في عيد رأس السنة القبطية
لماذا يسمح الله بالآلام للشهداء؟
بقلم المتنيح الأنبا غريغوريوس
لماذا يسمح الله بالآلام للشهداء؟ لماذا الله لا يتدخل بأسلوب معجزي؟ يموت الملك أو يموت الحاكم أو يموت الشخص الذي هو يضطهده أو يعذبه, هذا الكلام ممكن أن نقوله الآن, ممكن في أوقاتنا الحاضرة نجد بعض الأقباط يتعرضون لاضطهاد أو يتعرضون للقتل, فالواحد يسأل هذا السؤال لماذا الله ترك هذا القسيس مثلا إنه يضرب ويموت ويقتل؟ لماذا الله سمح لهؤلاء المعتدين أن يتمكنوا من أن يدخلوا منزله ويبطشوا به ولايتدخل الله لينقذ حياة هذا الكاهن؟ أو يتدخل الله ليثبت وجوده؟ فيشل حركة هذا الإنسان مثل مايحدث في بعض الأحيان, يحدث أن الله يعمل ذلك أحيانا, لكن لماذا يترك في بعض الأحيان عددا من الشهداء يتحملون آلاما كثيرة جدا, ومتاعب متنوعة ولايتدخل الله بأسلوب عال, ليرفع هذا الاضطهاد, أو يتدخل ليمنع هؤلاء الناس من أن يعتدوا علي هؤلاء الشهداء القديسين, لماذا يترك واحدا مثل مارجرجس تحت العذاب سبع سنوات؟ لماذا يترك الشهداء؟ لماذا يارب لو تدخلت بهذا التدخل لكرمت قديسيك, وهذا التدخل أيضا كرامة لك أنت, لماذا تتركهم؟ الإجابة: هذا ليس ترك بمعني التخلي لا...هذا ترك للامتحان ليري ماذا سيصنع, كيف يبرهن علي محبته, وعلي ثباته علي الإيمان, الله يراه وينظر إليه ومتطلع إليه من فوق, يراقبه من فوق, لكن تركه ليعطيه الفرصة لكي يظهر إيمانه ويظهر أمانته, يبرز تمسكه, ويمكن في بعض الأحيان أن يتخلي عن بعض الأشياء المساعدة فتزداد الآلام علي هذا الصديق, ويمكن أن تحدث علامات أخري معاكسة ضد مجد الله كما يبدو في أول الأمر, لدرجة الناس يقولون نحن وضعنا في التراب, نحن ذللنا لماذا الله يعمل ذلك؟ لماذا يتركنا لهذا كله؟ لماذا لايتدخل؟ لماذا؟ لأن هذه سياسته, سياسة الحرية لايتدخل الله في كل الأحوال, له أوقات معينة يتدخل فيها لكنه ترك الحرية للإنسان, يعطي فرصة للظالم أن يظلم, يعطي فرصه للمجرم أن يجد حريته, ولكن محسوبة عليه, هناك يوم للحساب, وهناك يوم للقضاء, مثل ما قال مرة:إن ذنب الأموريين ليس إلي الآن كاملا, فترك بني إسرائيل يتيهوا أربعين سنة في البرية, وكان يقدر أن يجعلهم في ظرف يومين فقط أن يعبروا من أرض مصر إلي أرض كنعان, لماذا هذا التيه أربعين سنة لماذا؟, يقول إن ذنب الأموريين ليس إلي الآن كاملا, الأمورييون هم الشعب الذي دخل بنو إسرائيل عليهم وطردوهم, محبة الله تقتضي أنه يطيل أناته علي هؤلاء الأموريين, يعطيهم الفرصة لعلهم يتوبون ويرجعون إليه, لايقضي عليهم مباشرة, يطيل أناته عليهم حتي يستكملوا حريتهم ويستكملوا كل الأسباب التي تجعلهم أحرارا ولايتدخل أحد في حياتهم, بعد ذلك تكون المسئولية هي مسئوليتهم كاملة,فمن جهة أعطاهم الوقت لعلهم يتوبون ويرجعون إلي نفوسهم وتكون عندهم فرصة للتوبة,وهذا دليل علي محبة الله حتي للأشرار, ومن ناحية ثانية لكي يعطيهم الفرصة أنهم يعملون الشر الذي يريدونه, وفي نفس الوقت أيضا لكي يطهر بني إسرائيل في الأربعين سنة ويعدهم ويجهزهم للحياة الجديدة التي سيحيونها فيما بعد. الله له حكمة بعيدة جدا.
فالاضطهادات التي يسمح بها الله في الكنيسة, والآلام والظلم والقتل والتعذيب التي تصيب المسيحيين, ليس معناها أن الله ضد الكنيسة أو تخلي عنها! لا....إنه يعطي فرصة من جهة المضطهدين أنهم يشعرون تماما أنهم كانوا أحرارا, والله لم يتدخل في حريتهم, ولعلهم أيضا في لحظة من اللحظات يتوبون, وهذا ما حدث مع بعض الناس الذين اضطهدوا المسيحيين أنهم آمنوا بالمسيح, واحد من ضمن الشهداء الذين ذكرهم في السنكسار اسمه إيريانوس, هذا كان حاكما في منطقة ملوي, هذا الحاكم قتل ألوفا من المسيحيين وعذبهم عذابات شديدة ولكن في آخر الأمر, في لحظة من اللحظات تنبه ضميره وعرف خطأه وآمن بالمسيح ومات شهيدا من أجل المسيح.
لونجينوس قائد المائة الذي ضرب المسيح علي جسمه وأثخنه بالجراح بالمقرعة, بينما كان المسيح يمشي حاملا الصليب وكان يستحثه هذا القارع بالمقرعة, وكان هو المشرف علي عملية الصلب وهو الذي بيده أمسك بالحربة وطعن جنبه, ولكن حدث أنه رأي أنه نزل من جنب المسيح ماء ودم, الأمر الغريب الذي لايحدث أبدا, الإنسان عندما يموت الدم يتجلط ويهرب من العروق, ولذلك عندما يكون إنسان مشرفا علي الموت والطبيب يريد أن يتأكد إذا كان مات حقا أو لا...يغرز في جسمه دبوس إبره, فإذا خرج دبوس الإبرة وفيه دم, يقول إنه مازال حيا, وإذا خرج دبوس الإبرة وليس به دم يقول البقية في حياتكم. إذن كيف يطعن المسيح بعد موته بالحربة فينزل ماء ودم مفترقين, وتعبير الكتاب كلمة خرج, عندما نرجع للغة الأصلية نجدها اندفق, أي أن الذي نزل من جنب المسيح لم يكن مجرد نقط ولكنه تدفق, الماء والدم تدفقا من جنبه, والتدفق يدل علي الكثرة, وهذا أمر عجيب, المسيح عندما عطش فوق الصليب وقال أنا عطشان وقال المزمور بلسان المسيح:لصق لساني بحنكي المسيح ناسوتيا فعلا المياه جفت من جسمه, لأن الآلام في بستان جثسيماني كانت شديدة جدا لدرجة أن العرق تحول إلي دم, ثم تحمل المعاناة كلها في هذه الظروف ولم يشرب ماء, هذا إلي جانب الست محاكمات التي حوكم بها المسيح, ثلاث أمام بيلاطس وهيرودس, وثلاث أمام رؤساء الكهنة ومجمع السنهدريم, ست محاكمات والمسيح واقف يعاني, ثم الجلد والضرب وإكليل الشوك والدم الذي نزل, ثم حمله الصليب, حتي لو كان فيه بعض من المياه وإنها جفت ونزلت بالعرق الذي كان يعانيه وهو حامل الصليب, أي أن جسمه جف من الماء ثم رفض أن يأخذ الخل الممزوج وكان رفض المسيح لأنهم كانوا يعطونه كمخدر للمصلوب لتخفيف الآلام,لذلك قال أنا عطشان, المسيح لايكذب ولايهول, إذن من أين جاء هذا الماء وجاء هذا الدم, وكيف ينزل الدم من واحد مات؟ لونجينوس عندما رأي هذا قال:حقا كان هذا ابن الله ويقال إن الدم عندما نزل, وصلت نقطة دم إلي إحدي عيني لونجينوس التي كان قد فقدها فشفتها في الحال, ورجعت عينه سليمة صحيحة أفضل من الأخري, فصرخ بقولهحقا كان هذا ابن الله هذا القائد الذي ضرب المسيح والذي طعنه في جنبه آمن بالمسيح ومات شهيدا من أجل المسيح. ومثل ما قلنا إيريانوس وعدد آخر من الناس الذين قتلوا الشهداء, أيضا استشهدوا هم أيضا في نهاية الأمر, وهذا يدلك علي حكمة الله أن يطيل أناته, فيصح أن الظالم أو القاتل يتوب, فإذا كان الله يطيل أناته عليه فإنه يعطي له فرصة للتوبة وفي نفس الوقت يعطي أيضا فرصة للشهيد أنه يثبت محبته, ويثبت صبره, ويثبت صموده, ويثبت أمانته وإخلاصه ووفاءه وحبه.
نحن اليوم نمجد الشهداء ونكرمهم ونذكر أسماءهم بفخر فصبرهم وصمودهم جعلهم يعيشون إلي اليوم, والمسيح قال:طوبي للودعاء لأنهم يرثون الأرض. ماذا يعني يرثون الأرض؟ كثير من أصحاب الأملاك ماتوا وضاعت أملاكهم, أما القديسون والشهداء الفقراء المعوزين المطرودين عاشت أسماؤهم علي الأرض فصاروا خالدين فقد ورثوا الأرض, وصارت أسماؤهم عالية, أبي سيفين منذ 17 قرنا فهو ولد سنة 215م واستشهد 250م وهو حي حتي اليوم, ومارجرجس منذ 17 أو 16 قرنا فولد سنة 280م واستشهد سنة 303م فهما ورثا الأرض أحسن من الملوك والأباطرة.
حقا طوبي للودعاء لأنهم يرثون الأرض, لأن أسماءهم خالدة باقية إلي اليوم عائشة علي أفواه الكل, الكل يهتف والكل يقول يا إله مارجرجس أعنا أجمعين مثل ما تقول المديحة, الكل يهتف والكل ينادي بهذه الأسماء, أسماء أصبحت خالدة, وهذه كرامة هؤلاء الأشخاص.
إذا الله عندما أطال أناته عليهم ولم يتدخل ليعينهم, أعطاهم فرصة أن يثبتوا إيمانهم, وبإعطائهم هذه الفرصة أعطاهم أن يظهر فضلهم, وأن يظهر إيمانهم وأن يصيروا بهذا قدوة ونموذجا وسيرة حية إلي اليوم.
من دون الآلام لايمكن أن يكون هناك برهان صدق وبرهان حق علي صدق الإيمان, كيف أثبت هذا, كيف تبرهن عليه؟
التجارب هي المحك, في رسالة ماريعقوب يقول:احسبوه كل فرح يا إخوتي حينما تقعون في تجارب متنوعة, طوبي للرجل الذي يحتمل التجربة لأنه متي تزكي ينال إكليل الحياة الأبدية الذي وعد به الرب للذين يحبونه في نفس الأصحاح يقول لايقول أحد إذا جرب إن الله قد جربني لأن الله غير مجرب بالشرور وهو لا يجرب أحدا بعض الناس يقولون لنا إن هذا تناقض, كيف يقول احسبوه كل فرح يا إخوتي حينما تقعون في تجارب وطوبي لمن يحتمل التجربة إلي آخره, ثم يقول الله غير مجرب بالشرور ولايجرب أحدا.
من هنا نفهم أن هناك نوعين من التجارب, هناك تجارب يفرح بها القديسون, وهناك تجارب يطلبون من الله أن ينقذهم منها, لذلك في الصلاة الربانية نقول:لا تدخلنا في تجربة لاتدخلنا في التجارب, هذا نوع آخر من التجارب, التجارب الأولي التي يقولاحسبوه كل فرح يا إخوتي حينما تقعون في تجارب يقصد بها الآلام والأوجاع التي تأتي لك من أجل المسيح أو من أجل الإيمان, هذه فرصتك أنك تصمد وتثبت صبرك وإيمانك وحبك, وهذا لك عنه جزءا, ولك عنه بركة, وهذا ما قال عنها ذهبي الفم:ما من تجربة إلا وتحمل وراءها إحدي البركات هذه هي التجارب الطيبة التي يفرح بها القديسون لأنها تمحصهم وتنقيهم وتجددهم وتطهر عنصرهم مثل الشجرة عندما تهزها الريح, جذورها تنزل إلي الأسفل أكثر فتثبتها أكثر, إنما التجارب الثانية هي التي يقول عنها الرسولالله غير مجرب بالشرور وهي النوع الثاني التي يخلقها الإنسان بنفسه وهي الخطايا, والإغراءات التي تعرض أمام الإنسان وتكون سببا لسقوطه, وتكون السبب لفساد سيرته وتكون سببا للشر, هذه هي التجارب المؤلمة التي نصلي من أجلها فنقول:لاتدخلنا في تجربة هذا النوع من التجارب الشريرة التي تأتي لنا من الجسد أو إغراءات الآخرين أو إغراءات الشيطان فتسبي قلب الإنسان نحو الخطيئة, الأمر الذي يقوده إلي هلاك نفسه. هذه هي أنواع التجارب.
إذن الشهداء الله يتركهم لكي يعطيهم فرصة أنهم يثبتون أمام هذا الامتحان, نقول هذا الكلام لشعبنا اليوم, لكي لا يتزعزع إيمانه عندما يري تجارب لايقول إن الله ترك الكنيسة, أبدا, الله موجود في الكنيسة اسألوا الذين جربوه, اسألوا القديسين, اسألوا عظماء الإيمان والروحانيين اسألوا, قولوا لهم ما هي اختباراتهم في الله, الله حلو وجميل وقوي وقادر وساهر, أنت تنام, والله لاينام فهو ساهر ومستيقظ, وضابط الكون, لاتفتكر أبدا أن هناك شيئا يحدث بدون إذنه, وبدون سماحه. لكن في الوقت المناسب يتدخل بعد أن يحقق حكمته, وأن يحقق أغراضه, لكن لا تتصور أن هناك بشرا مهما كانت عقولهم أو تخطيطاتهم تستطيع أن تنتصر حكمتهم علي حكمة الله.
لماذا يسمح الله بالآلام للشهداء؟
بقلم المتنيح الأنبا غريغوريوس
لماذا يسمح الله بالآلام للشهداء؟ لماذا الله لا يتدخل بأسلوب معجزي؟ يموت الملك أو يموت الحاكم أو يموت الشخص الذي هو يضطهده أو يعذبه, هذا الكلام ممكن أن نقوله الآن, ممكن في أوقاتنا الحاضرة نجد بعض الأقباط يتعرضون لاضطهاد أو يتعرضون للقتل, فالواحد يسأل هذا السؤال لماذا الله ترك هذا القسيس مثلا إنه يضرب ويموت ويقتل؟ لماذا الله سمح لهؤلاء المعتدين أن يتمكنوا من أن يدخلوا منزله ويبطشوا به ولايتدخل الله لينقذ حياة هذا الكاهن؟ أو يتدخل الله ليثبت وجوده؟ فيشل حركة هذا الإنسان مثل مايحدث في بعض الأحيان, يحدث أن الله يعمل ذلك أحيانا, لكن لماذا يترك في بعض الأحيان عددا من الشهداء يتحملون آلاما كثيرة جدا, ومتاعب متنوعة ولايتدخل الله بأسلوب عال, ليرفع هذا الاضطهاد, أو يتدخل ليمنع هؤلاء الناس من أن يعتدوا علي هؤلاء الشهداء القديسين, لماذا يترك واحدا مثل مارجرجس تحت العذاب سبع سنوات؟ لماذا يترك الشهداء؟ لماذا يارب لو تدخلت بهذا التدخل لكرمت قديسيك, وهذا التدخل أيضا كرامة لك أنت, لماذا تتركهم؟ الإجابة: هذا ليس ترك بمعني التخلي لا...هذا ترك للامتحان ليري ماذا سيصنع, كيف يبرهن علي محبته, وعلي ثباته علي الإيمان, الله يراه وينظر إليه ومتطلع إليه من فوق, يراقبه من فوق, لكن تركه ليعطيه الفرصة لكي يظهر إيمانه ويظهر أمانته, يبرز تمسكه, ويمكن في بعض الأحيان أن يتخلي عن بعض الأشياء المساعدة فتزداد الآلام علي هذا الصديق, ويمكن أن تحدث علامات أخري معاكسة ضد مجد الله كما يبدو في أول الأمر, لدرجة الناس يقولون نحن وضعنا في التراب, نحن ذللنا لماذا الله يعمل ذلك؟ لماذا يتركنا لهذا كله؟ لماذا لايتدخل؟ لماذا؟ لأن هذه سياسته, سياسة الحرية لايتدخل الله في كل الأحوال, له أوقات معينة يتدخل فيها لكنه ترك الحرية للإنسان, يعطي فرصة للظالم أن يظلم, يعطي فرصه للمجرم أن يجد حريته, ولكن محسوبة عليه, هناك يوم للحساب, وهناك يوم للقضاء, مثل ما قال مرة:إن ذنب الأموريين ليس إلي الآن كاملا, فترك بني إسرائيل يتيهوا أربعين سنة في البرية, وكان يقدر أن يجعلهم في ظرف يومين فقط أن يعبروا من أرض مصر إلي أرض كنعان, لماذا هذا التيه أربعين سنة لماذا؟, يقول إن ذنب الأموريين ليس إلي الآن كاملا, الأمورييون هم الشعب الذي دخل بنو إسرائيل عليهم وطردوهم, محبة الله تقتضي أنه يطيل أناته علي هؤلاء الأموريين, يعطيهم الفرصة لعلهم يتوبون ويرجعون إليه, لايقضي عليهم مباشرة, يطيل أناته عليهم حتي يستكملوا حريتهم ويستكملوا كل الأسباب التي تجعلهم أحرارا ولايتدخل أحد في حياتهم, بعد ذلك تكون المسئولية هي مسئوليتهم كاملة,فمن جهة أعطاهم الوقت لعلهم يتوبون ويرجعون إلي نفوسهم وتكون عندهم فرصة للتوبة,وهذا دليل علي محبة الله حتي للأشرار, ومن ناحية ثانية لكي يعطيهم الفرصة أنهم يعملون الشر الذي يريدونه, وفي نفس الوقت أيضا لكي يطهر بني إسرائيل في الأربعين سنة ويعدهم ويجهزهم للحياة الجديدة التي سيحيونها فيما بعد. الله له حكمة بعيدة جدا.
فالاضطهادات التي يسمح بها الله في الكنيسة, والآلام والظلم والقتل والتعذيب التي تصيب المسيحيين, ليس معناها أن الله ضد الكنيسة أو تخلي عنها! لا....إنه يعطي فرصة من جهة المضطهدين أنهم يشعرون تماما أنهم كانوا أحرارا, والله لم يتدخل في حريتهم, ولعلهم أيضا في لحظة من اللحظات يتوبون, وهذا ما حدث مع بعض الناس الذين اضطهدوا المسيحيين أنهم آمنوا بالمسيح, واحد من ضمن الشهداء الذين ذكرهم في السنكسار اسمه إيريانوس, هذا كان حاكما في منطقة ملوي, هذا الحاكم قتل ألوفا من المسيحيين وعذبهم عذابات شديدة ولكن في آخر الأمر, في لحظة من اللحظات تنبه ضميره وعرف خطأه وآمن بالمسيح ومات شهيدا من أجل المسيح.
لونجينوس قائد المائة الذي ضرب المسيح علي جسمه وأثخنه بالجراح بالمقرعة, بينما كان المسيح يمشي حاملا الصليب وكان يستحثه هذا القارع بالمقرعة, وكان هو المشرف علي عملية الصلب وهو الذي بيده أمسك بالحربة وطعن جنبه, ولكن حدث أنه رأي أنه نزل من جنب المسيح ماء ودم, الأمر الغريب الذي لايحدث أبدا, الإنسان عندما يموت الدم يتجلط ويهرب من العروق, ولذلك عندما يكون إنسان مشرفا علي الموت والطبيب يريد أن يتأكد إذا كان مات حقا أو لا...يغرز في جسمه دبوس إبره, فإذا خرج دبوس الإبرة وفيه دم, يقول إنه مازال حيا, وإذا خرج دبوس الإبرة وليس به دم يقول البقية في حياتكم. إذن كيف يطعن المسيح بعد موته بالحربة فينزل ماء ودم مفترقين, وتعبير الكتاب كلمة خرج, عندما نرجع للغة الأصلية نجدها اندفق, أي أن الذي نزل من جنب المسيح لم يكن مجرد نقط ولكنه تدفق, الماء والدم تدفقا من جنبه, والتدفق يدل علي الكثرة, وهذا أمر عجيب, المسيح عندما عطش فوق الصليب وقال أنا عطشان وقال المزمور بلسان المسيح:لصق لساني بحنكي المسيح ناسوتيا فعلا المياه جفت من جسمه, لأن الآلام في بستان جثسيماني كانت شديدة جدا لدرجة أن العرق تحول إلي دم, ثم تحمل المعاناة كلها في هذه الظروف ولم يشرب ماء, هذا إلي جانب الست محاكمات التي حوكم بها المسيح, ثلاث أمام بيلاطس وهيرودس, وثلاث أمام رؤساء الكهنة ومجمع السنهدريم, ست محاكمات والمسيح واقف يعاني, ثم الجلد والضرب وإكليل الشوك والدم الذي نزل, ثم حمله الصليب, حتي لو كان فيه بعض من المياه وإنها جفت ونزلت بالعرق الذي كان يعانيه وهو حامل الصليب, أي أن جسمه جف من الماء ثم رفض أن يأخذ الخل الممزوج وكان رفض المسيح لأنهم كانوا يعطونه كمخدر للمصلوب لتخفيف الآلام,لذلك قال أنا عطشان, المسيح لايكذب ولايهول, إذن من أين جاء هذا الماء وجاء هذا الدم, وكيف ينزل الدم من واحد مات؟ لونجينوس عندما رأي هذا قال:حقا كان هذا ابن الله ويقال إن الدم عندما نزل, وصلت نقطة دم إلي إحدي عيني لونجينوس التي كان قد فقدها فشفتها في الحال, ورجعت عينه سليمة صحيحة أفضل من الأخري, فصرخ بقولهحقا كان هذا ابن الله هذا القائد الذي ضرب المسيح والذي طعنه في جنبه آمن بالمسيح ومات شهيدا من أجل المسيح. ومثل ما قلنا إيريانوس وعدد آخر من الناس الذين قتلوا الشهداء, أيضا استشهدوا هم أيضا في نهاية الأمر, وهذا يدلك علي حكمة الله أن يطيل أناته, فيصح أن الظالم أو القاتل يتوب, فإذا كان الله يطيل أناته عليه فإنه يعطي له فرصة للتوبة وفي نفس الوقت يعطي أيضا فرصة للشهيد أنه يثبت محبته, ويثبت صبره, ويثبت صموده, ويثبت أمانته وإخلاصه ووفاءه وحبه.
نحن اليوم نمجد الشهداء ونكرمهم ونذكر أسماءهم بفخر فصبرهم وصمودهم جعلهم يعيشون إلي اليوم, والمسيح قال:طوبي للودعاء لأنهم يرثون الأرض. ماذا يعني يرثون الأرض؟ كثير من أصحاب الأملاك ماتوا وضاعت أملاكهم, أما القديسون والشهداء الفقراء المعوزين المطرودين عاشت أسماؤهم علي الأرض فصاروا خالدين فقد ورثوا الأرض, وصارت أسماؤهم عالية, أبي سيفين منذ 17 قرنا فهو ولد سنة 215م واستشهد 250م وهو حي حتي اليوم, ومارجرجس منذ 17 أو 16 قرنا فولد سنة 280م واستشهد سنة 303م فهما ورثا الأرض أحسن من الملوك والأباطرة.
حقا طوبي للودعاء لأنهم يرثون الأرض, لأن أسماءهم خالدة باقية إلي اليوم عائشة علي أفواه الكل, الكل يهتف والكل يقول يا إله مارجرجس أعنا أجمعين مثل ما تقول المديحة, الكل يهتف والكل ينادي بهذه الأسماء, أسماء أصبحت خالدة, وهذه كرامة هؤلاء الأشخاص.
إذا الله عندما أطال أناته عليهم ولم يتدخل ليعينهم, أعطاهم فرصة أن يثبتوا إيمانهم, وبإعطائهم هذه الفرصة أعطاهم أن يظهر فضلهم, وأن يظهر إيمانهم وأن يصيروا بهذا قدوة ونموذجا وسيرة حية إلي اليوم.
من دون الآلام لايمكن أن يكون هناك برهان صدق وبرهان حق علي صدق الإيمان, كيف أثبت هذا, كيف تبرهن عليه؟
التجارب هي المحك, في رسالة ماريعقوب يقول:احسبوه كل فرح يا إخوتي حينما تقعون في تجارب متنوعة, طوبي للرجل الذي يحتمل التجربة لأنه متي تزكي ينال إكليل الحياة الأبدية الذي وعد به الرب للذين يحبونه في نفس الأصحاح يقول لايقول أحد إذا جرب إن الله قد جربني لأن الله غير مجرب بالشرور وهو لا يجرب أحدا بعض الناس يقولون لنا إن هذا تناقض, كيف يقول احسبوه كل فرح يا إخوتي حينما تقعون في تجارب وطوبي لمن يحتمل التجربة إلي آخره, ثم يقول الله غير مجرب بالشرور ولايجرب أحدا.
من هنا نفهم أن هناك نوعين من التجارب, هناك تجارب يفرح بها القديسون, وهناك تجارب يطلبون من الله أن ينقذهم منها, لذلك في الصلاة الربانية نقول:لا تدخلنا في تجربة لاتدخلنا في التجارب, هذا نوع آخر من التجارب, التجارب الأولي التي يقولاحسبوه كل فرح يا إخوتي حينما تقعون في تجارب يقصد بها الآلام والأوجاع التي تأتي لك من أجل المسيح أو من أجل الإيمان, هذه فرصتك أنك تصمد وتثبت صبرك وإيمانك وحبك, وهذا لك عنه جزءا, ولك عنه بركة, وهذا ما قال عنها ذهبي الفم:ما من تجربة إلا وتحمل وراءها إحدي البركات هذه هي التجارب الطيبة التي يفرح بها القديسون لأنها تمحصهم وتنقيهم وتجددهم وتطهر عنصرهم مثل الشجرة عندما تهزها الريح, جذورها تنزل إلي الأسفل أكثر فتثبتها أكثر, إنما التجارب الثانية هي التي يقول عنها الرسولالله غير مجرب بالشرور وهي النوع الثاني التي يخلقها الإنسان بنفسه وهي الخطايا, والإغراءات التي تعرض أمام الإنسان وتكون سببا لسقوطه, وتكون السبب لفساد سيرته وتكون سببا للشر, هذه هي التجارب المؤلمة التي نصلي من أجلها فنقول:لاتدخلنا في تجربة هذا النوع من التجارب الشريرة التي تأتي لنا من الجسد أو إغراءات الآخرين أو إغراءات الشيطان فتسبي قلب الإنسان نحو الخطيئة, الأمر الذي يقوده إلي هلاك نفسه. هذه هي أنواع التجارب.
إذن الشهداء الله يتركهم لكي يعطيهم فرصة أنهم يثبتون أمام هذا الامتحان, نقول هذا الكلام لشعبنا اليوم, لكي لا يتزعزع إيمانه عندما يري تجارب لايقول إن الله ترك الكنيسة, أبدا, الله موجود في الكنيسة اسألوا الذين جربوه, اسألوا القديسين, اسألوا عظماء الإيمان والروحانيين اسألوا, قولوا لهم ما هي اختباراتهم في الله, الله حلو وجميل وقوي وقادر وساهر, أنت تنام, والله لاينام فهو ساهر ومستيقظ, وضابط الكون, لاتفتكر أبدا أن هناك شيئا يحدث بدون إذنه, وبدون سماحه. لكن في الوقت المناسب يتدخل بعد أن يحقق حكمته, وأن يحقق أغراضه, لكن لا تتصور أن هناك بشرا مهما كانت عقولهم أو تخطيطاتهم تستطيع أن تنتصر حكمتهم علي حكمة الله.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق