الاثنين، 21 مايو 2012

أسماء شهداء كنيسه سيدة النجاة..The names of the martyrs of Our Lady of Salvation Church




1. الأب ثائر سعد الله أبلحد عبدال 32 سنة
2. الأب وسيم صبيح يوسف القس بطرس 27 سنة
3. جورج أيوب طوبيا سقط 51 سنة
4. نبيل الياس سمعان سقط 46 سنة
5. سهم عدنان سعدو سقط
6. ثامر كامل اوسي (مع زوجته نداء وابنه عمر)
7. نداء حميد اسطيفان
8. عمر ثامر كامل أوسي
9. عزيز متي دشتو ميزي
10. يونان كوركيس الساعور (مع ابنه وزوجة ابنه وحفيدته)
11. جان يونان كوركيس الساعور
12. ريتا متي كوركيس زورا
13. الطفلة ساندرو جان يونان الساعور (أربعة أشهر)
14. مها ناصيف بنو (مع نجليها وسام وسلام)
15. سلام أديب
16. وسام اديب
17. فائز وعد الله قزازي
18. عدي زهير مارزينا عرب
19. أدم عدي زهير عرب (3) سنوات.
20. بهنام منصور بولص موميكا (60) سنة.
21. أيوب عدنان أيوب برجو
22. صباح متى حمامي
23. سعد ادور الساعاتي
24. فارس نجيب فيليب حناوي
25. فيفين ناصر مارو
26. نذير عبد الاحد عنائي
27. فادي بحودة
28. مازن فضيل الياس محروك(استاذ في جامعة الموصل وهو من المهجرين والان استاذ في جامعة النهرين)
29. عبدالله حداد
30. وامق حداد
31. رغدة وفي بشارة
32. نزار جميل مطلوب
33. ميلاد نزار جميل مطلوب
34. بسام عدنان جميل الخوري
35. عدنان جميل الخوري
36. بهنام ميخائيل كافي الموت 52 سنة
37. صلاح جرجيس عبد الاحد قاقو
38. كرستين نبيل طوبيا كتناوي
39. رائد سعدالله أبلحد عبدال
40. فادي سمير حبيب عمسو
41. اثيل نجيب عبودي
42.نزار حازم عبد الرحيم الصائغ
43. سهيلة روفائيل جاني
44. سهام صليوا ججيكا من مواليد 1962
45. حكمت عزيز دقاق

اسماء شهداء كنيسه القديسين




الاسم م الاسم م الاسم أسماء حالات الوفاة تابع أسماء المصابين تابع أسماء المصابين 1 بيتر سامى عز فرج 24 مرفت شفيق صادق 64 عماد سمير فايز 2 مينا وجدى فخرى 25 اشرف منير رزق الله 65 سامح الامير عبد المسيح 3 مريم فكرى نجيب ناشد 26 مينا كرم حليم 66 مينا فوزى فهيم 4 لى لى جابر شنودة 27 مصطفى محمد عبيد 67 باسم عجابين عبد الله 5 مايكل عبد المسيح صليب 28 ووليم صالح فهيم 68 مارينا سامى مسعود 6 فوزى بخيت سليمان 29 محمد احمد سليمان 69 مينا حنا 7 محب زكى حنا الصلاباوى 30 نادر احمد محمد 70 تريزا بهاء كمال 8 عادل عزيز غطاس حانا 31 احمد المنوفى محمد 71 فؤاد توفيق 9 هناء يسرى زكى 32 نبيل عطا يوسف 72 كريمة عطية 10 صموئيل ميخائيل اسكندر 33 اسلام عادل مبروك 73 كارن هانى 11 تريزا فوزى جابر 34 محمد عبد الله البدرى مبروك 74 انجى نادر توفيق 12 سونيا سليمان سعد 35 أنس نعيم ميخائيل 75 قلاراءهانى بولس 13 سميرة سليمان سعد 36 صامويل جرجس ميخائيل 76 أمجد زكريا 14 مارتينا فكرى بخيت 37 سامى زكريا جندى 77 هانى بولس ثلاث جثث محهولة 38 ايمان ابراهيم واصف 78 ميشيل فؤاد 3اكياس بها اشلاء ادمية 39 هانى كمال عزيز 79 موسى اندراوس اسماء المصابين 40 مجدى فرج سعد 80 نجوى ناجى 1 احمد فتحى السيد يوسف 41 مجدى بولس فلتوؤس 81 رائد فايز فوزى 2 يوسف وجدى حنفى 42 جوزيف سعد نيكولا 82 مارك رضا 3 رمزى صبحى مسعود 43 صبرى فوزى ويصا 83 هانى وجيه عبد الله 4 مجدى وهيب بهجت 44 يوسف فوزى عيسى 84 فادى فايز عزمى 5 محمد على ابراهيم 45 امال فهيم ناشد 85 عماد سيد انطوان 6 ريهام رشدى شحاتة 46 ميشيل صادق حبيب 86 اوليفيا عماد سمير 7 مارينا داوود سليمان 47 جينا منير 87 ايناس سامى وهبة 8 حمدى محمد جمال احمد 48 انجى منير 88 مارى انور توفيق 9 عمر نصر فتوح 49 سامية جبرئيل 89 نرفانا هانى مهنى 10 ماليس عبد الرحمن احمد 50 رامى جمال 90 اميرة نبيه نسيم 11 عماد حمدى عبد القوى 51 فادى فارس صموئيل 91 ناردين صمؤيل ميخائيل 12 اميل وهيب بهجت 52 دينا نادى 92 ايمن فوزى جاد الرب 13 رجب عبد المنعم محمود 53 أمينة ابراهيم 93 بيتر عادل فليب 14 قطب حسين قطب 54 جولينا فوزى تادرس 94 رزان ماهر فوزى 15 بدر السيد طه 55 ماجد ناجى سلامه 95 ابنوب رومانى عبد الشهيد 16 بدر داوود 56 ماجد فوزى 96 مينا رومانى عبد الشهيد 17 عبير مرقص حنا 57 مينا اسحاق 18 فكتور ابراهيم فهمى 58 رمزى بشارة اندراوس 19 امال مهنا ناشد 59 مادلين ميشيل بطرس

مذبحة عزبة الاقباط بالبدارى 25 فبراير ..Massacre Manor Copts Balbdary February 25, 1996



مذبحة عزبة الاقباط بالبدارى 25 فبراير 1996

اقتحم اثنان من العناصر الارهابية المتطرفة عزبة الاقباط بالبدارى واطلقا الرصاص على المواطنين العزل فقتلا
1- مجدى صادق توفيق
2- زكى نصيف يونان
3- بطرس نصيف رزق
4- كميل فتحى بخيت
5- عزيز بطرس سليمان
6- مترى عطا عطية
7- صفوت شفيق قتلا برصاص الجماعات الاسلامية المتطرفة فى طهطا يوم السبت 17 اغسطس 1996 1997
8- صبحى سليمان النائب القبطى بمجلس الشعب عن سوهاج

اقوال اباء...Sayings fathers




الترجمة الروجية لكلمة ضيقات تعني بركات وأكاليل... وهذه هي اللغة الروحية والذي يترجمها غير ذلك يتعب (قداسة البابا شنودة الثالث)



إذا شاء الله أن يريح أبناءه الحقيقيين لا يرفع عنهم التجارب...بل يعطيهم قوة ليصبروا عليها (القديس مارإسحق السرياني)



إذا أتت عليك تجربة فلا تبحث عن سببها...بل احتملها بدون حزن (القديس مرقس)



من أراد الإنتصار على التجارب بدون صلاة وصبر ازداد ضيقه بسببها (القديس مرقس)



بمقدار الحزن والضيقة تكون التعزية،لأن الله لا يعطي موهبة كبيرة إلا بتجربة كبيرة (القديس مارإسحق السرياني)



إذا اعتقدت أنك تستطيع أن تسلك طريق الرب بدون تجارب فاعلم أنك تسير خارجه وبعيدا عنه وعلى غير خطى القديسين (القديس مارإسحق السرياني)



الأحزان المرسلة إلينا ليست سوى عناية الله بنا(القديس مارإسحق السرياني)

شهيد طما




طما

الدكتور برزى استشهد فى قلب عيادته وهو يعالج مرضاه وفى 15/10 من ذات العام (1992) قامت المظاهرات بمدينة طما وكانت ضد المسيحيين وتم قتل 4 منهم ويوم الجمعة 16/10 تكررت المظاهرات وقتل اثنان من المسيحيين وترك الثالث بين الحياة والموت وتم نهب وتخريب وحرق سبعة صيدليات و69 محلا تجاريا وسبع منازل وخمس سيارات جميعها مملوكة للمسيحيين 1993

من كلام الأب الروحاني المعروف بالشيخ بخصوص التوبة..From the words of the spiritual father, known as Sheikh on repentance



من كلام الأب الروحاني المعروف بالشيخ بخصوص التوبة
 
فمُ العفيفِ يتكلمُ بالطيباتِ، ويلذِّذ صاحبَه، ويُفرِّح سامعيه. مَن كان كلامُه مرتباً وعفيفاً، وهو طاهرٌ بقلبهِ، فهو ابنُ ميراثِ المسيحِ، ومن كان كلامُه بقلقٍ ومعكَّر بالحردِ، فهو شيطانٌ ثانٍ. فمُ الطاهرِ النفسِ يتكلمُ كلَّ ساعةٍ على خالقِهِ، ومن يسمعه يفرحُ ويقتدي به. فمُ الجاهلِ يفيضُ مرارةً، ويقتلُ صاحبَهُ، ويُسكِرُ الذين ينصتون له، وما أوفق ذلك اللقب الذي أعطاه له سليمان، إذ لقَّبه بالخنزير، يا ربُّ خلصني من لقائهِ.
من يترحم على إنسانٍ، فإنَّ بابَ الربِّ مفتوحٌ لطلباتِه في كلِّ ساعةٍ. ذو الإفراز، بكسرةِ خبزٍ يشتري لنفسِه الملكوتَ، ومن يفرق مالَه بغير إفرازٍ، فباطلٌ هو عمله. من يُكثِر كلامَه، ويرفع صوتَه، فهو ناقصُ الرأي. الذي يلطِّف كلامَه ويتماكر ليضرَّ فهو شيطانٌ ثانٍ. من يصنع صلحاً بين الحرودين، ابن الله يُدعى، ومن يسجس ويعكِّر ويوصِّل كلاماً شريراً من واحدٍ إلى واحدٍ، فهو رسولُ الشيطانِ، وهذا تبيده النار.
من يفرحُ بحسناتِ كلِّ الناسِ، تفيضُ عليه الحسناتُ من الربِّ، ومن يَحزن بصلاحِ حالِ الآخرين، فليس بعد ذلك من شرٍّ، وبسرعةٍ يكون انكساره. الذي يتوب عن سيئاته، ولا يعود إليها أيضاً، حتى ولو كانت قبيحةً سمجةً، أكثر من خطايا السدوميين، ويُظهر من أجلِها وجعَ قلبٍ وندامةً ودموعاً، وبالجملةِ يقطعُ منه كلَّ الشرورِ، فمن ساعتِه يُولدُ من الروحِ القدس، ويكونُ من أحباءِ الله الخصوصيين، وبدالةٍ يأخذُ طهارةً معتوقةً من خزي المجرمين، وتُعادُ إليه بتوليةٌ لم تتدنس البتة، ويُدعى زرعاً إلهياً لم يخطئ قط، ويقبل في قلبهِ عربوناً بثباتِ رجائهِ، وتعطيه الرحمةُ الأبويةُ ثقةً واتكالاً ونسياناً للخطيةِ بالكمالِ من قلبهِ كأنها لم تكن.
أيتها الرحمةُ الفائضةُ، ما أوفرك يا مَن أَعطيتِ لنا نحن الموتى بالخطايا رَحِماً مقدساً الذي هو التوبةُ، يلد بنينَ جدداً من عتقٍ، أطهاراً من أنجاسٍ، منيرين من مظلمين. من لا يعجب من رحمتِك يا ربنا؟ ومن لا يعترف لنعمتِك؟ يا من أتيتَ إلى الميلادِ لتلدنا من بطنِ التوبةِ على شبهك كشبه مريم والدتك. السُبح لك يا آب الكلِّ، يا من أعطيتنا أمًّا جديدة بالميلادِ الجديد، وإن كنا بصبوتنا قد تنجسنا بكل نتنٍ، لكنها تُجلِّي وتطهِّر، وتحسِّن، وتغطي تحت أطرافِها مثل المربية، أولئك الذين وُلدوا منها حتى يصلوا إلى عندك محبوبين وأحباء، ليكونوا آلهةً وملوكاً، بنينَ لربوبيتك.
وإن كنتَ يا أخي تقول: «كيف تقدرُ التوبةُ أن تجددَ الإنسانَ الذي قد تدنس وفسد بالخطيةِ؟» فأقول لك: «اذكر تكوينَه الأول، ومِن أيِّ شيءٍ صار، أعني من شيءٍ حقيرٍ وسمجٍ في البطنِ الضيقِ المظلمِ، وكما رَكَّبت نعمةُ إلهنا المادةَ المنتنةَ في البطنِ المظلمةِ مكملةً تكوينَه، وأخرجته إلى نورِ هذا العالمِ. كذلك الذي أفسدَ طهارتَه بعد المعموديةِ بفعلِ الشيطانِ، واتسخ بجميعِ جراحاتِ الخطيةِ النجسةِ، بالميلادِ من حِضْنِ التوبةِ الكئيب المظلم، يخرجُ لنورِ عالمِ الروح، الذي أخذ سرَّه بالمعموديةِ المقدسةِ».
«وكما أن ذلك المني السمج، إن رُمي في أرضٍ واسعةٍ مضيئةٍ، ولم يدخل البطنَ الضيقَ المظلم، يكون بلا منفعةٍ ولا يتشبه بالذي ولده، هكذا الذي تسمج بالخطيةِ، إذا لم يدخل البطنَ (أي التوبة) الضيق المظلم، فإنه يكون بلا منفعةٍ، وغيرَ متشبه بمن ولده في المعموديةِ المقدسةِ. وكما أن آدم الجَسَدَاني، من حواء يُولد له بنون بشبهِه لعالمِه الجسدي، كذلك المسيح، آب العالم الروحاني، من المعموديةِ والتوبةِ، يُولد له بنون بشبهِه للعالم الروحاني، كما ينادي لهم رأسُ حياتهم قائلاً: توبوا، فقد اقترب ملكوتُ السماوات».
«فكيف نجدها إن كانت قريبةً؟ يا أبانا أرنا إياها». «إنها على البابِ اللطيفِ الضيق، وكلُّ من يصبر لصعوبته المظلمة، ويخرج منه، لوقته يلقَى ملكوت النورِ ويتنعم، وذلك الباب الذي لمدخل الحياة، فإنه في أيِّ بلدٍ يوجد داخلكم، وبابها هذا، هو التوبةُ. إن التوبةَ تعيد حياةَ المعموديةِ التي للغفرانِ، وكما أن المني الحقير بالبطنِ المظلمةِ يقتني شبه أقنوم آدم، كذلك والإنسان السمج بالخطيةِ، إن كان يدخلُ لكورِ غليان التوبةِ، يَجلَى ويَطهُر ويقتني بالنعمةِ المجدِّدة، شبهَ حُسنِ المسيح شعاع الآب».
«التوبةُ هي أمُ الحياةِ، وطوبى لمن يُولد منها، فإنه لا يموت. وكما ينادي المسيحُ لخواصِّه بالتوبةِ، كذلك يُبعدُ الشيطانُ الناسَ عن سماعِ هذا النداءِ، وبالشطارةِ واللهو يغطي قلوبَهم».
«التوبةُ هي ترياقٌ لأوجاعِ الخطيةِ القاتلة، وعذابٌ عظيمٌ للشيطانِ مضادها. إنها تُخلِّصُ وتعتق المسبيين الذين سُبوا بشرِّهِ، وأتعابُه التي تعبها في سنين كثيرةٍ، تُضيِّعها التوبةُ في ساعةٍ واحدةٍ، والعبيدُ الذين بمشيئتِهم أخضعوا حريتَهم له، تعيدُهم إلى ميراثِهم، وتعذِّب مَن خدعوهم. زرعُ الشوكِ الذي زُرع بأرضنا، ورُبيَ بحرصٍ في سنين كثيرةٍ، في يومٍ واحدٍ تحرقه، وتطهِّر أرضَنا، حتى تعطي أثمارَ زرعِ فلاح المسيح ثلاثين وستين ومائة. الحصون التي بناها في زمانٍ طويلٍ، ليسجنَ فيها أسراه، الذين سُبوا في الظلمةِ، بقمرٍ صغيرٍ يشعُّ فيها فتُهدَم، ويشرق النورُ في وجوهِ الجالسين في الظلمةِ، ورباطاتهم تنقطعُ، وأحزانُهم تُستبدل بالسرورِ، ودموعُهم بالفرحِ، أما رابطهم، فإنه يُربط بسيورِ الظلمةِ، ويُسلَّم بأيديهم للعذابِ. كلُّ فلاحتِهِ تفسدُ، وكلُّ الأوجاعِ التي صنعها بغيرِ عبيدِه، تطيبُ وتُشفى، وكلُّ قتلاه يقومون، وكلُّ فخاخهِ تنكسر، وكلُّ أشراكِهِ تقطع، وتهيئ الطريقَ قدام محبيه، حتى يمشوا بلا عثرةٍ في طريقِ المسيحِ واهبها».
«إنها (التوبةُ) تجعل الزناةَ بتوليين، كما تَجلي النوراني الذي علاه الصدأُ. إنها من الماخورِ إلى البريةِ تجتذبُ لعملِ الملائكةِ، والمضيئون الذين حقَّروها تركتهم، فنزلوا إلى الجحيم السفلي. هي تَدخلُ إلى مخادع الزانياتِ، وتجتذب الزناة، وتلدهم من حضنها بتوليين للمسيحِ. تردُّ الكافرين إلى الرسوليةِ، والرسل الذين نزعوها لبسوا الظلمةَ. إنها لِباسُ العالي، وللابسيه تُلبس مجدَ يسوعِ رداءً. هي تجتذبُ من الطرقاتِ إلى الملكوتِ، ومن بين السياجات تُدخل إلى العرسِ. إنها من السوءِ تصونُ المضيئين، وتجعلُ العميان مبصرين. هي تقلع الشجرةَ التي أثمارُها سمُّ الموتِ، وشجرةُ الحياةِ تُغرس بفردوسنا. هي حاملةٌ براحتِها طيبات النعمةِ، والذين نتنوا بالنجاسةِ، إن قبلوها تطيب. إنها قائمةٌ ببابِ الختن السماوي، وكلُّ من عبر بها استقبل وجهَه بيدِها، ووضعوا إكليلَ العرسِ، وكلُّ من تطامن قدامها، جعلته متكئاً في الحَجلةِ، بيدها وضعوا مفاتيحَ ملكوت السماواتِ، فكلُّ من أحبها وعشقها جعلته أميناً».
«هي هي أمُّ النورِ، وكلُّ من وُلد منها، أنبتت له أجنحةً من نارٍ، ومع الروحانيين يطيرُ إلى العلا، وكلُّ من نَتَفَ الصيادون ريشَه، واستتر تحت أحضانها أياماً قلائل، أخذ منها ريشاً طياراً نارياً، أفضل وأخف من الأول».
هي هي ملحمةُ الطبِ السماوي، ومن وضعها على وجههِ برئ لوقته، لا تقطع بموسى ولا تُصعِّب الأوجاعَ بالكي. بالرحمةِ مخلوطٌ أدويتها، وباللين تجبرُ الانكسارَ. سمُّ الموتِ واللهو والشغب، هذه بيديْ الشيطان، أما التوبةُ فهي ترياقُ الحياةِ بيد اللهِ، وكلُّ من سبق وشرب من كأسِ القاتلِ، يتقدم ويشرب من كأسِ المحيي للكلِّ، فيعيش بلا نهايةِ. إنها تزورُ الأمواتَ، وكلُّ من بلعَه الموتُ، ودنا من أحضانِها، شقَّت الموتَ وأخرجته من جوفِه. ترى العُمي كلَّ يومٍ يبكون على بابها، فتجتذبهم وتريهم نورَ الفرح. ترى القتلى الذين قتلهم الشيطانُ، وتستدعيهم لتقيمهم قيامةً متقدمةً. هي خزانةُ بني مخلصنا، وفيها يحفظُ جميعَ غنى أعمالهم. هي بحرٌ لغسلِ جميعِ النجسين، وكورٌ، غليانُه يَجلي كلَّ من علاه الصدأ. هي نارٌ محرقةٌ للزوان، ومياهٌ تربي الزروعَ المقدسةَ. هي فردوسٌ يطيب الخواص، وتخرِّب وتهدم جميعَ العُصاة. إنها أرضٌ تربي بني النور، والمطهرةُ بيدِها الذي يتنجس. هي مولِّدةٌ لأجنةِ بني العلي، ومربيةٌ لتابعي المسيح. إنها حصنٌ تحفظُ كلَّ ما بداخله، وجبارٌ يردُّ كلَّ ما سُبي. هي هيكلٌ للأممِ الطاهرةِ، ومنها يأخذون قدساً لقدسهم. هي بيتٌ وملجأٌ للأشقياءِ، فتجعلهم وارثين للملكوتِ. هي خزانةٌ لجميعِ الكنوزِ، فكلُّ من قرع بابها، أخذ منها حاجتَه. هي والدةٌ لم يجف حضنها، وكلُّ من كان عاقراً وقرب منها، أخذ له منها أولاداً محبوبين. هي بوابةٌ قائمةٌ ببابِ الخالق، وكلُّ من وجب عليه الحكمُ وتقرَّب سائلاً إياها، دخلت وحلَّته. بيدها موضوع رشاش الماء، وبلوغ إدرار المطر، فمن دخل والتجأ بها، فتحت ورَوَتْهُ. إنها تقوم ببابِ الله، وكلُّ الخيرات التي تخرج من عنده، تجتذبها لخواصها. هي شفيعةُ المسبيين، فإذا تقدموا وسألوها تقوم لحمايتهم وتعتذر عنهم».
«فمن ذا الذي لا يحبك أيتها التوبة، يا حاملة جميع التطويبات، إلا الشيطان، لأنك غنمت غناه، وأضعت قناياه، وجعلتِهِ فقيراً معذباً من كسبهِ، وفارغاً من الإرثِ الذي سباه بغير حقٍ. ذاك هو مبغضُك بالحقِ، لأنك دائماً تضادينه، فما من إنسانٍ وقع بين يديه، ولحقتِ به، وصار فريسةً لغذائه؛ وما من إنسانٍ دعاكِ وهو بين أسنانه، إلا وتكسرين أسنانه، وتخلصيه. كما أنه ما من أحدٍ بلعه، فصرخ نحوك، إلا وشققتِ بطنه وأخرجتِهِ، وما من شخصٍ ربطه، إلا وعاجلاً قطعتِ أغلالَه وحللتِهِ. وما من إنسانٍ صاده وأنت بعيدة، ودعاك، إلا وبسرعةٍ لحقتِ به وخلصتِهِ. من أجل هذا، هو يبغضُكِ، لأنك بالأكثر أبغضتِهِ، يبغضُكِ لأنك كلَّ حينٍ تقفين ضده. يبغضُكِ لأنه مبغضٌ لمعطيكِ، وأنتِ أيضاً ضده كما أن صاحبَك ضده كذلك».
«ليس مَن تمسَّك برجائِك، ونزل إلى الجحيمِ، ولا مَن صعد إلى السماءِ بدونِك. من يرى اللهَ بغيرِك؟ مَن تمسَّك برجائك ووقع في يدِ الشيطانِ؟ ومَن تطهَّر ولم تكوني أنت التي غسلتِهِ؟ مَن تقدم لمطهرتك، ووُجدَ فهي نجاسةٌ؟ مَن الذي سقى زرعَه من مطرِك، ولم يحصد منه أثمارَ الفرحِ؟ مَن ذا الذي تقدَّم لطبك، ولم يكن بعيداً من كلِّ العاهات؟ ومن صبغَ كلَّ ساعةٍ وجهَه بقطراتك، ولم يبصر اللهَ في قلبهِ؟ مَن ذا الذي عدم تذوق مشروبك ولم يبصر قلبُه ينبوعَ الظلامِ؟ من نال طلباته ولم تكوني أنتِ التي رفعتِ من شأنه؟ مَن اتخذك شفيعةً ولم تفتحي أمامَه أبوابَ خزائنِ الله؟ ليس مَن أخذك معه في القتالِ، إلا وأسلمت أعداءَه تحت حربتِه. ليس من لبسك مقابل مضاديه، إلا وانهزم قدامه مبغضوه».
«أنتِ خلصتِ داودَ من الخطيةِ، وأنتِ التي وقفتِ في وجهِ أخآب الكافر. صعد الحكمُ على أهلِ نينوى بالهلاكِ، ولكنكِ تجبرتِ وقمتِ وخلصتِهم. مباركةٌ أنت يا أمُّ الغفرانِ، يا من أعطانا إياك الآبُ المملوءُ رحمةً، لا يغضبك إذا طلبت إليه، لأنه أعطاك أن تكوني شفيعةً للخطاةِ، لا يغلق بابه إن سألتِهِ، سلَّم لكِ مفاتيح الملكوت».
«لقد اقترب الملكوت، فتوبوا فها هو الخاتم الذي يأخذه معه الوارثون للملكوتِ، توبوا فقد قَرُبَ الملكوت. الجيلُ القديم الذي لم يشرب مشروبك خنقه سَخطُ الطوفانِ، سادوم التي لم تُرِد أن تَقبلكِ، أحرقتها النارُ السماوية. فرعون الذي طردك من عنده، تعذَّب في الأمواجِ الخانقةِ».
«إنها تردُّ الأتعابَ التي ضيعها الشيطانُ، وتعطي العطايا السماوية. هي التي تجدد البتوليةَ التي اتسخت، وتحفظ بلا عيبٍ تلك التي لم تفسد بعد. المسيحُ جاء وخلَّصنا، وبصوتِه نادانا قائلاً: توبوا فقد اقتربَ الملكوت. له المجد إلى الأبد آمين».
وقال أيضاً: «من يَحذَر بلسانهِ، فلن يُسلَب كنزُه منه إلى الأبدِ. فمُ الساكتِ يُترجمُ أسرارَ اللهِ، ومن يتكلم بسرعةٍ، يُبعد عنه خالقَه. من يستهين بذاته ويرذلها، يتحكم من اللهِ، ومن يَحسبُ نفسَه حكيماً، ترتفع منه حكمةُ الخالقِ. المسكينُ من متاعِ الدنيا، يستغني باللهِ. وصديقُ الأغنياءِ يتمسكن مما للربِ. من اعتاد كلامَ اللعبِ مفرِّجاً عن جسدِه ونفسِه، فذاك زانٍ، ومن يستأنس به فهو فاسق. المحبةُ المفرِزة للصبيان، هي زنى سمج أمام الربِّ، ولا يوجد جبرٌ لانكسارهِ. شابٌ يصاحب شاباً، فليبكِ عليهما ذوو الإفرازِ. الشيخُ الذي يحبُ صُحبةَ الصبيانِ، اعلم أن أوجاعَه أنجس من الصبيانِ النجسين؛ وإن كان يكلمهم بالأعاجيب، لكن قلبَه بالحمأةِ غارقٌ. يا أخي، إن عشتَ للعالمِ، فسوف تصبح حياً للعالمِ. واحدٌ بواحدٍ، فإن اثنين لا يوجدان مثل الكلمة الوحيد الذي له المجد إلى الأبد آمين».
وقال كذلك مما سَمع من الشيوخِ، أن واحداً منهم قال له: «في أيامٍ كثيرةٍ يَظهرُ لي أنّ استعمالَ الأطعمةِ زيادةٌ وفضولٌ، لأن حبَّ ربي يُكمِّل لي حاجتي، ويُنسيني الاهتمام بها».
كما قال أيضاً: «محبةُ المسيح غرَّبتني عن البشر والبشريات».
وقال آخر: «في خدمتي وصلاتي لستُ أعرفُ تعباً، لأنه ليست فيها حركةٌ من هواي، بل أظلُّ منصتاً للروحِ الساكن فيَّ وأتلذذ، وهذا هو المقصود بما قيل: إنّ الروحَ يصلي بدلاً عنا».
وقال شيخٌ آخر: «إن كان لسانُك غزيراً بحركاتِه، فقد انطفأت من قلبك الحركاتُ الطاهرةُ، أما إن كان لسانُك ساكتاً، وقلبُك يغلي بالحركاتِ الطاهرةِ، فطوباك، لأن حركتَه بالروحِ ترفعُك إلى هدوءِ الحياةِ. سكِّت لسانَك ليسكت قلبُك، وسكِّت قلبَك ليتكلم فيه الروحُ».
وقال آخر: «جاهلٌ، ذاك الذي يوجد في ذِكرهِ شيءٌ من العالمِ، ما خلا الميراث الذي يأخذه، أعني القبرَ فقط»، كما قال أيضاً: «إن كنتَ بالمسيحِ وُلدتَ، فكذلك أخوك، وعلى ذلك فأكثر من أخيك لا تحب نفسَك في شيءٍ ما».
وقال أيضاً: «إن كانت شهوتُك عالميةً، فهذه أيضاً كالكلابِ والخنازير، أعني بذلك (شهوةَ) البطنِ والزواج. أما إن كانت شهوتُك باللهِ، فهذه هي شهوةُ الملائكةِ».
كذلك قال: «إنه هوى شيطاني بالراهبِ، الذي يحتفظُ لديه بقوتٍ غير قليل، ذلك لأنه يذخر ما لا حاجة به إليه، أما الصدِّيقُ فإنه يُلقي على الربِ همَّه، وبغيرِ همٍّ يفرقُ، من أجلِ ذلك فَيَدُ الربِ مفتوحةً قدامه وهي ممتلئةً، فيأخذَ ويعطي بسذاجةٍ بغيرِ فكرٍ. من يحفظ شيئاً زائداً لينيِّح به المحتاجين فهو حكيمٌ بحقٍ. من أجلِ هذا، إذ تَفرُغ يده، تجدها تمتلئُ كلَّ ساعةٍ، لأنه إذ أعطى، فله أن يأخذَ أيضاً. من ينيح آخر في ضيقته، فله هو أيضاً من يَهَبه نياحَ الحياةِ».
كما قال أيضاً: «الاتضاعُ هو أرضٌ حاملةٌ للفضائلِ، فإن هي عدمت الفضائل، فبالكمال قد هلكت».
ثم قال أيضاً: «وكما أن حمارَ المسكينِ، لكونه لا يجدُ قوتاً ليَشبعَ به، يُصبحُ هزيلاً ضعيفاً فتنطفئ منه شهوة الجماع، وإذا ركبه صاحبُه، سار به ذليلاً سهلَ الانقيادِ بسببِ خساسةِ مركوبه، هكذا الراهبُ الذي يقمعُ جسدَه بنقصِ القوتِ وخساسةِ الملبس، فإن الشهوةَ العالميةَ تنطفئ من جسدِه، ونفسُه تتضع بلا افتخارٍ».
«ليس هناك شفاءٌ لوجعِ المفتخر، لأنه بقدرِ ما يتعالى بأفكارِه بقدر ما ترتفع معرفةُ الله عن نفسِه، وإلى عمقِ الظلمةِ يهبطُ».

 

من أقوال الأب الروحاني المعروف بالشيخ «تعليم للمبتدئين» 8 Sayings of spiritual father, known as Sheikh




من أقوال الأب الروحاني المعروف بالشيخ
«تعليم للمبتدئين» 8

 
قيل عن شيخٍ إنه كان جالساً في البريةِ سنين كثيرةً، وكان يُتعِبُ نفسَه بأتعابٍ كثيرةٍ، فلما رآه الإخوةُ هكذا، قالوا له: «لماذا تعاني هذه الأتعابَ الكثيرةَ، في هذا الموضعِ القفر»؟ قال لهم الشيخُ: «هل رأيتم عذابَ جهنم؟»، قالوا له: «لا»، فقال لهم: «اغفروا لي، فإن هذا التعبَ جميعَه الذي نكابده ههنا، لا يعادلُ عذابَ يومٍ واحدٍ في جهنم».
قال شيخٌ: «الدلالُ والمزاحُ والضحكُ، هذه تُهلك، إذ تُشبه ناراً تشتعلُ في قصبٍ».
وقال شيخٌ: «إن السيرةَ اليابسةَ المقرونةَ بالمحبةِ، تُدخل الراهبَ إلى ميناءِ غَلَبةِ الآلامِ بسرعةٍ».
قال أنبا بيمين: «من أدلةِ الرهبانيةِ الشدةُ والمسكنةُ والمعرفةُ، لأنه مكتوبٌ عن هؤلاءِ الثلاثة رجال: نوح وأيوب ودانيال، إن نوحاً يشبه المسكنة، وأيوبَ يشبه الشدة، ودانيال يشبه المعرفة، فإن كانت هذه الخصال الثلاثة موجودةً في إنسانٍ، فالله ساكنٌ فيه».
وقال أيضاً: «إنه لأخيَر للراهبِ أن يفرَ من الجَسََدانيات، لأنه ما دام الإنسانُ قريباً من الجَسَدَانيات، فإنه يشبه إنساناً جالساً عند فوهةِ جبٍّ عميقٍ، ففي أيِّ ساعةٍ أراد العدو دفعَه فيه، هان عليه طرحُهُ فيه، أما إذا كان الراهبُ بعيداً عن الجسدانيات، فإنه يشبه رجلاً بعيداً عن الجبِّ، ففي الوقتِ الذي يعملُ العدو على جرِّه إليه، يكونُ اللهُ قد بعث إليه بمن يخلِّصه».
سأل أخٌ شيخاً: «هل تحبُ يا أبي أن أحبسَ لنفسي دنانيرَ فتكونَ عندي لئلا يصيبني مرضٌ». فلما رأى الشيخُ أن فكرَه قد هوى إمساكَ الدنانير، قال له: «نعم». فلما مضى، أزعجته أفكارُه قائلةً له: «أترى بحقٍ قال لك الشيخُ أم لا»؟ ثم قام أيضاً، ورجع إلى الشيخِ وطلب إليه قائلاً: «من أجلِ اللهِ، قل لي الحقَّ، لأن أفكاري تحزنني جداً من أجلِ الدنانير». فقال له الشيخُ: «إني لما أبصرتُ أنك تحبُّ إمساكَ الدنانير، قلتُ لك أمسك أكثرَ من حاجتك، أما إن أمسكتَ بالدنانير، فسوف يكون رجاؤك عليها، فإن هي نفذت، فإن اللهَ لن يهتمَ بك ولن يعينك».
قال أنبا ماطوايس: «إني أحبُ العملَ الخفيفَ الدائم، أكثرَ من عملٍ شديدٍ في بدئه، لا يلبث أن ينقطعَ سريعاً».
قال أنبا بيمين: «علامةُ الراهبِ إنما تُعرف من البلايا».
سأل أخٌ شيخاً قائلاً: «أيَّ شيءٍ أصنعُ، فإن أفكاراً كثيرةً تقاتلني، ولستُ أدري كيف أقاتلها»؟ فقال له الشيخُ: «لا تقاتل مقابلَ الكلِّ دفعةً واحدةً، ولكن قاتل واحداً، لأن أفكارَ الراهبِ إنما لها رئيسٌ، فاجعل بالَك إلى رئيسِها، ونحوه اجعل قتالَك، فإذا هزمتَ ذلك الفكرَ، فقد انهزمت البقيةُ».
قال شيخٌ: «كما أن الفارسَ إذا خرج للقتالِ لا يهتمُ بأحدٍ من الناسِ، ولا يفكرُ إن كان هذا قد طُعِنَ أم ذاك، أو إن كان هذا قد خلص أو ذاك، وإنما همُّه كلُّه يكون في نفسِه كيف يخلص، هكذا ينبغي أن يكونَ الراهبُ».
عبر راهبٌ براهبٍ، فقال له: «ما هو تمامُ الحكمةِ؟»، فأجابه: «ليس الحكيمُ التامُ هو ذاك الذي يفرحُ بشيءٍ من لذاتِ هذه الدنيا، أو يحزنُ بشيءٍ من مصائبها أو يغتمُّ به، وإنما الحكيمُ التامُ هو ذلك الذي لا تُفرحه السراءُ، ولا تحزنه الضراءُ، بل يكون عارفاً الابتداء، وما يؤول إليه الانتهاءُ».
حدَّثنا أحدُ الآباءِ قائلاً: إني في بعضِ الأوقاتِ كلَّمتُ الإخوةَ كلاماً نافعاً، فغرقوا في النومِ غرقاً، انتهوا فيه إلى أنهم ما استطاعوا أن يحركوا جفونَهم، فأردتُ أنا أن أبينَ فعلَ الشيطانِ، فأوردتُ حديثاً باطلاً، فانتبهوا للوقتِ وفرحوا، فتحسرتُ وقلتُ: «إلى هذا الوقتِ كنا نتكلم في أشياءٍ سماويةٍ، فكانت أعينُكم كلُّكم غارقةً في النومِ، فلما أوردنا أقوالاً باطلةً، قمتم كلُّكم بنشاطٍ، فلهذا أسألكم يا إخوتي، أن تعرفوا فعلَ الشيطانِ الخبيثِ، وتصغوا إلى أنفسِكم، محترسين من النعاسِ، متى علمتم وسمعتم شيئاً روحانياً».
أخبروا عن راهبين قديسين، كانا أخوين وسكنا البرية، فحرص الشيطانُ على أن يُفرِّقَ بينهما، ففي بعضِ الأيامِ أوقدَ الصغيرُ منهما سراجاً ووضعه على منارةٍ، وبحيلةٍ من الشيطانِ وقع السراجُ وانطفأ، فحينئذ حرد الكبيرُ وضربه، فصنع الصغيرُ له مطانيةً، وقال له: «لا تضجر يا أخي، طوِّل روحَك عليَّ، وأنا أوقدها مرةً أخرى»، فلما أبصر الربُّ صبرَ الأخِ، عذَّبَ ذلك الشيطانِ إلى الصباحِ، ثم ذهب ذلك الشيطانُ فأخبرَ رئيسَ الجنِّ بما كان، وكان كاهنُ الأوثانِ، الذي يخدمهم موجوداً، فلما سمع هذا الكلامَ، ترك كلَّ شيءٍ وآمن وترهبَ؛ ومن بدء رهبانيته، كان يستعملُ الاتضاعَ الكاملَ، وكان يقولُ: «إنَّ الاتضاعَ يقدرُ أن يقهرَ ويحلَّ ويُبطلَ كلَّ قوةِ العدو، وقد سمعتهم يقولون بعضُهم لبعضٍ: إنه كلما ألقينا السجسَ بين الرهبانِ، نجدهم يتلقونه بالاتضاعِ، ويعمل بعضُهم لبعضٍ مطانيات، فكانوا بذلك يُبطلونَ قوَّتنا».
أخٌ من الإخوةِ سأل شيخاً وقال: «يا أبتِ أعني فقد أهلكتني أفكارُ الزنى؟»، فقال له الشيخُ: «يا ابني، إن كنتَ تستطيع، فلا تترك الفكرَ يسكن عندك»، قال: «وكيف أستطيع ذلك يا أبتِ؟»، قال: «كلما بدأ الفكرُ، فلا تدعه يصعد إلى دماغك، بل ألحقه بذكرِ الموتِ، وخوفِ الله، واذكر نَتنك، وكيف تصيرُ في القبرِ، لأن هذا الفكرَ الرديء، إن غَلب الإنسانَ يقوده إلى قطعِ الرجاءِ واليأس من الخلاصِ، وكمثل السفينةِ التي تصدمها الأمواجُ، والعواصفُ الشديدةُ، وأهوالُ البحرِ، فإن أنزل عنها قدراً من الرملِ أو مما تحملُ ليخفَّ حملها، فإنها لن تعطبَ سريعاً، بل تسبح، وإن انكسرت قربتُها أو شيءٌ منها، فلا زال لها أملٌ صالحٌ في السلامةِ. أما إن أصيبت بثقبٍ من أسفلِها، وامتلأت ماءً، فقد عطبت. هكذا تكون حالُ الراهبِ، فإنه إن توانى قليلاً في بعضِ الأشياءِ، فهو يؤمل أن يغلبَ بالتوبةِ، أما إن سقطَ دفعةً واحدةً في الزنى، فقد عَطِبَ ويوشِكُ أن يُقادَ إلى اليأسِ في هذا الغرقِ».
قال أحدُ الآباءِ: «إن لم تهزّ الريحُ الشجرةَ، فلن تنشأ لها أغصانٌ، ولن تنمو فروعُها، هكذا الراهبُ إن لم تنله محنٌ، فيصبر شاكراً، فلن يصيرَ متجلداً ولا شجاعاً».
سأل أحدُ الإخوةِ شيخاً وقال: «ما هي فِلاحةُ النفسِ؟»، فقال الشيخُ: «إنَّ فِلاحةَ النفسِ هي السكوتُ، وضبطُ الهوى، وشقاءُ الجسدِ، والصلاةُ الكثيرةُ، والامتناعُ عن معاتبةِ زلاتِ الناسِ، وتأمل الإنسان في هفواتهِ وحده، فمتى ثبت الإنسانُ في هذه الفضائل، فإن نفسَه لا تبطئ في النجاحِ والنمو حتى تثمرَ». ثم سأله الأخُ: «وما هو نجاحُ الراهبِ»؟ فقال: «هو التواضع، لأنه بمقدارِ تواضعه كذلك يكون صعوده إلى علو الفضيلةِ». وسأله كذلك: «كيف تقتني النفسُ الفضيلةَ»؟ فقال: «إذا هي اهتمت بزلاتِها وحدها».
قال أنبا مطايوس: «إن الشيطانَ لا يعرفُ في أيِّ الأوجاعِ تنهزمُ النفسُ، ولكنه يزرعُ، ولا يعلم هل سيحصدُ أم لا؛ إنه يزرع زنىً، ودينونةً، ووقيعةً، وقتلاً، وجميعَ الأوجاعِ والشرِ، فأيُّ وجعٍ يرى النفسَ مائلةً إليه، ففيه يشغلها».
قال قائلٌ من الإخوةِ الرهبان لشيخٍ من الشيوخ: «يا أبي، لستُ أجدُ في قلبي قتالاً»، فقال له: «إنك تُشبه القبةَ المرتفعةَ في وسطِ السوقِ، فكلُّ من أرادَ جازَ تحتها، كذلك قلبك؛ أما إن أغلقتَ بابَ قلبك، ولم تدخله الأفكارُ الرديئةُ، لنظرتَ الأعداءَ يقاتلونك قتالاً شديداً».
سُئل شيخٌ من الرهبانِ: «ما هو الاتضاعُ؟»، فقال: «إنه عملٌ كبيرٌ إلهي، وطريقةٌ متعبةٌ للجسدِ، وأن تَعُدَّ نفسَك خاطئاً، وأقلَ الناسِ كلِّهم»، فقال له الأخُ: «وكيف أكونُ أقلَ الناسِ؟»، أجابه الشيخُ: «ذلك بأن لا تنظرَ إلى خطايا غيرك، بل تنظر إلى خطاياك، كما تسأل الله دائماً أن يرحمَك».
قال أحدُ الإخوةِ لشيخٍ مجرَّبٍ: «قل لي يا أبتاه أمراً واحداً لأحفظَه وأخلصَ به»، فقال له الشيخُ: «إن شُتمتَ فلو أمكنك أن تحتملَ، فذلك من أشرفِ ما يكون»، وقال الشيخُ أيضاً: «كلُّ من استطاع أن يحتملَ محقرةً، أو شتيمةً، أو خسراناً جسدياً، فإنه يخلص».
سأل أخٌ شيخاً: «كيف أعلمُ وأنا في القلايةِ، إن كنتُ قاطعاً لمشيئتي، وكذلك إذا كنتُ بين الناسِ، وما هي مشيئةُ الله، وما هي مشيئةُ الشيطان؟». فأجابه: «أما قطعُ الراهبِ لمشيئته في قلايته، فذلك بتهاونه بالنياح الجَسَدَاني في جميعِ الأحوالِ والأمورِ، أما إذا كان بين الناسِ، فليكن كالميتِ بينهم، أو كالغائبِ عنهم. أما مشيئةُ الله فهي ألا يهلكَ أحدٌ، كما كُتب في الإنجيل، وأن يقبلَ الكلُّ إلى معرفةِ الحقِ، كما قال الرسول بولس؛ وألا يموتَ الإنسانُ وهو خاطئٌ، بل أن يتوبَ ويحيا، كما قال النبي حزقيال، وأما مشيئةُ الشيطان فهي: ثقةُ البارِ بنفسِه، وعدمُ توبةِ الخاطئ عن خطيئتهِ».
قال أنبا إشعياء: «اكتفوا من القوتِ باليسيرِ الحقيرِ، ولا تطيعوا العدوَ في مشورتهِ في الضيافةِ باللذيذ، الكثيرِ، فقد نهى الربُّ (مرثا) تلك التي أضافته عن الاهتمامِ والقلقِ. ولما أضاف الذين تبعوه، لم يُحضر لهم أصنافاً كثيرةً، وإنما أحضر لهم ما كان حاضراً عند أحدِ التلاميذ. تشبهوا أيضاً بالأرملةِ التي أضافت النبي بما وُجد عندها من الخبرِ والماءِ، ولا تشتهوا الإكثارَ من القنيةِ، من أجلِ ضيافةِ الغرباءِ ورحمة المساكين، فإن هذا أيضاً من خداعِ الشياطين، الذي يقود إلى الاشتغالِ بالاهتمامِ، وإلى السُبح الباطل، فاليسيرُ الحاضرُ ممدوحٌ كفلسي الأرملةِ».
سؤال: «بأيِّ فكرٍ يُخرجُ الراهبُ إبليسَ من قلايته».
الجواب: «إنَّ إبليسَ مثل الراقي، فعلى مثال الراقي الذي يُخرج الحيةَ من عشِها بكلامٍ لطيفٍ، فإذا أخذها فإنه يطوفُ بها ويطرحها في شوارع المدينةِ يلاهي بها الناس، حتى إذا شاخت معه، فإما أن يحرقها بالنارِ، أو يغرقها في الماءِ، وعلى هذا المثال يكونُ الراهبُ، إذا سحبته الأفكارُ وترك قلايته».
سؤال: «كيف ينبغي للراهبِ أن يمارسَ خدمتَه في الترتيلِ وتقديرِ الصوم».
الجواب: «سبيلُه أن لا يعملَ شيئاً يزيدُ على المرسومِ، وذلك لأن كثيرينَ أرادوا أن يزيدوا على ما رُسم لهم، فما استطاعوا فيما بعد أن يعملوا حتى ولو أقل منه».
سؤال: «إن ارتابَ فيَّ أخٌ من الرهبانِ، أتؤثرَ أن أسجدَ له سجدةً؟».
الجواب: «اسجد له سجدةً واقطع ذاتك منه، فإن أنبا أرسانيوس قال: أحب الكلَّ وأنت بعيدٌ عن الكلِّ».
سؤال: «ما هي خطية الوقيعة»؟
الجواب: «إن خطيةَ الوقيعة من شأنها أن لا تتركَ صاحبها يحضرُ قدامَ اللهِ، لأنه مكتوبٌ: إني كنتُ أطردُ مَن كان يعاتبُ صديقَه سراً».
سؤال: «إن ألزمني أخٌ أن أشربَ معه قدحاً من النبيذِ في قلايته، فهل جيدٌ لي أن أذهبَ معه؟»
الجواب: «اهرب من شربِ الخمرِ، تَسلم سلامةَ الغزالِ من الأوْهاق (أي من حبل الصياد)، وذلك لأن كثيرين بسببِ هذا الأمرِ، اندفعوا إلى السقوطِ بالأفكارِ».
سؤال: «إني أريد أن أستشهد من أجل اللهِ».
الجواب: «من احتمل رفيقَه في وقتِ الشدةِ فذاك قد أصبح داخل أتون الثلاثة فتية».
سؤال: «ما بال الزنى يؤذي الإنسانَ، ويلح عليه كثيراً»؟
الجواب: «لأن الشيطانَ قد عرف أن الزنى من شأنهِ أن يجعلنا عراةً من الروحِ القدس، واسمع ربنا قائلاً: لا تَثبت روحي في هؤلاء الناس بسببِ كونهم زناةً».
أخٌ من القلالي بلَّ خوصاً، فلما جلس يعمل، قال له فكرُه: «اذهب إلى فلان الشيخ»، فقال هو لفكرِه: «اصبر، سوف تذهب بعد أيامٍ»، فقال له فكره: «فإن متَّ، فكيف تذهب؟ اذهب لتسأله عن الحصادِ»، فرد على فكرهِ: «لما يأتي زمانُ الحصادِ»، كما ردَّ على فكرِه قائلاً: «لما أفرغ من هذا الخوصِ المبلول، سوف أذهبُ». ثم عاد فكرُه وقال له: «الهواء طيبٌ اليومَ»، وإنه من ساعته نهض، وذهب إلى الشيخِ، وكان لهذا الأخِ جارٌ قديس يرى الغيبَ، فلما رآه ذاهباً، صاح به قائلاً: «يا مسبي، ارجع وتعال»، فلما رجع قال له: «ارجع إلى قلايتك»، فحدَّثه بقتالِه كلِّه، وصنع له مطانية، ورجع إلى قلايته، فصاحت الشياطين بصوتٍ عالٍ: «غلبتمونا يا رهبان»، وصارت الحصيرةُ التي كانت تحته تلتهب كلُّها ناراً. ثم بادوا مثل الدخانِ. وهكذا تعلَّم ذلك الأخُ خُبثَ الشياطين وحيلهم من هذا الأمرِ.
قال شيخٌ لأنبا بيمين: «إن رأينا أحدَ الإخوةِ يخطئ، فهل ينبغي لنا أن نبكِتَه»؟ فقال أنبا بيمين: «إني إذا كنتُ ذاهباً لقضاءِ مصلحةٍ ما وعبرتُ عليه ورأيتُه يخطئ، حتى ولو جزتُ بجانبهِ، فما كنتُ أبكته، لأنه، ولو أنه مكتوبٌ: اشهد بما تراه عيناك، ولكني أقول لكم: إن لم تجسُّوا بأيديكم، فلا تشهدوا. لأنه حدث مرةً أن لعبَ الشيطانُ بأحدِ الإخوةِ في هذا الأمرِ، فنظر وإذا إخوة مع امرأةٍ في خطيةٍ، فلما قام عليه القتالُ جداً، لم يصبر، فذهب إليهم وقال لهم: كفى، حتى متى؟ فبغتةً نظرهم تلاليسَ قمحٍ. فمِن أجلِ ذلك أكررُ لكم وأقول: إن لم تجسُّوا بأيديكم، فلا تبكتوا أحداً».
ذهب أخٌ إلى أنبا بيمين وقال له: «ماذا تأمرني أن أفعله؟»، قال له الشيخُ: «كن صديقاً لمن يحكي عنك بالشرِّ، وهكذا تجيز أيامك بنياحٍ».
قال أنبا زوسيما: إني بينما كنتُ في الدير بمدينةِ صور، جاءنا رجلٌ شيخٌ فاضلٌ. وبينما كنا نقرأ فصولاً مما قاله الشيوخُ، لأن الطوباوي كان يحبُ قراءتها دائماً، ولذلك استثمر منها الفضيلةَ. فاتفق أننا وصلنا في قراءتِنا إلى خبرِ ذلك الشيخ الذي طرقه اللصوصُ وقالوا له: «جئنا لنأخذ جميعَ ما في قلايتك»، فقال لهم: «خذوا ما شئتم أيها الأولاد»، فلما أخذوا جميعَ ما وجدوه مضوْا بعد أن نسوا مخلاةً، فأخذها الشيخُ وجرى وراءهم صارخاً قائلاً: «أيها البنون خذوا مني ما قد نسيتموه في القلاية». فتعجبوا من سذاجة الشيخِ، وأعادوا إليه سائرَ ما أخذوه، وندموا قائلين بعضُهم لبعضٍ: «بالحقيقيةِ إن هذا الإنسانَ رجلُ اللهِ». ففي قراءتنا هذا الفصل، قال لي الشيخُ: «هل علمتَ يا أبانا أن هذا الفصل قد نفعني منفعةً كبيرةً»؟ فقلتُ: «وكيف نفعك أيها الأب»؟ فقال لي: «لما كنتُ في نواحي الأردن قرأتُه وعجبتُ من الشيخ، وقلت في نفسي: يا ربُّ أهلني لأن أسلكَ في سبيلِه، يا من أهلتني لأن ألبسَ زيَّه. ولما كان هذا بشوقٍ مني، فقد حدث بعد يومين أن طرقَ بابي لصوصٌ، فلما قرعوا البابَ، وعلمت أنهم لصوصٌ، قلتُ في نفسي: المجدُ للربِّ والمنة منه. ها قد جاءني الوقتُ لأظهرَ ثمرةَ شوقي. ففتحتُ لهم واستقبلتُهم ببشاشةِ. وأوقدت السراجَ وبدأتُ أقولُ لهم: لا تُقلقوا ثقتي بالله، إني سوف لا أخفي عنكم شيئاً، فقالوا لي: ألك ذهبٌ؟ قلتُ نعم، لديَّ ثلاثة دنانير. وفتحت القفةَ قدامهم، فأخذوا وانصرفوا بسلامٍ».
أما أنا فقد تباحثتُ مع الشيخِ وقلتُ له: «ألم يعودوا كأولئك الذين طرقوا ذلك الشيخ»؟ فقال بسرعةٍ: «لا يغفل اللهُ عن ذلك. لأني ولا هذا اشتهيتُ، أعني رجوعهم»، وقال: «ها شوق الشيخ. فماذا منحه وماذا أعطاه؟ إنه ليس فقط لم يحزن، ولكنه يفرح بالحري كمن استحق هذه الموهبة». وقال دفعاتٍ كثيرةٍ: «إننا في أمسِّ الحاجةِ إلى استيقاظٍ كثيرٍ، وعقلٍ غزيرٍ، نلقى به فنون الشيطان، لأنه يسببِ لنا الانزعاج من لا شيء، ودفعاتٍ بسبب حجةٍ واجبةٍ، كمن قد حَرَدَ بسببٍ واجبٍ في موضعهِ، فهذا الأمرُ غريبٌ جداً، وأجنبيٌ عن المشتاقين إلى سلوكِ طريقِ اللهِ، حسبما يقول القديس مقاريوس، إذ قال: الحَرَد غريبٌ عن طبقةِ الرهبان، كما أن حزنَ الأخِ أيضاً، غريبٌ عن طريقةِ الرهبانِ».
وقال: «إنني في وقتٍ ما، استحسنتُ مصحفاً (أي إنجيلاً) عند أحدِ النساخِ، الذي كان ماهراً (في النسخِ)، وبعد أن فرغ من نسخهِ، أرسل إليَّ يقول لي: ها قد فرغتُ من نسخهِ، متى تشاء أن أُرسله لتأخذَه؟ فلما سمع أحدُ الإخوةِ ذلك، مضى باسمي إلى الناسخِ، ودفع له دنانير عن نسخهِ وأخذه، ولم أكن أنا عارفاً بذلك، فأرسلتُ أخاً من إخوتي ومعه دنانير، وكتبتُ إلى الناسخِ ليسلِّمَه المصحفَ، فلما تحقق الناسخُ أنه قد لَعب به وخدعه، ذاك الذي سبق فأخذه، انزعج لذلك، وقال: ها أنا ماضٍ إليه لأوبخَه أولاً، لأنه غرَّر بي، وأخذ ما ليس له. فلما سمعتُ بذلك، أرسلتُ إليه أقولُ له: أنت تعلم يا أخي أننا نقتني المصاحفَ كي نتعلمَ منها المسكنةَ، والمحبةَ، والوداعةَ، فإذا كانت فاتحةُ اقتناءِ المصاحف بحردٍ وخصومةٍ، فلستُ أريد اقتناءَه، ولن أحاربَ أحداً، ولن أخاصمه بسبب ذلك، لأن الخصومةَ والمنازعةَ لا تليقُ بعبيد اللهِ، وها أنا قد طرحتُ عني أمرَ هذا المصحفِ، فلا تُقلق الأخَ بسببه بالكليةِ. ولما تذكرتُ حالَ الشيخِ الذي كان الأخُ جارهُ يسرق ما يجده له، وأنه علم ذلك ولم يوبِّخه، بل صار يعمل أزيدَ من رسمِه الأول قائلاً: ربما يكون الأخُ محتاجاً، تعجبتُ من تحنن القديسين، وتذكرتُ الشيخَ الذي سُرقت آنيته، ولما وجدها في قلايةِ الأخ، احتشم الشيخُ، واختفى إلى أن خبأها الأخ وسترها. ولما ضُبط الأخُ من الوالي، مضى الشيخُ ولاطفَ الوالي، حتى أخرجه من الحبسِ».
وقيل عن هذا الشيخِ أيضاً، إنه مضى وقتاً ما إلى السوقِ ليبتاعَ له ثوباً، فدفع ثمنَه ديناراً واحداً، وأخذه ووضعه تحته، إلى أن يتمم عددَ الدراهم الباقية من ثمنِه، ثم بعد السدادِ يلبسه، فعبر به من أراد أخذ الثوبَ، وأحسَّ الشيخُ بذلك، فتحنن على آخذِه، وتنحى في جلستهِ قليلاً عن الثوبِ الذي تحته، حتى أخذ الثوبَ ومضى، وما وبَّخه الشيخُ على ذلك.
وقال الطوباوي: «كم كانت تضحيته بالأوعيةِ التي تضيع أو الثوب؟ ولكن مروءته كانت عظيمةً، لأنه أظهر بما فعله، أنها في حالِ كونها له، كانت كأنها ليست له، وكذلك لما أُخذت منه، بقي غيرَ مغمومٍ عليها، ولم ينزعج لضياعها، لذلك أقول: ليس امتلاكنا الشيءَ مؤذياً، ولكن ميلنا وانصبابنا إلى امتلاكه، هو المؤذي، فمثل هذا، لو كان له كلُّ العالمِ، لكان حالُه كحالِ من لم يمتلكه، لأنه أظهر بتصرفِه، أنه معتوقٌ من كلِّ الأشياءِ».
وقال: «إن الشياطينَ متى رأوا إنساناً غيرَ مائلٍ، ولا منصبٍ إلى الأمورِ، فلا يحزن لفقدِها، حينئذ يعلمون أن هذا الإنسانَ الذي صفتُه هكذا، يمشي على الأرضِ، وليس له هوىً أرضي، وذلك يرجع إلى الميولِ والحركاتِ الخاصة بالنياتِ والإرادات، لأنه يمكن لإرادةٍ وحركةٍ صادرةٍ عن نيةٍ واحدةٍ، إذا كانت شديدةَ الحرارةِ، أن تُقدِمَ لله في ساعةٍ واحدةٍ، ما لا تقدمه حركةُ نيةٍ أخرى في خمسين سنةً».
وقال الطوباوي أيضاً: إن إنساناً أخبره بأنه كان له معلمٌ وديعٌ جداً، وقال إنه لعظمِ فضيلتهِ، والآيات التي كان يعملها، اعتقدتْ فيه تلك الكورةِ إنه ملاكُ اللهِ، فدخل عدوُنا في وقتٍ ما في أحدِ الناسِ، وجاء إليه وشتمه شتيمةً كثيرةً، في غايةِ القبحِ، بمشهدٍ من الكلِّ، والشيخُ ناظرٌ إلى فمِ شاتمه لا غير، وقال له: «إن نعمةَ اللهِ على فمِك يا أخي»، فأجابه ذاك: «يا أيها الشيخُ الرديء، يا من كلُّ شيبتِه تقولُ هكذا، حتى متى تتصنع بذلك أمامَ الناسِ»؟ فقال له الشيخُ: «بالحقيقةِ يا أخي، ما تقوله هو حقٌ». وبعد ذلك سأله سائلٌ: «الآن، أما انزعجتَ يا راهب»؟ فقال: «لا، بل كنتُ أحسُ في نفسي أن الله يسترها». وكان هذا الطوباوي يقول مراراً كثيرةً: «ما قد عرفنا نحن البشريين لا المحبةَ ولا الإكرامَ، بل قد ضيعنا عقولَنا، لأنه لو احتمل الإنسانُ أخاه قليلاً وقت حردِهِ وغضبهِ، ثم عاد بعد قليلٍ إلى نفسِه، وعرف كيف احتمله أخوه، فإنه يضع نفسَه من أجلِه».
وقال أيضاً: «إنه يجب على الإنسانِ أن يشكرَ هؤلاء، ويعتقد فيهم، إن كان ذا ألمٍ وانفعالٍ، كأطباءٍ يداوون جراح نفسِه؛ وإن كان عديمَ الانفعالِ والألمِ، إنهم محسنون يسببون له مُلك السماواتِ».
وسئل أيضاً: «كيف السبيل للإنسانِ كي لا يحرد وقت شتمِهِ وتعييره من بعضِ الناسِ»؟ فقال: «إن ازدرى الإنسانُ بنفسِه وحقَّرها فلن يقلقَ ولن يضطربَ، وذلك حسبما قال القديس بيمين: إن ازدريتَ بنفسِك وحقَّرتها، فقد أرحتَ نفسَك ونيحتها».
وقال أيضاً: في بعضِ الأوقاتِ جاءني أحدُ الإخوةِ الآخذين منه الإسكيمَ، وكنتُ ألاطفه، لأنه كان من الشبان المترفين، فقال لي: «يا معلم، إني أحبك»، فقلتُ له: «إني لم أجد بعدُ من يحبني كما أحبه، أنت قلتَ إنك تحبني، وصدقتُ قولَك، ولكنك إن عرضَ لك مني أمرٌ لا تريده، فإنك سوف لا تَثبت على ما أنت عليه الآنَ، أما أنا فلا يغيرني عن المحبةِ عارضٌ ما». وحَدَثَ، بعد أن عبرَ زمانٌ يسيرٌ، أن انفصل مني، وصار يسبُّني كثيراً، ويقول عليَّ أقوالاً قبيحةً، وكانت تبلغني، فكنتُ أقول لمن يخبرني هذا الكلام: «إنه إنما يقول بما رأى من شروري التي كانت ظاهرةً له، أما قبائحي الخفية فلا يُحصى عددُها».
وبعد زمانٍ، التقي بي في قيصرية، وسلَّم عليَّ كعادتِه، أما أنا فقبلته ببشاشةٍ، كأن لم يبدُ لي منه قبيحٌ، أما هو فسجد لي وقال: «يا معلم، من أجلِ الربِّ اغفر لي، فقد تقولتُ عليك بمثالب رديئةٍ كثيرةٍ»، فقلت له بطلاقةِ وجه: «هل تذكر محبتك عندما قلتَ لي إنني أحبك كثيراً؟ وقلتُ لك وقتئذ: إني ما وجدتُ من يحبني كما أحبه، وليتحقق قلبُك أنه ما خفي عني ما قلتَه، ولمن قلتَه، وفي أيِّ وقتٍ قلتَه، وإن أردتَ قلتُه لك، ولم تقل شيئاً إلا وسمعتُه، كما هو، كما قيل، ولم يقنعني أيُّ مقنعٍ أن أقولَ فيك قولاً رديئاً، ولم أترك ذِكركَ في صلواتي، ولكي تعلم صحةِ محبتي لك، فقد حدث لي في بعضِ الأوقاتِ، أن أوجعتني عيناي وجعاً شديداً، فصليتُ وأنا منكبٌّ على وجهي وقلتُ: يا ربي يسوع المسيح اشفني بصلواتِ الأخِ فلان، وفي الحالِ شُفيت»، هذا هو جميعُ ما قلتُه للأخِ.
وقال أيضاً: علامةُ طرحِ العالمِ هي عدم اضطراب الإنسان بشيءٍ من أمورهِ، وقد يوجد إنسانٌ يتهاون بمالٍ كثيرٍ، ولكن بسببِ إبرةٍ ولمحبته لها، ينزعج بما لا يزعجه ضياع جملة أموالٍ كثيرةٍ، وتقوم له تلك الإبرةُ مقامَ بدرة (أي وثن) فيتعبد لها بأكثرِ مما يتعبد للإسكيم الكبير، فمَن هذه صورته، ليس عبداً لله، وأنعم بما قاله أحدُ الفلاسفة: «إذا كان عددُ مواليك كعددِ أسقامِ نفسِك، فكفى بذلك شقاءً لها وبؤساً». وقد قال بطرس الرسول: «فما انقهر له الإنسان، فله يكون عبداً». وقال أيضاً: «إن النفسَ تريد الخلاص، لكن لمحبتها الأشياء الباطلة وانشغالها بها، تهرب من الأتعاب، أما الوصايا الحقيقية فإنها تحفظها متثاقلةً بخلاف السيئات التي هي رديئة وخبيثة».
وقال أيضاً: إنّ قائلاً قال لي: «يا معلم، إن الوصايا التي أُمرنا بها كثيرةٌ، وربما يظلم عقلي، فلا أدري أيها أحفظُ»؟ فقلتُ له: «لا يزعجك هذا، لكن اعلم أنك متى كان لك عدم تأسف على الأشياءِ، فقد سهل عليك إحكام الفضيلةِ، فلا تعتني بالأمورِ البشريةِ، لتُعتق من العالمِ».
 

من أقوال الأب الروحاني المعروف بالشيخ «تعليم للمبتدئين» 7 Sayings of spiritual father, known as Sheikh



من أقوال الأب الروحاني المعروف بالشيخ
«تعليم للمبتدئين» 7

 
من أقوالِ مار إسحق: «برُّ المسيحِ عَتَقَنا من برِّ العدالةِ، وبالإيمان باسمِهِ تخلَّصنا بالنعمةِ مجاناً بالتوبةِ. لا تثبت مع أيِّ فكرٍ كان، حتى ولو كان حقيراً، لئلا تتأسسَ فيك عاداته، واضطرارُ العادةِ يجعلُك عبداً لذاك الألم. المتوحدُ الذي يخدمُ الآلامَ، هو تلميذٌ للآلامِ، واضطرار عادة معلمِهِ، تغصبه ليكونَ كمثلِ معلمهِ بغير إرادتِهِ، حسب الكلمةِ السيدية. كلُّ ملكٍ ولو أنه حقيرٌ، لكنه فاتكٌ في بلدِهِ وقويٌ، وكلُّ ألمٍ ولو أنه حقيرٌ، ولكن في بلدِهِ يُظهر سلطانَه. العاداتُ تشجعُ الآلامَ، والأعمالُ تؤسِّسُ الفضيلةَ. سلاحُ الآلامِ والفضائلِ هو تغيير العوائد والخاصيات، فالعوائدُ تطلبُ ما يُقدم لها، وهي رباطاتُ النفسِ، وبالسهولةِ تقتنيها وبصعوبةٍ تنحلُّ منها.
إن الآلام والفضائلَ التي لم تؤسَّس بالاعتيادِ مدةً من الزمنِ، فهي كالشجاع العاري من سلاحِه. لا تترك عادةً تتأسس فيك، وتزيدُ الأفكارَ بغير قيامٍ، لئلا تتجدد فيك الآلامُ التي قد هدأت قليلاً. الأنواعُ والعوائدُ التي قد عتَّقت في الإنسانِ، تُكَمِّل له موضعَ الطبعِ. كلُّ عادةٍ إذا سلَّمتَ لها باختيارِك، تجد لها في الآخرِ سيداً، تسير قدامه مضطراً بغير اختيارك. الهذيذُ بأمورٍ كثيرةٍ، غذاءٌ للنفسِ، سواءً كان صالحاً أم طالحاً أم خليطاً منهما. الهذيذُ بالواحدِ هو الانحلالُ من الكلِّ، والانحلالُ من الكلِّ هو الارتباطُ بالواحدِ. الطبعُ المخلوقُ الميال، إذا بَطُل من العملِ اليميني، لا يثبت هادئاً، بل يرجع إلى الأمورِ اليسارية. البطّالُ من الاهتمام بالفضيلةِ، والتسير بها، بتخيل الخطيةِ يهذي. ذاك الذي لا يريد أن يعملَ البرَّ، فيضطر أن يفعلَ أفعالَ الإثمِ».
وقال أيضاً: «الإنسانُ الذي يُغصبُ ذاتَه دائماً، ليتدبَّر بمقتضى حكم النيةِ، لن يخطئَ بلا توبةٍ. من كان ضميرُه دائماً يهذي بالصالحاتِ، لا ينظرُ إلى نقائصِ قريبَه. الذي يُعَوِّد لسانَه ليقولَ الصالحات على الأخيارِ والأشرارِ، يملكُ السلامُ في قلبهِ سريعاً. الذي فَرَشَ مراحمَه بلا تمييزٍ على الصالحين والأشرارِ، بالشفقةِ، فقد تشبِّه باللهِ. الذي يُبغضُ صورةَ اللهِ، لا يمكن أن يكونَ محبوباً من اللهِ.
من يغلبُ دائماً خُلُقَ مشيئتهِ، فهو مجاهدٌ نشيطٌ، والنعمةُ تفعلُ به بزيادةٍ. الذي يُحكَمُ عليه مرةً ويُلام من نيتهِ، ولا يُقوِّم نوعَ عوائدِه، ترتفع منه النعمةُ ويُترك في التجاربِ ويتبهدل. الذي قد أحسَّ بالراحةِ التي من محقرةِ الذات، أخيَر من الذي وجدَ تكريماً من تاجِ المملكةِ. الذي قد ضُرِبَ بحبِ المديحِ والكرامةِ من الناسِ، ليس لجُرحهِ شفاءٌ، حتى ولو كان بأعمالِ سيرتهِ يقوِّم كثيرين، ففي العالمِ المزمعِ، يكون تدبيرُ سيرتِه مبكِّتاً له بعذابِ الجحيمِ. من كانت في كلِّ وقتٍ طرقُ سيرتِهِ منحلةً، فإن ضميرَه بعيدٌ من الإله، ومن كان قلبُه غيرَ منسحقٍ، وغيرَ محزونٍ، فلن يُعتقَ من الطياشةِ. من زلَّ وأخطأ، وعرف سببَ مرضِهِ، فإنه بسهولةٍ يُشفى بالتوبةِ.
الذي يُصوِّم فمهَ من الغذاءِ، ولا يُصوِّم قلبَه من الحنقِ والحقدِ، ولسانُه في الأباطيلِ، فصومُه باطلٌ، لأن صومَ اللسانِ، أخيَر من صومِ الفمِ، وصومُ القلبِ، أخيَر من صومِ الاثنينِ. من لا ينشقُّ قلبُه بالتحسرِ والتنهدِ، وهو فارغ من صلاةِ الدموعِ، وعادمٌ من القراءةِ، فهو سائرٌ في التيه، لأنه إذا أخطأ فلن يحسَّ. إنَّ الذي يمزجُ قراءته بالتدابيرِ والصلاةِ، يُعتقُ من الطياشةِ.
قوتُ الجسدِ المآكلُ، وغذاءُ النفسِ الكلامُ والحكايات. وكما أن شَرَه كثرةِ الحكايات، هو رغبةُ النفسِ، هكذا السكوتُ هو ثمرةُ الحكمةِ المزمعةِ. من يزيل من ضميرِه هفوات قريبه، يزرع السلامَ في قلبهِ. الساذجُ الحكيمُ باللهِ، أخيَر من الفهيم الغاش بضميرِه. الذي استعبد بطنَه ولسانَه، أخيَر من الذي استعبد الأسدَ. والذي قَمَعَ الكلمةَ في قلبهِ، أخيَر من الذي طَمَرَ وزنتَه في الأرضِ. الإنسانُ العادمُ من الصلاةِ، ويجادلُ على الفضائلِ، لا فرقَ بينه وبين الأعمى العادم النورِ، ويجادلُ على حُسنِ الفصوصِ الكريمةِ، والألوان الكثيرةِ. الذي يماحك قبالةَ التأديبِ تبعد عنه المراحم الأبويةِ. الذي يتذمَّر مقابل التجاربِ، تتضاعف عليه. الذي لا يتأدب ههنا، ويمقت التجاربَ، يتعذَّب هناك بلا رحمةٍ. العادم من الأصدقاءِ المغرورين، عادمٌ من الضنكِ. من يصالحُ نفسَه، أخيَر ممن يصالح شعوباً، وهو مُغضَبٌ منقسمٌ على ذاته.
كما أنه لا يمكن أن تتعلمَ الصنائعَ من حكمةِ الكلامِ، هكذا لا يمكن أن تتعلمَ الفضائلَ التي للسيرةِ من قراءة الكتبِ وحِدَّةِ الحركات ودِقة الفهم، من دونِ تجربةٍ طويلةٍ بذواتنا، نستطيع بهما احتمال فلاحة الأعمالِ. أبله يصنع صناعة البحريةِ من ذاته، أخيَر من عارفٍ يتعلم سيرةَ الروحِ من أسطرِ الكتبِ، وبالتسليم من آخرين، من غير تجربةٍ محكمةٍ بذاته. الذي يعمل التوبة ويفلح في النسكِ بل وفي ممارسةِ الأعمالِ والفضائلِ، ولكنه يتكل على برِّه، لا على النعمةِ، فهذا لا فرقَ بينه وبين من يجمع حجارةً (ليفرقها). هناك مَن صومُهُ أبعَدَه من الحقِّ، وآخر بنسكه، وآخر بتجرده، وآخر بسهره، وآخر بعمله، وآخر بصدقتِه، وآخر باحتماله، وآخر بكمال أعماله الإلهية، وكم نريد أن نقول، لأن ربنا جزم: بأنه من دوني لا تقدرون أن تعملوا شيئاً، أي بالهدوء وتواضع القلبِ اللذين بهما أنا غلبتُ العالمِ».
قال شيخٌ: «لا تطلب حوائجَ كثيرةً، لأنك عاهدت المسيحَ أن تعيشَ معه بالفقرِ، لأن المسيحَ هو حياةُ النفسِ، وكلُّ من اقتناه في قلبهِ وفي فكرِه وكلِّ تصرفاته بامتدادِ عقله إليه، فهو ذاك الذي ينجحُ في سيرةِ هذا العمرِ، وينال الحياةَ التي لا تزول».
وقال أيضاً: «من يخافُ من مرضِ الجسدِ، فهو عادمُ الفضيلةِ، وإذا عُتِقَ بالكمالِ من الآلام، فحينئذ يسيُر بغيرِ مانعٍ. القلبُ النقي ينظرُ كلَّ الناسِ أطهاراً، وهو وحده النجس. كن ملازماً للمشايخ الروحانيين، وتعلَّم سيرتهم وابعُد عن الأحداث والصبيان. أحبَّ السهر فإنه ينقي العقلَ، ولا تظن في نفسِك، أنك تنالُ سيرةً فاضلةً، أو خلاصاً لنفسِك بغير تعبٍ. لا تضعف عن مقاومةِ التجارب التي توافيك، بل اطلب من اللهِ المعونةَ. قد سمعنا اللهَ يقول: أنا معكم فلا تجزعوا، ومن ذلك تحققنا أنه ليس بقوتِنا نقاتِلُ، بل بقوةِ اللهِ الذي ألبسنا سلاحَ الظفر وأعطانا الروحَ القدس.
الضجرُ إنما يعرض لنا من أن خوفَ اللهِ لم ينغرس بعدُ في فكرنا، ولم ننسَ إلى الآن أكلَ خبزِنا من صوتِ تنهدنا. فحبُّ الجسدِ، لا يدع عقولنَا تسيُر إلى فوق. إذا لم تتحرك الأوجاعُ على الإنسانِ، فلن يكونَ مجرَّباً. النسيانُ هو هلاكُ النفوسِ، وقد يكون من التهاونِ. تحفَّظ من النظرِ والحديثِ، لأنهما أسبابُ الخطيةِ. النوحُ يغسلُ الخطايا، وبتعبٍ كثيرٍ يصلُ الإنسانُ إليه، إذ لا يأتي البكاءُ إلا بكثرةِ الهذيذ، وبِذكرِ الموت، والدينونةِ المرهوبة، والعذابِ الدهري، وأن تكفرَ بنفسِك وتقطعَ هواك وتحمل الصليبَ».
من أقوالِ أنبا برصنوفيوس: «كلُّ شيءٍ من أمورِ العالمِ هو فانٍ وليس بشيءٍ، فاسبق وصوِّر الله بين عينيك، وكن حريصاً في أن تتوبَ، لأن زمانَك في هذا العالمِ قليلٌ. كن وديعاً بقلبك واذكر الخروفَ الوديعَ وكم صبر، ورغم أنه لم تكن له خطيةٌ، لكنه احتملَ الشتمَ والضربَ وسائرَ الأوجاعِ حتى الموت. اتعب وجاهد ليبعدَ عنك الغضبُ والحردُ بمعونةِ اللهِ الحق، إلهك المسيح الذي أحبك له المجد دائماً إلى الأبدِ آمين».
وقال أيضاً: لا تنم يا أخي، لئلا يفوتك القائل: «هو ذا الختن قد أقبل، اخرجن للقائِه». وكيف تستطيع أن تقول في ذلك الوقتِ إني مشغولٌ، وهو قد صيَّرك بلا همٍّ، ولكنك تلقي بنفسِك في الهمومِ، فلن ينتظرك الزمانُ لتنوحَ على خطاياك. انتقل بفكرِك من هذا العالمِ البطال إلى العتيد. اترك الأرضيات واطلب السماويات. مت بالكمالِ لكي تحيا بالتمامِ بالمسيح يسوع ربنا. كلُّ من لا يحتمل المحقرةَ والتبكيتَ والإهانةَ، فإن الإنسانَ العتيقَ لا زال حياً فيه بعد. إن أردتَ أن تتلذذَ بنِعمِ اللهِ، احرص بكلِّ جهدِك على أن تُبعدَ عنك كلَّ لذةٍ جسديةٍ. إنسانٌ ساكتٌ، يجبُ عليه ألا يحسبَ نفسَه شيئاً. إن زلَّ الجاهلُ في كلامِه فهو معذورٌ من الكلِّ، وإن زلَّ الراهبُ فلن يقدرَ أحدٌ أن يعذرَه.
من أقوال الأنبا أوغريس: «من يقول إنه قد اقتنى فضيلةً بغيرِ جهادٍ، فهو إلى الآن ممسوكٌ في الآلامِ، لأن شرَّ الأعداءِ هو قبالة أتعابِ الفضيلةِ، والقلبُ الذي ليس به قتالٌ، ليست فيه فضيلةٌ ولا شجاعةٌ. وكما أنَّ الإنسانَ البراني يعملُ شغلَ اليدِ كي لا يحتاج، هكذا الجواني يعملُ لئلا يثقل العقل، لأن الأفكارَ إذا وجدت النفسَ بطالةً من تذكارِ اللهِ، حينئذ يُذكِّرونها بالأفعالِ الرديئةِ. الوديعُ ولو صنعوا به الشرَّ، فلن يتخلى من المحبةِ. الذي ليس فيه قنيةٌ، له حياة بلا اهتمامٍ، أما المحبُ القنية، فله تنغيصٌ في قلبهِ، الذي هو الاهتمام.
لا تنسَ أنك أخطأت، حتى ولو أنك قد تُبتَ، بل اجعل النوحَ وتذكارَ الخطيةِ اتضاعاً لك، لكي بالاتضاعِ تتقي الكبرياءَ. اختم بابَ أتعابك بالصمتِ، لئلا يقلعه اللسانُ، فينتج المجدُ الفارغ الذي ينزعها. كما أنك تُخفي خطاياك عن الناسِ، كذلك أخفِ أتعابك أيضاً، فإن كنتَ للهِ وحده تُظهرُ نقائصَك، فلماذا تُظهرُ للناسِ تلك الأتعابَ التي تصنعها لأجلها، بقلةِ رأيٍ. ممدوحٌ هو الإنسانُ الذي يربطُ النسكَ بالفهمِ، لكي تُروى النفسُ من هذين النوعين، وتُظهر النسك بقتلِ الاعضاءِ التي على الأرضِ، أعني: الزنى والنجاسة والأغراض الشريرة. إنَّ من كان همُّه في تذكارِ الموتِ، فذلك يهديه بخوفِ اللهِ. الذي يجمعُ كلامَ الكتبِ المقدسة إلى قلبه، يُلقي الأفكارَ براحةٍ، لأننا نحتاجُ إلى أتعابٍ كثيرةٍ لكي نقطعَ كمالَ الأفكارِ».
قيل عن أنبا يحنس الذي كان من أسيوط، إنه أقام ثلاثين سنةً في مغارةٍ، ضابطاً السكوت، والبابُ مختومٌ عليه، وكانوا يعطونه حاجتَه من طاقةٍ، والذين كانوا يأتون إليه، كان يكتب لهم ويعزيهم. فحدث مرةً أنَّ أربعةَ لصوصٍ نظروا كثرةَ الجموعِ التي كانت تأتي إليه، لأنَّ اللهَ قد منحه موهبةَ الشفاءِ، فظنوا أن عنده أموالاً في مغارتِهِ، فأتوه بالليلِ لينقبوا بابَ المغارةِ، فضُربوا بالعمى جميعاً، وبقوا هكذا واقفين خارج المغارةِ إلى الصباحِ، حيث أتى الناسُ وأمسكوا بهم، وأرادوا أن يسلموهم للوالي فيقتلَهم، فتكلم معهم القديس قائلاً: «إن لم تتركوا هؤلاء الناس، فنعمةُ الشفاءِ تذهب عني»، فتركوهم، وهذه هي الكلمةُ الوحيدةُ التي خرجت من فمهِ خلال مدةِ الثلاثين سنةً.
قال أخٌ لشيخٍ: «أجيدٌ هو أن أُمَجِدَ أخي؟»، فقال له الشيخُ: «إنَّ السكوتَ أفضل». ثم قال له: «لو أنك ملأتَ جرةً بحشراتٍ ضارةٍ، وسددتَ فوهتها، ألا تموت جميعُها؟ ولكنك لو تركتَ فوهتها مفتوحةً، فإن الحشراتَ سوف تخرجُ وتضرُّ من تصادفه، هكذا الذي يسكتُ، فجميعُ الأفكارِ الرديئةِ التي داخل قلبه تموتُ».
قال شيخٌ: «إنَّ اللسانَ مملوءٌ ناراً، وهو يُدنسُ جميعَ الجسدِ، فالذي يحبُ حياتَه، فليشفق على لسانِه، احرس شَفَتيك يا رجل الله، والجم لسانك كي تنتفعَ بجميعِ أتعابك، فالذي يحفظ لسانه، له كراماتٌ كثيرةٌ، فطوبى لمن يسود على لسانهِ، فإنَّ أهراءَه تمتلئ من الخيراتِ».
حدَّثوا عن عذراءٍ حرةٍ عفيفةٍ هادئةٍ في منزلها، فأحبها شابٌ رديءٌ، ولم يكن يكف عن الترددِ على منزلها، فلما شعرت العذراءُ بتردده وقتاله، شقَّ ذلك عليها جداً وحزنت. فحدث في يومٍ من الأيامِ أنه جاء كعادتِهِ يدقُّ البابَ، وكانت العذراءُ حينئذ جالسةً على المنسج، فلما علمت أنه هو الذي يدقُّ على البابِ، خرجت إليه ومعها كركدنها (أي مخرازها)، وقالت له: «ما الذي يأتي بك إلى ههنا يا إنسان؟». فقال لها: «هواكِ يا سيدتي». فقالت: «وما الذي تهواه مني؟»، فقال لها: «عيناك فتنتاني، وإذا أبصرتُك يلتهبُ قلبي»، فجعلت مخرازها في إحدى عينيها، وقلعتها بصرامةٍ ورمتها له، وشرعت في قلعِ الأخرى، فأسرع الشابُ وأمسك بيدها، فدخلت إلى منزلِها وأغلقت بابَها. فلما رأى الشابُّ أن عينها قد قُلعت حزن جداً، وندم على ما كان منه، وخرج إلى البريةِ من ساعته وترهب.
قيل إنه لما نُهبَ بيتُ المقدس، وقعت عذراءٌ راهبةٌ شابة جميلة في قسمِ أحدِ الفرسان، الذي أراد إفسادها. فقالت له: «تمهَّل قليلاً لأن بيدي مهنةً تعلمتُها من العذارى، ولا تصلح لعملِها إلا عذراء، وإلا فلا نفع لها». فقال لها: «وما هي؟»، فقالت له: «هي دُهنٌ، إذا دُهِنَ به إنسانٌ، فلن يؤثرَ فيه لا سيفٌ ولا أيُّ نوعٍ من الأسلحةِ البتة، وأنت تحتاجُ إلى ذلك، لأنك في كلِّ وقتٍ تخرجُ للحربِ». فقال لها: «وكيف أتحقق ذلك؟»، فأخذت زيتاً ووجَّهت إليه الكلامَ قائلةً: «ادهن رقبتَك، وأعطني السيفَ كي أضربَك به». فقال لها: «لا، بل ادهني أنتِ رقبتَكِ أولاً، وأنا أضربُ بالسيفِ»، فأجابته إلى ذلك ببشاشةٍ، وأسرعت فدهنت رقبتَها وقالت: «اضرب بكلِّ قوتِك». فاستلَّ سيفَه، وكان ماضياً جداً، ومدت القديسةُ رقبتَها، وضربَ بكلِّ قوةٍ، فتدحرج رأسُها على الأرضِ، ورضيت عروسُ المسيحِ أن تموتَ بالسيفِ، ولا تدنس بتوليتها. فحزن الفارسُ جداً، وبكى بكاءً عظيماً، إذ قتلَ مثلَ هذه الصورةَ الحسنة، وعرف أنها خدعته لتفلتَ من الدنسِ وفعل الخطيةِ.

من أقوال الأب الروحاني المعروف بالشيخ «تعليم للمبتدئين» 5




من أقوال الأب الروحاني المعروف بالشيخ
«تعليم للمبتدئين» 5

 
سأل أخٌ شيخاً: «لماذا أضجر في قلايتي؟»، فقال له: «ذلك لأنك لم تحس بعد بنعيمِ القديسين وعذابِ الخطاة، ولو عرفتَ ذلك لصرتَ بلا ضجرٍ حتى ولو كنتَ منغمساً في الدودِ والنتِن في قلايتك لحد حلقك، لأن قوماً بسببِ ضجرِهم يتمنون الموتَ، ولا يعلمون شدةَ الصعوبةِ عند ملاقاة الله مع خروجِ القضيةِ اللازمةِ عليهم، وشدة العقوبةِ الحالةِ بالخطاةِ».
قال راهبٌ لشيخٍ: «لي ثلاثونَ سنةً لم آكل لحماً». فأجابه الشيخُ: «وهل لك ثلاثون سنةً لم تخرج من فمِك لعنةٌ، تلك التي نهانا اللهُ عنها؟». فلما سمع الأخُ ذلك قال: «بالحقيقةِ هذه هي العبادة المرضية لله».
قال القديس مكسيموس: «من غلبَ الحنجرةَ فقد غلبَ كلَّ الأوجاعِ، ومن أحكمَ الاتضاعَ، فقد أحكم كلَّ الفضائلِ».
قال أنبا إشعياء: «ينبغي للراهبِ أن يقتني له مخافةَ اللهِ، وما دامت ليست فيه مخافةُ اللهِ، فهو بعيدٌ من رحمةِ اللهِ، فإذا كان يميلُ إلى الخطيةِ ويستأنس بها، فليعلم أن مخافةَ اللهِ ليست فيه».
قال أنبا بيمين: «الإنسانُ يحتاج إلى خوف الله كمثل احتياجه إلى نسمته ليتنفسَ بها».
قال إقليمس: «من لا يجد في نفسِه خوفَ اللهِ، فليعلم أن نفسَه ميتةٌ».
قال مكسيموس: «الخوفُ الإلهي هو غايةِ اهتمام الإنسانِ بأن لا يقعَ في عقوبةِ الآخرةِ بسببِ خطاياه».
سأل أخٌ شيخاً: «يا أبي إني أشتهي أن أحفظَ قلبي». فقال له الشيخُ: «كيف يمكنك أن تحفظَ قلبَكَ، وفمُكَ، الذي هو بابُ القلبِ، مفتوحٌ سائبٌ».
كذلك سأل أخٌ شيخاً: «كيف يخلص الإنسانُ؟»، فقال له: «يخلص الإنسانُ بالاتضاعِ، لأنه كلما وضع الإنسانُ نفسَه إلى أسفل، ارتفع إلى فوق ومشى إلى قدام».
قال شيخٌ: «لا يوجد أنتن من الإنسانِ الخاطئ، لا الخنزير ولا الكلب ولا الضبع، لأن هذه بهائمٌ وقد حفظت رتبتها، أما الإنسانُ الذي خُلق على صورةِ الله ومثالِه، فإنه لم يحفظ طقسَه. فالويل للنفس التي اعتادت الخطيةَ، فإنها مثل الكلبِ الذي اعتاد زهومات الجزارين، وقاذوراتهم، فهو يُضرب ويُطرد، فإذا تخلى قليلاً، عاد ثانيةً إلى الزهوماتِ، ولا يزال كذلك حتى يُقتل».
قال القديس إبيفانيوس عند خروجِ نفسِه: «لا تحبوا متاعَ الدنيا فتستريحون وتفرحون في الآخرةِ، تحفَّظوا من لذَّات العالمِ، فلا يقوى عليكم وجعُ الشيطانِ، تحفَّظوا بأفكارِكم، لأنه ربما يكون الجسدُ هادئاً ولكن الأفكارَ تهتم بالأمورِ الباطلةِ. أيقظوا قلوبَكم بذِكرِ الله، فتخف قتالاتُ الأعداءِ عنكم».
قال شيخٌ: «ليست الحاجةُ إلى كثرةِ الكلامِ، لأن كثرةَ الكلامِ غريزةٌ في الناسِ، وإنما الحاجةُ ماسةٌ إلى العملِ».
وقال آخر: «إذا كان للراهبِ كلامٌ بغيرِ عملٍ، فإنه يشبه شجرةً مورقةً لا ثمرَ فيها، أما من له كلامٌ وعملٌ، فهو مثلُ شجرةٍ مورقةٍ مثمرةٍ».
أبصر شيخٌ أحدَ الإخوةِ يضحك، فقال له: «لا تضحك يا أخي: وإلا بعدت عنك الطوبى التي أعطاها الربُّ للحزانى».
سأل أخٌ شيخاً: «كيف أخلص؟»، فقال له الشيخُ: «هو ذا أنا مصورٌ لك دِين اللهِ، وأريك إياه: أنت تقول ارحمني، فيقول لك ارحم أخاك وأنا أرحمك؛ وإن قلتَ له اغفر لي، يقول لك اغفر لأخيك وأن أغفرَ لك؛ ألست ترى أن العلةَ هي منا؟».
قال شيخٌ: «سمجٌ هو بالراهبِ إن شتمه أخوه أو أهانه ألا يكون تاماً في محبتهِ له قبل أن يلقاه».
سأل أخٌ الأنبا مقاريوس الكبير قائلاً: «قل لي كلمةً للمنفعةِ»، قال له: «اجلس في قلايتك، ولا تكن بينك وبين أحدٍ خلطةٌ، وابكِ على خطاياك، وأنت تخلص».
قال شيخٌ: «أرفعُ الصلاحِ كلِّه أن يمسكَ الإنسانُ بطنه ولسانه».
وقال آخر: «احرص أن تقلعَ هذا العشبَ الذي هو التواني، قبل أن يصيرَ غابةً».
في أثناءِ جهادِ الأسقف أنبا كيرادوس لما كان يُعذَّب على اسمِ المسيحِ، قال مثلاً: «إن الأرضَ التي تُشقَّق بالسكةِ، وتقلَّع بالمحراثِ، تثمر ثمراً مضاعفاً، كذلك الجسدُ إذا انكسر وانحل بالتعبِ، حينئذ ينبت للنفسِ أجنحةٌ، وتتعالى إلى المسيحِ الذي قُتل من أجلها، وهي حاملةٌ ثمرَهُ مائة ضعف».
قال أحدُ القديسين: «النفس تشتهي أن تخلصَ، إلا أنها مشتبكةٌ بالأشياء الباطلةِ، وعند اشتغالها بالأمور الدنياوية، يصعب عليها تعبُ الآخرة، حتى أنها لا تقدرُ حتى على أن تُصلِّب على وجهها بغيِر طياشةٍ. فصلاة كهذه، ليست لها قوةٌ فعالةٌ، ولكنها قد صارت عادةً».
قال أنبا أوغريس: «مهما أراده الإنسانُ، بلا شك يشتهيه، وما يشتهيه، يجهد نفسَه حتى يقتنيه. فإذا اقتناه، فقد أكمل الشهوةَ، وإذا أكمل الشهوةَ فقد أرضى جميعَ حواسِه ولذذها، وكلُّ من ليست فيه شهوةٌ حسنةٌ، فهو جرنٌ للأوجاعِ».
قيل عن تلميذٍ كان مع أبيه في زمانِ قتلِ المؤمنين، فأراد أبوه هذا أن يُجرِّبَ فكرَه، فقال له: «يا ابني لعلك تشاء أن تصيرَ شهيداً فاذهب». وكان الأخُ يهوى ذلك، ولكنه لم يُطع هواه فيذهب، بل قال للشيخِ: «يا أبي، حتى ولو صرتُ فوق رتبةِ الشهداءِ، لكن بركتَك لي كلَّ يوم أفضل». فلما نظر الله إيمانَه في شيخهِ، جعل صوتاً يقول له: «لأجل إيمانِك في أبيك، ها أنا أحسبُك في مجمعِ الشهداء وطقسِ القديسين».
سأل أخٌ شيخاً: «يا أبي، إن لي خمساً وعشرين سنةً أخدمُ فيها شيخاً، ولكنه قد ثقُل عليَّ الآن، لذلك فإني أريدُ أن أتركَه». فقال له الشيخُ: «هو ذا قد صار لك خمسٌ وعشرون سنةً تحت شجرةِ الحياةِ، وأنت تأكل من ثمرِها، وتريد الآن أن تأكلَ من الزوانِ، إذا كنتَ تريد ترك الشيخ. لأن شجرةَ الحياة التي بها تعيش، هي كلمةُ اللهِ التي تسمعها من أبيك، والزوان هو أفكارُ إبليس، تلك التي إذا قبلتها، تجعلك غريباً من شجرةِ الحياةِ».
قيل عن أخٍ: إنه كان تحت طاعةِ شيخٍ، فأقام ثمانيَ وعشرينَ سنةً يخدمه ولم يُغضبه يوماً واحداً ولا عصي له أمراً. وأخيراً، تدبَّر له إبليس في ضميرٍ رديء وقال له: «إن أباك خاطئٌ، ولن تخلصَ على يديه». فلما أقنعه، مضى وسكن في قلايةٍ وحده. وفي كمالِ ثلاثة أيامٍ مات وأخذوه إلى العذابِ، فسأل الشيخُ اللهَ من أجلِهِ، إن كان قد وجدَ رحمةً أم لا، فعرف بواسطةِ ملاكٍ أنه قد أُلقيَ في العذابِ، فسأل الشيخُ اللهَ قائلاً: «يا سيدي، لا تضيع تعبي فيه من أجلِ هذه الثلاثة أيامٍ». فقال له الملاكُ: «إن هذه الثماني والعشرين سنة التي خدمك فيها، كان يؤمن بك فيها، ولكنه الآن أطاع الشيطانَ وافترق منك وأقامَ هذه الثلاثة أيام معادياً لك في قلبهِ، فلما أخذه اللهُ، أصاب العداوةَ فيه، من أجلِ هذا، ألقاه في العذابِ».
قال أنبا مقاريوس: «نفسُ الإنسانِ غير الكامل في الفضائلِ نجدها نقيةً كالشمسِ من قبل أن تلحقه كلمةٌ رديئةٌ، فإذا سمع كلمةً رديئةً أو نميمةً، للوقت تغطي الشياطين على عقلِه، وتحجب عنه النورَ، وتصيِّره شقياً، بسبب أن نفسَه متزعزعةٌ، وفضائلَه ناقصةٌ».
قال أنبا أبرام: ساعةُ الموتِ مرهوبةٌ، وهي تأتي على الإنسانِ مثل الفخِ، حينئذ يلحق النفسَ ندمٌ عظيمٌ، وتقول: «كيف جُزتُ أيامي وأنا مشغولةٌ بالأعمالِ الفارغة التي لا منفعةَ فيها»؟
قال أنبا بيمين: «إذا أخذ الإنسانُ حيةً ووضعها في قارورةٍ، وغطى فمها، فإنها تموتُ، هكذا الأفكارُ الرديئةُ، إذا قامت على الإنسانِ فالصبرُ والجهادُ يهلكانها».
أخان ذهبا إلى مدينةٍ ليبيعا شغلَ أيديهما، فلما دخلا المدينةَ، افترقا بعضُهما عن بعضٍ بحيلةٍ من إبليس، فوقع أحدُهما في الخطيةِ، ولما فرغا من شغلِهما، التقيا، فقال الذي لم يخطئ للآخرِ: «هيا بنا نمضي إلى الديرِ»، فقال ذاك: «لستُ أريدُ المضي الآن». فلما سمع أخوه ذلك انزعج وقال له: «لماذا لا تريد المضي الآن؟»، فأجابه: «إني لما افترقتُ عنك وقعتُ في الخطيةِ». فأراد أخوه أن يربحَ نفسَه، فقال له: «أما أنت فلم تبقَ عليك خطيةٌ لأنك اعترفت بخطيئتك، وأما أنا، فإني وقعتُ في الخطيةِ، ومن عظمِ الكبرياءِ، امتنعتُ عن أن أقولَ لك، ولكن امضِ بنا إلى الديرِ لنطلبَ التوبةَ». فأتيا إلى الديرِ ومضيا إلى الشيوخِ، وأعلماهم بما أصابهما، وطلبا التوبةَ، فوُضع عليهما قانونٌ متعبٌ، وكان الأخُ الذي لم يخطئ، يصنع القانونَ ويقول: «هذا التعب ليس لي فيه شيءٌ، بل احسبه يا ربُّ بدلاً من خطيةِ أخي». فلما نظرَ اللهُ محبتَه، وما يقاسيه من التعبِ عنه، كشفَ لأحدِ الشيوخِ أمرهما، وقيل له في الرؤيا: «من أجلِ محبةِ الأخِ الذي لم يخطئ، غفر اللهُ للذي أخطأ».
عُملت في بعضِ القلالي أغابي، وتفسيرُها المحبة، وتقال بلغة القبط إفراشي، وتفسيرها الفرح، وجلسوا يأكلونَ، وكان بينهم أخٌ لا يأكلُ طبيخاً، فقال أحدُ الإخوةِ للخادمِ: «إنَّ ههنا أخاً لا يأكلُ طبيخاً قط، وهو يريدُ قليلاً من الماءِ والملح». فرفع الخادمُ صوتَه ونادى خادماً آخرَ وقال له: «إن الأخَ فلان لا يأكلُ طبيخاً، فأحضر له قليلاً من الماءِ والملح». فقام أحدُ الشيوخِ عن المائدةِ وقال له: «لقد كان خيرٌ لك لو جلستَ في قلايتك وأكلتَ لحماً، من أن تَصدر عنك هذه القضيةَ هكذا على رؤوس الملأ».
قال أحدُ الإخوةِ لقومٍ من الرهبانِ: «هل رأيتم قط أكذَبَ من شقوتي؟»، قالوا: «وما السبب؟»، قال لهم: «إذا أنا وقفتُ أصلي فإني أرفعُ يدي ونظري إلى فوق وأبكي وأقول إنه يسمعَ الطلبةَ ويرحم البكاءَ؛ وفي الوقتِ الذي أخطئ فيه، أقول: إنه لا يراني، وبهذا السببِ نَبَتَ عندي كذبٌ نفسي».
كان لأحدِ المتوحدين في البريةِ خديمٌ علماني يبيع له عملَ يديه، ويُحضر له ما يحتاجه، وكان في المدينةِ بالقربِ منه رجلٌ غنيٌ جداً، ولكنه كان مذمومَ الطريقِ، قليلَ الرحمةِ. وفي أحدِ الأيامِ، سار العلماني إلى المدينةِ كعادتِه ليبيعَ شُغلَ المتوحدِ، فوجدَ جنازةً عظيمةً، والأسقف يتقدمها، وجماعةُ الكهنةِ وكلُّ أهلِ المدينةِ، فاستخبرَ عن ميتِ تلك الجنازةِ، فقيل له إنه فلان الغني كبيرُ المدينةِ، فمشى مع الجنازةِ إلى القبرِ، وكان معهم شموعٌ وبخورٌ بكمياتٍ كبيرةٍ، فعجب لذلك. وبعد أن رجع، أخذ حاجةَ المتوحدِ ومضى إليه، فوجده ملقىً على وجههِ ميتاً، والضبعة تجرُّه من رجليه، فبكى بكاءً مراً، وألقى بنفسِه على الأرضِ وقال: «إني لن أقومَ حتى تعرِّفني هذا الحكمَ، فذلك الغني القليل الرحمةِ، كان له كلُّ ذلك المجدِ والكرامةِ في موتِه، وهذا المتوحدُ الذي لم يزل متعبداً لك ليلاً ونهاراً، تخرجه هذه الضبعةُ هكذا وتجرُّه من رجليه»؟! وفيما هو يقولُ ذلك، ظهر له ملاكٌ قائلاً: «ومن أنت حتى تعارضَ الربَّ وتُعيبَ حكمَه، ولكن لأجلِ تعبك مع هذا المتوحد القديس، وخدمتك له، ها أنا أعرِّفك السببَ. إنَّ ذلك الغني مع قلةِ خيرِهِ، وقلةِ رحمتهِ، فقد عَمِلَ في عمرِهِ كلِّه حسنةً واحدةً مع الأسقفِ، والربُّ ليس بظالمٍ، فأراد أن يعوِّضه عنها في هذه الدنيا، حتى لا يكون له عنده شيءٌ؛ أما هذا المتوحد القديس، فقد كانت له زَلَّةٌ صغيرةٌ، صنعها في كلِّ عمرِهِ، فجوزي عنها ههنا بهذه الميتة، حتى يكونَ قدام اللهِ نقياً»، فنهضَ الرجلُ شاكراً اللهَ، قائلاً: «عادلةٌ هي أحكامك».
من أقوالِ مار أفرام: يا أخي تفكَّر بأنَّ ربواتَ الأقوال نهايتها السكوت، محبُ السكوتِ لا يتألم بشيءٍ من أمورِ الدنيا. أحب الناسَ يا من لا يحبُّ شيئاً لما هو للناسِ. أيها الحبيب اتخذ الصمتَ، فإنه يريحك من أدناسٍ كثيرةٍ، اقطع بحكمةٍ الأحاديثَ الضارةَ، ليكون الإنسانُ الباطن حسناً. إذا رأيتَ نفسَك منصدة عن الأقوال الإلهيةِ، متهاونةً بالمواعظِ الروحانيةِ، وتحب الخلطةَ ومحادثةَ الناسِ، فاعلم أن نفسَك قد سقطت في مرضٍ رديءٍ، فاحرص أن تجعل حديثَك مع الربِّ وحده، اسقِ نفسَك المياه الإلهية فتزهر، وتثمر ثمرَ العدلِ.
بدءُ الصالحات وكمالها هو حدُّ الاتضاعِ بمعرفةٍ حقيقيةٍ، لأن المعرفةَ مقترنةٌ بالمتواضع، الإنسانُ مصنَّفٌ من نفسٍ وجسدٍ، إن لم يستعمل الجسدُ خبزاً فلن يعيشَ، كذلك النفسُ إن لم تتغذَّ بالصلاةِ والمعرفةِ الروحانيةِ، فهي مائتةٌ.
إذا ضُربَ البوقُ يستعدُ الجيشُ للحربِ، ولكن في أوانِ الجهادِ، لا يكونُ الكلُّ محاربين، كثيرون رهبانٌ بزيهم، وقليلون هم المجاهدون. في وقتِ التجربةِ يظهرُ تدريبُ الراهبِ وخبرته. الطبيبُ الحاذقُ، من تجربةِ الآلام صار مدرَّباً. يا أخي في كافةِ أعمالِك تذكَّر أواخرك فلا تخطئ أبداً.
من يُكثر أقوالَه، يُكثر لنفسِه الخصومات والبغضاء، ومن يحفظ فمَه يُحَبُّ. إن أحببتَ الصمتَ، ستقطعُ سفينةُ حياتِك مسيرَها بسكوتٍ. إن تهاونتَ بالأشياءِ الباليةِ، تنال الأشياءَ التي لا تبلى. ليكن عقلُنا إلى فوق، لأننا بعد مدةٍ يسيرةٍ ننصرفُ من ههنا، فالأشياءُ التي جمعناها، لمن تكون؟ بغير طينٍ لا يُبنى البرجُ، وبغيرِ معرفةٍ لا تقومُ فضيلةٌ. مَسكُ البطنِ وصيانةُ اللسانِ، ولجامُ العينين، هي طهارةٌ للجسدِ. فإن أمسكتَ بطنَك، وصُنتَ لسانَك، ولم تحفظ ناظريْكَ ألاَّ يطمحا، فلستَ ممسكاً بالطهارةِ بالكاملِ. بمقدارِ ما للتواني من مضارٍ، بمقدارِ ما للتيقظِ من منافع تسبب كلَّ صلاحٍ، لأن المتيقظَ في كلِّ حينٍ، ذِكرُ اللهِ حاضرٌ عنده، وحيثما يتلو ذِكرَ الله، تكفُّ كلُّ أفعالِ الخبيثِ.
مثلُ الماءِ للسمكِ، هكذا السكوتُ للراهبِ، بتواضعِ لبٍّ ومحبةٍ. ومن يشاءُ أن يعيشَ في كلِّ موضعٍ عيشةً سلاميةً، فلا يطلب نياحَه، بل نياحَ رفيقِه بالربِّ، فيجدَ النياحَ. إن شئتَ ألا تخطئَ، احفظ مخافةَ اللهِ. ليخطر ببالِك أن القديسينَ كلَّهم بمكابدةِ الآلام، أرضوا اللهَ. لأن الأحزانَ والمحن هي موافقةٌ للإنسانِ، لأنها تجعلُ النفسَ مختبرةً وصلبةً منتظرةً بإيمانٍ لا ارتيابَ فيه، الفداءَ من لدن المسيح ورحمته. الراهبُ العاجزُ لا ينفعُ لا لذاتِه، ولا لقريبهِ، وغيرُ العاجزِ يستنهضُ المتوانين جداً إلى الفضيلةِ.
تفهَّم يا أخي أنَّ من أجلِك أَقبلَ من السماء الإلهُ الأعلى والأقدس، ليرفعكَ من الأرضِ إلى السماءِ. مغبوطٌ في ذلك اليومِ، الذي قد حرص من ههنا، كي يوجَدَ مستحقاً لتلك السعادةِ، وإذ أنه لا يمكن أن تُباعَ الأدويةُ السماويةُ والقدسيةُ، لأن ما لها ثمنٌ، ولكن بالدموعِ توهبُ للكلِّ. تُرى مَن لا يعجب ومن لا يُذهل، من لا يبارك كثرةَ تحننِك أيها المخلص لنفوسِنا، لأنك ارتضيتَ أن تأخذَ الدموعَ عوض أشفيتك، فيا لقوةِ الدموعِ! إلى أين بلغتِ؟! حتى إنكِ تدخلين إلى السماءِ بمجاهرةٍ كثيرةٍ بلا مانعٍ، وتأخذين طلباتك من الإله الأقدسِ.
يا أخي، أحضر إلى ذهنِك النارَ التي لا تُطفأ والدودَ الذي لا يموت، ففي الحالِ يَخمُد التهابُ الأعضاءِ، لئلا تسترخي وتُغلب، وتدركك نارُ حزنِ الندامةِ، وتعتادَ أن تخطئَ فتندم. اقتنِ صرامةً منذ الابتداءِ مقابل كلِّ شهوةٍ، لئلا تُغلب لها، ولا تتعود الهزيمةَ في الحربِ، لأن العادةَ طبيعةٌ ثانيةٌ، لأن اعتياد الهزيمةِ لا يُبيِّن أن هناك صرامةً وشهامةً، بل كلُّ حينٍ يبني وينقض، وفي كلِّ وقتٍ يُخطئ ويندم. أيها الحبيب، إن اعتدتَ أن تتراخى إن قوتلتَ، فسوف يكونُ تسطيرُ كتابةِ ندامتِك لا يُمحى إلى الأبدِ. من اعتادَ أن يُغلب لبعضِ الشهواتِ، فذاك يصيرُ موبَّخاً كلَّ وقتٍ من ضميرِه، فتحرز بكلِّ نفسِك من الخطرِ، حاوياً في ذاتِك المسيحَ في كلِّ وقتٍ، لأن المسيحَ هو للنفسِ حلاوةٌ لا تموت، فله المجد إلى الأبدِ آمين.