الثلاثاء، 29 مايو 2012

تأملات فى حياة القديس يوسف النجار






تأملات فى حياة القديس يوسف النجار
نيافة الانبا سارافيم
نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة


 لعب هذا القديس دورا هاما فى حياة الاسرة التى تربى فيها الطفل يسوع . ولان الكتاب المقدس يركز على سر التجسد الالهى وعلى تعاليم السيد المسيح والخلاص الذى قدمه للبشرية لم يركز كثيرا على حياة القديس يوسف , ولا حتى على حياة القديسة العذراء مريم . فأكثر المعلومات التى نعرفها عن القديس يوسف او عن مريم العذراء جاءتنا فى ميمر هام كتبه القديس يعقوب الرسول ابن حلفى اول اسقف على اورشليم عن ( ميلاد السيدة العذراء) , واذا عرفنا ان القديس يعقوب ابن حلفى هو احد الاثنى عشر تلميذا وكاتب رسالة يعقوب وله صله وطيدة للسيد المسيح لقدرنا قيمة هذا الميمر الهام .
 كان يعقوب ابن حلفى واخوه يهوذا الرسول ( كاتب رسالة يهوذا ) ضمن اللذين تلقبوا باخوه المسيح ( يعقوب ويهوذا وسمعان ويوسى ) وهم فى الحقيقة اولاد خالة المسيح واولاد عم المسيح فى نفس الوقت اذا اعتبرنا ان يوسف النجار كان فى مقام اب المسيح امام الناس . ذلك ان الرب اعطى يواقيم وحنة ابنة ثانية بعد تقديمهم مريم العذراء الى الهيكل فأسمياها مريم ايضا . مريم الثانية هذه تزوجت برجل اسمة حلفا ( بالعبرية ) او كلوبا ( باليونانية ) وانجبت منه الاربعة اولاد السابق ذكرهم .
 ويقول يوسابيوس القيصرى المؤرخ الكنسى المشهور ان كلوبا كان اخ ليوسف النجار . من هنا جاءت اهميه الميمر الذى كتبه يعقوب الرسول كفرد عائلة المسيح .
 واذا عرفنا ان يواقيم والد العذراء مريم هو عم القديس يوسف النجار ، وبذلك تكون العذراء القديسة قد خطبت الى ابن عمها . لاتضحت الصورة اكثر .

نسب يوسف النجار
نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة

كان القديس يوسف النجار من عائلة متان ابن داود من سبط يهوذا . كان لمتان ولدان يعقوب ويواقيم ( ابو العذراء مريم ). اذا يرجع نسب السيد المسيح من جهة العذراء امه الحقيقة ومن جهة يوسف ابيه حسب العرف الى سبط يهوذا ، وذلك فى غاية الاهمية بحسب النبوات الورادة عنه فى العهد القديم . ان المسيه سوف يأتى من سبط يهوذا (تك10:49)، (اش1:11). انجب متان ولدين يعقوب ويواقيم ثم توفى . فتزوجت امراته باخر وانجبت منه هالى ، تزوج هالى ومات دون ان ينجب نسلا . فتزوج يعقوب بأمراة هالى اخيه حسب الشريعة (تث5:25) وانجب يوسف النجار . اذا كان يوسف النجار ابن ليعقوب حسب الطبيعة (مت16:1) وابن لهالى حسب الشريعة (لو23:3) ، وهذا يوضح اختلاف النسب الوارد فى انجيل معلمنا متى والنسب الوارد فى انجيل معلمنا لوقا .

يوسف النجار كان مختارا من الله
نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة

ظل يواقيم وحنة عاقرين لمدة 31 عاما ثم اعطاهم الرب الدرة الثمينة مريم العذراء فوهبها لخدمة الهيكل بعد فطامها ولها من العمر 3 سنوات . ولما بلغت مريم 6سنوات توفى ابوها يواقيم ، ولما بلغت 8سنوات توفت امها حنة فصارت بذلك يتيمة الاب والام وكانت مريم قد نذرت ان تعيش عذراء طوال حياتها . فلما بلغت 12 سنة كان لابد ان تغادر الهيكل بحسب نظام الشريعة ، ففكر الكهنة فى اختيار شخص بار تخطب له مريم ويأخذها ليرعاها فى بيته بدون زواج فعلى . فجمعوا عصى بعض الشيوخ المعروفين بالتقوى وضعوها فى الهيكل وظلوا يصلون ، وفى يوم من الايام جاءت حمامة ووقفت على العصاة المكتوب عليها اسم يوسف النجار ثم طارت ووقفت فوق رأسه . فعلم الكهنة ان هذا الرجل قد اختاره الله للقيام بهذه المهمة فأخذ يوسف العذراء الى بيته وهو شيخ على انها خطيبته امام المجتمع وسخر نفسه لخدمة الفتاة الصغيرة دون ان يعرف سر هذه القديسة وانها سوف تصير ام الله . لم يقحم يوسف نفسه فى قصة الميلاد الالهى العجيب ولم يختار الدور الذى يلعبه فى هذه الاسرة المباركة وانما كان الاختيار من الله الفاحص القلوب والكلى والذى وجد يوسف مستحقا لاخذ هذه البركة الكبيرة وللقيام بهذا الدور الخطير فى حياة مريم والطفل الالهى .

كان يوسف بارا
نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة

يشهد الكتاب المقدس لبره وقداسته ( مت19:1) ويظهر بر هذا الشيخ القديس فى الموقف الذى كان على وشك ان يتخذه حيال حبل العذراء العفيفة . كان الموقف صعب وخطيرا جدا . اذ ربما يعرض العذراء للرجم اذ لم يتصرف بحكمة ولكونه ابن عمها ويشهد لطهارتها ويعرف حياتها عن قرب شديد . لم يعرف كيف يتصرف ، ولكونه كان بار ويحرص على مشاعر العذراء القديسة لم يتركه الله كثيرا فى حيرته . انما ارسل له ملاك يطمئنه ان هذا الحبل هو من الله ومن تلك اللحظة تغيرت حياته كلها وسار خادم لسر عجيب لم يسمع به احد من قبل ولم من بعد . صدق البار قول الملاك وحفظ العذراء تحت جناحه وسار حارس لها وخادم لابنها دون ان ينطق بكلمه . لم نسمع ليوسف النجار كلمه واحدة فى الكتاب المقدس ، الا ان حياته كلها كانت متشحة بالقداسة وبالعلاقة القوية بالسماء . اذ كان تحركاته كلها بأوامر من السماء .

كان يوسف متضعا جدا
نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة

رضى بقبول العذراء اليتيمة فى بيته وهو شيخ وان يقوم بأعالتها وحفظها وخدمتها . رضى ان يكون خادم للاسرة المقدسة ينتقل معها من مكان لمكان رغم سنه وامراضه . لم يسأل ولما يستفسر ولم يحتج على شئ ، ولم يحاول قط ان يفرض رأيه فى الموضوع ، لم يطلب ضمانات فى اسفاره المتعددة . يكفيه ان الاوامر تأتيه من ملاك سماوى وكفى ، ولولا اتضاعه العجيب لما احتمل القيام بهذا الدور المجيد . اذ كان يسوع يناديه طوال 16سنة تقريبا ( يا ابى) ويقول الكتاب المقدس "كان خاضعا لهما " (لو51:2) اى لمريم ويوسف ... تأمل كلمة خاضعا لهما .
قام يوسف بدور الاب فى هذا الاسرة المقدسة (رب البيت) واشرف على تنشأة الطفل يسوع وتربيته وتعليمه وعلمه النجارة حرفته ...... كان ذلك وهو يعلم تماما ان هذا الطفل هو ابن الله . لم يتكبر ولم يتفاخر بهذا الدور . وكم من معجزات شاهد ، وكم من ايات راه ، وكم من مواقف عاصرها داخل البيت الصغير . وعلى ذلك حافظ على اتضاعه العجيب حتى رحل من هذا العالم فى هدوء وسلام بعدما قام بمهمته احسن قيام .

عرف يوسف من خلال تواضعه العميق سر الطفل الالهى انه برغم كونه الها حقيقيا كاملا الا انه ايضا انسانا حقيقيا كاملا ( بدون خطية ) . وكانسان كامل كان الطفل العجيب محتاج الى اب لتنشأته وام لتربيته . فكان ينمو قليلا قليلا فى القامه والنعمة والحكمة عند الله والناس (لو52:2).
كان منطق يوسف المتضع كمنطق يوحنا المعمدان "ينبغى ان ذاك يزيد وانا انقص"
ومن علامات اتضاعه الهدوء والطاعة :
نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة
كان يوسف ميالا للصمت مثل العدراء . فلم نسمع له كلمة ، ينطبق عليه مجاء عن مريم " واما مريم فكانت تحفظ جميع هذا الكلام متفكره به فى قلبها " ( لو19:2). كان رجل يتأمل بعمق شديد هذه الاسرار التى يراها امامه ، فلا يسعه الا ان يصيبة الدهشة والسكوت . كيف يعبر عن هذا السر العجيب بكلمات بشرية ؟ يوسف ومريم لم يسمعا عن سر التجسد الالهى ولم يقرأ عنه بل عاش هذا السر لحظة بلحظة .

ان القديسين اللذين يتأملون فى السماويات بعمق يصلون الى درجة اختطاف العقل ويصيبهم صمت مقدس ينسون معه كل شئ فى العالم فكم وكم يكون حال يوسف ومريم اللذان عايشا هذا السر بعمق لم يتمتع به شخص اخر فى التاريخ . كان صمت الرجل الحكيم العاقل المتأمل بعمق فى الاحداث .
وكان يوسف مطيعا جدا :
نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة
مطيعا لتعليمات كهنة الهيكل ، ومطيعا لحركات ضميره تجاه العذراء القديسة ، ومطيعا لاوامر السماء والملاك الذى يحركه هنا وهناك ، ومطيعا لتعليمات الدولة بالاكتتاب ، ولاوامر الشريعة الخاصة بالختان والتقدمه فى الهيكل ، والذهاب الى اورشليم كل عام للاحتفال بعيد الفصح ( لو41:2) . كان يوسف مطيعا بلا تزمر وبلا استفسار .كانت طاعته الفورية تعكس ثقته فى الله ،وتسليمه ذاته بالكامل بين يدى الله بدون فحص ولا قلق ولا شكوك ولا ضمانات . وفى طاعته لم يحمل هم ولم يقلق ولم يتردد . كان يكفيه انه بقرب يسوع ، يراه امامه باستمرار ، يأكل معه ، يخرج ويدخل معه، يعمل معه ، ينام معه فى بيت واحد ، يسمع من شفتيه المباركتين كلمة ( يا ابى ) ، يتحدث معه ....

طوباك ثم طوباك ايها القديس العظيم يوسف النجار ، وربما من حنان الله عليك انه لم يسمح لعمرك ان يمتد لترى يسوع مصلوب ومهان . فاراحك الله من هذا السيف المؤلم على قلبك لتنتقل من هذا العالم قبل ان يخرج يسوع الى خدمته العلنية .

طوباك ثم طوباك. صل عنا ايها القديس العظيم يوسف النجار

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق