القديس بنتينوس
مولده : يرى المؤرخون الأقباط أن بنتينوس وُلد بالإسكندرية، من أصل مصري .
ويرى المؤرخ فيلبس الصيدوي أنه كان أثينيًا، ولكن هذه مجرد حدس، بسبب اهتمام القديس بالفلسفة اليونانية. ويرى بعض الدارسين أنه من صقلية لأن تلميذه اكليمنضس لقبه "النحلة الصقلية"، لكن هذا الرأي لا يمكن الأخذ به لأن النحل الصقلي كان له شهرته العالمية في ذلك الوقت، فكانت هذه التسمية مجرد إشارة إلى عذوبة تعليمه وما يحمله من قوت.
أما زمن ولادته، فعلى ما يبدو، أنه ولد في أوائل القرن الثاني الميلادي، وإن كان يصعب تحديد سنة الميلاد بدقة. تولّى بنتينوس Pantaenus القديس والفيلسوف رئاسة مدرسة الإسكندرية حوالي عام 181م، ونال شُهرة فائقة حتى اعتبره المؤرخ يوسابيوس أول رئيس للمدرسة.
قال عنه: " في ذلك الوقت كانت مدرسة الإسكندرية للمؤمنين يرأسها رجل ذو شهرة عالية جدًا كدارسٍ، يسمى بنتينوس. فقد وُجدت عادة راسخة أن توجد بينهم أكاديمية في العلوم القدسية. ولا تزال هذه الأكاديمية قائمة إلى يومنا هذا. وبحسب فهمي الذين يديرونها أُناس على مستوى عالٍ، لاهوتيون ذو قدرات خاصة، لكننا نعرف أن بنتينوس هو أحد هؤلاء المعلمين واكثر معلمي عصره قدرة وسُموًا ".
إذ استرجع القديس اكليمنضس ذاكرته في كتابه " المتفرقات Stromata" تذكر الأشخاص الطوباويين الذين يستحقون أن يكونوا موضع ذكرى، وكان من حسن حظه أن يلتقي بهم ويستمع إليهم، وإذ جاء إلى معلمه بنتينوس تحدث عنه كأعظم وأكمل معلم، وجد في وحدته تعزيته.
وقد وصف لقائه معه هكذا: " التقيت بالأخير مصادفة، لكنه كان الأول من حيث الاستحقاق. وجدته أخيرًا في مصر مختبئًا. إنه بحق النحلة الصقلية، يقتطف من كل الزهور من مروج الأنبياء والرسل، ويودع في نفوس سامعيه ذخيرة معرفة غير فاسدة".
بنتينوس والفلسفة :
كان بنتينوس رواقيًا مشهورًا. والرواقيون أخلاقيون من الدرجة الأولى يحسبون الخير الأعظم في الفضيلة، يؤمنون بناموس الطبيعة أو ناموس الضمير أو الواجب. يرون في الله الطاقة المتغلغلة في كل شيء، بها خلق العالم الطبيعي وبقيّ محفوظًا.
اعتنق بنتينوس المسيحية على يدي أثيناغوراس، وفي عام 181م خلفه كرئيس للمدرسة اللاهوتية التعليمية، وإليه يُنسب إدخال الفلسفة والعلوم إلى المدرسة لكسب الهراطقة والوثنيين المثقفين.
كان بنتينوس دائم القراءة في الفلسفة، ومع هذا لم يحتج عليه أهل عصره، ولا اتهموه بالانحراف عن الإيمان بل شهد له أوريجينوس قائلاً إنه في دراسته للفلسفة إنما يتمثل ببنتينوس الذي ربح الكثير من المثقفين خلال معرفته للفلسفة. هذا الاتجاه أدخله بنتينوس وتطور على يديْ تلميذه اكليمنضس وأعيد تنظيمه بواسطة أوريجينوس.
بنتينوس كمبشر:
لم تكن مدرسة الإسكندرية مجرد معهد عالمي ديني، لكنها كانت جزءًا من الكنيسة لها عملها الكرازي بجانب عملها التعبُّدي والعلمي. كان رجالها كنسيين روحيين على مستوى عالٍ، كرسوا حياتهم للدراسة ونشر الفكر الإنجيلي الكنسي، مقدمين حياتهم مثلاً حيًا في النسك كما في الدفاع عن العقيدة والتبشير، على المستويين المحلي والمسكوني.
فمن ناحية كان بنتينوس في نظر شعب الإسكندرية ليس دارسًا أو معلمًا فحسب وإنما " المعين لكثيرين" يهتم بخلاص كل أحد، حتى لقَّبه شعب المدينة " بنتينوسنا ".
ومن الجانب الآخر حين دعاه البابا ديمتريوس للكرازة في الهند لبى الدعوة تاركًا المدرسة إلى حين في يد اكليمنضس.
روى المؤرخين قصة ذهابه للهند هكذا: ان تجارًا من الهند استمعوا إليه فأُعجبوا به واعتنقوا المسيحية بغيرة شديدة، فالتقوا بالبابا السكندري وطلبوا منه أن يسمح لهم بإرسال بنتينوس إلى الهند للكرازة بين أهلهم.
كما قيل أن الهند بعثت برسالة إلى البابا مع وفد من أجل هذا الغرض فقبل البابا طلبهم. وعند رجوعه من الهند قيل انه كرز في أثيوبيا وبلاد العرب واليمن.
ويروي القديس جيروم ويوسابيوس أن بنتينوس أحضر معه نسخة من إنجيل متى بخط يد الإنجيلي، كان قد أحضرها القديس برثلماوس معه إلى الهند.
ومما يجدر ذكره أن القديس أناستاسيوس السينائي من رجال القرن السابع يتحدث عن بنتينوس ككاهن الإسكندرية. ربما سيم قبل ذهابه إلى الهند، حتى يقوم بتعميد الموعوظين ومسحهم بالميرون وتقديم ذبيحة الأفخارستيا، فالكرازة تحتاج إلى العمل الكهنوتي.
بنتينوس والأبجدية القبطية :
أدخل بنتينوس الأبجدية القبطية، مستخدمًا الحروف اليونانية، مضيفًا إليها سبعة حروف من اللهجة الديموطيقية القديمة، وبهذا أمكن ترجمة الكتاب المقدس إلى القبطية تحت إشرافه، يعاونه في هذا العمل العظيم تلميذاه اكليمنضس وأوريجينوس.
ويعطي الباحثون اهتماما عظيمًا لهذه الترجمة على قدم المساواة مع الأصل اليوناني نفسه.
كما ترجم القديس بنتينوس الكثير من الأدب المسيحي إلى هذه اللغة بكونها آخر شكل من تطور اللغة المصرية القديمة، وبدأ الكتَّاب يستخدمونها عِوض اليونانية.
كتاباته :
شرح بنتينوس كل أسفار الكتاب المقدس من التكوين حتى الرؤيا، شفويًا وكتابة، حتى دعاه معاصروه "شارح كلمة الله"، وللأسف لم يصلنا من كتاباته إلا بعض فقرات وردت خلال كتابات تلميذه القديس اكليمنضس.
المراجع :
القمص تادرس يعقوب ملطي : آباء مدرسة الإسكندرية الأولون، 1980، ص 47 - 51
|
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق