كانت العداوة قديما على أشدها بين مملكة الروم ومملكة الفرس وكانت كل منهما تجمع الرجال والفرسان للحرب ضد المملكة الأخرى. وكان ملك الروم فى هذا الوقت هو الملك نوماريوس الذى أرسل أحد أمراء المملكة ويدعى (أنسطاسيوس) الى مصر لاختيار رجال أشداء يحاربون بجانب الجيش الرومانى ضد جيوش الفرس. فقام من أنطاكية وذهب الى مصر.
توغل الأمير الأنطاكى فى صعيد مصر حتى وصل الى بلدة "تابور" بالقرب من مدينة شطب وهناك أعجب برجل إسمه يوحنا لما إتصف به من القوة والشجاعة والإقدام فأكثر له من الهدايا لكى يسافر معه الى أنطاكية ولكن يوحنا إعتذر عن قبول الهدايا ورفض السفر . فما كان من الأمير أنسطاسيوس إلا أن أصدر أمرا بالقبض على يوحنا الشطبى ، وعبثا حاول والى تابور – وكان يدعى كيروس وهو زوج أخت يوحنا – حاول أن يجعل الأمير يتخلى عن (يوحنا) ولكن دون جدوى.
وحبسه الأمير فى معصرة لأنه خاف أن يهرب منه وبينما هو يبكى فى سجنه سمع صوتا فى الليل يقول له "لا تبك يا يوحنا من أجل أرضك فإن نسلك سيرث هذه الأرض الى الأبد وذلك الموضوع الذى سجنت فيه سوف يكون فيه جسدك الى الأبد وتجرى منه معجزات وتبنى هنا كنيسة . وبدل المعصرة يكون تقديم دم المسيح فيها الى الأبد" فلما سمع هذا القول طلب أخته "أنفيليا" وزوجها الوالى "كيروس" وأعلمهما بما سمعه ورآه فى الرؤيا وقال لهما "أن الله كفيل بحراستى وأنتما يجب ألا تفعلا شيئا لايذاء الأمير لئلا يسمع الملك فيأمر بهدم بلادنا وحرق أهلها وإعدام الذين فيها وأكون أنا السبب". ثم ودعهما بالدموع الغزيرة وسار مع الأمي
فى أنطاكية:
وعندما وصل الأمير الى مدينة أنطاكية مثل أمام الملك نوماريوس وقدم إليه الجنود المصريين الذين جاء بهم وكان من بينهم (يوحنا) الذى نال إعجاب الامبراطور. وأمر بإعتباره ضيفا على الأمير أنسطاسيوس فإكتسب محبته ومحبة جميع أهل بيته وكل رجال البلاط الملكى. وكان للأمير إبنه جميلة تدعى (أوسانيه) فرغب فى تزويجها بيوحنا فإستأذن الملك فى ذلك. فإقيمت الاحتفالات وزفت (أوسانيه) الى (يوحنا) زوجة.
عاش الأمير يوحنا الشطبى وزوجته الأميرة أوسانيه فى بلاد إيراكليه فى مدينة إخائية الواقعة على البحر الأسود . وأنجبا إبنا جميلا سمياه (تادرس) وكان ميلاده فى 11 من كيهك وكانت الأميرة (أوسانيه) تعبد الأوثان وقد حاولت إستمالة زوجها (يوحنا) للسجود للأصنام ولكنه رفض تماما وأظهر ثباتا فى إيمانه وكانت زوجته تعيره قائلة :إنك ناكر لجميل أبى فقد جاء بك عبدا زليلا وصيرك من أكابر القوم ودفعنى إليك زوجة رغم تقاليدنا ورغم إختلاف الدين بيننا ، وإعتزمت على طرده من المنزل. ولكن كان يوحنا يخاف على إبنه تادرس من أن يصبح عابدا للوثن فكان فى صلاة دائمة ، وفى ذات ليلة رأى يوحنا فى نومه رؤيا سماوية إذا بملاك الرب يقول له "لا تخف يا يوحنا على ولدك تادرس وثق أنه سيكون بركة للعالم بدفاعه عن الايمان وسيرفع لواء المسيحية عاليا ، لا تخف فالرب معه . أما أنت فأترك هذه المرآة وإذهب الى أهلك والى عشيرتك فى مصر". فقام القديس يوحنا فى الصباح مبكرا وغادر المنزل قاصدا صعيد مصر وهو يدعو الرب أن يبارك إبنه وينجيه من هذه الأم الشريرة
نشآة الأمير تادرس وإيمانه:-
مات الأمير أنسطاسيوس الجد الوثنى ومات الملك نوماريوس المحب للمسيح وجاء الامبراطور دقلديانوس الوحش الكاسر فى تلك الأيام ، وكان تادرس ينمو جسديا وأما روحيا فكان فى صراع بين الايمان بالمسيح الذى كان والده يعبده والذى قيل له أنه مات فى الحرب وبين الوثنية التى كانت أمه منغمسة فيها.
وكبر القديس وأخذ لقب الأمير لأنه إبن أمراء فجده الأمير أنسطاسيوس الذى شهد له القصر الملكى بالولاء ، وأمه الأميرة أوسانيا ، وأبوه يوحنا صاحب المنصب الرفيع .
وألحقته أمه بمكتب البلاط الملكى ليتلقى علوم الحكمة والتربية العسكرية لكى يصبح ضابطا فى الجيش الرومانى. وكان الأمير تادرس موضع إعجاب الكثيرين من أبناء الأمراء ورجال البلاط الملكى وكان جميع أصدقائه يؤكدون لتادرس أنه صورة من أبيه المصرى.
وعرف القديس من حوار الأصدقاء والعاملين معه أن أباه كان مسيحيا وأن أمه طردته لهذا السبب ، وأنه حى لم يمت. فذهب الى أمه وهو حزين فقالت له أمه ، ما سبب حزنك ياولدى. فقال لها بسبب ما أسمعه كل يوم من الناس عن أبى المصرى يوحنا وأنك ياأماه سبب هروبه وهناك من يقول إنك طردتيه من المنزل فكيف يكون ذلك
فقالت له أمه أنه مات فى الحرب لأنه لم يكن يعبد آلهتنا ، فرد القديس :أى آلهه تتحدثين عنها هل تلك الأصنام تدعى آلهه فقالت: ياولدى ما هذا الكلام وكيف تغضب الآلهه فرد القديس :لقد عرفت الحقيقة إنك طردتى أبى لأنه كان مؤمنا بالمسيح ، فدعكى من هذا وهلم نذهب الى أبى ونؤمن بالمسيح ربا وإلها ، لقد رأيت يا أمى فى منامى بالأمس شخصا يخاطبنى قائلا :"أنا والدك يوحنا وقد طردتنى أمك من أجل أوثانها فإحفظ نفسك منها الى أن يشاء الله لقاءنا". فقالت أمه :واحسرتاه لقد فقدت رشدك ياولدى ، هلم إسجد للآله وأطلب الصفح منه لكى يرضى عنك".
فرد القديس:"أنا لا أسجد إلا للرب يسوع المسيح إله أبى يوحنا". أما هذه الأوثان فليس لها مكان فى قلبى ولا فى هذه المنزل بعد الآن. ثم ضرب الأمير تادرس الوثن الحجرى بقدمه فتكسرت أجزاءه وخرج منه الشيطان الذى يتكلم داخله ، بشكل زنجى وصار يصرخ قائلا: مادمت قد طردتنى من مسكنى فسوف أنتقم منك ، وأكون سببا فى إنزال الوبال عليك ثم صار كالدخان وتلاشى فى الهواء وهو مرتعب جدا".
خرج الأمير تادرس من منزله وهو فى سعادة وإتجه الى الأب الكاهن وكان يسمى القس أولجيانوس وطلب أن يعتمد على إسم المسيح . فقام بتعليمه الايمان القويم وعمده . وهكذا لبس ثوب البر والقداسة والنعمة وكان عمره وقتذاك خمسة عشر عاما
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق