القدّيسة يوليانا الرحيمة
هذه القصة تناسب، خصوصاً، الأعمار من 10 إلى 13 سنة
القدّيسة يوليانا الرحيمة إيقونة للقدّيسة يوليانا
منذ زمن بعيد، على عهد القيصر إيفان الرهيب، عاشت فتاة صغيرة في إحدى قرى روسيا اسمها يوليانا. في ذلك الزمان كانت الحياة قاسية في روسيا: كانت هناك حروب كثيرة، وكان يُقتل عدد كبير من الناس وآخرون يعانون الجوع أو المرض. نادراً ما وُجدت مدرسة، حتى الكنائس كانت قليلة وبعيدة مما لم يسمح لعائلة يوليانا بالذهاب كثيراً إليها. توفي والدا يوليانا عندما كانت طفلة، فعاشت مع عمتها وأقربائها. كانت، رغم صغر سنها، تذهل الجميع بتفانيها ولطفها خاصة مع المريض والفقير.
كانت ليوليانا طريقتها الخاصة في مساعدة الفقراء. كانت تجيد الحياكة فتخيط ثياباً جميلةً في الليل عندما ينام الجميع وتبيعها في السر، وبالمال الذي تجمعه تبتاع الطعام والثياب للمحتاجين. لم يدرِ أحد بما كانت تقوم به يوليانا ولكنّ الذين كانت تساعدهم كانوا يحبّونها كثيراً. لم تكن يوليانا تقدّم لهم الطعام والثياب والمال وحسب بل كانوا يشعرون أنها تحبّهم وتتعاطف معهم.
القدّيسة يوليانا تساعد الفقراء
لم تتباه يوليانا أمام أصدقائها أو عائلتها بأعمالها الصالحة أو حتى تتفاخر بتقواها. كان الكل يستلطفها ويدعوها إلى اللعب معه أو التسلية لكنها كانت دائماً تجد عذراً لتتفادى مضيعة الوقت بالأمور التافهة وتلجأ إلى العزلة والصلاة. لم تتعلّم يوليانا القراءة والكتابة، لكنّها كانت تذهل الجميع بحكمتها وأجوبتها المتزنة على أسئلتهم.
كانوا يقولون:"لا تحتاج يوليانا لأي مدرّس، لأن القدّيسين أنفسهم هم مدرّسوها".
إيقونة أخرى للقدّيسة يوليانا تناجي الرب يسوع
عندما بلغت السادسة عشرة، أرادت عائلتها تزويجها. لم تكن يوليانا مسرورة، لأنها عرفت أنه لن يعود لديها الوقت الكاف لحياتها الروحية وأعمالها الصالحة. أرادت أن تصير راهبة لتكرّس حياتها بكلّيتها للرب الإله. رغم ذلك، لم تعارض عائلتها.
تزوجت يوليانا رجلاً جيداً وغنياً جداً فكان عليها أن تدير بيتاً كبيراً فيه عدد كبير من الخدم والفلاحين. لم تكن توبّخ أحداً منهم بل تعلّمهم بالحب وإذا لم يتمموا عملهم كما يجب كانت تتممه عنهم بصمت. لم تقبل يوليانا أن يخدمها أحد وكانت تقول: "من أنا، ليخدمني الناس؟ ألم يخلقهم الله هم أيضاً؟"
كانت يوليانا تعرف أن كلَّ البشر متساوون في عين الله، حتى لو كان بعضهم غنياً أو مُتَسيِّداً وآخرون فقراء وخدّاماً. كتب ابنها:" كانت تعامل خدّامها كما تعامل أولادها. كانت أماً لهم ولم تكن سيّدتهم".
كانت القدّيسة يوليانا تمضي معظم وقتها في الصلاة
أحبّها الجميع لا الفقراء وحسب بل زوجها وعائلته وكانوا يتوسلّون إليها أن تعتني بصحتها. أما يوليانا فكانت تأكل قليلاً وتصوم كثيراً وتمضي معظم وقتها في الصلاة. حتى أثناء الليل كانت تساعد الفقراء سرّاً. وبقدر ما كانت تساعد الأخرين، كان يزداد فرحها ويزداد حب الأخرين لها.
رزقت يوليانا عدداً من الأولاد وأحبتهم كلَّهم وعلمتهم ما كانت تعرفه. ورغم انشغالها بمنزلها الكبير ومساعدتها للفقراء، كانت تحيط أولادها بحبها وحكمتها. وكان أولادها معجبين بها ويحبونها وقد تكلموا وكتبوا عن طيبتها وحبّها اللامتناهَيين.
في تلك الأيام انتشرت أمراض كثيرة في روسيا، ورقد عدد من أطفال يوليانا الصغار. كانت هي متأكدةً أنهم في حضرة الله في السماوات إلا أنها كانت تشتاق إليهم كثيراً. وعندما مات ولداها الأوّلان في حادث، اشتدّ عليها الحزن، وأرادت الذهاب إلى الدير لتمضية بقية حياتها في الصلاة وعبادة الله. وإذ أحسّت بإنها لا تستطيع الإستمرار في حياتها العائلية، طلبت من زوجها أن يسمح لها بالمغادرة.
فسألها هذا الأخير:"ومن سيعتني بباقي الأولاد؟ وأنا أيضاً سوف أشعر بالوحدة من دونك. أرجوك ابقي معنا لأننا بحاجة إليك ونحبك." وبعد أخذ ورد، وافقت يوليانا على أن تبقى وتهتمّ بعائلتها وبيتها والفقراء الذين يقرعون بابها.
القدّيسة يوليانا تستمر في مساعدة الفقراء
بعد ذلك بقليل حصلت مجاعة وبات الشعب جائعاً يطلب لقمة العيش. أعطت يوليانا كلّ الطعام الذي كان في بيتها وعلّمت خدامها صنع الخبز من أعشاب الأرض أو القشر عوضاً عن القمح. اشتهر هذا النوع من الخبز؛ وكان يأتي الناس من بعيد ليذوقوه.
كان جيرانها يسألون:"لماذا خبز يوليانا لذيذ؟ أما الفلاحون فكانوا يقولون إنه بهذه الجودة بسبب الحب الذي كانت تبذله يوليانا في صنعه وتوزيعه على الفقراء، "إنها تعيش في إثر الله".
إيقونة للقدّيسة يوليانا مصليّة وقد تقدّمت في العمر
بعد سنوات، رقد زوج يوليانا. فأصبحت يوليانا أكثر بذلاً في خدمتها للآخرين وفي الصلاة لله. كانت تنام قليلاً، وتعطي كلَّ شيء لتساعد الآخرين. لم تنسَ قط أنه يجب عليها أن تقوم بعمل إضافي لشخص ما، أو أنها تستطيع أن تعطي أكثر من نفسها لله وخدمته. لم تفكر قط براحتها. كان أولادها يحبونها كثيراً ويطلبون منها مراراً كثيرة أن تهتم بنفسها أكثر ولكنها كانت تجيبهم:"ما النفع إذا حفظت جسدي وخسرت روحي؟" واستمرت تعيش كسابق عهدها، دون أي تفكير بما يريحها.
على سرير الموت، أحاط بيوليانا أحباؤها: أولادها الذي تآكلهم الحزن، وإلى جانبهم الفقراء والخدّام وكل من عرفها إذ تهافتوا لرؤيتها قبل رقادها. حبها للآخرين ومساعداتها العطوف جمعت حولها عدداً من الأصدقاء. بالنسبة ليوليانا، محبة الأخرين كانت أهم من الحياة نفسها وجعلتها تزداد سعادة كلّما تقدّمت في حياتها. محبة الناس لها بالمقابل، جعلت قصصاً كثيرةً تنتشر عنها إلى أن اشتهرت رغم أنها كانت تعيش ببساطة كربة منزل وزوجة مطيعة وأم.
إيقونة جامعة للقدّيسة يوليانا مع كل مراحل حيّاتها من طفولتها إلى رقادها
عَجِب الناس من الفرح والسلام اللذَين استقبلت يوليانا بهما الموت. بعد رقادها رأوا هالة مضيئة حول رأسها، الهالة عينها التي نراها على رؤوس القدّيسين في الإيقونات.
بعد مرور عدد من السنوات، أعلنت الكنيسة قداستها نظراً لصلاحها الكبير وإيمانها العميق. الناس البسطاء الذين عرفوها اعتبروها قدّيسة في حياتها، وكانوا يفكرّون بها كلّما سمعوا هذه الآية:"طوبى للرحماء فإنهم سيُرحمون."
تعيّد الكنيسة للقدّيسة يوليانا في 2 كانون الثاني.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق