القصة تناسب، خصوصاً، الأعمار من 10 إلى 13 سنة
أحكام الله المدهشة
كان في أيام الأمبراطورية الرومانية قديماً قائدٌ من أشهر قادة الجيش. هذا كان كثير الحسنات، محبّاً للفقراء، يُنصف المظلومين ويأوي الغرباء
كان في أيام الأمبراطورية الرومانية قديماً قائدٌ من أشهر قادة الجيش. هذا كان كثير الحسنات، محبّاً للفقراء، يُنصف المظلومين ويأوي الغرباء. لم يكن مسيحياً بل وثنياً. كان شبيهاً بكرنيليوس، قائد المئة، الذي ورد ذكره في كتاب أعمال الرسل (10). كان يعمل أعمال المسيح من غير أن يحمل اسم المسيح.
وحدث أن خرج هذا القائد، مرّة، في رحلة صيد كعادته. ولكنه بدل أن يصطاد شيئاً وقع في شباك المسيح. فأثناء الرحلة، وفيما كان يبحث عن طريدة، ظهر أمامه، فجأة، غزال، فأخذ قوسه وشدّ إليه سهماً وهمّ بتسديد السهم. في هذه اللحظة بالذات لمع من بين قرنَي الغزال نور بهر عينَي القائد، فتوقّف عن التسديد. نظر جيّداً ليرى ما هذا النور الغريب، فرأى هيئة صليب يلمع كالشمس وشخصَ الرب يسوع المسيح عليه.
ظهر أمامه، فجأة، غزال، فأخذ قوسه وشدّ إليه سهماً وهمّ بتسديد السهم...فرأى هيئة صليب يلمع كالشمس وشخصَ الرب يسوع المسيح عليه
وإذا بصوت يخاطبه قائلاً:"...لماذا تطاردني؟ أنا هو المسيح الذي أنت تكرمه بأعمالك ولا تدري...لقد جئتُ إلى الأرض لأخلّص البشر... ها أنا ذا أظهر لك اليوم لأصطادك...". فوقع القائد عن حصانه وغاب عن الوعي بضع ساعات من شدة الصدمة. ولمّا أفاق، أخذ يراجع ما جرى له ويتساءل أفي حلم كان أم في يقظة. لم يبق القائد لوحده طويلاً مع أفكاره لأن الرب يسوع المسيح ظهر له من جديد وكلّمه وأكّد له أن ما رآه كان حقيقة. فآمن القائد وقام إلى كاهن علّمه الإنجيل وعمّده هو وأهل بيته وأعطاه اسماً جديداً هو أوسطاتيوس، كما أعطى زوجته اسم ثيوبيستي وولديه أغابيوس وثيوبيستوس.
وما أن بلغ الملكَ خبرُ ما جرى حتى غضب غضباً شديداً. ومع أنه كان يقدّر أوسطاتيوس كثيراً لأنه من أعظم قادته، فإن كرهه للمسيحيين جعله يأمر بمصادرة أملاكه، كما أرسل جنوده ليقبضوا عليه. لكن أوسطاتيوس تمكّن، في اللحظة الأخيرة ، من الإفلات هو وعائلته.
وكان ذلك بداية أحداث مؤلمة جداً جرت لهذه العائلة المباركة، وكأن الله أراد امتحانها كما امتحن عبده أيوب في قديم الزمان.
فلقد غادرت العائلةُ موطنَها في سفينة قاصدة مكاناً آمناً. وما أن وصلت إلى الشاطئ حتى منع ربّان السفينة – وكان فظاً شرساً – زوجة أوسطاتيوس من النزول. لماذا؟ لأنه أراد أن يحتفظ بها لنفسه. فحاول أوسطاتيوس جهده لينقذ زوجته فلم ينجح، لأن الربّان كان يعلم أنهم فارّون وهدّدهم بإفشاء سرّهم إلى الجنود. وهكذا اضطر أوسطاتيوس وولداه أن يكملوا سيرهم ويتركوا ثيوبيستي وراءهم، والحزن يملأ قلوبهم.
اضطر أوسطاتيوس وولداه أن يكملوا سيرهم ويتركوا ثيوبيستي وراءهم، والحزن يملأ قلوبهم.
_________
تطلّع إلى هذه الجهة فرأى أسداً زائراً يطارد ابنه فارتاع...التفت ... حيث كان ابنه الثاني،... فرآه يركض من أمام ضبعة ويصرخ النجدة أضحى أوسطاتيوس كأيوب الصدّيق. خسر مكانته ورزقه وأحبته
حمل أوسطاتيوس همّه وسار بولديه من مكان إلى آخر يطلب الأمان بعيداً عن عيون جنود الملك. وفي الطريق، جاء إلى نهر كان على الثلاثة أن يعبروه ليتمكنوا من متابعة سيرهم. فنزل أوسطاتيوس حاملاً أحد ولديه إلى الماء وأخذ يسبح إلى أن بلغ الضفّة الأخرى من النهر. هناك ترك ولده على اليبس ونزل إلى الماء من جديد وأخذ يسبح ليحضر الآخر. وما كاد يبلغ منتصف الطريق بين ضفتَي النهر حتى تطلّع إلى هذه الجهة فرأى أسداً زائراً يطارد ابنه فارتاع. وقبل أن يتحرك باتجاه هذا المشهد المريع، التفت إلى الجهة الأخرى، حيث كان ابنه الثاني، ليتأكد من أنه بخير، فرآه يركض من أمام ضبعة ويصرخ النجدة. أمام هذين الحادثتين الغريبتين اللتين وقعتا في وقت واحد جنّ جنون الأب فراح يخبط في المياه على غير هدى. وما أن صحا إلى نفسه حتى أخذ يركض في كل اتجاه ينادي ولده الأول هنا وولده الثاني هناك. ولكن، عبثاً كان يحاول، لأنه لم يجد لهما أثراً. كأن الأرض انشقّت وبلعتهما. فوقع أوسطاتيوس أرضاً مهدود الحيل، متعباً، حزيناً حتى الموت.
بكى الأب كثيراً وصرخ إلى ربّه كثيراً. أخيراً، ودون أن يستسلم لليأس، أخذ يجّر رجليه جراً، لا يدري ماذا يقول ولا ماذا يفعل. لقد أضحى أوسطاتيوس كأيوب الصدّيق. خسر مكانته ورزقه وأحبته. عظيمة كانت آلامه، ومع ذلك لم يكفر بل بقي مؤمناً متمسكاً بربّه لأن صورة المسيح الذي ظهر له وتحدث إليه خلال رحلة الصيد تلك لم تفارقه. بقي الرجاء في قلبه رغم كل شيء. وهذا ما حفظه مع أنه فكّر في الإنتحار أكثر من مرّة.
ومرّت الأيام وعاش أوسطاتيوس في مصر عاملاً بسيطاً يأكل خبزه مجبولاً بمرارة الأحزان، لا يدري بأمره أحد غير الله.
وكان من الممكن أن تنتهي قصّة أوسطاتيوس عند هذا الحد، ولكن أحكام الله هي غير أحكام الناس. وهو يشاء أحياناً أن يكشف لنا بعض أحكامه لنتعزّى بها ونتأكد من أنه يعتني بنا في كل حال. كذلك يكشف لنا الله بعض أحكامه، أحياناً، لنتعلم أن نسلمه أمورنا. فلقد تحرّك البربر، في تلك الأيام، وبدأوا يهدّدون بعض حدود الأمبراطورية الرومانية. فاحتار الملك كيف يردّ هذا الخطر العظيم عن أمبراطوريته. راح يبحث عن قائد كفؤ يسند إليه مهمة قيادة حملة عسكرية ضد البربر. ولكن، لم يكن هناك قائد واحد يفي بالغرض بكل معنى الكلمة. وبعد تفكير طويل، تذكّر الملك القائد السابق أوسطاتيوس الذي طالما انتصر على البربر في أكثر من حملة عسكرية. فتحرك للحال وأرسل جنوده يبحثون عنه في كل مكان. وبعد البحث والتدقيق، اهتدى الجنود إلى مكانه في مصر. كانت هيئته قد تغيّرت بسبب كثرة ما تحمَّل من فواجع. فأخذوه وذهبوا به إلى الملك.
عادت الفرحة إلى قلب أوسطاتيوس واجتمع شمل العائلة من جديد
فاستقبله الملك أحسن استقبال وردّ له كل الألقاب والإمتيازات والممتلكات التي كان قد نزعها منه. والأهم الأهم من هذا كله أن أوسطاتيوس رأى امرأته وولديه في انتظاره! كيف ذلك؟! بتدبير من الله! فلقد مات ربّان السفينة فجأة بعد قليل من اختطافه امرأة أوسطاتيوس. كما أن ولدَيه لقيهما صيّادون، فأنقذوهما من الأسد ومن الضبعة. وهكذا عادت الفرحة إلى قلب أوسطاتيوس واجتمع شمل العائلة من جديد، وتعزّى الجميع أكبر تعزية وشكروا الله على محبته الفائقة.
هذا هو القدّيس أوسطاتيوس وعائلته الذي تعيّد لهم الكنيسة المقدّسة في اليوم العشرين من شهر أيلول من كل عام. تجدر الإشارة إلى أن هذه العائلة المباركة التي ذاقت أمرّ التجارب ولم تيأس، بل صبرت واتكلت على الله، هذه العائلة المباركة سمح الله بأن تستشهد لأجل اسم الرب يسوع. وهكذا عاشت هذه العائلة شهيدة عظيمة وماتت شهيدة عظيمة.
ألا كانت حياة أوسطاتيوس وثيوبيستي وأغابيوس وثيوبيستوس قدوة لنا في الإتكال على الله مهما كانت الصعوبات والضيقات التي نواجهها، ومهما كانت التضحيات التي نقدّمها. صلواتهم معنا أجمعين.
أيقونة القدّيس أوسطاتيوس مع عائلته
أيقونة القدّيس أوسطاتيوس في رحلة الصيد
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق