القديس حبيب فرج
ميلاده وصفاته الأولى
ولد قديسنا عام 1914 بحي جزيرة بدران بشبرا من أسرة ميسورة الحال وقد مات لوالدته ثلاثة أطفال قبل ولادته. وشب حبيب مدللا جدا ما يطلب شئ إلا وينفذوه له في الحال فكان ولدا عنيداً كثير التبرم على والديه لا يعطى اهتماما لكلامهم أو نصائحهم.
علاقته بالكنيسة وافتقاد الخدام له
كان في بدء حياته مع اللـه في حالة من الفتور الروحي بعيدا عن أحضان الكنيسة والاجتماعات الروحية ولا يتلو حتى الصلاة الربانية لاهيا عن خلاص نفسه. وكان والده يحثه على تغيير نمط حياته هذا الذي جعله في حالة من التبلد واللامبالاة وكان يقول له "يا ابني أمامك كتب مقدسة كثيرة افتح أحدها وانظر لما فيها لعلها تلمس قلبك وتغير من سلوكك."
و كان خدام الأنبا انطونيوس بشبرا يترددون عليه كثيرا للافتقاد أما هو فكان يسد أذنيه عن سماع أي دعوة توجه إليه بل كان يقابلهم مقابلة سيئة حينا ويتهرب منهم حينا. لكن هؤلاء الخدام لم يحطمهم اليأس في اجتذاب هذه النفس إلى المسيح ولما تعب من كثرة ترددهم عليه اتفق انه سينزل معهم هذا الاسبوع للاجتماع على أساس أنه إذا لم تعجبه الكلمة الروحية فلن يأتي مرة أخرى للاجتماع ولا يريد أن يفتقده أحدا مرة أخرى.
و كانت كلمة الاجتماع عن التوبة والرجوع وعلى إثرها خرج مبكتا نفسه وعزم على تغيير مسار حياته متفكرا في أبدية صالحة وهذا يعلمنا شيئان في منتهى الأهمية :
1 - إذا رأينا إنسانا بعيد عن الرب فلا نحكم عليه سريعا بالهلاك فاللـه ينظر للإنسان باعتبار ما هو قادم وبطول أناته يعود به للحظيرة الروحية.
2 - الخدمة الصالحة المهتمة بتوصيل النفوس الى بر الأمان لا تجعل من اليأس طريقا وتنسكب أمام اللـه في صلوات كثيرة من أجل خروف واحد وبالتأكيد كان وراء انسحاق قلبه بمجرد سماعه العظة صلوات نارية من الخدام لأجل خلاص نفسه.
نعود لحبيب فرج ذلك الشخص البالغ من العمر وقتها سبعة عشر عاما نجده قد قطع ما كان ينوى الذهاب اليه من مقابلات بعد الاجتماع داخلا الى حجرته بمنزله متفكرا مع نفسه "ترى ماذا جنيت يا حبيب من تلك العلاقة السطحية التي بينك وبين إلهك، الازلت تعاند، الازلت تكابر، الازلت تعصى؟ استيقظ لأنه لم يعد في العمر بقية تضيعها فيما لا يجدي". ثم دخل لينام في هذه الليلة المعهودة الفاصلة وقلبه منشغلا بالكلمة الروحية التي لمس اللـه فيها قلبه.
حدث فى تلك الليلة
كان يقول عن تلك الليلة أنها الليلة المقدسة الخالدة التي حولت حياته من النقيض إلى النقيض فكانت بها رؤية سماوية. فرأى وهو نائم إذ ظهرت له السيدة العذراء مريم توقظه من ثباته وتطلب منه أن يعبر خلفها هوة عميقة متقدة نارا متأججة وكانت هي الجحيم ورأى فيها أناسا يتلوون من العذاب ويبكون فانزعجت نفسه جدا وطلب منها أن يخرج سريعا من هذا المكان لأنه لم يستطيع عبور الهوة أو البحيرة لاتساعها. فقالت له "ارشم علامة الصليب واغمض عينيك واتبعني فستعبرها بسلام" ولما نفذ ما قالته أم النور عبر بسلام حيث الفردوس مكان انتظار الأبرار فإذ به في مكان فسيح يشبه القصر النوراني العظيم نوره متوهج ناصع وقد رأى عرش النعمة وبجواره عروشا كثيرة يجلس عليها أناس منيرين وعرفته بهم السيدة العذراء "هذا إبراهيم أب الأباء وهذا داود النبي، وهذا الأنبا انطونيوس… الخ" رأى هؤلاء القديسين جالسين على كراسي نورانية عجيبة الجمال والبهاء ولاحظ أن هناك كرسيا شاغرا لا يجلس عليه أحد، فسألها باندهاش "كرسى من هذا؟ ومن الذى تركه هكذا؟" أجابته السيدة العذراء "إلا تعرف كرسى من هذا؟ إنه لك إن إتبعت يسوع وعملت ما أوصيك به." قال "تفضلى". قالت " إمسك نوته وسجل فيها ما يصدر منك يوميا من أمور غير مستحبة عند اللـه فلا تحلف بل قل صدقني، ولا تكذب بل فالصدق منجى ولا تشتم بل قل اللـه يباركك ولا تكره فالمحبة هي أساس العقيدة ولمحبة السيد المسيح افتدانا بدمه الذكى الطاهر، وإعط العشور، وأطعم المحروم، وزر الأرملة، وكرس يوم الرب، وداوم على الصلاة والصوم وبعد ذلك سترى اللـه الجالس على هذا العرش". ثم انصرفت بسلام.
تغيير مسار حياته
أفاق من هذه الرؤية المباركة صباح اليوم التالي وقد تغير كلية واشترى نوتة وأخذ يسجل فيها كل ما اعتبره خطأ وفى أقل من اسبوعين لم يجد ما يسجله إذ صار نظيفا صافيا وصار من أبناء الكنيسة المباركين وذهب لأبونا بطرس الجوهري راعى الكنيسة وروى له ما حدث معترفا بذنوبه السابقة فسعد به أبونا جدا ومن ذلك الحين لم يتركه بل صار له كظله يكدحان فى كرم الرب معا بكل أمانة وظل طيلة حياته يصلى من أجله ليصل الى ذلك الكرسي النوراني.
بدأ حياة الجهاد القوى والزهد الشديد فى سن مبكرة حتى ما يقتل أهواءه وشهواته ووضع لجام جسده فى يد الروح حتى تسمو ولم يكن جسده محسوبا عنده فهو يضعه وفق إرادة يسوع ومع ذلك كان فى حيوية ودموية دائمة ونضارته لم يكن لها مثيل فإن رأيته خارجا من حجرته بعد صلوات كثيرة تحس انك أمام جبار بأس وظهرت قوة نسكياته فيما يأتي :
1 - صلواته :
تميز بحرارة العبادة وكانت الصلاة هي سلوته فكان أمينا جدا لوصية الكنيسة وكان يصلى صلواتها السبعة فى مواعيدها ففي الصباح يصلى صلاة باكر والثالثة أما عند رجوعه من عمله وقبل الغذاء يصلى الساعة السادسة والتاسعة وقبل خروجه من منزله لأعمال الخير كان يصلى الغروب والنوم وقبل النوم أن يتلو نصف الليل وعقب هذه الصلوات جميعا كان يرفع صلاة من قلبه حسبما يرشده الروح.
و كانت وقفته تعبر عن شخصيته كجندي فى حضرة ملكية لا يتحرك ولا يلتفت ولا ينشغل بأي شىء حوله. وقد حاول أن يرفع أسرته لمستوى الصلوات الدائمة فاشترى لهم أجابى لتجتمع الأسرة معا فى الصلاة لكن لم ينجح فى ذلك لدرجة أن أسرته كانت تمسكه من شدة هيامه وتهزأ به قائلة "أوعى تطير وانت معانا". لقد حاول معهم كثيرا ولم تنفع محاولاته فأثر أن يصلى بمفرده فى حجرته الخاصة أما أمه فكانت تنظره من فتحة باب حجرته لتعرف كيف يقف وقت الصلاة وماذا يقول لالهه يسوع فكان بشفافيته يحس بها ويصرخ فيها بالابتعاد.
أما روحياته أثناء الصلاة أنه كان يرى حوله هالة من النور تحيط به وقت الصلاة وكانت يداه كشموع موقدة، وقد رآه كثيرون فى هذا الوضع، كما كانت صلواته تكلل بدموع غزيرة وميطانيات لا حصر لها معبرا عن مشاعره الجياشة تجاه مسيحه.
2 - أصوامه :
كان يصوم جميع أصوام الكنيسة ، ويأكل أكلة واحدة كل أربع وعشرون ساعة ويصوم أيام يونان انقطاعي أما فى الأصوام الأخرى فكان يفرض على نفسه الصيام فى أحيان كثيرة أياما انقطاعية كاملة وكان يصوم صيام الرسل إلى المساء وصوم الميلاد انقطاعي حتى الثالثة ظهرا وكان يصوم أيام الأربعاء والجمعة الىظهور النجمة. أما فى الصوم الكبير فقد حاول أن يصومه كاملا كما فعل رب المجد وعند اليوم التاسع اشتكى والداه الىالأباء الكهنة بطرس الجوهري والقمص إبراهيم عطية ومعهم نيافة الأنبا باسيليوس مطران الأقصر وإسنا وأسوان (و كان ذلك نحو عام 1940)، فحضروا اليه فى اليوم التالي وطلبوا من أمه إعداد الطعام انتظارا لعودة حبيب من عمله، فلما عاد وجد الأباء جالسين فى انتظاره وقالوا له "إحنا جينا علشان نتغدى عندك، فإن لم تجلس وتتغدى معنا سننصرف" وأمام إلحاحهم الشديد أكل رغما عنه حتى لا يغضبهم . ففرحت أسرته فرحا عظيما لنجاحهم فى إثناء حبيب عن أن يمضى فى صيامه الانقطاعى تواصلا للأربعين المقدسة التي صامها رب المجد. وقبل انصراف الأباء قال الأنبا باسيليوس لوالده "اتركه وشأنه يصوم كما يشاء لأنه شبعان من طريق آخر".
3 - قراءاته الروحية:
كان شغوفا بالمطالعة اليومية للكتاب المقدس ينطبق عليه قول الوحي الإلهي "يلهج فى ناموس الرب نهارا وليلا" وكانت حلوله لأى مشكلة من الآيات المقدسة للكتاب المقدس وكان قارئا فى طقوس الكنيسة وعقائدها وإن تعثر عن فهم شىء كان يذهب الىأب اعترافه فيشرحه له.
4 - حبه للكنيسة الأرثوذكسية :
كان يحب كنيسته الأرثوذكسية ويحب ألحانها القبطية ويتغنى بها مرارا أمام أصدقائه مستخدما الدف تارة والتريانتو تارة أخرى. وكان يحث الجميع على التمسك بأهداب الأرثوذكسية وأهمها المحبة والتواضع والطاعة والنسك. وكان يعشق تراث آبائه القديسين من السير العطرة والأقوال التأملية الجميلة العميقة وله بالقديسين دالة وصداقة وطيدة. ومن القصص الجميلة التي ظهرت فيها تمسكه بالأرثوذكسية أنه وقف مرة شخص غير أرثوذكسي يتحدث فى أحد الجمعيات القبطية عن مواضيع ليست من تقليد الكنيسة فقال له حبيب "بلاش الكلام ده هنا، إزاى تقول كده يا حبيبي"، ثم أخذ يشرح له فى لطف ومحبة وظل يقبله ويحتضنه حتى كسبه شخصا نافعا للكنيسة".
عمله الوظيفي
قدم حبيب طلبا لوزارة الأشغال ورسم بالقلم صليب أعلى الطلب وحاول والده أثناءه عن ذلك فقال له حبيب "حاشا لي أن افتخر إلا بصليب ربنا يسوع المسيح" ثم سلم الطلب وتوقع الجميع أن يرفض طلبه لكن رئيس العمل استدعاه واعجب بشعار مسيحيته ووعده بالمساعدة وبتقديم طلبه فى الغد.
وفى صباح اليوم التالي ذهب حبيب الى ذلك الرئيس وحياه قائلا "نهارك سعيد يا والدى" وكأنه لا يدرى أنه أمام أحد العظماء فحياه الرجل بكل تقدير وسلمه وظيفة فى مركز مرموق لم ينله أحد من حملة البكالوريا فى ذلك الحين.
كان يقدس يوم الرب فكان يتأخر عن ميعاد عمله يوم الأحد ويذهب لعمله بعد انتهاء القداس مباشرة وإن ذهب لا يعمل عملا، فخافت أسرته من فصله واشتكوه للكهنة فكانوا يجبرونه على الخروج من الكنيسة يوم الأحد حتى لا يتأخر عن عمله. وكان اخوته يطاردونه من كنيسة إلى أخرى. ويوما من الأيام ذهب حبيب متأخرا بعد حضور القداس الإلهي فقال له رئيسه المباشر "أنا مش نبهت عليك قبل كده يا أفندي متتأخرش عن ميعاد عملك؟" فرد في شجاعة "لابد أن يكون واجب اللـه" أولا فرد عليه المدير "طب ما عندك يوم الجمعة ياخويا" فقال له "و ياريت يكون يوم الأحد كمان يا والدى" فثار عليه المدير وقال له "أنا معرفش بقه الكلام ده وأقسم باللـه لو ما خضعتش للأوامر هردفك"، فرد قديسنا حبيب في شجاعة مطلقة "إن رفدتنى حضرتك من وزارة الأرض وزارة السما ابقي". اغتاظ المدير وقدم فيه شكوى لمفتش عام رى الوجه البحري الذي قرأ الشكوى أن حبيب فرج يأتى متأخرا عن موعده يوم الأحد ويرفض إنهاء أعماله في ذلك اليوم". فقرر المفتش أن يعاقبه بنقله إلى رى الغربية بطنطا، وعند الشروع في وضع التأشيرة دق جرس تليفونه المباشر وكان وكيل أول الوزارة هو الذي يتحدث ليخبره أن جسر ترعة الباجور قد كسر والمياه زحفت على الزراعات وطلب منه أن يذهب حالا للمعاينة ومعالجة الأمر. فنزل مهرولا إلى ترعة الباجور دون أن يؤشر على الشكوى وأمر بعلاج الجسر وبات في استراحة الرى بشبين الكوم. وفي أثناء نومه ظهر له الشهيد العظيم مارجرجس وأيقظه بسن الحربة فقال له "مين سيدنا خضر؟" أجابه "أنا مارجرجس، أنبهك بأنك قرأت شكوى أمس ضد ابننا حبيب فرج وكنت ستؤشر عليها بنقله لرى طنطا وقد جئتك محذرا بعدم مساسه والسماح له بتصريح ليحضر لك يوم الأحد الساعة الثانية عشر ظهرا" وانصرف بسلام. وفي اليوم التالي أشر المفتش على الطلب بحفظ الشكوى والتصريح لحبيب فرج بالحضور كل أحد الساعة الثانية عشر لأسباب صحية.
حفظه من التهديد بالفصل :
كان أصدقائه يضايقونه كثيرا لأنه قليل الكلام ولا يعبأ بما يفعلونه وفي إحدى المرات قام شخص بمحاولة إيذائه بأن أخفى أحد السجلات الهامة جدا وكانت حادثة خطيرة للغاية وتوقع الجميع فصله من الوظيفة. لكن الرب كشف مكيدة هذا الشخص بظهور مارجرجس لأحد رؤساءه وأخبره أن السجل مخفي في الأرشيف بفعل فلان وأن حبيب ليس بالشخص المهمل. فأعطى حبيب نعمة في عيني ذلك الرئيس مكتفيا بتحذيره ونقل الشخص الذي صنع هذه المكيدة في منطقة بعيدة جدا وكان في كل مرة يحفظه الرب يكاد زملائه تطير عقولهم من عدم المساس به.
ثمار الروح القدس
1 - سمة الحب
كان هو الحب المتحرك نحو كل إنسان، وكان حبه حتى العطاء وعطاءه حتى الدم. ومن القصص التى تدل على ذلك ما رواه القس بيشوى يونان بقوله "كان فيه شخص وقع منه زكائب قمح في النيل وكان قرب روض الفرج فظل يستغيث بمن ينقذ قمحه فلما رآه حبيب نزل معه وظل يحمل القمح على ظهره ويلقيها له على الشاطئ ولم يذهب لبيته قبل إنقاذ الرجل حتى كان جزاء محبته التهاب رئوي شديد لولا عناية الرب لكان مات بهذا المرض. أما عن محبته لأسرته فكان يحبهم ويحترمهم ويكرمهم في طاعته لهم وملاطفتهم وكانت محبته عملية فلقد كان يعطيهم المرتب بكامله فيما عدا العشور. ومحبته لأب اعترافه قوية فكان يظل طيلة جلسته معه يقبل يده ووجهه وجبينه ويقول له "انت مثال المسيح على الأرض". وكانت الأطفال يحبونه ويأنسون به وبخاصة الأيتام والمرضى فعاش دون عداوة لأحد فأسر الجميع بمحبته حتى الأشرار حول طباعهم الوحشية إلى صورة مسالمة ولم يكن يغضب من أحد يرتكب معه أي خطأ بل يقول له "إخص عليك يا وحش اللـه يهديك ويباركك".
2 - سمة الطهارة :
عاش حبيب شابا طاهرا بريئا مما يدنس روحه أو جسده حتى عود اخوته أيضا على لبس ما هو محتشم ولائق بأولاد اللـه. وقيل أن زملائه في المكتب احبوا مرة أن يضايقوه فأوعزوا لبائعة جميلة أن تضايقه فأتت تقول له "بص لي يا سى حبيب هو أنا بعبع" فكان قديسنا يقول لها "لا تطاوعيهم، اللـه يسامحك ويباركك" ولم يشأ أن يتطلع إليها بل أعطاها شيئا في يدها وصرفها فخرجت متعجبة من شفافيته وتستعجب من عفته وتقول "ده شيخ صالح". ألا يتطابق سلوكه هذا مع قول ابن سيراخ "لا تتفرس في العذراء لئلا تعثرك محاسنها".
3 - بساطته ووداعته :
كان بسيطا لا يمكر ولا يخدع ولا يغش ولا يدور في حديثه بل ما يضمره ضميره وقلبه كان يتكلم به فمه وكان أمام أي اتهام له مهما كان حجمه يبستم في وداعة وبراءة طفولية دون الدخول في مشاجرات ومشاحنات لا تجدى.
4 - اتضاعه وإنكاره لذاته :
ما كان حبيب يعرف الكبرياء مطلقا وسر عظمة هؤلاء القديسين تكمن في شعورهم الحقيقي بحقارة أنفسهم ، فكان يحمل ألواح الصاج من السبتية إلى شبرا ليرسم عليها صور القديسين ويهديها إلى الكنائس. ومن مظاهر إنكاره لذاته رفضه المستمر لالتقاط صور فوتوغرافية له. ويقول صديقه (القمص سمعان ارمانيوس) أنه كان يكره دائما المتكآت الأولى وكان دائما في فصول مدارس الأحد يعطى صديقه فصول الكبار ويدرس لفصول الأطفال الصغار فقال له "لا يا أستاذ حبيب أنا غلبان وانت راجل قديس وما يصحش تدينى فصل الكبار فيرد بقوله "الكتاب بيقول الحق أقول لكم أن لم ترجعوا وتصيروا مثل الأطفال فلن تدخلوا ملكوت السموات".
5 - تدقيقه وأمانته :
كان يمنع أخويه من الاستماع لأغاني الراديو وكان يقول لهما " إذا فرحتم رتلوا وإذا حزنتم صلوا" وهكذا كان حريصا على تطبيق الوصية. ورغم تقديسه ليوم الأحد ألا انه في عمله كان مثاليا وأمينا حتى أن المتنيح القمص إبراهيم عطيه طلب منه ذات مرة قلما كان يحمله بجيبه ليكتب به ميعاد للخدمة فتوجه واشترى له قلم من البقال قائلا "ما تسلمته من الحكومة لا يجوز أن يكتب به ألا أوراق الحكومة لاغير، فسامحني يا أبى".
خدمته
كانت الغيرة تشتعل بقلبه فلا يهدأ له بال حتى يجد موضعا للرب في قلب كل إنسان فلهج نهارا وليلا لكي يهيئ للرب شعبا مستقيما ورغم حياته القصيرة ألا أن روحه العملاقة قيست بالكيف لا بالكم حتى صار عبدا للجميع ولم تكن نفسه محسوبة عنده.
واظب على اجتماع الخدام بالكنيسة وتعرف بخدامها الأتقياء وعلى رأسهم أمناء الخدمة، وكان من أعز أصدقاء حبيب فرج شابا يسمى ملاك ميخائيل يسكن بجوار بيته وكانوا متلازمان ببعضهما جدا ويسهران معا في الروحيات يرشدان بعضهما البعض ويخدمان معا.
1 - خدمة مدارس الأحد :
خدم بمدارس أحد كنيسة الأنبا انطونيوس بشبرا ثم اتجه لتأسيس فرع آخر لخدمة مدارس الأحد بجمعية القديسة دميانة بأرض بابادبلو، وقد لقى مضايقات كثيرة في خدمته بهذه الجمعية فكان الأولاد في هذه المنطقة يقذفونه بالطوب ويسبونه فكان في مغفرة يهديهم مال أو صورا ويقول لهم "ربنا يبارككم" . كما كان يقوم بالخدمة في أماكن بعيدة وصعبة وليست بها مواصلات فيضطر لتأجير عجلة تنقله ذهابا وايابا لدرجة أنه مرة رجع متأخرا جدا وقد قام بحمل العجلة على كتفه لأنها تعطلت وسار ماشيا على قدميه من منطقة بهتيم قرب مسطرد إلى منزله بشبرا.
2 - بناءه للجمعيات والكنائس :
ساعد حبيب في بناء العديد من الجمعيات والكنائس من جهده وماله الخاص وحينما نذكر قصة بناء بيعة الأنبا انطونيوس إنما نذكر ما قام به من مهنة كفاعل في بناءها سنة 1936 يقدم المونة والدبش والطوب للبناءين حتى ما يوفر خمسة عشر قرشا للكنيسة كأجرة فاعل كما قام بتأسيس جمعيات كثيرة من القوم البسطاء في جهات عديدة وكان يعظهم باسلوب بسيط حتى تعلق به الجميع وأحبوه وتعلموا كثيرا منه مقتدين بأمثولته الحسنة. كما أنشأ جمعية العذراء ببشتيل البلد ومكانها اليوم بيعة مقدسة وبشتيل هذه من توابع منطقة امبابة بالجيزة.
جمعيه حبيب :
اختمرت بقلبه فكرة أن ينشأ جمعية بمنزله الخاص بأسرته بشارع المحمودى وخصص له والده نحو 160 مترا من العقار الذي يمتلكه (وهي عبارة عن حوش المنزل) وساعده أبونا بطرس بإعطائه بعض الدكك من كنيسة الأنبا انطونيوس.
كان حبيب يمر على أسر المنطقة يوميا يفتقدهم ويدعوهم للجمعية يومي الأحد والأربعاء منبها بأن العمر على الأرض نقطة واحدة بالنسبة لبحر الحياة السمائية مع اللـه، وكان بنفسه يدعو الوعاظ لخدمة الجمعية وأن تغيب أحدهم يقوم هو بالوعظ. ومن مضايقات الشيطان انه في مرة تغيب عن عمله يوم الأحد وذهب للقداس ثم خرج منه للخدمة ورجع ظهرا لاعداد الجمعية. وجاءهم مساء بالمنزل قريب لهم يعمل مع حبيب وأفاد بأن حبيب لم يذهب لعمله اليوم فقامت أمه بإطفاء كلوبات الجمعية وصفعته بالقلم على وجه أمام الحاضرين من السيدات والرجال قائلة له "مفيش جمعية مادمت لم تراعى عملك ولقمة عيشك" فوضع يده على خده مكان الصفعة ونبه على الحاضرين بالانصراف لأن عدو الخير استطاع الانتصار على والدته وانصرف الجميع واغلق حبيب الباب ودخل لوالدته فوجدها تبكى في حجرتها فاسترضاها وقبل رأسها قائلا "لماذا تبكين هل ضربتي حد غريب ده أنا ابنك وضربك لذيذ وبركة يا أمي اتفضلى الخد الثاني" ثم طلب منها إعداد الطعام قائلا لها "لقد خرج عدو اللـه بعد أن انتصر عليك وتسبب في غلق الجمعية لأن كلام اللـه يؤرقه".
خدمة العزاء :
كان فرح مع الفرحين ويبكى مع الباكين فنجده عند سماعه بوفاة شخص في منطقته يذهب في الحال ويقدم واجب العزاء ويلقى كلمة روحية.
خدمة الضالين:
كم من نفوس أفاقوا من غفلتهم ورجعوا لمسيحهم وتابوا على يديه من مجرد رؤيته في مثالية الخدمة ومعايشة الوصية. وفي إحدى المرات عرف بأن شخص سوف يترك المسيح وإذ به يجرى وراء إرجاعه إلى حضن الكنيسة ودخل عليه ذلك المكان الذي يعده للارتداد وأخذ يعانقه ويقبله قائلا "لن أتركك تبيع المسيح" ورغم انه ضرب من جميع الحاضرين ضربا مبرحا حتى سال منه الدم إلا أنه خرج بتلك النفس وأرجع خروفا ضالا إلى حضن الكنيسة.
خدمة الشماسية:
كانت للشموسية في زمانه مكانة وعزة، وقد زكى حبيب لرتبة الأغنسطسية، وفي الزفة حمل الصليب على كتفيه وقال "ياربى يسوع لست مستحقا لحمل الصليب الذي حملته من أجلى". وكان قد أخفى عن أسرته هذا الأمر فحزنوا وقالوا له "يعنى ما كناش هنشرفك بحضورنا" فأخبرهم بأنه قد وضع على رأسه جمر نار بهذه الرسامة لأنها مسئولية أمام اللـه. ومنذ ذلك الحين لم يفارق المذبح وكان يشاهد واقفا طوال القداس يذرف الدمع الكثير ولم يكن يجلس أبدا حتى انتهاء الصلاة وكذلك الحال في درس الكتاب أو مدارس الأحد.
خدمة الفقراء:
لم يرد طلب لسائل بل تعدى الأمر حدود عشور مرتبه بأن كان يدفع للفقراء حق مواصلات انتقاله مفضلا أن يسير من سكنه بشبرا إلى ميدان التحرير حيث مقر عمله ذهابا وايابا. وكانت من عادة أمه أن تعد العشاء في عامود ألومنيوم حتى يسهل تسخينه فيأخذه منها ويعطيه لفقير يقبع فوق كوبري بالشرابية ويأكل هو لقمة بدقة وفي مرة بحثت أمه عن ذلك العمود ولم تجده فأخبرها شقيقه الأصغر بأن حبيب يعطيه لفقير أعمى فوق كوبري بالشرابية فمسك بإذن أخيه وقال له "اخس عليك يا وحش اللـه يباركك ده الكتاب بيقول لا تعلم يمينك ما تفعله يسارك وإن فعلتم كل البر فقولوا إننا عبيد بطالين" ومرة أخرى في فرح أخته دعى الفقراء والأرامل وأعد لهم مأدبة عظيمة وكان يطعمهم بيده وفي بعض الأحيان كان يشترى اتواب من قماش ويبيعها بين الشوارع كالباعة الجائلين ويخصص إيرادها للفقراء.
في مرة كاد أن يركب القطار للخدمة في مكان بعيد فقابله فقير فأفرغ له ما في جيبه وكان ثمن التذكرة ذهابا وايابا ثم دخل القطار إذ بالكمسري يأتى بعد قليل ويطلب رؤية تذكرته فنظر إليه حبيب وصمت برهة قليلة ورفع قلبه نحو السماء لتتدخل العناية الإلهية لإنقاذه من هذا الموقف الصعب وفي ملء إيمانه مد يده من شباك القطار إلى الهواء الطلق وفرد كفه فإذ بتذكرة موضوعة على كفه الفارغ قد أرسلتها السماء له استجابة لصلواته فأعطاها للكمسري وشكر اللـه على صنيعه العظيم.
بتولية أم زواج
اشتاق قديسنا لحياة الرهبنة والبتولية وألح والده عليه كثيرا في أمر الزواج فأبى فاشتكاه للخدام وللكهنة فلم يجدى هذا نفعا، فاشتكاه للأنبا باسيليوس الذي لما عرض فكرة الزواج عليه رفض ورد بقوله "اشمعنى انت عايش بتول يا سيدنا؟" فعرف بحقيقة اشتياقه للبتولية وتركه في طريقه.
1 - طرق باب الرهبنة
ودون أن يبلغ أحد توجه مع صديقيه في النعمة (حنين رزق ، عزيز يوسف)، وركبوا قطار الصعيد حتى بلغوا درنكة ودخلوا دير المحرق طالبين قبولهم رهبانا، لكن الدير رفض لعدم استكمال أوراقهم وهي خلو طرف جهة العمل وموافقة الوالدين والكنيسة وقسم الشرطة التابع له كل منهم. فعادوا حزانى في ثالث يوم دون أن يكون مع أى منهم أية نقود مقابل عودتهم في القطار وكانت الأجرة وقتئذ أربعون قرشا للتذكرة فأعطاهم رئيس الدير خمسون قرشا أوصلتهم للمنيا ثم طلبوا من كمساري أتوبيس الصعيد أن يأخذهم معه للقاهرة بالمجان فسخر منهم ورفض، فساروا على أقدامهم من المنيا لبنى سويف ثم صلوا للـه أن يدبر لهم الوسيلة للرجوع فأرسل لهم بالمصادفة صديقا أقلهم بسيارته في طريقه للقاهرة. أما عن أسرة حبيب فظلت في حيرة شديدة وبحثوا عنه في كل مكان وقد قضت أمه الثلاثة أيام بالشارع بعدما سألت عنه كل إنسان لدرجة أن دورية البوليس الليلية كانت تنصحها بالمبيت في منزلها وعدم الخوف على ابنها لأنه ليس قاصرا. ثم عاد حبيب هو وصديقيه وألقوا السلام فما أن رأته والدته حتى صرخت بشدة (حبيب) واغمى عليها ولما آفاقت صفعته على وجهه فجن جنون صديقيه واغتاظا جدا معترضين "ليه كده يا ست حد يضرب ضناه قدام أصدقائه؟" فرد عليهم حبيب "بس يا أعداء الخير دى البركة شملتنى لما أمى ضربتني" وطيب خاطرها وطلبت إعداد مائدة الطعام له ولأصدقائه قائلا "ربنا لم يقبلنا نساكا في خدمته".
2 - عريسا للسماء :
أراد والده أن يزوجه من ابنة عمه "كوكب" وألح عليه كثيرا وأمال عليه بعض الكهنة والأصدقاء لكنه أفصح عن حياة البتولية حتى أنه قال لهم "لو ضغطتم على سأعيش معها كأخ والإنجيل سيكون بيننا في الفراش. وفي سرية تامة قام والده بزيارة أخيه بالمحلة الكبرى وطلب خطبة كوكب لحبيب فرفض قائلا "إنها وحيدتي على اخوتها الشبان واطمع في أن افرح بها وأرى لها ذرية وقد علمت يا مقدس أن حبيب ابنك ينوى البتولية وأن ارتضى الزواج فلن يقرب عروسه، فأعذرني يا أخي في ذلك". عاد والده حزينا. فطيبت زوجته خاطره قائلة "لا تزعل فالزواج قسمة ونصيب". أما حبيب فعاد من منزله فأعدت له أمه الطعام وقبل أن يجلس دعا والده لتناول الغداء معه فرفض وقال "أنا ماليش نفس" فبادره القديس قائلا "انت زعلان علشان عمى مرقس رفض زواجي من كوكب صدقني دى إرادة اللـه فكوكب سوف تنتقل من هذا العالم بكرا لتدخل طريق الأبكار في السما وأنا وراها كذلك" فاعتقد الوالد أن أمه أخبرت ابنها بما جرى فصفعها بالقلم، فقال له حبيب "ليه كده بس يا بابا دى مالهاش ذنب عناية ربنا هي اللي سمحت أن اعرف ماذا تم بينك وبين عمى ما تزعلش بقى وسلم أمورك للـه وكوكب ها تكون عروس للمسيح قبل أن يمسها أى عريس وهتكون في استقبالي مع العذارى الحكيمات". فرد والده "ما تطلبش الموت لبنت عمك تسلم لشبابها وربنا يهنيها". ومن ناحية أخرى تقدم عريس من ملوى لخطبة كوكب وقبل الإكليل بساعات نزف أنف العروس كوكب وماتت عند الكوافير ليتم ما قاله القديس بالحرف الواحد.
مواهب روحية
1 - شفائه للأمراض :
كان يحمل بجيبه دهن مقدس ظل معه حتى نياحته وبهذا الدهن كانت تجرى آيات وعجائب كثيرة.
2 - شفافيته الروحية :
كان يتمتع بشفافية روحية عالية
3 - علمه بيوم رحيله:
- لم يخشى الموت طيلة عمره لأنه كان في أتم استعداده الروحي فتجده عندما يرجع من أى عزاء يسلم على أهله قائلا "عقبالكم" فكانوا ينتهرونه قائلين "هو إحنا عالة عليك يا ولد؟" فيرد في فلسفة روحية عميقة "يوم الوفاة خير من يوم الولادة". لذلك فرح حبيب عندما ظهرت له العذراء قبل نياحته بثلاثة سنوات لتخبره بيوم الرحيل.
- قرب دنو أجله كان يجمع الناس لحضور الجمعية بضربه الدف أمام منازلهم ويقول "تعالوا احضروا الجمعية لأن الأيام قربت والدنيا اصفرت" وكان يقصد بذلك يوم الرحيل للآخرة من هذا العالم حتى يكونوا مستعدين لملاقاة الديان.
- قبل نياحته بستة اشهر ظهرت له العذراء مريم قائلة "الكرسي المذهب لك يا حبيب اللـه بالروح والحق ومعد لك بعد ست شهور" وقد كان له ما تمناه طيلة عمره حسب وعد العذراء إن اتبع يسوع.
- أقر حبيب قرب ذلك الانتقال بفرح عندما رفضه عمه زوجا لأبنته كوكب قائلا "لا تزعل يا والدى فكوكب ستذهب عروسا بتولا لعريسها يسوع وسألحق بها لننعم سويا بمعاشرة يسوع الناصري في السماء".
+ بدلة واسعة للعرس السماوي
قامت ماتلدا أخته بشراء ثوب قماش له لأنهم اتفقوا على تزويجه بفتاة أخرى وقالت له "سأقوم بتفصيل بدلتين واحدة للخطوبة وأخرى للزيجة، فرد بقوله "إحذفى الأفكار دى من راسك علشان أنا هروح لقسطندى الترزى وهفصل اثنين فعلا واحدة ضيقة لأخويا شفيق والثانية واسعة شوية علشان دى اللى هنزف فيها للسماء، فعاوزهم لما يلبسونى ما يتعبوش من إدخالى في البدلة علشان كده ها اعملها واسعة".
و فعلا ذهب للترزي قبل نياحته بأيام قليلة ومعه صديقه الحميم "ملاك ميخائيل" وقال له "وسع لي الثانية شويتين علشان ما اتعبهومش عندما يلبسونها لي في الخشبة وتستطيع أن تقول يا عم قسطندى ها اعمل فيها جبنيوت السماء فأرجو تجهزها قبل ظهر الخميس المقبل لأنني سأنتقل في هذا اليوم". وكان هذا الحديث يوم الاثنين ظهرا، ووقع هذا الكلام على صديقه كالصاعقة لعلمه بأن كل كلمة من فمه تخرج صادقة دون هراء.
أما الواقفين فنهروه بشدة واتهموه بالجنون، فقال لهم بنعمة الواثق من كلامه "إن كلامي سينفذ حرفيا ولم يمضى الأسبوع حتى كان ما قاله.
· كان اجتماع الشابات يوم الأحد وبعد الصلاة والترانيم طلب حبيب من حلمي الخادم معه أن يقوم بشرح الدرس فقال له أنا آسف مش محضر لأن يومك النهارده، فقال له "لا لابد من القاءك للدرس وظلا في نقاش أمام البنات لدرجة أن إحدى الشابات قالت "يظهر الأستاذ حلمي مش عارف يقول حاجة"، فقام حلمي لتوه بعد خجله ليلقى العظة بملء الروح القدس. وبعد انتهاء الاجتماع مشيا معا كالعادة وسط الزروع فعاتب حلمي حبيب على فعله من اخجاله وسط الشابات فرد حبيب لازم تتعود على القاء الدروس الروحية بعد كده علشان أنا مش هاجي تانى الخدمة والنهارده آخر اسبوع لي بالجمعية. فقال له حلمي "ليه بتقول كده" فرد عليه "معلهش مش بخاطرى البركة فيك يا حبيبي".
· لقد كانوا يعدون الجمعية لتصبح كنيسة واشتروا لها جرس وعلقوه بالمنارة لحين الانتهاء من أعمال الترميمات. وفي صباح يوم الخميس دق جرس الجمعية بلحن الحزن على انتقال حبيب وإذ سمع حلمي ذلك تذكر كلماته وبكى بكاءا مرا.
· إذ علم حبيب بدنو أجله بدأ في توصية أصدقائه الخدام بالاهتمام بمدارس الأحد خير الاهتمام بعد رحيله. كما أخذ أخيه جانبا وأوصاه بطاعة والديه واحترامهما. فلما سمع أخيه ذلك سأله "ما هذه اللهجة الغريبة؟" فعرفه بأنه يأمره بذلك لأنه قريبا سينتقل من هذا العالم.
· في يوم 14/7/1941 طلبت أمه منه أن يحضر أخته ماتيلدا التى تسكن بجوارهم وزوجها متغيب في سفر، فقال لها "يا وحشة مش راضية تيجى تتعشى معانا ليه" فبكت ماتلدا قائلة ازاى عاوزنى اتعزم وزوجي هيغيب عنى 15 يوم" قال لها "بتبكى على اللى مسافر 15 يوم امال هتعملى إيه في اللى هيغيب العمر كله" ويومها ذهبت معه للعشاء عند أسرتها.
· أكد حبيب لشقيقه عن موعد انتقاله يوم 17/7/1941 عندما همس في أذنيه بقوله "أنا يا اخويا ها انتقل في الظهرية للسما فلا تبيتونى في البيت وصلوا على جسدي الفانى في كنيسة الأنبا انطونيوس وقل لوالدي الا يقيم فرقة موسيقية بالجنازة ولا يقيمون صوانا ومن أراد تعزيته يجهز مقر الجمعية وهو متسع للجميع لأننا معزون متعبون . فقام شفيق بنقل كلام حبيب لأمه في مساء ذلك اليوم فردت بقولها "حبيب تعبنا قوى كل يوم يقول الأيام قربت والدنيا اصفرت وأنا مش عارفة هو زهقان من الدنيا دى ليه. واحد غيره كان يتجوز ويكون أسرة وتكون له ذرية صالحة زيه ولم تعطى اهتماما لهذا الأمر".
يوم الرحيل العظيم
لم ينم حبيب في تلك الليلة بل ظل ساهرا في صلوات واستغاثات مستمرة يكلم يسوع ويستشفع بالقديسين والشهداء ليقفوا إلى جواره لحظة خروج روحه من جسده. وكان هذا اليوم من مطلع الفجر حتى وقت الظهيرة (لحظة تسليمه الروح) ممتلئ بالأحداث والمواقف الروحية العالية المقام التى تعد في جملتها أغرب من الخيال وأروع ما سجل عن قديس معاصر :
1 - استودعك الرحيل يا أخى :
يقول أخيه شفيق : قبيل انتقاله بساعات قليلة قمت فوجدته يصلى وكان الليل كله قد قضاه في خلوة مع اللـه فقلت له "يا حبيب حرام عليك تقلق منامي دى الساعة خامسة دلوقتى وأنا شغلي بعد ساعة بالضبط. فقال حبيب "يا أخى وحبيبي شفيق إنها الساعات الأخيرة لي معك على الأرض". ثم أخذ يقبله بشدة.
2 - ارمي السلم يا يسوع :
يروى شقيقه الأستاذ أسعد فرج هذه الوقائع قائلا : أكد حبيب موعد انتقاله فى هذا اليوم لوالدته عندما قام في الصباح الباكر نحو الساعة السابعة صباحا فقدمت له كوب حليب ليتناوله قبل الإفطار فشكرها وقال "أرجوك يا ماما أنا أؤدي واجب ربنا الأول قبل واجبى تجاه جسدي. ودخل حجرته ليصلى منفردا وأغلق الباب. وما هي إلا دقائق معدودة إلا وارتفع صوته قائلا "ارمي السلم يا يسوع أنا جاى عندك اليوم" وأخذ يردد هذا القول مع ارتفاع صوته أكثر فأكثر. فانزعجت والدته واستدعت شقيقه الأصغر وكان بالصف الأول الثانوي وفي عطلة الدراسة وكان واقفا أمام الباب مع أحد أصدقائه فطلبت منه الحضور فورا وكلفته بفتح باب الحجرة على حبيب ليستطلع الأمر معتقدة انه أصيب بالجنون، فقرع باب الحجرة فلم يرد حبيب فهرول أسعد وأتى بمبرد ليفتح الباب بعدما ظل واقفا يقرعه مناديا أخيه حبيب لكنه لم يشعر به لأنه كان في حالة من الهيمان الروحي، فلما فتح الباب رأى عجبا إذ وجد الحجرة مليئة بالنور القوى كمثل هالات القديسين التى تكون حول الرأس وكان النور عجيبا عبارة عن قطن أبيض يتخلله نور سماوي عجيب ممتزج بزرقة سمائية ورائحة بخور قوية كحنوط القديسين وحبيب راكعا مصليا بدموع أمام صورة بحجرته للسيدة العذراء وهي تحمل الطفل يسوع وهو ممسكا بالأجبية وكان ذلك نحو الساعة السابعة والنصف صباحا. وكانت دموعه ممتزجة بفرح لا يوصف وهو يناجى اللـه قائلا "ارمي السلم يا يسوع أنا جاى أنا استعديت للسفر وتذاكرى جاهزة" وعندما ناديته لم يرد على وظل مستمرا في صلواته وكأن احدا لا يقف بجواره فناديته "حبيب حبيب ياخويا والدتك مخضوضة وبتقول ده حبيب أصيب بالجنون"، فلم يرد على واستمر في مناجاة ربه وهو راكع. فخطف أسعد الأجبية من بين يديه فأفاق وقال لأخيه "اخس عليك يا وحش ربنا يباركك" ثم مدد جسده على الأرض وظل يردد صلواته وهو في هذا الوضع وردد "نعظمك يا أم النور – بالحقيقة نؤمن – ابانا الذي..... "
فدخلت أمه عليه ووجدته في هذه الحالة فقال لها "يللا يا ماما إلبسى أبيض في أبيض علشان ابنك هينزف النهارده للسما" فردت وقالت "انت باين إتجننت والعبادة والصلاة ما تكونش بالطريقة دى لدرجة إهمالك لنفسك" ثم بدأت تدعو أسرته بالجسد وأصدقائه الروحيين والأباء الكهنة لينظروا حالة ابنها ويفسروها وكان ذلك نحو الساعة العاشرة صباحا.
+ يقول المتنيح القمص انجيلوس ميخائيل ( فى شريط الذكريات) "دعتنى أمه في الصباح الباكر فذهبت ووجدت عنده الأخ وليم تادرس (المتنيح القمص اسحق تادرس) ووجدته راكعا في الأرض يصلى ويقول للعذراء "خذينى يا عذراء ما تسيبنيش أرجوكى ما تحرمنيش من الكرسى اللى وعدتينى بيه". فقلت في سرى الواد ده باين اتجنن خلاص فترك صلواته ونهض قائلا "بتقول على مجنون يا ملاك ياخويا اللـه يسامحك ويباركك". ثم ظل يقبلنى بشدة وبكاء حتى أن ذراع نظارتى كسرت فبكيت وأوصانى قائلا يا ملاك ياخويا ما تنساش الخدمة اللـه يعطيك القوة ويبارك في حياتك اخدمه بكل قوتك وكل ما تملك من صحة وهتلاقيه يباركك ثم أخذ يكمل صلاته.
+ روى القمص سمعان ارمانيوس : أم حبيب ارسلت لي في الصباح وقالت "الحق حبيب يا استاذ نصيف بنده عليه وما بيردش شوفوا يا ابني ماله" فدخلت وإذ به يصلى على الأرض قائلا "لا ارذلك ولا اتركك ياربى يسوع، لا تحرمينى من الكرسى يا عذراء" وكان في حالة من اللاشعور بمن حوله.
+ جاءت أخته الكبرى بسيطة لتراه فلما دخلت عليه لاحظ إنها ترتدى نصف كم فقال لها " يا اختى ربنا يباركك وسامحينى لو قلت لك لابد من ستر جسمنا وما نظهروش لحد فياريت تلبسى كم طويل" فبكت في الحال وخرجت.
+ علم المتنيح الأنبا كيرلس مطران اثيوبيا الذي سكن فوق الاكليريكية بهمشة بأن أحد القديسين سينتقل اليوم إلى بارئه (بناء على قول أحد جيرانه الأقباط) فهرول إلى منزله ودخل طالبا منه الصلاة قائلا "يا حبيب اللـه اذكرنى أمام اللـه"
+ كانت الزيارة الأخيرة لأبونا بطرس الجوهري وأبونا ابراهيم عطية، وظن أبونا ابراهيم ان حبيب به روح شريرة فهم بالصلاة من أجله فقال له حبيب "يا أبونا ده احنا شياطين هتلبسنا شياطين، يا أبى دى روح اللـه وأنا هنتقل بعد شوية" فخرج أبونا وقال للجميع ان الروح القدس قد حضر لاستقبال حبيب ولا نستطيع أن نوقف عمله.
+ واخيرا حتى يطمئن والديه لسلامة قواه العقية احضرا طبيبين للكشف عليه فلم يتوصلا لشىء حينئذ قال حبيب "يا دكتور واحد هيقابل ربنا تقدر تمنعه، كلنا هنموت حتى حضرتك ها تموت بعد عمر طويل فما تحاولش منعى وتدينى حقنة مخدرة لأنني سوف انطلق لمن خلقني مهما عملت". فخرج الدكتور متعجبا بعد تأكده من سلامة قواه العقلية وكتب له بعض المهدأت .
+ أخذ يردد صلواته حتى نشف ريقه فقامت جارتهم ام ميشيل بصب بعض الماء في فنجان لتسقيه فشكرها قائلا "متشكرين يا خالتى أم ميشيل العذراء سقتنى خلاص وهي واقفة قدامى دلوقت" وفعلا نزل من فمه ماء للحال دليل على المعجزة وحضور أم النور بجواره.
+ ثم جمع حبيب أسرته وأصدقائه وطلب منهم السماح على ما صدر منه تجاههم من أخطاء (مع أن هذا لم يحدث مطلقا) وأسلم الروح بعد تجمهر الناس في المنطقة حول منزله إذ انهم اشتموا بخور قوى وشاهدوا نور قوى حوله وسمعوا تسبيح الملائكة.
+ شقيقه اسعد كان أول من اكتشف رحيله وقال "حبيب مات يابويا" فضربه خاله قائلا "اخرج يا والد أخوك مغمى عليه " .
+ عندما انتقل حبيب لم يتغير لون جسده وكان فرحا مبتسما تجرى الدموية والحياة به واقسمت احدى الجارات من غير المسيحيين بأنها رأت عمود نور ممتد من رأسه حتى السماء وذلك لحظة نياحته وقالت عنه "ده ما يندفنش في الأرض زينا تعملوا له مقام كبير ونروح نزوره فيه"
+ ومن عجب أن المقدس خله وقسطندى الترزى قد حضرا لتغسيله وتكفينه ومجرد ما خلعوا ملابسه وجدوا منظرا في منتهى القوة الروحية وجدوا سبعة صلبان منقوشة على جسمه اثنان بأعلى جانبى صدره واثنان على فخذيه واثنان بأعلى ظهره وواحد وسط بطنه وكأنها منقوشة بيد أعظم الفنانين وكان لونها وردى. فتباركا من جسده وو ضعا غطاء على حقويه ودخل الجميع ليروا هذه الصلبان فعلت الزغاريد وامتزجت بالبكاء. وكان المسلمون يشربون من ماء الورد مكان تغسيله ويقولون إنها بركة. وكان قديسنا يتمنى وضع صليب من ذهب على جيبه وقت تكفينه وفعلا وجده قبل نياحته بين قضبان السكة الحديد فقاموا بإلباسه بدلته الواسعة كطلبه ووضعوا الصليب أعلى جيب بدلته كما تمنى.
+ وضعوا جثمانه بكل اكرام في صندوق ومعه باقات الورد ثم حملته الخيول وأمامها زفة موسيقية حسب طلب والده وكان الوقت نحو الخامسة عصرا. لكن الخيل لم تتحرك عندما عزفت الموسيقى وكلما وقفت الموسيقى سارت الخيل وما ان تعزف الموسيقى تقف الخيل، فطلب خاله من الحاضرين "قولوا لحن ابؤرو ولا داعى لعزف الموسيقى لأننا بذلك نعصى وصيته" وما أن بدأوا اللحن حتى انطلقت الخيل وسط موكب مهيب وسط دموع محبيه من المسلمين والاقباط وكان الزحام شديد كأنه ملك شعبى منتصر حتى أوصلوه للكنيسة وكان يتقدم الجميع نحو 20 مطرانا وكاهنا.
+ في الجنازة جاء الالوف من محبيه الفقراء هذه تقول طرحتى من عطاياه وأخرى مداسى وثالثة جلبابى وهكذا ، فعرف الكثير من خدمته الخفية في ذلك اليوم.
+ ظهرت 3 حمامات بيضاء ورفرفت بالكنيسة واختفت فجأة.
+ عند العظة تقدم عدد كبير للحديث عنه وعلى رأسهم الواعظ فؤاد باسيلى (القمص بولس باسيلى) وكان من ضمن الحاضرين رئيسه المباشر في العمل الذي التمس من رؤساء البيعة أن يسمحوا له بتقديم كلمات الرثاء فقال "إن حبيب فرج الذي كان موظفا معي في وزارة الأشغال ليس بالشخص الذي نحزن لفراقه وما جئت اليوم لأعزى فيه بقدر ما جئت لأتعزى منه، انه شيخ مبروك وكنت لا اعرف قدره الروحى، ثم لما كان يقدس يوم الأحد حاولت أن أضره وقدمت شكوى فيه للألفى باشا الذي كاد يوقع على طلب نقله لطنطا فظهر له سيدنا خضر وأمره بالابتعاد عن حبيب لأنه يخصه ويتبعه وإلا سييتم أولاده. نعم هذا هو حبيب الذي عرفته عن قرب انسانا أمينا متدينا ويعز على جدا أن أودعه في هذا اليوم. رجائى منه أن يسامحنى على ما صدر منى تجاهه (وأنهى الكلمة لعدم استطاعته مقاومة البكاء).
+ ثم زفوه كشماس في الكنيسة 7 دورات ودق الناقوس بأنغام الفرح واستمرت الجنازة ساعة ونصف ثم دفنوه في مدافن الجبل الأحمر.
معجزاته وظهوراته بعد نياحته
+ رآه الكثيرون بعد نياحته في أحلام كثيرة متمتعا بأعظم حالات السعادة والرضى رافلا في حلل المجد والنعيم، فما أمجدها حياة هذا عبيرها وما أسعدها نفس هذا مصيرها.
+ بعد نياحته قام والده بتفتيش مقتنياته كعادة أسر المتنقلين فوجد مفكرته الشخصية مكتوب فيها "لقائى بالديان العادل يوم الخميس الموافق 17/7/1941" وقد كتبها قبل نياحته بفترة فكانت لهم أكبر تعزية وقد تبارك بها قرابة ألف شخص حتى استهلكت.
+ تقول ماتيلدا أخته "في مساء يوم نياحته دخلت أولع النور فلقيت ثلاث حمامات بمنظر نورانى ولونهم أبيض قوى طلعوا فجأة وكفونى على وجهى وكانوا مكان رأسه.
· و في حلم نورانى مقدس رأى صديقه "ملاك" صندوق ميت مكتوب عليه "هذا هو ابني الحبيب الذي به سررت".
+ كما أن أخيه شفيق كان يراه كثيرا من الأحيان كما لو كان بكنيسة نورانية ولابس شماس وماسك لكاهن الشورية والصليب ويرد عليه بمردات طقسية.
+ ظهر في اليوم التالي لإنتقاله للمقدس وليم قائلا له "روح لماما وقل لها ما تبكيش لأن العذراء زعلانة منى وقالت لي هلبسك اسود لأن أمك قلقتنا من كتر البكاء" لكن هذا الأمر لم يؤثر والدته وظلت تبكى وتقيم عوائدها بالمناسبات الدينية عند المدافن.
+ جاء حبيب في رؤية لوالدته عقب نياحته مباشرة (و التى كانت مصابة بروماتيزم وصل للقلب وكان ممنوع عنها الحركة نهائيا بأمر الأطباء ولا تستطيع مجرد الذهاب لدورة المياه) فظهر لها حبيب مرتديا روبا سماويا ناصع البياض وعلى جيب الروب صورة للعذراء باللون الأخضر فنادت عليه "حبيب" فقال لها "لا تلمسينى لأنى ما بقيتش ابنك دلوقتى وأنا بعت لك أقول بطلى بكاء وما تروحيش الطلعة وتوزعى الحاجات دى على الملاجىء أفضل لكن خالفتينى". فردت وقالت له اشفينى الأول وأوعدك أنفذلك كل طلباتك فرشم علامة الصليب عليها وتركها قائلا "سلام لك" وقامت في صبيحة اليوم التالي وطبخت لأسرتها وقالت "حبيب شفانى" فكان فرحا بالشفاء للجميع لا يوصف.
+ تحكى أخته ماتلدا "كانت أمى بعد نياحته تنام أرضا وتبكى بمرارة واضعة التراب على رأسها فكان يأتيها في أحلام كثيرة ويقول "يا ماما عشان خاطرى بلاش اللى بتعمليه ده دموعك نار بتكوينى، هو انت زعلانة إن ابنك راح للسما ده أنا في مكان حلو"، أما أمه فقالت "لا يا حبيب أنا ندمانة على اسلوبى القاسى معاك" فرد وقال "لأ يا ماما ربينا يسامحنى ويسامحك بس بلاش الحزن ده".
+ أغلق المقدس فرج الجمعية الكائنة بمنزله بشارع المحمودية بعد نياحة ابنه حبيب فحضر له مطران الخرطوم في صباح أحد الأيام للعزاء ثم أخبره قائلا "إن حبيب ظهر لي في رؤية وكلفنى بإبلاغك بإعادة فتح الجمعية وتكليف اخوته أسعد وشفيق باستدعاء الآباء الكهنة والاخوة الوعاظ "، فنفذ والده هذا الأمر.
+ روى القمص سمعان أرمانيوس ما نقلته له أم حبيب بعد نياحة ابنها : كانت أمه قد طردتهم من الجمعية اثر نياحته فظهرت لها رؤية كما لو كانت أمام قصرا فخما نورانيا جبارا في حجمه ويحرسه رئيس الملائكة ميخائيل وكانت عايزة تدخل فمنعها الملاك وقال "مافيش سلم يوصلك فوق عند ابنك حبيب" فنظر لها حبيب من أعلى قائلا دموعك يا ماما هدمت السلم ومش هتقدرى تطلعى هنا أبدا طول ما انت بتبكى على وطردتى اخوتي من الجمعية"
+ أرسلت أمه اثر هذه الرؤية السابقة لاخوته الخدام ففتحوا الجمعية فرأت رؤية وإذا الملاك ميخائيل يقول لها "إتفضلى ادخلي السلم موجود" فصعدت لأعلى القصر وشاهدت ابنها في حجرة نورانية ويجلس على مكتب وعلى المكتب ثلاث وردات ألوانها أحمر وأبيض وأصفر ينضمون معا حينا وينفردون حينا آخر فقال حبيب "انهم مثال الثالوث الأقدس يا أمى لأن الثالوث في واحد والواحد الذي هو اللـه له ثلاثة أقانيم" واختفى المنظر.
+ و من مدفنه تنبعث بقوة شديدة روائح بخور ذكية في المناسبات الدينية وذات مرة قال الأستاذ صبحى سكرتير دير القديسة بربارة "ده إحنا نطلب منه الشفاعة" . ومما يؤكد ذلك أنه في ذات مرة توفى أحد الجيران فطلب أهله من أخيه شفيق مفتاح المدفن لأن المساء قد آن ومدافنهم في أسيوط ، فسبقهم شفيق إلى هناك ليعد المدفن وعندما فتح المقبرة خرجت سحابة بخور كثيفة اشتمها كل الحاضرين مختلطة بحنوط يشبه حنوط القديسين، فبكى أخيه شفيق قائلا "إنها خارجة من صندوق حبيب وليست هذه هي المرة الأولى" فاستعجب الجميع خاصة المسلمين قائلين "إننا رأينا اليوم عجبا لم نراه في آي مدفن من قبل".
+ قال أحفاد أخته الكبرى "بسيطة" التى تملك صورة كبيرة له تعلقها بشقته بروض الفرج بأنهم اعتادوا أن يضيئوا حول صورته أربع لمبات كل يوم سبت، فكان البخور ينطلق بقوة شديدة من الصورة حتى سألت جارة لهم غير مسيحية في ذات مرة عن مصدر هذا البخور ذو العطر الجميل فأخبروها إنها تخرج من صورة خالهم القديس حبيب فرج.
+ عاد الروماتيزم مرة أخرى بجسد والدته إلى الحد الذي كان لو مسها أحد من شعرها تصرخ بشدة. وفي أحد الأيام فوجئ المقدس فرج بصوت أبونا بطرس الجوهري يدوي بلهجته الصعيدية المعروفة "يا أبو القديس حبيب، يا أبو القديس حبيب" فقال عم فرج "أيوه يا أبونا اتفضل" فقال له أبونا "هات فاس وتعالى نفحت في الجنينة علشان تصدقوا رسالة حبيب" ثم فحت أبونا بنفسه وأخرج عصا بدون يد وقال "ابنكم ظهر لي وقال اوصل أجزخانة الهيكل هتلاقى قارورة زيت خذها وإدهن ماما علشان مريضة وهي تخف على طول والأمارة يا أبونا افحت بالفأس في الجنينة ها تخرج عصايا بدون يد وصلها لأبويا دليل المعجزة" ثم قام أبونا بالصلاة على أمه المريضة ودهنها بالزيت المقدس فقامت في الحال وخدمتهم.
+ يقول أبونا المتنيح انجيلوس ميخائيل (في شريط الذكريات) : ظهر لي حبيب بعد نياحته بفترة بسيطة وقال لي "روح البيت عندي هتلاقى كتاب يسوع المصلوب رجعه تانى للكنيسة علشان ده بتاع مدارس الأحد، وكمان هتلاقى قارورة طيب مقدس كانت جايبها من ليلة أبو غلامسيس خذها وسلمها لأبونا بطرس علشان يصلى لأمى وتخف (كانت كسيحة من كثرة البكاء والانتحاب على ابنها) فقام الأستاذ ملاك (أصبح فيما بعد أبونا انجيلوس) للتو واللحظة بعد الرؤية وحكى لوالدته ما حدث فرفضت ذهابه هناك حرصا على مشاعر أم حبيب قائلة "أنت كنت كظله لا تفارقه أبدا ولو رحت هناك أمه هتكون في نار" وفي طاعة لأمه لم يذهب. فعاود القديس الظهور في الليلة التالية للمرة الثانية وفي عتاب قال له "ليه يا ملاك ما روحتش زى ما طلبت منك، هي مش أمك زى ما هي أمى ؟ أنا كده مش مستريح روح لأبونا وهيروح معاك بعد القداس". فذهب ملاك ووجد كتاب يسوع المصلوب مكتوب عليه "وفق مؤبد على كنيسة الأنبا انطونيوس" ووجد قارورة الزيت التى سلمها لأبونا بطرس. فصلى أبونا بحرارة لوالدته فقامت من مرضها معافاة وأرجع ملاك الكتاب إلى الكنيسة.
+ حكى المتنيح الدكتور / سليمان نسيم بأن اجتماع الشباب بكنيسة السيدة العذراء مريم بعياد بك قد دعوا ملاك ميخائيل (المتنيح القمص انجيلوس ميخائيل) للخدمة معهم، فطلب منهم مهلة ليعرف إرادة اللـه بشأن هذا الأمر. ثم صلى مستشفعا بالقديس حبيب فرج (فقد كان لا يسير خطوة في حياته دون مشورته حتى ولو بعد نياحته). فظهر له قديسنا في حلم مقدس وأومأ له برأسه دليل الموافقة، فعلم أنها إرادة اللـه وقبل الخدمة معهم وكان ذلك في الأربعينات من هذا القرن.
+ تحكى زوجة أبونا متياس روفائيل (أرض رائف بشبرا) عما أخبرها به أبونا عن صديق عمره وخدمته حبيب فرج فقالت : بعد نياحته ظهر لأبونا بطرس في حلم قائلا له "روح بيتى هتلاقى ظرف فلوس في درج مكتبى وديه الكنيسة لأنه ملك الرب" فلم يعبأ بهذا الحلم. فعاود الظهور في الليلة التالية قائلا له "اما مش قلت لك يا أبونا تروح بيتى وتفتح درج مكتبى علشان تستلم الظرف" فقام وفعل كما قال له ابنه الروحى ووجد الظرف.
+ يقول أخيه أسعد فرج : أنه منذ سنوات قليلة كان ابنه الأصغر الدكتور رضا أسعد يريد الذهاب لقضاء ليلة روحية في كنيسة العذراء مريم في الزيتون في ذكرى ظهورها فرفضت لأن الجو كان ليلا باردا. ثم نمت على أريكة الصالة فجاءتني العذراء في رؤيا ومعها حبيب خلفها وقالت لي "ليه منعت ابنك من زيارتي؟ لكن رغم اللى عملته ها أشفيك" فمدت يدها تحت ذقني لتحضر شيئا يشبه حبة سوداء كان بارزا وقيل لي فيما بعد أنه كان سيؤدى إلى سرطان. فبكيت وقلت بتشفينى يا عدرا وأنا مانع ابني من زيارتك وقمت من نومى باكيا طالبا المغفرة ولقد كان أخى حبيب ضيف شرف في هذه الرؤية ولم ينطق بكلمة واحدة في وجود العذراء.
+ يقول القمص مكسيموس السريانى بأنه وقت ظهور العذراء مريم في كنيسة القديسة دميانة بأرض بابا دبلو بشبرا قلت في نفسى ان هذا الظهور هو احدى بركات القديس حبيب فرج في خدمته القديمة بهذه المنطقة منذ أن كانت جمعية صغيرة وبناء عليه فقد شفع أمام اللـه لتنتعش الخدمة في هذه المنطقة التى كادت الروحيات فيها أن تشح والخدمة الرعوية أن تندثر فظهرت أم النور لتبدد ظلمات الجفاف الروحي إلى اشراقات نورانية مقدسة.
+ ظهر القديس حبيب لأخيه يقول له "انت هتجيب ولد وتسميه حبيب" وكان ذلك أثناء حمل زوجته وعند الولادة احتارت الأسرة في التسمية، الوالد يريد اسم حبيب على اسم أخيه والأم تريد اسم فهيم على اسم والدها واقترح البعض اسم منير وأمام هذا الأمر المحير احضروا ثلاث شمعات وأناروها وجعلوا لكل واحدة اسم من الأسماء المقترحة في إيمانهم أن اللـه يعطى العلامة الأكيدة للاسم المختار وللعجب فقد قصفت شمعتان من المنتصف (طوليا) وانطفأتا أما شمعة حبيب فبقيت كما هي فعلموا إنها إرادة اللـه بتسميته حبيب.
+ رغم مرور ستون عاما على رحيله فلازال جسده حتى الآن بدون فساد ، وقد قال أخيه بأنه كان مدفونا عند معارف لهم بالجبل الأحمر لحين إعداد مدفن للعائلة بمصر القديمة (مدافن القديسة بربارة) وقاموا بنقله بعد ستة أشهر – حسب القوانين –و بحب استطلاع كشفوا عليه فوجدوه سليما دون فساد، حتى الورد المدفون معه لا تزال رائحته نفاذة كما هي، كما أن طربوشه وبدلته الواسعة وصليبه الذهبي بأعلى جيبه موجودين دون أدنى خدش. وفي السبعينات ماتت والدته فأرادوا وضعها في صندوق ابنها فوجدوا جسده سليما دون فساد، وبعد مدة تحلل جسد أمه حتى صار هيكلا وظل هو بحالته كما هو.
فليعيننا الرب كما أعانه لنتمم حياة جهادنا مناضلين ضد أهوائنا وشهواتنا فننعم بمجد الرب الذي له المجد دائما أبدياً أمين.
ميلاده وصفاته الأولى
ولد قديسنا عام 1914 بحي جزيرة بدران بشبرا من أسرة ميسورة الحال وقد مات لوالدته ثلاثة أطفال قبل ولادته. وشب حبيب مدللا جدا ما يطلب شئ إلا وينفذوه له في الحال فكان ولدا عنيداً كثير التبرم على والديه لا يعطى اهتماما لكلامهم أو نصائحهم.
علاقته بالكنيسة وافتقاد الخدام له
كان في بدء حياته مع اللـه في حالة من الفتور الروحي بعيدا عن أحضان الكنيسة والاجتماعات الروحية ولا يتلو حتى الصلاة الربانية لاهيا عن خلاص نفسه. وكان والده يحثه على تغيير نمط حياته هذا الذي جعله في حالة من التبلد واللامبالاة وكان يقول له "يا ابني أمامك كتب مقدسة كثيرة افتح أحدها وانظر لما فيها لعلها تلمس قلبك وتغير من سلوكك."
و كان خدام الأنبا انطونيوس بشبرا يترددون عليه كثيرا للافتقاد أما هو فكان يسد أذنيه عن سماع أي دعوة توجه إليه بل كان يقابلهم مقابلة سيئة حينا ويتهرب منهم حينا. لكن هؤلاء الخدام لم يحطمهم اليأس في اجتذاب هذه النفس إلى المسيح ولما تعب من كثرة ترددهم عليه اتفق انه سينزل معهم هذا الاسبوع للاجتماع على أساس أنه إذا لم تعجبه الكلمة الروحية فلن يأتي مرة أخرى للاجتماع ولا يريد أن يفتقده أحدا مرة أخرى.
و كانت كلمة الاجتماع عن التوبة والرجوع وعلى إثرها خرج مبكتا نفسه وعزم على تغيير مسار حياته متفكرا في أبدية صالحة وهذا يعلمنا شيئان في منتهى الأهمية :
1 - إذا رأينا إنسانا بعيد عن الرب فلا نحكم عليه سريعا بالهلاك فاللـه ينظر للإنسان باعتبار ما هو قادم وبطول أناته يعود به للحظيرة الروحية.
2 - الخدمة الصالحة المهتمة بتوصيل النفوس الى بر الأمان لا تجعل من اليأس طريقا وتنسكب أمام اللـه في صلوات كثيرة من أجل خروف واحد وبالتأكيد كان وراء انسحاق قلبه بمجرد سماعه العظة صلوات نارية من الخدام لأجل خلاص نفسه.
نعود لحبيب فرج ذلك الشخص البالغ من العمر وقتها سبعة عشر عاما نجده قد قطع ما كان ينوى الذهاب اليه من مقابلات بعد الاجتماع داخلا الى حجرته بمنزله متفكرا مع نفسه "ترى ماذا جنيت يا حبيب من تلك العلاقة السطحية التي بينك وبين إلهك، الازلت تعاند، الازلت تكابر، الازلت تعصى؟ استيقظ لأنه لم يعد في العمر بقية تضيعها فيما لا يجدي". ثم دخل لينام في هذه الليلة المعهودة الفاصلة وقلبه منشغلا بالكلمة الروحية التي لمس اللـه فيها قلبه.
حدث فى تلك الليلة
كان يقول عن تلك الليلة أنها الليلة المقدسة الخالدة التي حولت حياته من النقيض إلى النقيض فكانت بها رؤية سماوية. فرأى وهو نائم إذ ظهرت له السيدة العذراء مريم توقظه من ثباته وتطلب منه أن يعبر خلفها هوة عميقة متقدة نارا متأججة وكانت هي الجحيم ورأى فيها أناسا يتلوون من العذاب ويبكون فانزعجت نفسه جدا وطلب منها أن يخرج سريعا من هذا المكان لأنه لم يستطيع عبور الهوة أو البحيرة لاتساعها. فقالت له "ارشم علامة الصليب واغمض عينيك واتبعني فستعبرها بسلام" ولما نفذ ما قالته أم النور عبر بسلام حيث الفردوس مكان انتظار الأبرار فإذ به في مكان فسيح يشبه القصر النوراني العظيم نوره متوهج ناصع وقد رأى عرش النعمة وبجواره عروشا كثيرة يجلس عليها أناس منيرين وعرفته بهم السيدة العذراء "هذا إبراهيم أب الأباء وهذا داود النبي، وهذا الأنبا انطونيوس… الخ" رأى هؤلاء القديسين جالسين على كراسي نورانية عجيبة الجمال والبهاء ولاحظ أن هناك كرسيا شاغرا لا يجلس عليه أحد، فسألها باندهاش "كرسى من هذا؟ ومن الذى تركه هكذا؟" أجابته السيدة العذراء "إلا تعرف كرسى من هذا؟ إنه لك إن إتبعت يسوع وعملت ما أوصيك به." قال "تفضلى". قالت " إمسك نوته وسجل فيها ما يصدر منك يوميا من أمور غير مستحبة عند اللـه فلا تحلف بل قل صدقني، ولا تكذب بل فالصدق منجى ولا تشتم بل قل اللـه يباركك ولا تكره فالمحبة هي أساس العقيدة ولمحبة السيد المسيح افتدانا بدمه الذكى الطاهر، وإعط العشور، وأطعم المحروم، وزر الأرملة، وكرس يوم الرب، وداوم على الصلاة والصوم وبعد ذلك سترى اللـه الجالس على هذا العرش". ثم انصرفت بسلام.
تغيير مسار حياته
أفاق من هذه الرؤية المباركة صباح اليوم التالي وقد تغير كلية واشترى نوتة وأخذ يسجل فيها كل ما اعتبره خطأ وفى أقل من اسبوعين لم يجد ما يسجله إذ صار نظيفا صافيا وصار من أبناء الكنيسة المباركين وذهب لأبونا بطرس الجوهري راعى الكنيسة وروى له ما حدث معترفا بذنوبه السابقة فسعد به أبونا جدا ومن ذلك الحين لم يتركه بل صار له كظله يكدحان فى كرم الرب معا بكل أمانة وظل طيلة حياته يصلى من أجله ليصل الى ذلك الكرسي النوراني.
بدأ حياة الجهاد القوى والزهد الشديد فى سن مبكرة حتى ما يقتل أهواءه وشهواته ووضع لجام جسده فى يد الروح حتى تسمو ولم يكن جسده محسوبا عنده فهو يضعه وفق إرادة يسوع ومع ذلك كان فى حيوية ودموية دائمة ونضارته لم يكن لها مثيل فإن رأيته خارجا من حجرته بعد صلوات كثيرة تحس انك أمام جبار بأس وظهرت قوة نسكياته فيما يأتي :
1 - صلواته :
تميز بحرارة العبادة وكانت الصلاة هي سلوته فكان أمينا جدا لوصية الكنيسة وكان يصلى صلواتها السبعة فى مواعيدها ففي الصباح يصلى صلاة باكر والثالثة أما عند رجوعه من عمله وقبل الغذاء يصلى الساعة السادسة والتاسعة وقبل خروجه من منزله لأعمال الخير كان يصلى الغروب والنوم وقبل النوم أن يتلو نصف الليل وعقب هذه الصلوات جميعا كان يرفع صلاة من قلبه حسبما يرشده الروح.
و كانت وقفته تعبر عن شخصيته كجندي فى حضرة ملكية لا يتحرك ولا يلتفت ولا ينشغل بأي شىء حوله. وقد حاول أن يرفع أسرته لمستوى الصلوات الدائمة فاشترى لهم أجابى لتجتمع الأسرة معا فى الصلاة لكن لم ينجح فى ذلك لدرجة أن أسرته كانت تمسكه من شدة هيامه وتهزأ به قائلة "أوعى تطير وانت معانا". لقد حاول معهم كثيرا ولم تنفع محاولاته فأثر أن يصلى بمفرده فى حجرته الخاصة أما أمه فكانت تنظره من فتحة باب حجرته لتعرف كيف يقف وقت الصلاة وماذا يقول لالهه يسوع فكان بشفافيته يحس بها ويصرخ فيها بالابتعاد.
أما روحياته أثناء الصلاة أنه كان يرى حوله هالة من النور تحيط به وقت الصلاة وكانت يداه كشموع موقدة، وقد رآه كثيرون فى هذا الوضع، كما كانت صلواته تكلل بدموع غزيرة وميطانيات لا حصر لها معبرا عن مشاعره الجياشة تجاه مسيحه.
2 - أصوامه :
كان يصوم جميع أصوام الكنيسة ، ويأكل أكلة واحدة كل أربع وعشرون ساعة ويصوم أيام يونان انقطاعي أما فى الأصوام الأخرى فكان يفرض على نفسه الصيام فى أحيان كثيرة أياما انقطاعية كاملة وكان يصوم صيام الرسل إلى المساء وصوم الميلاد انقطاعي حتى الثالثة ظهرا وكان يصوم أيام الأربعاء والجمعة الىظهور النجمة. أما فى الصوم الكبير فقد حاول أن يصومه كاملا كما فعل رب المجد وعند اليوم التاسع اشتكى والداه الىالأباء الكهنة بطرس الجوهري والقمص إبراهيم عطية ومعهم نيافة الأنبا باسيليوس مطران الأقصر وإسنا وأسوان (و كان ذلك نحو عام 1940)، فحضروا اليه فى اليوم التالي وطلبوا من أمه إعداد الطعام انتظارا لعودة حبيب من عمله، فلما عاد وجد الأباء جالسين فى انتظاره وقالوا له "إحنا جينا علشان نتغدى عندك، فإن لم تجلس وتتغدى معنا سننصرف" وأمام إلحاحهم الشديد أكل رغما عنه حتى لا يغضبهم . ففرحت أسرته فرحا عظيما لنجاحهم فى إثناء حبيب عن أن يمضى فى صيامه الانقطاعى تواصلا للأربعين المقدسة التي صامها رب المجد. وقبل انصراف الأباء قال الأنبا باسيليوس لوالده "اتركه وشأنه يصوم كما يشاء لأنه شبعان من طريق آخر".
3 - قراءاته الروحية:
كان شغوفا بالمطالعة اليومية للكتاب المقدس ينطبق عليه قول الوحي الإلهي "يلهج فى ناموس الرب نهارا وليلا" وكانت حلوله لأى مشكلة من الآيات المقدسة للكتاب المقدس وكان قارئا فى طقوس الكنيسة وعقائدها وإن تعثر عن فهم شىء كان يذهب الىأب اعترافه فيشرحه له.
4 - حبه للكنيسة الأرثوذكسية :
كان يحب كنيسته الأرثوذكسية ويحب ألحانها القبطية ويتغنى بها مرارا أمام أصدقائه مستخدما الدف تارة والتريانتو تارة أخرى. وكان يحث الجميع على التمسك بأهداب الأرثوذكسية وأهمها المحبة والتواضع والطاعة والنسك. وكان يعشق تراث آبائه القديسين من السير العطرة والأقوال التأملية الجميلة العميقة وله بالقديسين دالة وصداقة وطيدة. ومن القصص الجميلة التي ظهرت فيها تمسكه بالأرثوذكسية أنه وقف مرة شخص غير أرثوذكسي يتحدث فى أحد الجمعيات القبطية عن مواضيع ليست من تقليد الكنيسة فقال له حبيب "بلاش الكلام ده هنا، إزاى تقول كده يا حبيبي"، ثم أخذ يشرح له فى لطف ومحبة وظل يقبله ويحتضنه حتى كسبه شخصا نافعا للكنيسة".
عمله الوظيفي
قدم حبيب طلبا لوزارة الأشغال ورسم بالقلم صليب أعلى الطلب وحاول والده أثناءه عن ذلك فقال له حبيب "حاشا لي أن افتخر إلا بصليب ربنا يسوع المسيح" ثم سلم الطلب وتوقع الجميع أن يرفض طلبه لكن رئيس العمل استدعاه واعجب بشعار مسيحيته ووعده بالمساعدة وبتقديم طلبه فى الغد.
وفى صباح اليوم التالي ذهب حبيب الى ذلك الرئيس وحياه قائلا "نهارك سعيد يا والدى" وكأنه لا يدرى أنه أمام أحد العظماء فحياه الرجل بكل تقدير وسلمه وظيفة فى مركز مرموق لم ينله أحد من حملة البكالوريا فى ذلك الحين.
كان يقدس يوم الرب فكان يتأخر عن ميعاد عمله يوم الأحد ويذهب لعمله بعد انتهاء القداس مباشرة وإن ذهب لا يعمل عملا، فخافت أسرته من فصله واشتكوه للكهنة فكانوا يجبرونه على الخروج من الكنيسة يوم الأحد حتى لا يتأخر عن عمله. وكان اخوته يطاردونه من كنيسة إلى أخرى. ويوما من الأيام ذهب حبيب متأخرا بعد حضور القداس الإلهي فقال له رئيسه المباشر "أنا مش نبهت عليك قبل كده يا أفندي متتأخرش عن ميعاد عملك؟" فرد في شجاعة "لابد أن يكون واجب اللـه" أولا فرد عليه المدير "طب ما عندك يوم الجمعة ياخويا" فقال له "و ياريت يكون يوم الأحد كمان يا والدى" فثار عليه المدير وقال له "أنا معرفش بقه الكلام ده وأقسم باللـه لو ما خضعتش للأوامر هردفك"، فرد قديسنا حبيب في شجاعة مطلقة "إن رفدتنى حضرتك من وزارة الأرض وزارة السما ابقي". اغتاظ المدير وقدم فيه شكوى لمفتش عام رى الوجه البحري الذي قرأ الشكوى أن حبيب فرج يأتى متأخرا عن موعده يوم الأحد ويرفض إنهاء أعماله في ذلك اليوم". فقرر المفتش أن يعاقبه بنقله إلى رى الغربية بطنطا، وعند الشروع في وضع التأشيرة دق جرس تليفونه المباشر وكان وكيل أول الوزارة هو الذي يتحدث ليخبره أن جسر ترعة الباجور قد كسر والمياه زحفت على الزراعات وطلب منه أن يذهب حالا للمعاينة ومعالجة الأمر. فنزل مهرولا إلى ترعة الباجور دون أن يؤشر على الشكوى وأمر بعلاج الجسر وبات في استراحة الرى بشبين الكوم. وفي أثناء نومه ظهر له الشهيد العظيم مارجرجس وأيقظه بسن الحربة فقال له "مين سيدنا خضر؟" أجابه "أنا مارجرجس، أنبهك بأنك قرأت شكوى أمس ضد ابننا حبيب فرج وكنت ستؤشر عليها بنقله لرى طنطا وقد جئتك محذرا بعدم مساسه والسماح له بتصريح ليحضر لك يوم الأحد الساعة الثانية عشر ظهرا" وانصرف بسلام. وفي اليوم التالي أشر المفتش على الطلب بحفظ الشكوى والتصريح لحبيب فرج بالحضور كل أحد الساعة الثانية عشر لأسباب صحية.
حفظه من التهديد بالفصل :
كان أصدقائه يضايقونه كثيرا لأنه قليل الكلام ولا يعبأ بما يفعلونه وفي إحدى المرات قام شخص بمحاولة إيذائه بأن أخفى أحد السجلات الهامة جدا وكانت حادثة خطيرة للغاية وتوقع الجميع فصله من الوظيفة. لكن الرب كشف مكيدة هذا الشخص بظهور مارجرجس لأحد رؤساءه وأخبره أن السجل مخفي في الأرشيف بفعل فلان وأن حبيب ليس بالشخص المهمل. فأعطى حبيب نعمة في عيني ذلك الرئيس مكتفيا بتحذيره ونقل الشخص الذي صنع هذه المكيدة في منطقة بعيدة جدا وكان في كل مرة يحفظه الرب يكاد زملائه تطير عقولهم من عدم المساس به.
ثمار الروح القدس
1 - سمة الحب
كان هو الحب المتحرك نحو كل إنسان، وكان حبه حتى العطاء وعطاءه حتى الدم. ومن القصص التى تدل على ذلك ما رواه القس بيشوى يونان بقوله "كان فيه شخص وقع منه زكائب قمح في النيل وكان قرب روض الفرج فظل يستغيث بمن ينقذ قمحه فلما رآه حبيب نزل معه وظل يحمل القمح على ظهره ويلقيها له على الشاطئ ولم يذهب لبيته قبل إنقاذ الرجل حتى كان جزاء محبته التهاب رئوي شديد لولا عناية الرب لكان مات بهذا المرض. أما عن محبته لأسرته فكان يحبهم ويحترمهم ويكرمهم في طاعته لهم وملاطفتهم وكانت محبته عملية فلقد كان يعطيهم المرتب بكامله فيما عدا العشور. ومحبته لأب اعترافه قوية فكان يظل طيلة جلسته معه يقبل يده ووجهه وجبينه ويقول له "انت مثال المسيح على الأرض". وكانت الأطفال يحبونه ويأنسون به وبخاصة الأيتام والمرضى فعاش دون عداوة لأحد فأسر الجميع بمحبته حتى الأشرار حول طباعهم الوحشية إلى صورة مسالمة ولم يكن يغضب من أحد يرتكب معه أي خطأ بل يقول له "إخص عليك يا وحش اللـه يهديك ويباركك".
2 - سمة الطهارة :
عاش حبيب شابا طاهرا بريئا مما يدنس روحه أو جسده حتى عود اخوته أيضا على لبس ما هو محتشم ولائق بأولاد اللـه. وقيل أن زملائه في المكتب احبوا مرة أن يضايقوه فأوعزوا لبائعة جميلة أن تضايقه فأتت تقول له "بص لي يا سى حبيب هو أنا بعبع" فكان قديسنا يقول لها "لا تطاوعيهم، اللـه يسامحك ويباركك" ولم يشأ أن يتطلع إليها بل أعطاها شيئا في يدها وصرفها فخرجت متعجبة من شفافيته وتستعجب من عفته وتقول "ده شيخ صالح". ألا يتطابق سلوكه هذا مع قول ابن سيراخ "لا تتفرس في العذراء لئلا تعثرك محاسنها".
3 - بساطته ووداعته :
كان بسيطا لا يمكر ولا يخدع ولا يغش ولا يدور في حديثه بل ما يضمره ضميره وقلبه كان يتكلم به فمه وكان أمام أي اتهام له مهما كان حجمه يبستم في وداعة وبراءة طفولية دون الدخول في مشاجرات ومشاحنات لا تجدى.
4 - اتضاعه وإنكاره لذاته :
ما كان حبيب يعرف الكبرياء مطلقا وسر عظمة هؤلاء القديسين تكمن في شعورهم الحقيقي بحقارة أنفسهم ، فكان يحمل ألواح الصاج من السبتية إلى شبرا ليرسم عليها صور القديسين ويهديها إلى الكنائس. ومن مظاهر إنكاره لذاته رفضه المستمر لالتقاط صور فوتوغرافية له. ويقول صديقه (القمص سمعان ارمانيوس) أنه كان يكره دائما المتكآت الأولى وكان دائما في فصول مدارس الأحد يعطى صديقه فصول الكبار ويدرس لفصول الأطفال الصغار فقال له "لا يا أستاذ حبيب أنا غلبان وانت راجل قديس وما يصحش تدينى فصل الكبار فيرد بقوله "الكتاب بيقول الحق أقول لكم أن لم ترجعوا وتصيروا مثل الأطفال فلن تدخلوا ملكوت السموات".
5 - تدقيقه وأمانته :
كان يمنع أخويه من الاستماع لأغاني الراديو وكان يقول لهما " إذا فرحتم رتلوا وإذا حزنتم صلوا" وهكذا كان حريصا على تطبيق الوصية. ورغم تقديسه ليوم الأحد ألا انه في عمله كان مثاليا وأمينا حتى أن المتنيح القمص إبراهيم عطيه طلب منه ذات مرة قلما كان يحمله بجيبه ليكتب به ميعاد للخدمة فتوجه واشترى له قلم من البقال قائلا "ما تسلمته من الحكومة لا يجوز أن يكتب به ألا أوراق الحكومة لاغير، فسامحني يا أبى".
خدمته
كانت الغيرة تشتعل بقلبه فلا يهدأ له بال حتى يجد موضعا للرب في قلب كل إنسان فلهج نهارا وليلا لكي يهيئ للرب شعبا مستقيما ورغم حياته القصيرة ألا أن روحه العملاقة قيست بالكيف لا بالكم حتى صار عبدا للجميع ولم تكن نفسه محسوبة عنده.
واظب على اجتماع الخدام بالكنيسة وتعرف بخدامها الأتقياء وعلى رأسهم أمناء الخدمة، وكان من أعز أصدقاء حبيب فرج شابا يسمى ملاك ميخائيل يسكن بجوار بيته وكانوا متلازمان ببعضهما جدا ويسهران معا في الروحيات يرشدان بعضهما البعض ويخدمان معا.
1 - خدمة مدارس الأحد :
خدم بمدارس أحد كنيسة الأنبا انطونيوس بشبرا ثم اتجه لتأسيس فرع آخر لخدمة مدارس الأحد بجمعية القديسة دميانة بأرض بابادبلو، وقد لقى مضايقات كثيرة في خدمته بهذه الجمعية فكان الأولاد في هذه المنطقة يقذفونه بالطوب ويسبونه فكان في مغفرة يهديهم مال أو صورا ويقول لهم "ربنا يبارككم" . كما كان يقوم بالخدمة في أماكن بعيدة وصعبة وليست بها مواصلات فيضطر لتأجير عجلة تنقله ذهابا وايابا لدرجة أنه مرة رجع متأخرا جدا وقد قام بحمل العجلة على كتفه لأنها تعطلت وسار ماشيا على قدميه من منطقة بهتيم قرب مسطرد إلى منزله بشبرا.
2 - بناءه للجمعيات والكنائس :
ساعد حبيب في بناء العديد من الجمعيات والكنائس من جهده وماله الخاص وحينما نذكر قصة بناء بيعة الأنبا انطونيوس إنما نذكر ما قام به من مهنة كفاعل في بناءها سنة 1936 يقدم المونة والدبش والطوب للبناءين حتى ما يوفر خمسة عشر قرشا للكنيسة كأجرة فاعل كما قام بتأسيس جمعيات كثيرة من القوم البسطاء في جهات عديدة وكان يعظهم باسلوب بسيط حتى تعلق به الجميع وأحبوه وتعلموا كثيرا منه مقتدين بأمثولته الحسنة. كما أنشأ جمعية العذراء ببشتيل البلد ومكانها اليوم بيعة مقدسة وبشتيل هذه من توابع منطقة امبابة بالجيزة.
جمعيه حبيب :
اختمرت بقلبه فكرة أن ينشأ جمعية بمنزله الخاص بأسرته بشارع المحمودى وخصص له والده نحو 160 مترا من العقار الذي يمتلكه (وهي عبارة عن حوش المنزل) وساعده أبونا بطرس بإعطائه بعض الدكك من كنيسة الأنبا انطونيوس.
كان حبيب يمر على أسر المنطقة يوميا يفتقدهم ويدعوهم للجمعية يومي الأحد والأربعاء منبها بأن العمر على الأرض نقطة واحدة بالنسبة لبحر الحياة السمائية مع اللـه، وكان بنفسه يدعو الوعاظ لخدمة الجمعية وأن تغيب أحدهم يقوم هو بالوعظ. ومن مضايقات الشيطان انه في مرة تغيب عن عمله يوم الأحد وذهب للقداس ثم خرج منه للخدمة ورجع ظهرا لاعداد الجمعية. وجاءهم مساء بالمنزل قريب لهم يعمل مع حبيب وأفاد بأن حبيب لم يذهب لعمله اليوم فقامت أمه بإطفاء كلوبات الجمعية وصفعته بالقلم على وجه أمام الحاضرين من السيدات والرجال قائلة له "مفيش جمعية مادمت لم تراعى عملك ولقمة عيشك" فوضع يده على خده مكان الصفعة ونبه على الحاضرين بالانصراف لأن عدو الخير استطاع الانتصار على والدته وانصرف الجميع واغلق حبيب الباب ودخل لوالدته فوجدها تبكى في حجرتها فاسترضاها وقبل رأسها قائلا "لماذا تبكين هل ضربتي حد غريب ده أنا ابنك وضربك لذيذ وبركة يا أمي اتفضلى الخد الثاني" ثم طلب منها إعداد الطعام قائلا لها "لقد خرج عدو اللـه بعد أن انتصر عليك وتسبب في غلق الجمعية لأن كلام اللـه يؤرقه".
خدمة العزاء :
كان فرح مع الفرحين ويبكى مع الباكين فنجده عند سماعه بوفاة شخص في منطقته يذهب في الحال ويقدم واجب العزاء ويلقى كلمة روحية.
خدمة الضالين:
كم من نفوس أفاقوا من غفلتهم ورجعوا لمسيحهم وتابوا على يديه من مجرد رؤيته في مثالية الخدمة ومعايشة الوصية. وفي إحدى المرات عرف بأن شخص سوف يترك المسيح وإذ به يجرى وراء إرجاعه إلى حضن الكنيسة ودخل عليه ذلك المكان الذي يعده للارتداد وأخذ يعانقه ويقبله قائلا "لن أتركك تبيع المسيح" ورغم انه ضرب من جميع الحاضرين ضربا مبرحا حتى سال منه الدم إلا أنه خرج بتلك النفس وأرجع خروفا ضالا إلى حضن الكنيسة.
خدمة الشماسية:
كانت للشموسية في زمانه مكانة وعزة، وقد زكى حبيب لرتبة الأغنسطسية، وفي الزفة حمل الصليب على كتفيه وقال "ياربى يسوع لست مستحقا لحمل الصليب الذي حملته من أجلى". وكان قد أخفى عن أسرته هذا الأمر فحزنوا وقالوا له "يعنى ما كناش هنشرفك بحضورنا" فأخبرهم بأنه قد وضع على رأسه جمر نار بهذه الرسامة لأنها مسئولية أمام اللـه. ومنذ ذلك الحين لم يفارق المذبح وكان يشاهد واقفا طوال القداس يذرف الدمع الكثير ولم يكن يجلس أبدا حتى انتهاء الصلاة وكذلك الحال في درس الكتاب أو مدارس الأحد.
خدمة الفقراء:
لم يرد طلب لسائل بل تعدى الأمر حدود عشور مرتبه بأن كان يدفع للفقراء حق مواصلات انتقاله مفضلا أن يسير من سكنه بشبرا إلى ميدان التحرير حيث مقر عمله ذهابا وايابا. وكانت من عادة أمه أن تعد العشاء في عامود ألومنيوم حتى يسهل تسخينه فيأخذه منها ويعطيه لفقير يقبع فوق كوبري بالشرابية ويأكل هو لقمة بدقة وفي مرة بحثت أمه عن ذلك العمود ولم تجده فأخبرها شقيقه الأصغر بأن حبيب يعطيه لفقير أعمى فوق كوبري بالشرابية فمسك بإذن أخيه وقال له "اخس عليك يا وحش اللـه يباركك ده الكتاب بيقول لا تعلم يمينك ما تفعله يسارك وإن فعلتم كل البر فقولوا إننا عبيد بطالين" ومرة أخرى في فرح أخته دعى الفقراء والأرامل وأعد لهم مأدبة عظيمة وكان يطعمهم بيده وفي بعض الأحيان كان يشترى اتواب من قماش ويبيعها بين الشوارع كالباعة الجائلين ويخصص إيرادها للفقراء.
في مرة كاد أن يركب القطار للخدمة في مكان بعيد فقابله فقير فأفرغ له ما في جيبه وكان ثمن التذكرة ذهابا وايابا ثم دخل القطار إذ بالكمسري يأتى بعد قليل ويطلب رؤية تذكرته فنظر إليه حبيب وصمت برهة قليلة ورفع قلبه نحو السماء لتتدخل العناية الإلهية لإنقاذه من هذا الموقف الصعب وفي ملء إيمانه مد يده من شباك القطار إلى الهواء الطلق وفرد كفه فإذ بتذكرة موضوعة على كفه الفارغ قد أرسلتها السماء له استجابة لصلواته فأعطاها للكمسري وشكر اللـه على صنيعه العظيم.
بتولية أم زواج
اشتاق قديسنا لحياة الرهبنة والبتولية وألح والده عليه كثيرا في أمر الزواج فأبى فاشتكاه للخدام وللكهنة فلم يجدى هذا نفعا، فاشتكاه للأنبا باسيليوس الذي لما عرض فكرة الزواج عليه رفض ورد بقوله "اشمعنى انت عايش بتول يا سيدنا؟" فعرف بحقيقة اشتياقه للبتولية وتركه في طريقه.
1 - طرق باب الرهبنة
ودون أن يبلغ أحد توجه مع صديقيه في النعمة (حنين رزق ، عزيز يوسف)، وركبوا قطار الصعيد حتى بلغوا درنكة ودخلوا دير المحرق طالبين قبولهم رهبانا، لكن الدير رفض لعدم استكمال أوراقهم وهي خلو طرف جهة العمل وموافقة الوالدين والكنيسة وقسم الشرطة التابع له كل منهم. فعادوا حزانى في ثالث يوم دون أن يكون مع أى منهم أية نقود مقابل عودتهم في القطار وكانت الأجرة وقتئذ أربعون قرشا للتذكرة فأعطاهم رئيس الدير خمسون قرشا أوصلتهم للمنيا ثم طلبوا من كمساري أتوبيس الصعيد أن يأخذهم معه للقاهرة بالمجان فسخر منهم ورفض، فساروا على أقدامهم من المنيا لبنى سويف ثم صلوا للـه أن يدبر لهم الوسيلة للرجوع فأرسل لهم بالمصادفة صديقا أقلهم بسيارته في طريقه للقاهرة. أما عن أسرة حبيب فظلت في حيرة شديدة وبحثوا عنه في كل مكان وقد قضت أمه الثلاثة أيام بالشارع بعدما سألت عنه كل إنسان لدرجة أن دورية البوليس الليلية كانت تنصحها بالمبيت في منزلها وعدم الخوف على ابنها لأنه ليس قاصرا. ثم عاد حبيب هو وصديقيه وألقوا السلام فما أن رأته والدته حتى صرخت بشدة (حبيب) واغمى عليها ولما آفاقت صفعته على وجهه فجن جنون صديقيه واغتاظا جدا معترضين "ليه كده يا ست حد يضرب ضناه قدام أصدقائه؟" فرد عليهم حبيب "بس يا أعداء الخير دى البركة شملتنى لما أمى ضربتني" وطيب خاطرها وطلبت إعداد مائدة الطعام له ولأصدقائه قائلا "ربنا لم يقبلنا نساكا في خدمته".
2 - عريسا للسماء :
أراد والده أن يزوجه من ابنة عمه "كوكب" وألح عليه كثيرا وأمال عليه بعض الكهنة والأصدقاء لكنه أفصح عن حياة البتولية حتى أنه قال لهم "لو ضغطتم على سأعيش معها كأخ والإنجيل سيكون بيننا في الفراش. وفي سرية تامة قام والده بزيارة أخيه بالمحلة الكبرى وطلب خطبة كوكب لحبيب فرفض قائلا "إنها وحيدتي على اخوتها الشبان واطمع في أن افرح بها وأرى لها ذرية وقد علمت يا مقدس أن حبيب ابنك ينوى البتولية وأن ارتضى الزواج فلن يقرب عروسه، فأعذرني يا أخي في ذلك". عاد والده حزينا. فطيبت زوجته خاطره قائلة "لا تزعل فالزواج قسمة ونصيب". أما حبيب فعاد من منزله فأعدت له أمه الطعام وقبل أن يجلس دعا والده لتناول الغداء معه فرفض وقال "أنا ماليش نفس" فبادره القديس قائلا "انت زعلان علشان عمى مرقس رفض زواجي من كوكب صدقني دى إرادة اللـه فكوكب سوف تنتقل من هذا العالم بكرا لتدخل طريق الأبكار في السما وأنا وراها كذلك" فاعتقد الوالد أن أمه أخبرت ابنها بما جرى فصفعها بالقلم، فقال له حبيب "ليه كده بس يا بابا دى مالهاش ذنب عناية ربنا هي اللي سمحت أن اعرف ماذا تم بينك وبين عمى ما تزعلش بقى وسلم أمورك للـه وكوكب ها تكون عروس للمسيح قبل أن يمسها أى عريس وهتكون في استقبالي مع العذارى الحكيمات". فرد والده "ما تطلبش الموت لبنت عمك تسلم لشبابها وربنا يهنيها". ومن ناحية أخرى تقدم عريس من ملوى لخطبة كوكب وقبل الإكليل بساعات نزف أنف العروس كوكب وماتت عند الكوافير ليتم ما قاله القديس بالحرف الواحد.
مواهب روحية
1 - شفائه للأمراض :
كان يحمل بجيبه دهن مقدس ظل معه حتى نياحته وبهذا الدهن كانت تجرى آيات وعجائب كثيرة.
2 - شفافيته الروحية :
كان يتمتع بشفافية روحية عالية
3 - علمه بيوم رحيله:
- لم يخشى الموت طيلة عمره لأنه كان في أتم استعداده الروحي فتجده عندما يرجع من أى عزاء يسلم على أهله قائلا "عقبالكم" فكانوا ينتهرونه قائلين "هو إحنا عالة عليك يا ولد؟" فيرد في فلسفة روحية عميقة "يوم الوفاة خير من يوم الولادة". لذلك فرح حبيب عندما ظهرت له العذراء قبل نياحته بثلاثة سنوات لتخبره بيوم الرحيل.
- قرب دنو أجله كان يجمع الناس لحضور الجمعية بضربه الدف أمام منازلهم ويقول "تعالوا احضروا الجمعية لأن الأيام قربت والدنيا اصفرت" وكان يقصد بذلك يوم الرحيل للآخرة من هذا العالم حتى يكونوا مستعدين لملاقاة الديان.
- قبل نياحته بستة اشهر ظهرت له العذراء مريم قائلة "الكرسي المذهب لك يا حبيب اللـه بالروح والحق ومعد لك بعد ست شهور" وقد كان له ما تمناه طيلة عمره حسب وعد العذراء إن اتبع يسوع.
- أقر حبيب قرب ذلك الانتقال بفرح عندما رفضه عمه زوجا لأبنته كوكب قائلا "لا تزعل يا والدى فكوكب ستذهب عروسا بتولا لعريسها يسوع وسألحق بها لننعم سويا بمعاشرة يسوع الناصري في السماء".
+ بدلة واسعة للعرس السماوي
قامت ماتلدا أخته بشراء ثوب قماش له لأنهم اتفقوا على تزويجه بفتاة أخرى وقالت له "سأقوم بتفصيل بدلتين واحدة للخطوبة وأخرى للزيجة، فرد بقوله "إحذفى الأفكار دى من راسك علشان أنا هروح لقسطندى الترزى وهفصل اثنين فعلا واحدة ضيقة لأخويا شفيق والثانية واسعة شوية علشان دى اللى هنزف فيها للسماء، فعاوزهم لما يلبسونى ما يتعبوش من إدخالى في البدلة علشان كده ها اعملها واسعة".
و فعلا ذهب للترزي قبل نياحته بأيام قليلة ومعه صديقه الحميم "ملاك ميخائيل" وقال له "وسع لي الثانية شويتين علشان ما اتعبهومش عندما يلبسونها لي في الخشبة وتستطيع أن تقول يا عم قسطندى ها اعمل فيها جبنيوت السماء فأرجو تجهزها قبل ظهر الخميس المقبل لأنني سأنتقل في هذا اليوم". وكان هذا الحديث يوم الاثنين ظهرا، ووقع هذا الكلام على صديقه كالصاعقة لعلمه بأن كل كلمة من فمه تخرج صادقة دون هراء.
أما الواقفين فنهروه بشدة واتهموه بالجنون، فقال لهم بنعمة الواثق من كلامه "إن كلامي سينفذ حرفيا ولم يمضى الأسبوع حتى كان ما قاله.
· كان اجتماع الشابات يوم الأحد وبعد الصلاة والترانيم طلب حبيب من حلمي الخادم معه أن يقوم بشرح الدرس فقال له أنا آسف مش محضر لأن يومك النهارده، فقال له "لا لابد من القاءك للدرس وظلا في نقاش أمام البنات لدرجة أن إحدى الشابات قالت "يظهر الأستاذ حلمي مش عارف يقول حاجة"، فقام حلمي لتوه بعد خجله ليلقى العظة بملء الروح القدس. وبعد انتهاء الاجتماع مشيا معا كالعادة وسط الزروع فعاتب حلمي حبيب على فعله من اخجاله وسط الشابات فرد حبيب لازم تتعود على القاء الدروس الروحية بعد كده علشان أنا مش هاجي تانى الخدمة والنهارده آخر اسبوع لي بالجمعية. فقال له حلمي "ليه بتقول كده" فرد عليه "معلهش مش بخاطرى البركة فيك يا حبيبي".
· لقد كانوا يعدون الجمعية لتصبح كنيسة واشتروا لها جرس وعلقوه بالمنارة لحين الانتهاء من أعمال الترميمات. وفي صباح يوم الخميس دق جرس الجمعية بلحن الحزن على انتقال حبيب وإذ سمع حلمي ذلك تذكر كلماته وبكى بكاءا مرا.
· إذ علم حبيب بدنو أجله بدأ في توصية أصدقائه الخدام بالاهتمام بمدارس الأحد خير الاهتمام بعد رحيله. كما أخذ أخيه جانبا وأوصاه بطاعة والديه واحترامهما. فلما سمع أخيه ذلك سأله "ما هذه اللهجة الغريبة؟" فعرفه بأنه يأمره بذلك لأنه قريبا سينتقل من هذا العالم.
· في يوم 14/7/1941 طلبت أمه منه أن يحضر أخته ماتيلدا التى تسكن بجوارهم وزوجها متغيب في سفر، فقال لها "يا وحشة مش راضية تيجى تتعشى معانا ليه" فبكت ماتلدا قائلة ازاى عاوزنى اتعزم وزوجي هيغيب عنى 15 يوم" قال لها "بتبكى على اللى مسافر 15 يوم امال هتعملى إيه في اللى هيغيب العمر كله" ويومها ذهبت معه للعشاء عند أسرتها.
· أكد حبيب لشقيقه عن موعد انتقاله يوم 17/7/1941 عندما همس في أذنيه بقوله "أنا يا اخويا ها انتقل في الظهرية للسما فلا تبيتونى في البيت وصلوا على جسدي الفانى في كنيسة الأنبا انطونيوس وقل لوالدي الا يقيم فرقة موسيقية بالجنازة ولا يقيمون صوانا ومن أراد تعزيته يجهز مقر الجمعية وهو متسع للجميع لأننا معزون متعبون . فقام شفيق بنقل كلام حبيب لأمه في مساء ذلك اليوم فردت بقولها "حبيب تعبنا قوى كل يوم يقول الأيام قربت والدنيا اصفرت وأنا مش عارفة هو زهقان من الدنيا دى ليه. واحد غيره كان يتجوز ويكون أسرة وتكون له ذرية صالحة زيه ولم تعطى اهتماما لهذا الأمر".
يوم الرحيل العظيم
لم ينم حبيب في تلك الليلة بل ظل ساهرا في صلوات واستغاثات مستمرة يكلم يسوع ويستشفع بالقديسين والشهداء ليقفوا إلى جواره لحظة خروج روحه من جسده. وكان هذا اليوم من مطلع الفجر حتى وقت الظهيرة (لحظة تسليمه الروح) ممتلئ بالأحداث والمواقف الروحية العالية المقام التى تعد في جملتها أغرب من الخيال وأروع ما سجل عن قديس معاصر :
1 - استودعك الرحيل يا أخى :
يقول أخيه شفيق : قبيل انتقاله بساعات قليلة قمت فوجدته يصلى وكان الليل كله قد قضاه في خلوة مع اللـه فقلت له "يا حبيب حرام عليك تقلق منامي دى الساعة خامسة دلوقتى وأنا شغلي بعد ساعة بالضبط. فقال حبيب "يا أخى وحبيبي شفيق إنها الساعات الأخيرة لي معك على الأرض". ثم أخذ يقبله بشدة.
2 - ارمي السلم يا يسوع :
يروى شقيقه الأستاذ أسعد فرج هذه الوقائع قائلا : أكد حبيب موعد انتقاله فى هذا اليوم لوالدته عندما قام في الصباح الباكر نحو الساعة السابعة صباحا فقدمت له كوب حليب ليتناوله قبل الإفطار فشكرها وقال "أرجوك يا ماما أنا أؤدي واجب ربنا الأول قبل واجبى تجاه جسدي. ودخل حجرته ليصلى منفردا وأغلق الباب. وما هي إلا دقائق معدودة إلا وارتفع صوته قائلا "ارمي السلم يا يسوع أنا جاى عندك اليوم" وأخذ يردد هذا القول مع ارتفاع صوته أكثر فأكثر. فانزعجت والدته واستدعت شقيقه الأصغر وكان بالصف الأول الثانوي وفي عطلة الدراسة وكان واقفا أمام الباب مع أحد أصدقائه فطلبت منه الحضور فورا وكلفته بفتح باب الحجرة على حبيب ليستطلع الأمر معتقدة انه أصيب بالجنون، فقرع باب الحجرة فلم يرد حبيب فهرول أسعد وأتى بمبرد ليفتح الباب بعدما ظل واقفا يقرعه مناديا أخيه حبيب لكنه لم يشعر به لأنه كان في حالة من الهيمان الروحي، فلما فتح الباب رأى عجبا إذ وجد الحجرة مليئة بالنور القوى كمثل هالات القديسين التى تكون حول الرأس وكان النور عجيبا عبارة عن قطن أبيض يتخلله نور سماوي عجيب ممتزج بزرقة سمائية ورائحة بخور قوية كحنوط القديسين وحبيب راكعا مصليا بدموع أمام صورة بحجرته للسيدة العذراء وهي تحمل الطفل يسوع وهو ممسكا بالأجبية وكان ذلك نحو الساعة السابعة والنصف صباحا. وكانت دموعه ممتزجة بفرح لا يوصف وهو يناجى اللـه قائلا "ارمي السلم يا يسوع أنا جاى أنا استعديت للسفر وتذاكرى جاهزة" وعندما ناديته لم يرد على وظل مستمرا في صلواته وكأن احدا لا يقف بجواره فناديته "حبيب حبيب ياخويا والدتك مخضوضة وبتقول ده حبيب أصيب بالجنون"، فلم يرد على واستمر في مناجاة ربه وهو راكع. فخطف أسعد الأجبية من بين يديه فأفاق وقال لأخيه "اخس عليك يا وحش ربنا يباركك" ثم مدد جسده على الأرض وظل يردد صلواته وهو في هذا الوضع وردد "نعظمك يا أم النور – بالحقيقة نؤمن – ابانا الذي..... "
فدخلت أمه عليه ووجدته في هذه الحالة فقال لها "يللا يا ماما إلبسى أبيض في أبيض علشان ابنك هينزف النهارده للسما" فردت وقالت "انت باين إتجننت والعبادة والصلاة ما تكونش بالطريقة دى لدرجة إهمالك لنفسك" ثم بدأت تدعو أسرته بالجسد وأصدقائه الروحيين والأباء الكهنة لينظروا حالة ابنها ويفسروها وكان ذلك نحو الساعة العاشرة صباحا.
+ يقول المتنيح القمص انجيلوس ميخائيل ( فى شريط الذكريات) "دعتنى أمه في الصباح الباكر فذهبت ووجدت عنده الأخ وليم تادرس (المتنيح القمص اسحق تادرس) ووجدته راكعا في الأرض يصلى ويقول للعذراء "خذينى يا عذراء ما تسيبنيش أرجوكى ما تحرمنيش من الكرسى اللى وعدتينى بيه". فقلت في سرى الواد ده باين اتجنن خلاص فترك صلواته ونهض قائلا "بتقول على مجنون يا ملاك ياخويا اللـه يسامحك ويباركك". ثم ظل يقبلنى بشدة وبكاء حتى أن ذراع نظارتى كسرت فبكيت وأوصانى قائلا يا ملاك ياخويا ما تنساش الخدمة اللـه يعطيك القوة ويبارك في حياتك اخدمه بكل قوتك وكل ما تملك من صحة وهتلاقيه يباركك ثم أخذ يكمل صلاته.
+ روى القمص سمعان ارمانيوس : أم حبيب ارسلت لي في الصباح وقالت "الحق حبيب يا استاذ نصيف بنده عليه وما بيردش شوفوا يا ابني ماله" فدخلت وإذ به يصلى على الأرض قائلا "لا ارذلك ولا اتركك ياربى يسوع، لا تحرمينى من الكرسى يا عذراء" وكان في حالة من اللاشعور بمن حوله.
+ جاءت أخته الكبرى بسيطة لتراه فلما دخلت عليه لاحظ إنها ترتدى نصف كم فقال لها " يا اختى ربنا يباركك وسامحينى لو قلت لك لابد من ستر جسمنا وما نظهروش لحد فياريت تلبسى كم طويل" فبكت في الحال وخرجت.
+ علم المتنيح الأنبا كيرلس مطران اثيوبيا الذي سكن فوق الاكليريكية بهمشة بأن أحد القديسين سينتقل اليوم إلى بارئه (بناء على قول أحد جيرانه الأقباط) فهرول إلى منزله ودخل طالبا منه الصلاة قائلا "يا حبيب اللـه اذكرنى أمام اللـه"
+ كانت الزيارة الأخيرة لأبونا بطرس الجوهري وأبونا ابراهيم عطية، وظن أبونا ابراهيم ان حبيب به روح شريرة فهم بالصلاة من أجله فقال له حبيب "يا أبونا ده احنا شياطين هتلبسنا شياطين، يا أبى دى روح اللـه وأنا هنتقل بعد شوية" فخرج أبونا وقال للجميع ان الروح القدس قد حضر لاستقبال حبيب ولا نستطيع أن نوقف عمله.
+ واخيرا حتى يطمئن والديه لسلامة قواه العقية احضرا طبيبين للكشف عليه فلم يتوصلا لشىء حينئذ قال حبيب "يا دكتور واحد هيقابل ربنا تقدر تمنعه، كلنا هنموت حتى حضرتك ها تموت بعد عمر طويل فما تحاولش منعى وتدينى حقنة مخدرة لأنني سوف انطلق لمن خلقني مهما عملت". فخرج الدكتور متعجبا بعد تأكده من سلامة قواه العقلية وكتب له بعض المهدأت .
+ أخذ يردد صلواته حتى نشف ريقه فقامت جارتهم ام ميشيل بصب بعض الماء في فنجان لتسقيه فشكرها قائلا "متشكرين يا خالتى أم ميشيل العذراء سقتنى خلاص وهي واقفة قدامى دلوقت" وفعلا نزل من فمه ماء للحال دليل على المعجزة وحضور أم النور بجواره.
+ ثم جمع حبيب أسرته وأصدقائه وطلب منهم السماح على ما صدر منه تجاههم من أخطاء (مع أن هذا لم يحدث مطلقا) وأسلم الروح بعد تجمهر الناس في المنطقة حول منزله إذ انهم اشتموا بخور قوى وشاهدوا نور قوى حوله وسمعوا تسبيح الملائكة.
+ شقيقه اسعد كان أول من اكتشف رحيله وقال "حبيب مات يابويا" فضربه خاله قائلا "اخرج يا والد أخوك مغمى عليه " .
+ عندما انتقل حبيب لم يتغير لون جسده وكان فرحا مبتسما تجرى الدموية والحياة به واقسمت احدى الجارات من غير المسيحيين بأنها رأت عمود نور ممتد من رأسه حتى السماء وذلك لحظة نياحته وقالت عنه "ده ما يندفنش في الأرض زينا تعملوا له مقام كبير ونروح نزوره فيه"
+ ومن عجب أن المقدس خله وقسطندى الترزى قد حضرا لتغسيله وتكفينه ومجرد ما خلعوا ملابسه وجدوا منظرا في منتهى القوة الروحية وجدوا سبعة صلبان منقوشة على جسمه اثنان بأعلى جانبى صدره واثنان على فخذيه واثنان بأعلى ظهره وواحد وسط بطنه وكأنها منقوشة بيد أعظم الفنانين وكان لونها وردى. فتباركا من جسده وو ضعا غطاء على حقويه ودخل الجميع ليروا هذه الصلبان فعلت الزغاريد وامتزجت بالبكاء. وكان المسلمون يشربون من ماء الورد مكان تغسيله ويقولون إنها بركة. وكان قديسنا يتمنى وضع صليب من ذهب على جيبه وقت تكفينه وفعلا وجده قبل نياحته بين قضبان السكة الحديد فقاموا بإلباسه بدلته الواسعة كطلبه ووضعوا الصليب أعلى جيب بدلته كما تمنى.
+ وضعوا جثمانه بكل اكرام في صندوق ومعه باقات الورد ثم حملته الخيول وأمامها زفة موسيقية حسب طلب والده وكان الوقت نحو الخامسة عصرا. لكن الخيل لم تتحرك عندما عزفت الموسيقى وكلما وقفت الموسيقى سارت الخيل وما ان تعزف الموسيقى تقف الخيل، فطلب خاله من الحاضرين "قولوا لحن ابؤرو ولا داعى لعزف الموسيقى لأننا بذلك نعصى وصيته" وما أن بدأوا اللحن حتى انطلقت الخيل وسط موكب مهيب وسط دموع محبيه من المسلمين والاقباط وكان الزحام شديد كأنه ملك شعبى منتصر حتى أوصلوه للكنيسة وكان يتقدم الجميع نحو 20 مطرانا وكاهنا.
+ في الجنازة جاء الالوف من محبيه الفقراء هذه تقول طرحتى من عطاياه وأخرى مداسى وثالثة جلبابى وهكذا ، فعرف الكثير من خدمته الخفية في ذلك اليوم.
+ ظهرت 3 حمامات بيضاء ورفرفت بالكنيسة واختفت فجأة.
+ عند العظة تقدم عدد كبير للحديث عنه وعلى رأسهم الواعظ فؤاد باسيلى (القمص بولس باسيلى) وكان من ضمن الحاضرين رئيسه المباشر في العمل الذي التمس من رؤساء البيعة أن يسمحوا له بتقديم كلمات الرثاء فقال "إن حبيب فرج الذي كان موظفا معي في وزارة الأشغال ليس بالشخص الذي نحزن لفراقه وما جئت اليوم لأعزى فيه بقدر ما جئت لأتعزى منه، انه شيخ مبروك وكنت لا اعرف قدره الروحى، ثم لما كان يقدس يوم الأحد حاولت أن أضره وقدمت شكوى فيه للألفى باشا الذي كاد يوقع على طلب نقله لطنطا فظهر له سيدنا خضر وأمره بالابتعاد عن حبيب لأنه يخصه ويتبعه وإلا سييتم أولاده. نعم هذا هو حبيب الذي عرفته عن قرب انسانا أمينا متدينا ويعز على جدا أن أودعه في هذا اليوم. رجائى منه أن يسامحنى على ما صدر منى تجاهه (وأنهى الكلمة لعدم استطاعته مقاومة البكاء).
+ ثم زفوه كشماس في الكنيسة 7 دورات ودق الناقوس بأنغام الفرح واستمرت الجنازة ساعة ونصف ثم دفنوه في مدافن الجبل الأحمر.
معجزاته وظهوراته بعد نياحته
+ رآه الكثيرون بعد نياحته في أحلام كثيرة متمتعا بأعظم حالات السعادة والرضى رافلا في حلل المجد والنعيم، فما أمجدها حياة هذا عبيرها وما أسعدها نفس هذا مصيرها.
+ بعد نياحته قام والده بتفتيش مقتنياته كعادة أسر المتنقلين فوجد مفكرته الشخصية مكتوب فيها "لقائى بالديان العادل يوم الخميس الموافق 17/7/1941" وقد كتبها قبل نياحته بفترة فكانت لهم أكبر تعزية وقد تبارك بها قرابة ألف شخص حتى استهلكت.
+ تقول ماتيلدا أخته "في مساء يوم نياحته دخلت أولع النور فلقيت ثلاث حمامات بمنظر نورانى ولونهم أبيض قوى طلعوا فجأة وكفونى على وجهى وكانوا مكان رأسه.
· و في حلم نورانى مقدس رأى صديقه "ملاك" صندوق ميت مكتوب عليه "هذا هو ابني الحبيب الذي به سررت".
+ كما أن أخيه شفيق كان يراه كثيرا من الأحيان كما لو كان بكنيسة نورانية ولابس شماس وماسك لكاهن الشورية والصليب ويرد عليه بمردات طقسية.
+ ظهر في اليوم التالي لإنتقاله للمقدس وليم قائلا له "روح لماما وقل لها ما تبكيش لأن العذراء زعلانة منى وقالت لي هلبسك اسود لأن أمك قلقتنا من كتر البكاء" لكن هذا الأمر لم يؤثر والدته وظلت تبكى وتقيم عوائدها بالمناسبات الدينية عند المدافن.
+ جاء حبيب في رؤية لوالدته عقب نياحته مباشرة (و التى كانت مصابة بروماتيزم وصل للقلب وكان ممنوع عنها الحركة نهائيا بأمر الأطباء ولا تستطيع مجرد الذهاب لدورة المياه) فظهر لها حبيب مرتديا روبا سماويا ناصع البياض وعلى جيب الروب صورة للعذراء باللون الأخضر فنادت عليه "حبيب" فقال لها "لا تلمسينى لأنى ما بقيتش ابنك دلوقتى وأنا بعت لك أقول بطلى بكاء وما تروحيش الطلعة وتوزعى الحاجات دى على الملاجىء أفضل لكن خالفتينى". فردت وقالت له اشفينى الأول وأوعدك أنفذلك كل طلباتك فرشم علامة الصليب عليها وتركها قائلا "سلام لك" وقامت في صبيحة اليوم التالي وطبخت لأسرتها وقالت "حبيب شفانى" فكان فرحا بالشفاء للجميع لا يوصف.
+ تحكى أخته ماتلدا "كانت أمى بعد نياحته تنام أرضا وتبكى بمرارة واضعة التراب على رأسها فكان يأتيها في أحلام كثيرة ويقول "يا ماما عشان خاطرى بلاش اللى بتعمليه ده دموعك نار بتكوينى، هو انت زعلانة إن ابنك راح للسما ده أنا في مكان حلو"، أما أمه فقالت "لا يا حبيب أنا ندمانة على اسلوبى القاسى معاك" فرد وقال "لأ يا ماما ربينا يسامحنى ويسامحك بس بلاش الحزن ده".
+ أغلق المقدس فرج الجمعية الكائنة بمنزله بشارع المحمودية بعد نياحة ابنه حبيب فحضر له مطران الخرطوم في صباح أحد الأيام للعزاء ثم أخبره قائلا "إن حبيب ظهر لي في رؤية وكلفنى بإبلاغك بإعادة فتح الجمعية وتكليف اخوته أسعد وشفيق باستدعاء الآباء الكهنة والاخوة الوعاظ "، فنفذ والده هذا الأمر.
+ روى القمص سمعان أرمانيوس ما نقلته له أم حبيب بعد نياحة ابنها : كانت أمه قد طردتهم من الجمعية اثر نياحته فظهرت لها رؤية كما لو كانت أمام قصرا فخما نورانيا جبارا في حجمه ويحرسه رئيس الملائكة ميخائيل وكانت عايزة تدخل فمنعها الملاك وقال "مافيش سلم يوصلك فوق عند ابنك حبيب" فنظر لها حبيب من أعلى قائلا دموعك يا ماما هدمت السلم ومش هتقدرى تطلعى هنا أبدا طول ما انت بتبكى على وطردتى اخوتي من الجمعية"
+ أرسلت أمه اثر هذه الرؤية السابقة لاخوته الخدام ففتحوا الجمعية فرأت رؤية وإذا الملاك ميخائيل يقول لها "إتفضلى ادخلي السلم موجود" فصعدت لأعلى القصر وشاهدت ابنها في حجرة نورانية ويجلس على مكتب وعلى المكتب ثلاث وردات ألوانها أحمر وأبيض وأصفر ينضمون معا حينا وينفردون حينا آخر فقال حبيب "انهم مثال الثالوث الأقدس يا أمى لأن الثالوث في واحد والواحد الذي هو اللـه له ثلاثة أقانيم" واختفى المنظر.
+ و من مدفنه تنبعث بقوة شديدة روائح بخور ذكية في المناسبات الدينية وذات مرة قال الأستاذ صبحى سكرتير دير القديسة بربارة "ده إحنا نطلب منه الشفاعة" . ومما يؤكد ذلك أنه في ذات مرة توفى أحد الجيران فطلب أهله من أخيه شفيق مفتاح المدفن لأن المساء قد آن ومدافنهم في أسيوط ، فسبقهم شفيق إلى هناك ليعد المدفن وعندما فتح المقبرة خرجت سحابة بخور كثيفة اشتمها كل الحاضرين مختلطة بحنوط يشبه حنوط القديسين، فبكى أخيه شفيق قائلا "إنها خارجة من صندوق حبيب وليست هذه هي المرة الأولى" فاستعجب الجميع خاصة المسلمين قائلين "إننا رأينا اليوم عجبا لم نراه في آي مدفن من قبل".
+ قال أحفاد أخته الكبرى "بسيطة" التى تملك صورة كبيرة له تعلقها بشقته بروض الفرج بأنهم اعتادوا أن يضيئوا حول صورته أربع لمبات كل يوم سبت، فكان البخور ينطلق بقوة شديدة من الصورة حتى سألت جارة لهم غير مسيحية في ذات مرة عن مصدر هذا البخور ذو العطر الجميل فأخبروها إنها تخرج من صورة خالهم القديس حبيب فرج.
+ عاد الروماتيزم مرة أخرى بجسد والدته إلى الحد الذي كان لو مسها أحد من شعرها تصرخ بشدة. وفي أحد الأيام فوجئ المقدس فرج بصوت أبونا بطرس الجوهري يدوي بلهجته الصعيدية المعروفة "يا أبو القديس حبيب، يا أبو القديس حبيب" فقال عم فرج "أيوه يا أبونا اتفضل" فقال له أبونا "هات فاس وتعالى نفحت في الجنينة علشان تصدقوا رسالة حبيب" ثم فحت أبونا بنفسه وأخرج عصا بدون يد وقال "ابنكم ظهر لي وقال اوصل أجزخانة الهيكل هتلاقى قارورة زيت خذها وإدهن ماما علشان مريضة وهي تخف على طول والأمارة يا أبونا افحت بالفأس في الجنينة ها تخرج عصايا بدون يد وصلها لأبويا دليل المعجزة" ثم قام أبونا بالصلاة على أمه المريضة ودهنها بالزيت المقدس فقامت في الحال وخدمتهم.
+ يقول أبونا المتنيح انجيلوس ميخائيل (في شريط الذكريات) : ظهر لي حبيب بعد نياحته بفترة بسيطة وقال لي "روح البيت عندي هتلاقى كتاب يسوع المصلوب رجعه تانى للكنيسة علشان ده بتاع مدارس الأحد، وكمان هتلاقى قارورة طيب مقدس كانت جايبها من ليلة أبو غلامسيس خذها وسلمها لأبونا بطرس علشان يصلى لأمى وتخف (كانت كسيحة من كثرة البكاء والانتحاب على ابنها) فقام الأستاذ ملاك (أصبح فيما بعد أبونا انجيلوس) للتو واللحظة بعد الرؤية وحكى لوالدته ما حدث فرفضت ذهابه هناك حرصا على مشاعر أم حبيب قائلة "أنت كنت كظله لا تفارقه أبدا ولو رحت هناك أمه هتكون في نار" وفي طاعة لأمه لم يذهب. فعاود القديس الظهور في الليلة التالية للمرة الثانية وفي عتاب قال له "ليه يا ملاك ما روحتش زى ما طلبت منك، هي مش أمك زى ما هي أمى ؟ أنا كده مش مستريح روح لأبونا وهيروح معاك بعد القداس". فذهب ملاك ووجد كتاب يسوع المصلوب مكتوب عليه "وفق مؤبد على كنيسة الأنبا انطونيوس" ووجد قارورة الزيت التى سلمها لأبونا بطرس. فصلى أبونا بحرارة لوالدته فقامت من مرضها معافاة وأرجع ملاك الكتاب إلى الكنيسة.
+ حكى المتنيح الدكتور / سليمان نسيم بأن اجتماع الشباب بكنيسة السيدة العذراء مريم بعياد بك قد دعوا ملاك ميخائيل (المتنيح القمص انجيلوس ميخائيل) للخدمة معهم، فطلب منهم مهلة ليعرف إرادة اللـه بشأن هذا الأمر. ثم صلى مستشفعا بالقديس حبيب فرج (فقد كان لا يسير خطوة في حياته دون مشورته حتى ولو بعد نياحته). فظهر له قديسنا في حلم مقدس وأومأ له برأسه دليل الموافقة، فعلم أنها إرادة اللـه وقبل الخدمة معهم وكان ذلك في الأربعينات من هذا القرن.
+ تحكى زوجة أبونا متياس روفائيل (أرض رائف بشبرا) عما أخبرها به أبونا عن صديق عمره وخدمته حبيب فرج فقالت : بعد نياحته ظهر لأبونا بطرس في حلم قائلا له "روح بيتى هتلاقى ظرف فلوس في درج مكتبى وديه الكنيسة لأنه ملك الرب" فلم يعبأ بهذا الحلم. فعاود الظهور في الليلة التالية قائلا له "اما مش قلت لك يا أبونا تروح بيتى وتفتح درج مكتبى علشان تستلم الظرف" فقام وفعل كما قال له ابنه الروحى ووجد الظرف.
+ يقول أخيه أسعد فرج : أنه منذ سنوات قليلة كان ابنه الأصغر الدكتور رضا أسعد يريد الذهاب لقضاء ليلة روحية في كنيسة العذراء مريم في الزيتون في ذكرى ظهورها فرفضت لأن الجو كان ليلا باردا. ثم نمت على أريكة الصالة فجاءتني العذراء في رؤيا ومعها حبيب خلفها وقالت لي "ليه منعت ابنك من زيارتي؟ لكن رغم اللى عملته ها أشفيك" فمدت يدها تحت ذقني لتحضر شيئا يشبه حبة سوداء كان بارزا وقيل لي فيما بعد أنه كان سيؤدى إلى سرطان. فبكيت وقلت بتشفينى يا عدرا وأنا مانع ابني من زيارتك وقمت من نومى باكيا طالبا المغفرة ولقد كان أخى حبيب ضيف شرف في هذه الرؤية ولم ينطق بكلمة واحدة في وجود العذراء.
+ يقول القمص مكسيموس السريانى بأنه وقت ظهور العذراء مريم في كنيسة القديسة دميانة بأرض بابا دبلو بشبرا قلت في نفسى ان هذا الظهور هو احدى بركات القديس حبيب فرج في خدمته القديمة بهذه المنطقة منذ أن كانت جمعية صغيرة وبناء عليه فقد شفع أمام اللـه لتنتعش الخدمة في هذه المنطقة التى كادت الروحيات فيها أن تشح والخدمة الرعوية أن تندثر فظهرت أم النور لتبدد ظلمات الجفاف الروحي إلى اشراقات نورانية مقدسة.
+ ظهر القديس حبيب لأخيه يقول له "انت هتجيب ولد وتسميه حبيب" وكان ذلك أثناء حمل زوجته وعند الولادة احتارت الأسرة في التسمية، الوالد يريد اسم حبيب على اسم أخيه والأم تريد اسم فهيم على اسم والدها واقترح البعض اسم منير وأمام هذا الأمر المحير احضروا ثلاث شمعات وأناروها وجعلوا لكل واحدة اسم من الأسماء المقترحة في إيمانهم أن اللـه يعطى العلامة الأكيدة للاسم المختار وللعجب فقد قصفت شمعتان من المنتصف (طوليا) وانطفأتا أما شمعة حبيب فبقيت كما هي فعلموا إنها إرادة اللـه بتسميته حبيب.
+ رغم مرور ستون عاما على رحيله فلازال جسده حتى الآن بدون فساد ، وقد قال أخيه بأنه كان مدفونا عند معارف لهم بالجبل الأحمر لحين إعداد مدفن للعائلة بمصر القديمة (مدافن القديسة بربارة) وقاموا بنقله بعد ستة أشهر – حسب القوانين –و بحب استطلاع كشفوا عليه فوجدوه سليما دون فساد، حتى الورد المدفون معه لا تزال رائحته نفاذة كما هي، كما أن طربوشه وبدلته الواسعة وصليبه الذهبي بأعلى جيبه موجودين دون أدنى خدش. وفي السبعينات ماتت والدته فأرادوا وضعها في صندوق ابنها فوجدوا جسده سليما دون فساد، وبعد مدة تحلل جسد أمه حتى صار هيكلا وظل هو بحالته كما هو.
فليعيننا الرب كما أعانه لنتمم حياة جهادنا مناضلين ضد أهوائنا وشهواتنا فننعم بمجد الرب الذي له المجد دائما أبدياً أمين.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق