تاريخ دير الأنبا رويس
أثبات للكنيسة أرض الأنبا رويس
أخذ حبيب المصري باشا علي عاتقه, وبالبحث المستفيض الذي دأب عليه كتب مذكرتين مطولتين إحداهما في سنة 1937. أرسلت إلي عبدالفتاح الطويل وزير الصحة في ذلك الوقت, والأخري تكملة للأولي أرسلت لمصطفي النحاس عام 1938 وزير الصحة بالنيابة وقتها, إلا أن تعاقب الوزارات واحدة تلو الأخري عطل الموضوع الذي ظل النزاع عليه قائما إلي عام 1946, حتي إقرار حق القبط في ملكيتهم للأرض, فقد قبلت لجنة القضايا صحة هذه المذكرات, وعرضتها علي مجلس الوزراء بجلسته المنعقدة في 5 مايو 1946, فقرر الموافقة عليها بعد أخذ رأي لجنة الشئون المالية بمجلس النواب, وكتبت اللجنة تقريرها في 21 يوليو 1946, الذي جاء فيه أنها عكفت علي دراسة المذكرات التي وضعها سعادة حبيب المصري باشا وكيل المجلس الملي العام للأقباط الأرثوذكس بخصوص أرض الأنبا رويس, ورأت الموافقة علي قرار لجنة قضاياالحكومة.
وقد نشرت مجلة الأنوار في عددها الصادر بتاريخ 25 أغسطس 1946 مقالة جاء فيها: إن هذا العمل الجليل إنما يسطر بماء الذهب لسعادة حبيب المصري باشا, فقد كتبت للبطريركية حقا ما كانت تحلم بنيله لولا غيرته وجهاده... إن الأعداد الغفيرة الذين يدخلون دير الأنبا رويس الآن لا يعرفون تاريخها. هذا التاريخ الذي يعد جزء لا يتجزأ من الكنيسة, ونظرا لأهمية هذه المذكرة ننشرها تباعا, وفيما يلي الجزء الأول منها والذي نشرته مجلةالأنوار في عددها الصادر في 26 أكتوبر 1943.
حضرة صاحب المعالي وزير الصحة, يتقدم المجلس الملي العام للأقباط الأرثوذكس إلي معاليكم بخالص الشكر علي ما تفضلتم فأبديتموه من جميل العطف وحسن الإصغاء نحو مندوبي المجلس الذين تقابلوا مع معاليكم بديوان الوزارة في مساء الثلاثاء 23 نوفمبر 1937. للتحدث إليكم بشأن أراضي دير أنبا رويس المملوكة لطائفة الأقباط الأرثوذكس من قديم الأزمان ملكية صريحة ثابتة, وأننا لنعيد الرجاء إلي معاليكم بأن تتكرموا باتخاذ قرار حاسم صريح في الموضوع بما يقتضيه حقنا الثابت. فقد طال المطال علي بقاء هذه المسألة معلقة... وإذا كنا قد استعملنا بعض هذه الأرض فيما مضي من الزمان في دفن موتانا فلم يكن ذلك بناء علي أمر أو مرسوم خصصت بموجبه الأرض للدفن, وإنما كان ذلك حربا علي التقاليد المتبعة في جميع الطوائف المسيحية من دفن الموتي إلي جانب البيع والأديرة لإقامة شعائر الدين الخاصة بهم, وليس من شأن هذا أن يؤثر بحال من الأحوال علي ملكيتها للدير أو للأرض الملحقة به.
ومن أقطع الأدلة علي ذلك أنه لما اعتزمت مصلحة الصحة في سنة 1926 استصدار مرسوم ملكي بتحديد جبانة للأقباط في أنبا رويس طلبت إلي البطريركية بكتاب رسمي تقديم مستندات ملكيتها للأرض لأجل النص في المرسوم علي اسم المالك الأصلي للأرض المذكورة.
وفي هذا الكتاب إقرار بأن دفن موتانا في أرض ديرنا في الزمن الماضي لم يكن من شأنه أن يفقدنا حق ملكيتنا لها, لأننا لو كنا فقدنا حق الملكية بسبب ذلك لما طولبنا بتقديم مستندات هذه الملكية, كما أنه لما صدر المرسوم ولم يذكر فيه أن الأرض ملك للبطريركية القبطية - بسبب التأخر في تقديم المستندات المطلوبة - وإنما ذكر فيه فقط أن الأرض تابعة لطائفة الأقباط الأرثوذكس بادرت البطريركية بالاعتراض علي ذلك وقدمت المستندات المؤيدة لملكيتها وطالبت بتصحيح المرسوم, فلم يكن الجواب علي ذلك رفضا بحجة أن البطريركية فقدت ملكية الأرض بسبب استعمالها للدفن في الماضي, ولكن كان الجواب أنه ليس في الإمكان تغيير المرسوم, وأنه لا حاجة الآن للتعرض لمسألة ملكية الجبانة إذ أن محل هذا البحث يكون عند إبطال الدفن فيها.
كل هذه الوثائق تدل علي أن المصلحة كما هو الحق والقانون مسلمة بأن البطريركية لم تفقد حق ملكيتها في أرض الدير بسبب استعمالها لدفن الموتي. كما أننا من الجهة الأخري قد أثبتنا في الرسائل المتعددة التي بعثنا بها لوزارة الصحة وآخرها الكتاب المرسل في 18 فبراير سنة 1937, والكتاب المرسل في 8 نوفمبر سنة 1937 الأدلة القاطعة علي أننا نملك الدير والأراضي التابعة له, وأننا الواضعون اليد عليها بصفتنا هذه بلا انقطاع وبغير منازع منذ مئات السنين. وأنه وإن لم تكن لدينا مستندات التمليك الأصلية لأن ملكيتنا للأرض ضاربة في غياهب القدم. فإن كتب التاريخ تشير إلي أننا نملكها منذ نحو عشرة قرون, وأن كنيسة الخندق عمرت في وقت القائد جوهر, عوضا عن أن كنيسة أخذها منهم, وقد قدمنا حكما يرجع عهده إلي نحو مائتين وخمسين من السنين ثابت فيه أن جماعة شكوا إلي محافظ مصر من أن للأقباط كنيسة بجوار مقام المرحوم الشيخ دمرداش, وأنها من قديم الزمان قدر فدان أرض من غير زيادة, وأنها الآن تجاوزت عن عشرة أفدنة, وحصل بذلك العذر.
وواضح من هذا الوضوح كله أن أرض الدير كانت في ذلك العهد تتجاوز عشرة أفدنة, ولكن الشاكين زعموا أن الأرض كانت في الأصل فدانا واحدا, وأن الباقي نتيجة اغتصاب الأقباط لأرض ليست مملوكة لهم, وقد كان من إثر هذه الشكوي أن عين قاض القضاة بما له من الولاية الشرعية هيئة مؤلفة من طائفة كبيرة من الموظفين والهندسيين فتولت التحقيق وعاينت الكنائس التي قدمت عنها الشكوي وفيها الدير المعروف بدير الخندق, بضواحي مصر البحرية بالقرب من مقام الشيخ دمرداش, وثبت لها أن الحالة علي ما كانت عليه من قديم الزمان, وأن الأقباط لم يأخذوا أرضا زيادة علي أرضهم, فكتبت لهم الحجة بذلك, ويمنع التعرض لهم, وقد قدمنا الصورة الفوتوغرافية لتلك الوثيقة العظيمة الأهمية: ونحن علي استعداد لتقديم أصل الوثيقة متي طلب إلينا ذلك. وهي بمثابة حكم تثبيت الملكية أو علي الأقل بمثابة حكم بمنع التعرض, وقد علم وفد المجلس أن قسم القضايا الداخلية سبق له أن أفتي علي غير مصلحتنا لأسباب خلاصتها أن أرض الجبانة تعد من أرض المنافع العامة فلا يجوز لنا الادعاء بتملكها بوضع اليد المدة طويلة, وأن الحكومة قد أعطتنا بدل أرض جبانة أنبا رويس أرضا أخري بالجبل الأحمر لاستعمالها جبانة لموتانا. ولسنا ندري ما قيمة إقحام موضوع أرض الجبل الأحمر هنا, إلا أن يكون المقصود منه أن إعطاءنا أرض الجبل الأحمر كان تعويضا لنا عن أرض أنبا رويس, وأنه بناء علي ذلك فلا محل لأن نطالب بأرض دير أنبا رويس مادمنا قد أخذنا تعويضا عنها, وأن مستندات ملكيتنا غير كافية والوثيقة المقدمة منا لم تبين بها حدود أرضنا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق