الاثنين، 21 مايو 2012










,مادام قلبك مع الله فلا تتأثر بمديح أو بمذمة بل مجد الله في الحالتين معا’


أبونا ميخائيل البحيري






الأنبا مقاريوس الكبير



الأنبا مقاريوس الكبير
الأنبا مقاريوس الكبير
قال القديس مقاريوس الكبير: «إذا أقدمتَ على الصلاةِ فاحرص أن تكون ثابتاً لئلا تسلِّم إناءَك بيدِ أعدائك. لأنهم يشتهون اختطاف آنيتك التي هي أشواقُ نفسِك، وهي الأشواق الصالحة التي يجب أن تخدم بها الله نهاراً وليلاً. لأن الله لا يطلب أن تمجِّدَه بشفتيك فقط بينما تطيش أفكارُك بأباطيل العالم، لكنه يريد ألا توقف نفسَك أمامه وأفكارك تنظر إليه بدون التفات».
وقال أيضاً: «إن طولَ الروح هو صبر، والصبر هو الغلبة، والغلبة هي الحياة، والحياة هي الملكوت، والملكوت هو الله سبحانه وتعالى. البئرُ عميقةٌ ولكن ماءها طيبٌ عذب. الباب ضيقٌ والطريقُ كربةٌ ولكن المدينةَ مملوءةٌ فرحاً وسروراً. البرجُ شامخٌ حصينٌ، ولكن داخله كنوزاً جليلة. الصومُ ثقيل صعب لكنه يوصل إلى ملكوت السماوات. فِعلُ الصلاحِ عسيرٌ شاق، ولكنه ينجي من النار برحمة ربِنا الذي له المجد».
وقال أيضاً: «ضع همَّك كلَّه في أن تطلب الله وأن تنجو من أيدي أعدائك. فالآن يا رجل الله إن وضعتَ في قلبك أن تقتني الوحدةَ فهيئ ذاتك لها، واصبر على المسكنةِ فإن الوحدةَ والمسكنةَ عظيمتان وليس شيءٌ من المواهب يساويهما في القدرِ والكرامة، لأنهما يقرِّبان إلى الله. كما لا تُحصى المواهب الموجودة داخلهما لأنهما يسودان جميعَ الفضائل. وهما في وسط جميع المواهب يتلألآن لأنهما مصدر أعمال القديسين، وجميعُ القديسين وجدوا الله فيهما وكُشفت لهم الأفكار فوهبهم الله قلوباً نقية وهم في المسكنةِ والوحدةِ جياعاً عطاشى. هؤلاء الذين لم يستحقهم العالم. تائهين في البراري والقفار والمغارات وشقوق الأرض. هؤلاء الذين لهم هذه الشهادة الجليلة، قد وجدوا الله في الوحدةِ وبالمسكنةِ والصبر، لأن مجدَ الوحدةِ غيرُ محدودٍ ورجاءَها وفرحَها هو اللهُ، وهي العزاءُ في الفقرِ والمسكنة. غذاؤها الصبر وخدمتها الكاملة هي الطهارة وفرحها هو الاتضاع. هي التي لا يُفسدها سوسٌ ولا يتدنس لها ثوبٌ لأنها ساكنةٌ في الطهارةِ».
سأل أخٌ الأب مقاريوس عن الوحدةِ، فأجاب الشيخُ وقال: «إن كنتَ تريد السكنى في الوحدةِ فاصبر لها ولا تؤدي عملك يوماً في الداخل ويوماً في الخارج، ولكن تصبر لها باتضاعٍ والله الصالح يؤازرك. لا توجِد سبباً للخروج عن الوحدةِ حتى ولو ليومٍ واحدٍ. بل اثبت في مسكنك لتذوق حلاوتها. ولا تبطئ خارجاً لئلا تجذبَ إليك المضادَ وتتجدد عليك أتعابُك وتُحرم من الصبر. لا تبطئ خارج قلايتك لئلا تجد أتعابك قدامك عند رجوعك، فتتعب جداً في حربك ويصعُب انتصارُك. يا رجل الله حتى متى تدوم لك هذه الأتعاب. اصبر للمسكنة، وعزاءُ الوحدةِ يأتيك من قِبل الله، لا تضيِّع يوماً واحداً لك ونعمةُ الوحدةِ وحلاوةُ المسكنةِ تصيران لك عزاءً ويعطيك الله سعادةً في مسكنِك».
وسأله أخٌ مرةً قائلاً: «ماذا أصنعُ يا أبي والأفكارُ توعز إليَّ بأن أمضي وأفتقد المرضى فإن هذه هي الوصية». أجابه الشيخُ قائلاً: «إن كلمة النبوة لا تسقط أبداً، فإنه يقول: جيدٌ للرجل أن يحملَ النيرَ منذ صباه ويجلس وحده صامتاً. أما قول ربنا يسوع المسيح: كنتُ مريضاً فزرتموني، فقد قاله لعامة الناس. وإني أقول لك يا أخي: إن الجلوسَ في القلاية أفضلُ من افتقاد المرضى، لأنه يأتي زمانٌ يُضحك فيه على سكان القلالي فتتم كلمة البار أنطونيوس إذ قال: يجيء زمانٌ يُجنُّ فيه جميعُ الناسِ. وإذا أبصروا واحداً لم يُجنّ يذيعون عنه بأنه مجنونٌ لأنه لا يشبههم. وإني أقول لك يا ولدي: إن موسى النبي العظيم لو لم يبتعد من مخالطةِ الناس ومحادثاتهم ويدخل في الضبابِ وحده، لما تسلَّم لوحي العهد المكتوبين بإصبع الله».
وقال أيضاً: «كمثلِ إنسانٍ إذا دخل إلى الحمامِ إن لم يخلع ثيابَه لا ينعم بالاستحمامِ، كذلك الإنسانُ الذي أقدم إلى الرهبنةِ ولم يتعرَّ أولاً من كلِّ اهتمامِ العالم وجميعِ شهواتهِ وملذَّاتهِ، فلن يستطيعَ أن يصيرَ راهباً ولن يبلغَ حدَّ الفضيلةِ. ولن يمكنه كذلك أن يقفَ قبالة جميع سهامِ العدو التي هي شهوات النفس».
وقال أيضاً: «كمثلِ الحديد الذي إذا طرحتَه في النار يصيرُ أبيضَ ويتنقَّى من الشوائبِ، كذلك النفس إذا ما حلَّ فيها الروحُ القدس المعزي وسكن فيها فإنها تصير نقيةً كالملح متلألئة ببياض الفضيلة، فتنسى الأرضيات وتشتاق إلى السماويات، وتوجد في كل وقتٍ سكرانةً بالإلهيات شغوفةً بالعلويات. وذلك من أجلِ نقاوتها وطهارتها حتى يظن الإنسانُ أنه قد انتقل من هذا العالمِ إلى الحياةِ الأبدية بربنا يسوع المسيح، ويرى الجزاءَ الكاملَ العادلَ العتيد أن يكون للأبرارِ والخطاةِ في الدهرِ الآتي الذي لن يزولَ الدائم إلى الأبد».
وقال أيضاً: «كما أن المطرَ إذا سقط على الأرضِ تنبتُُ وتُنتج الثمارَ، وفي ذلك راحةٌ وفرحٌ للناس، كذلك الدموع إذا ما وقعت على قلبٍ أثمرت ثماراً روحانية وراحةً للنفسِ والجسدِ معاً».
وقال أيضاً: «ليس شيءٌ يعلو على خوفِ الله. لأنه يسود على كل شيءٍ. فبخوفِ الله يحيدُ كلُّ إنسانٍ عن كلِّ الشرور. فلنقتنِ لنا هذا، ولنبتعدْ عن كلِّ ما لا يريدهُ الله. ولنصنعْ كلَّ ما يُرضيه ونحفظه. ولا نصنع شيئاً يغضبه. ولنعلم أيضاً أن كلَّ ما نعمله عريانٌ ومكشوفٌ لديه ولا تخفى عليه خافيةٌ».
وقال أيضاً: «إن النفسَ لها استطاعةٌ أن تنظرَ إلى الله في كلِّ حينٍ، فتوجِد لها دالةً عند سيدها، لأنها حينئذ يكون لها قدرةٌ على ذلك، لذلك فلنحرص بكلِّ قوتنا ألا نحيدَ عن خوفِ الله ولا نتعبد للأوجاعِ».
وقال أيضاً: «يجبُ على الراهبِ أن يكونَ في سكونٍ في كلِّ حين ولا يسمع لأفكارِه التي توعز إليه بكثرةِ الكلامِ الذي يُضعف النفسَ، بل ليمسك عن الكلام حتى ولو نظر أناساً يضحكون أو يتحدثون بكلامٍ لا منفعة له وذلك لجهلِهم. لأن الراهبَ الحقيقي يجب أن يتحفظ من لسانِه كما هو مكتوبٌ في المزمور: اللهم اجعل لفمي حافظاً وعلى شفتيَّ ستراً حصيناً. فالراهب الذي يسلك هكذا لا يعثر أبداً بلسانِه، ولكنه يصبح إلهاً على الأرضِ».
وقال أيضاً: «كما أن الماءَ إذا سُلِّط على النارِ يُطفئها ويغسل كلَّ ما أكلته، كذلك أيضاً التوبةُ التي وهبها لنا الربُّ يسوع تغسلُ جميعَ الخطايا والأوجاع والشهوات التي للنفسِ والجسدِ معاً».

مديح القديسه ريتا..Praise of St. Rita



مديح القديسه ريتا

•فى اول كلامى........ و بداية صلاتى....... ارنــــم بفمى......... للقديسة ريتا

*امدح فى القديسة ..... و سيرتها النفيسة...... للمسيح عروسة...... القديسة ريتا .

*ابويك مسيحيين.......... فى خوف اللة سالكين...... طائعين و محبين.... القديسة ريتا

*امك كانت عاقر.......... و ابوكى كان شاكر........ فى حياتة كان صابر.... . القديسة ريتا

*طلبت امك بدموع........ يزورها الرب يسوع........ و نداها كان مسموع...... القديسة ريتا

*رات ملاك بليل.......... بشرها بدليل .......... من عمانــوئيل ........ القديسة ريتا

*ستحملين طفلة............ من رب القدرة ........عظيمة و عجيبة..... القديسة ريتا

*فى النهار اتعمدت........ و الخلاص نالت........ و البركة اخذت ........ القديسة ريتا

*فى يوم من الايام.......... نحل كثير بتمام ...... يقطر عسل بسلام....... القديسة ريتا

*ربوك على الايمان....... و محبة الديان........... و جحد الشيطان........ القديسة ريتا

*طلبوا يجوزوكى..... و انتى نذرة لابوكى....... يرهبنوكى........... القديسة ريتا

*طلب فرديناندى.......... يدكى من ابويكى...... و كان شاب قاسى..... القديسة ريتا.

*عشتى فى عذابات........ و ضرب و تجريحات...... و قسوة واهانات....القديسة ريتا

*صليتى من اجلة........... ان يهدية ربة............... و يغير طبيعتة...... القديسة ريتا

*رجعتية للمسيح........ فى صلاة مع تسابيح....... وتوبة بصحيح......... القديسة ريتا

*اولادك انتقلوا ............ للسماء رحلوا........مع يسوع سكنوا.......... القديسة ريتا

*و بقيتى وحيدة ...... بالنعمة فريدة..........فى التقوى مزيدة...... القديسة ريتا

*و سمعتى صوت قالك....... يا ريتا انظرى حولك.... اخرجى من دارك... القديسة ريتا

*فرأت القديسين......... يوحنا و اغسطين..... و نيقولا الامين.... القديسة ريتــا

*اخذوكى الى الدير.... و اندهشوا منك كتير..... عشتى حياة الخير... القديسة ريتـــا

*حاربوكى الشياطين......هزمتيهم بيقين........ بايمانك طول السنين.. القديسة ريتـــا

*طلبت منك رئيسة.... تسقى زرعة يابسة .... فى الارض مغروسة ....القديسة ريتــا

* العود اصبح كرمة...... بصلاة ام الرحمة....بتواضعها نمى........ القديسة ريتـــا

* طلبت ألام المسيح.....من يسوع المسيح.... بدموع و تسبيح.... القديسة ريتـــا

* نظرتى الى صليبة.... و شوك على جبينة.... ومسامير فى يدة.... القديسة ريتــــا

* طلبتى الامــــة........ و تذوقى جراحاتة.... وتحيى صفاتة..... القديسة ريتــــا

*ظهرلك يسوع البار........ اتى بالانوار............. مع ست الابكار....... القديسة ريتـــا

*قالك يوم الرحيل............بعد وقت قليل........ بعلامة و دليل......... القديسة ريتــــا

*و ساعة انتقالك.... قلتى لالهك.... خذنى لملكوتك... القديسة ريتـــا

*جسدك لم يراة السوس.. حياتك ربحت نفوس. و سكنتى فى الفردوس. القديسة ريتــــا.

* يا شفيعة الصعوبات........المشاكل و الازمات.. اذكرينا فى الصلوات.... القديسة ريتـــا

* اطلبى للمسيحيين .....الهنا كل حين.........يرحمنا اجمعين ........... القديسة ريتـــا

الأنبا زكريا..Bishop Zakaria



الأنبا زكريا
الأنبا زكريا
كان لرجلٍ اسمه قاريون ولدٌ صغير اسمه زكريا، هذا أتى إلى الإسقيط وترهب به ومعه ابنه. وقد ربى ابنه هناك وعلَّمه بما ينبغي. وكان الصبيُ جميلَ الخلقةِ وحسنَ الصورةِ جداً. فلما شبَّ حدث بسبِبه تذمرٌ بين الرهبان. فلما سمع الوالدُ بذلك قال لابنِه: «يا زكريا هيا بنا نمضي من ها هنا لأن الآباءَ قد تذمروا بسببك». فأجاب الصبيُ أباه قائلاً: «يا أبي إن الكلَّ ها هنا يعرفون أني ابنك، ولكن إن مضينا إلى مكانٍ آخر فلن يقولوا إني ابنك». فقال الوالد: «هيا بنا يا ابني نمضي الآن فإن الآباء يتذمرون بسببنا». وفعلاً قاما ومضيا إلى الصعيد، وأقاما في قلاية، فحدث سجسٌ كذلك. فقام الاثنان ومضيا إلى الإسقيط ثانية. فلما أقاما أياماً عاد السجسُ عينُه في أمرِ الصبي. فلما رأى زكريا ذلك مضى إلى غدير ماءٍ معدني (كبريتي) وخلع ملابسَه وغطس في ذلك الماءِ حتى أنفِهِ. وأقام غاطساً هكذا عدة ساعات حسب طاقتِه، فلأجل صِغرِ سنِه ونعومةِ جسمِه أصبح جسمُه كلُّه منفّخاً، فتشوَّه وتغيرت ملامحُه. فلما لبس ثيابَه وجاء إلى والدهِ لم يتعرف به إلا بصعوبةٍ. وحدث أن مضى بعد ذلك إلى الكنيسةِ لتناول الأسرار فعرفه القس إيسيذوروس، وعندما رآه هكذا تعجَّب مما فعله وقال: «إن زكريا الصبي جاء في الأحد الماضي وتقرَّب على أنه إنسانٌ، أما الآن فقد صار شبه ملاكٍ».
قال مار أفرآم: «إن كانت لك صداقةٌ مع أحدِ الإخوة وانتابتك مضرةٌ بسبب مخالطتك إياه، فأسرع واقطع نفسَك منه، ولستُ أقول لك هكذا أيها الحبيب لتبغضَ الناس، كلا، وإنما لتقطع أسبابَ الرذيلةِ».
وقال أيضاً: «من الخطرِ أن يتواجد صبيٌ في ديرٍ على نظامِ الشركةِ لا سيما إذا كان في هذا الوسط عدمُ ترتيبٍ».
قال أنبا بيمين: «أيُّ راهبٍ يقيمُ مع صبي وتعرَّض بسببهِ لآلامِ الإنسان العتيق، ثم يستمرُ بعد ذلك ويبقيه معه، فإنه يشبه إنساناً حقلُه مضروبٌ بالدودِ».
قال أنبا كورش: «إن كان إنسانٌ يقيمُ مع صبي، فإن لم يكن قوياً فإنه سوف يميلُ إلى أسفل، أما إن كان قوياً ولم يهوى إلى أسفل فإنه رغم ذلك لن يستمرَ قائماً».
قال أنبا قاريون: «إني بذلتُ أتعاباً كثيرةً بجسدي لكني لم أصل إلى رتبةِ ابني زكريا في تواضع العقلِ والسكون».
قيل: سأل الأب مقاريوس الكبير مرةً زكريا وهو ما زال في حداثةِ سنهِ قائلاً: «قل لي يا زكريا، ما هو الراهبُ الحقيقي»؟ قال زكريا: «يا أبي أتسألني أنا»؟ قال له الشيخُ: «نعم يا ابني زكريا، فإن نفسي متيقنةٌ بالروح القدس الذي فيك، أن شيئاً ينقصني يلزم أن أسألك عنه». فقال له الشابُ: «إن الراهبَ هو ذلك الإنسان الذي يُرذل نفسَه ويُجهد ذاتَه في كلِّ الأمورِ».
قيل: أتى أنبا موسى مرة ليستقي ماءً، فوجد أنبا زكريا على البئرِ يصلي وروحُ الله حالٌّ عليه. فقال له: «يا أبتاه قل لي ماذا أصنع لأخلصَ». فما أن سمع الحديثَ حتى انطرح بوجهِه عند رجليه وقال له: «يا أبي لا تسألني أنا». قال أنبا موسى: «صدقني يا ابني زكريا إني أبصرتُ روحَ الله حالاًّ عليك ولذلك وجدتُ نفسي مسوقاً من نعمةِ الله أن أسألَك». فتناول زكريا قلنسوته ووضعها عند رجليه وداسها، ثم رفعها ووضعها فوقَ رأسهِ وقال: «إن لم يصر الراهبُ هكذا منسحقاً فلن يخلصَ».
لما حضرت أنبا زكريا الوفاة سأله أنبا موسى قائلاً: «أيُّ الفضائلِ أعظم يا ابني»؟ فأجابه: «على ما أراه يا أبتاه، ليس شيءٌ أفضلَ من السكوتِ». فقال له: «حقاً يا ابني، بالصوابِ تكلمتَ».
وفي وقتِ خروج روحِه كان أنبا إيسيذوروس القس جالساً فنظر إلى السماءِ وقال: «اخرج يا ابني زكريا فإن أبوابَ ملكوتِ السماوات قد فُتحت لك».

الأنبا موسى الأسود. St. Moses the Black




الأنبا موسى الأسود
الأنبا موسى الأسود
قيل إن الأب الكبير أنبا موسى الأسود قوتل بالزنا قتالاً شديداً في بعضِ الأوقاتِ. فقام ومضى إلى أنبا إيسيذوروس وشكا له حالَه، فقال له: «ارجع إلى قلايتِك». فقال أنبا موسى: «إني لا أستطيعُ يا معلم». فصعد به إلى سطحِ الكنيسةِ وقال له: «انظر إلى الغربِ»، فنظر ورأى شياطين كثيرين يتحفَّزون للحربِ والقتالِ. ثم قال له: «انظر إلى الشرقِ»، فنظر ورأى ملائكةً كثيرين يمجِّدون الله. فقال له: «أولئك الذين رأيتَهم في الغربِ هم محاربونا، أما الذين رأيتَهم في الشرقِ فإنهم معاونونا. ألا نتشجع ونتقوى إذاً ما دام ملائكةُ الله يحاربون عنا»؟ فلما رآهم أنبا موسى فرح وسبَّح الله ورجع إلى قلايتِهِ بدونِ جزعٍ.
وقيل عنه: إنه لما رُسم قساً ألبسوه ثوبَ الخدمةِ الأبيض. فقال له أحدُ الأساقفةِ: «ها أنت قد صرتَ كلَّك أبيضَ يا أنبا موسى». فقال: «أيها الأب، ليت ذلك يكون من داخلٍ كما من خارجٍ».
وأراد رئيسُ الأساقفة أن يمتحِنَه فقال للكهنةِ: «إذا جاء أنبا موسى إلى المذبحِ اطردوه لنسمعَ ماذا يقول». فلما دخل انتهروه وطردوه قائلين له: «اخرج يا حبشي إلى خارج الكنيسةِ». فخرج أنبا موسى وهو يقول: «حسناً فعلوا بك يا رُمادي اللون يا أسودَ الجلدِ. وحيثُ أنك لستَ بإنسانٍ فلماذا تحضرُ مع الناسِ»؟
قيل: أضاف أنبا موسى أخاً فطلب منه كلمةً. فقال له: «امضِ واجلس في قلايتِك والقلايةُ سوف تعلِّمك كلَّ شيءٍ».
وقيل: أخطأ أخٌ في الإسقيط يوماً، فانعقد بسببهِ مجلسٌ لإدانتهِ، وأرسلوا في طلبِ أنبا موسى ليحضرَ. فأبى وامتنع من الحضورِ. فأتاه قسُ المنطقةِ وقال: «إن الآباءَ كلَّهم ينتظرونك». فقام وأخذ كيساً مثقوباً وملأه رملاً وحمله وراء ظهرِهِ وجاء إلى المجلسِ. فلما رآه الآباءُ هكذا قالوا له: «ما هذا أيها الأب»؟ فقال: «هذه خطاياي وراء ظهري تجري دون أن أُبصرَها، وقد جئتُ اليومَ لإدانةِ غيري عن خطاياه». فلما سمعوا ذلك غفروا للأخِ ولم يُحزنوه في شيءٍ.
ومرة أخرى انعقد مجلسٌ وأرادوا أن يمتحنوا أنبا موسى، فنهروه قائلين: «لماذا يأتي هذا النوبي هكذا ويجلس في وسطنِا»؟ فلما سمع ذلك الكلام سكت. وعند انصرافِ المجلس قالوا له: «يا أبانا، لماذا لم تضطرب»؟ فأجابهم قائلاً: «الحق إني اضطربتُ، ولكني لم أتكلم شيئاً».
وحدث مرة أخرى أن أُعلن في الإسقيط أن يُصام أسبوعٌ. وتصادف وقتئذ أن زار الأنبا موسى إخوةٌ مصريون. فأصلح لهم طبيخاً يسيراً. فلما أبصر القاطنون بجوارِه الدخانَ اشتكوا لخدامِ المذبحِ قائلين: «هو ذا موسى قد حلَّ الوصيةَ إذ أعدَّ طبيخاً». فطمأنهم أولئك قائلين: «بمشيئة الربِّ يوم السبت سوف نكلمُه». فلما كان السبتُ وعلموا السببَ قالوا لأنبا موسى أمام  المجمعِ: «أيها الأب موسى، حقاً لقد ضحيْتَ بوصيةِ الناسِ في سبيلِ إتمام وصية اللهِ».
وقيل أيضاً عن أنبا موسى: إنه لما عزم على الإقامةِ في الصخرةِ تعب ساهراً. فقال في نفسِهِ كيف يمكنني أن أجد مياهاً لحاجتي ها هنا. فجاءه صوتٌ يقول له: «ادخل ولا تهتم بشيءٍ»، فدخل. وفي أحدِ الأيام زاره قومٌ من الآباءِ، ولم يكن له وقتئذ سوى جرَّةِ ماءٍ فقط. فأعدَّ عدساً يسيراً، فلما نفذ الماءُ حزن الشيخُ وصار يخرجُ ويدخلُ ثم يخرجُ ويدخلُ وهكذا.. وهو يصلي إلى الله. وإذا بسحابةٍ ممطرةٍ قد جاءت فوق حيث كانت الصخرةُ. وسرعان ما تساقط المطرُ فامتلأت أوعيتُه من الماءِ. فقال له الآباءُ: «لماذا كنتَ تدخلُ وتخرج»؟ فأجابهم وقال: «كنتُ أصلي إلى اللهِ قائلاً: إنك أنت الذي جئتَ بي إلى هذا المكان وليس عندي ماء ليشربَ عبيدُك. وهكذا كنتُ أدخل وأخرج مصلياً لله حتى أرسل لنا الماءَ».
سأل أحدُ الإخوةِ أنبا موسى قائلاً: «ماذا أصنع لكي أمنعَ أمراً يتراءى لي دائماً»؟ فقال له الشيخُ: «إنك إن لم تصبح مقبوراً كالميتِ فلن تستطيع أن تمنعَه، أعني الفكر».
وقال أيضاً: «مكتوبٌ أنه لما قَتل الربُ أبكارَ المصريين لم يكن هناك بيتٌ خالٍ من ميتٍ». فسألوه قائلين: «ما معنى هذا»؟ فقال الشيخُ: «إذا علمنا أننا كلَّنا خطاةٌ فلنحذر من أن نتركَ خطايانا وندينَ خطايا القريب، لأنه من الجهلِ حقاً أن يكون لإنسانٍ في بيتِهِ ميتٌ فيتركه ويذهب ليبكي على ميت جارهِ. فانظر إلى خطاياك أولاً. واقطع اهتمامَك بكلِّ إنسانٍ، ولا تحتكَّ بإنسانٍ، ولا تفكر بشرٍّ على إنسانٍ، ولا تمشِ مع النمام ولا تصدق كلامَ نميمةٍ بخصوص إنسانٍ».
وقال أيضاً: «من يحتمل ظُلماً من أجل الربِّ يُعتبر شهيداً. ومن يتمسكن من أجل الربِّ يعوله الربُّ. ومن يَصِر جاهلاً من أجلِ الربِّ يُحَكِّمه الربُّ».
وأيضاً من أقوالِ أنبا موسى أرسلها إلى أنبا نومين حسب طَلَبهِ: «إني أفضِّلُ خلاصَك بخوفِ الله قبل كلِّ شيء، طالباً أن يجعلَك كاملاً بمرضاتهِ حتى لا يكون تعبُك باطلاً؛ بل يكون مقبولاً من الله لتفرحَ. لأننا نجدُ أن التاجرَ إذا ربحت تجارتُه كَثُرَ سرورُه، وكذلك الذي يتعلَّم صناعةً إذا ما أتقنها كما ينبغي ازداد فرحُه متناسياً التعبَ الذي أصابه، وذلك لأنه قد أتقن الصنعةَ التي رغب فيها. ومن تزوج امرأةً وكانت عفيفةً صائنةً لنفسِها فمن شأنهِ أن يفرحَ قلبُه. ومن نال شرفَ الجنديةِ فمن شأنهِ أن يستهينَ بالموتِ في حربهِ ضد أعداء ملكِه وذلك في سبيلِ مرضاة سيدهِ. وكلُّ واحدٍ من أولئك الناس يفرحُ إذا ما أدرك الهدفَ الذي تعب من أجلهِ. فإذا كان الأمرُ هكذا مع شئونِ هذا العالم الفاني، فكم وكم يكون فرحُ النفسِ التي قد بدأت في خدمةِ الله عندما تُتَمِّمُ خدمتها حسب مرضاة الله؟ الحقَّ أقولُ لك: إن سرورَها يكونُ عظيماً، لأنه في ساعةِ خروجها من الدنيا تلقاها أعمالُها وتفرحُ لها الملائكةُ إذا أبصروها وقد أقبلت سالمةً من سلاطين الظلمة، لأن النفسَ إذا خرجت من جسدِها رافقتها الملائكةُ وحينئذ يلتقي بها أصحابُ الظلمةِ كلُّهم ويمنعونها عن المسير ملتمسين شيئاً لهم فيها. والملائكةُ وقتئذ ليس من شأنِهم أن يحاربوا عنها، لكن أعمالَها التي عملتها هي التي تحفظها وتستر عليها منهم. فإذا تمت غلبتها بأعمالِها تفرحُ الملائكةُ حينئذ ويسبِّحون الله معها حتى تلاقي الربَّ بسرورٍ. وفي تلك الساعة تنسى جميعَ ما انتابها من أتعابٍ في هذا العالم.
فسبيلُنا أيها الحبيب أن نبذلَ قُصارى جهدِنا ونحرص بكلِّ قوتِنا في هذا الزمان القصير على أن نصلحَ أعمالَنا وننقيها من كلِّ الشرور عسانا نخلص بنعمةِ الله من أيدي الشياطين المتحفزين للقائِنا، إذ أنهم يترصَّدون لنا ويفتشون أعمالَنا إن كان لهم فينا شيءٌ من أعمالهِم، لأنهم أشرارٌ وليس فيهم رحمةٌ. فطوبى لكلِّ نفسٍ لا يكون لهم فيها مكانٌ فإنها تفرحُ فرحاً عظيماً. لذلك ينبغي لنا أيها الحبيبُ أن نجتهدَ بقدرِ استطاعتِنا بالدموعِ أمام ربنا ليرحمنا بتحننه. لأن الذين يزرعون بالدموعِ يحصدون بالفرحِ. ولنقتنِ لأنفسِنا الشوقَ إلى الله فإن الاشتياقَ إليه يحفظُنا من الزنا، ولنحبَّ المسكنةَ لنخلُصَ من محبةِ الفضةِ، ولنحبَّ السلامةَ لننجوَ من البغضة، ولنقتنِ الصبرَ وطولَ الروحِ لأن ذلك يحفظُنا من صغرِ النفسِ، ولنحبَّ الكلَّ بمحبةٍ خالصةٍ لنتخلصَ من الغيرةِ والحسدِ، لنلزم الاتضاع في كلِّ أمرٍ وفي كلِّ عملٍ. لنتحمل السبَّ والتعيير لنتخلصَ من الكبرياءِ. لنكرم أقرباءنا في كلِّ الأمورِ لنخلصَ من الدينونةِ. لنرفض شرفَ العالمِ وكراماته لنتخلصَ من المجدِ الباطلِ. لنستعمل اللسانَ في ذِكرِ الله والعدل لنتخلصَ من الكذبِ، لنحبَّ طهارةَ القلبِ والجسدِ لننجوَ من الدنسِ. فهذا كلُّه يُحيطُ بالنفسِ ويتبعها عند خروجِها من الجسدِ. فمن كان حكيماً وعملُه بحكمةٍ فلا ينبغي له أن يسلِّم وديعَته بدونِ أعمالٍ صالحةٍ كي يستطيعَ الخلاصَ من تلك الشدةِ. فلنحرص إذاً بقدرِ استطاعتنا والربُّ يعينُ ضعفَنا، لأنه قد عرف أن الإنسانَ شقيٌ ولذلك وهب له التوبةَ ما دام في الجسدِ.
لا تهتم بشئونِ العالم كأنها غايةُ أَمَلِكَ في هذه الحياةِ، وذلك لتستطيعَ أن تخلصَ. لا يكن لك رجاءٌ في هذا العالم لئلا يضعف رجاؤك في الربِّ. أبغض كلامَ العالم كي تبصرَ الله بقلبك. داوم الصلاةَ كلَّ حينٍ ليستنيرَ قلبُك بالربِّ. إياك والبطالة لئلا تحزن. أتعِب جسدَك لئلا تخزى في قيامةِ الصديقين. احفظ لسانَك ليسكن في قلبك خوفُ الله. أعطِ المحتاجين بسرورٍ ورضى لئلا تخجل بين القديسين وتُحرم من أمجادِهم. أبغض شهوةَ البطنِ لئلا يحيط بك عماليق. كن متيقظاً في صلاتك لئلا تأكلك السباعُ الخفية. لا تحب الخمرَ لئلا يحرمك من رضى الربِّ. أحبَّ المساكين لتخلص بسببهم في أوانِ الشدةِ. كن مداوماً لذِكر سير القديسين كي ما تأكلك غيرةُ أعمالِهم. اذكر ملكوتَ السماوات لتتحرك فيك شهوتُها. فكِّر في نارِ جهنم لكي ما تمقت أعمالها.
إذا قُمتَ كلَّ يومٍ بالغداةِ، تذكَّر أنك سوف تعطي للهِ جواباً عن سائرِ أعمالِك فلن تخطئ البتة، بل يسكن خوفُ الله فيك. أعد نفسَك للقاءِ الربِّ فتعمل حسب مشيئتهِ. افحص نفسَك ها هنا واعرف ماذا يعوزك فتنجوَ من الشدةِ في ساعةِ الموتِ، ويبصر إخوتُك أعمالَك فتأخذهم الغيرةُ الصالحة. اختبر نفسَك كلَّ يومٍ وتأمل في أي المحاربات انتصرتَ ولا تثق بنفسِك بل قل: «الرحمةُ والعونُ هما من الله». لا تظن في نفسِك أنك أجدَّتَ شيئاً من الصلاحِ إلى آخرِ نسمةٍ من حياتك. لا تستكبر وتقول: «طوباي»، لأنك لا يمكنك أن تطمئنَ من جهة أعدائك. لا تثق بنفسِك ما دمتَ في الجسدِ حتى تعبر عنك سلاطينُ الظلمةِ. ليكن قلبُك من نحو الأفكارِ شجاعاً جداً فتخف عنك حدتها، أما الذي يخاف منها فإنها تُرعبه فيخور. كما أن الذي يفزع منها يُثبت عدم إيمانه بالله حقاً، ولن يستطيعَ الصلاةَ قدام يسوع سيدِهِ من كلِّ قلبهِ ما لم يَسُد على الأفكار أولاً. الذي يريدُ كرامةَ الربِّ فعليه أن يتفرغ لطهارةِ نفسِه من الدنس. إن كنا ملومين فذلك لأن الهزيمةَ دائماً هي منا. من ينكر ذاتَه ولا يظن أنه شيءٌ فذلك يكون سالكاً حسب مشيئةِ الله. من تعوَّد الكلامَ بالكنيسةِ فقد دلَّ بذلك على عدمِ وجودِ خوف الله فيه. وذلك لأن خوفَ الله هو حفظٌ وصونٌ للعقلِ، كما أن الملكَ هو عونٌ لمن يطيعه. أما الذين يريدون أن يقتنوا الصلاحَ وفيهم خوفُ الله، فإنهم إذا عثروا لا ييأسون بل سرعان ما يقومون من عثرتِهم وهم في نشاطٍ واهتمامٍ أكثر بالأعمالِ الصالحة. أهمُ أسلحةِ الفضائل هي إتعاب الجسد بمعرفةٍ، والكسل والتواني يولِّد المحاربات. من له معرفة وهِمَّة فقد هزم الشرَ، لأنه مكتوبٌ أن الاهتمامَ يلازمُ الرجلَ الحكيم. والضعيفُ الهِمَّةِ لم يعرف بعد ما هو لخلاصِه. أما الذي يقهرُ أعداءَه فإنه يُكلَّل بحضرةِ الملك.
لو لم تكن حروبٌ وقتالٌ ما كانت فضيلة. ومن يجاهد بمعرفةٍ فقد نجا من الدينونةِ، لأنه هذا هو السورُ الحصين. أما الذي يدين فقد هدم سورَه بنقصِ معرفتهِ. من يهتم بضبطِ لسانهِ يَدُلُّ على أنه محبٌ للفضيلةِ. وعدم ضبط اللسان يدلُّ على أن داخلَ صاحبهِ خالٍ من أيِّ عملٍ صالح. الصدقةُ بمعرفةٍ تولِّد التأملَ فيما سيكون وتُرشد إلى المجد. أما القاسي القلب فإنه يدلُّ على انعدامهِ من أيِّ فضيلةٍ. الحرية تولِّد العفةَ ومكابدة الهموم تولِّد الأفكار. قساوة القلبِ تولِّد الغيظَ، والوداعة تولِّد الرحمة. نسكُ النفسِ هو بُغض التنعمِ، ونسك الجسدِ هو العوز. سقطة النفس هي مكابدة الهموم وتهذيبها هو السكوت بمعرفة. الشبع من النومِ يُثير الأفكارَ وخلاصُ القلبِ هو السهرُ الدائم. النومُ الكثير يولِّد الخيالات الكثيرة والسهرُ بمعرفةٍ يُزهر العقلَ ويثمره. النومُ الكثير يجعلُ الذهنَ كثيفاً مظلماً، والسهرُ بمقدارٍ يجعله لطيفاً نيّراً. من ينامُ بمعرفةٍ فهو أفضل ممن يسهر في الكلامِ الباطل.
النوحُ يطردُ جميعَ أنواعِ الشرورِ عند ثورانها. إذا تقبل الإنسانُ الزجرَ والتوبيخَ فإن ذلك يولِّد له التواضع، أما تمجيدُ الناس فيولِّد البذخ وتعاظم الفكر. حبُّ الإطراءِ من شأنهِ أن يطردَ المعرفةَ. وضبطُ شهوة البطن يقلِّل من تأثيرات الشهوات. شهوةُ الأطعمةِ توقظ الغرائزَ والانفعالات والامتناع منها يُقمعها. زينةُ الجسدِ هزيمةٌ للنفس ومن يهتم بها فليست فيه مخافة الله. ذِكرُ الدينونة يولِّد في الفكر تقوى الله. وقلةُ خوفِ الله تُضلُّ العقلَ. السكوتُ بمعرفةٍ يهذِّب الفكرَ وكثرةُ الكلامِ تولِّد الضجرَ والهوسَ. قهرُ الشهوةِ يدلُّ على تمامِ الفضيلة والانهزام لها يدلُّ على نقصِ المعرفة. ملازمةُ خوفِ اللهِ يحفظُ النفسَ من المحارباتِ وحديثُ أهلِ العالم والاختلاط بهم يُظلمُ النفسَ ويُنسيها التأملَ.
محبةُ المقتنياتِ تزعجُ العقلَ، والزهدُ فيها يمنحه استنارةً. صيانةُ الإنسانِ أن يقرَّ بأفكارهِ ومن يكتمها يثيرُها عليه. أما الذي يقرّ بها فقد طرحها عنه. كمثلِ بيتٍ لا بابَ له ولا أقفال يدخلُ إليه كلُّ من يقصده، كذلك الإنسان الذي لا يضبط لسانَه. وعلى مثالِ الصدأ الذي يأكل الحديدَ كذلك يكون مديحُ الناسِ الذي يُفسد القلبَ إذا مال إليه. وكما يلتفُّ اللبلاب على الكرمِ فيُفسد ثمرَه، كذلك السُبح الباطل يُفسد نمو الراهب إذا كثر حوله. وكما يفعل السوسُ في الخشبِ، كذلك تفعل الرذيلةُ في النفسِ. تواضع القلب يتقدم الفضائلَ كلَّها وشهوةُ البطنِ أساسُ كلِّ الأوجاع. الكبرياءُ هي أساسُ الشرورِ كلِّها والمحبةُ هي مصدرُ كلِّ صلاحٍ. أشرُّ الرذائلِ كلِّها هي أن يزكِّي الإنسانُ نفسَه بنفسِه. من ينكر ذاتَه يسلك في سلامٍ. والذي يعتقد في نفسِه أنه بلا عيبٍ فقد حوى في ذاتِه سائرَ العيوب. الذي يخلط حديثَه بحديثِ أهلِ العالم يُزعج قلبَه، والذي يتهاون بعفةِ جسمِه يخجلُ في صلاتهِ. محبةُ أهلِ العالم تُظلمُ النفسَ والابتعادُ عنهم يزيدُ المعرفةَ. محبةُ التعبِ عونٌ عظيمٌ وأصلُ الهلاكِ هو الكسل.
احفظ عينيك لئلا يمتلئ قلبُك أشباحاً خفية. من ينظر إلى امرأةٍ بلذةٍ فقد أكمل الفسقَ بها. إياك أن تسمع بسقطةِ أحد إخوتك لئلا تكون قد دِنته خفيةً. احفظ سمعَك لئلا تجمع لك حزناً في ذاتك. أحرى بك أن تعملَ بيديك ليصادف المسكينُ منك خبزةً، لأن البطالةَ موتٌ وسقطةٌ للنفسِ. مداومةُ الصلاةِ صيانةٌ من السبي، ومن يتوانى قليلاً فقد سَبَتهُ الخطيةُ.
من يتذكر خطاياه ويقرُّ بها لا يخطئُ كثيراً. أما الذي لا يتذكر خطاياه ويقرُّ بها فإنه يَهلكُ بها. الذي يُقرُّ بضعفهِ موبِّخاً ذاتَه أمام الله فقد اهتم بتنقيةِ طريقهِ من الخطيةِ. أما الذي يؤجل ويقول: «دع ذلك لوقتهِ»، فإنه يصبح مأوى لكلِّ خبثٍ ومكرٍ. لا تكن قاسي القلب على أخيك فإننا جميعنا قد تغلِبنا الأفكارُ الشريرةُ. إذا سكنتَ مع إخوةٍ فلا تأمرهم بعملٍ ما، بل اتعب معهم لئلا يضيع أجرُك. إذا قاتلتك الشياطين بالأكل والشرب واللبس فارفض كلَّ ذلك منهم، وبيِّن لهم حقارةَ ذاتك فينصرفوا عنك. وإذا حَسُنَ لك الزنى فاقتله بالتواضع، والجأ إلى الله فتستريح. إن حوربت بجمالِ جسدٍ فتذكَّر نتانته بعد الموتِ فإنك تستريح. وإن جاءتك أفكارٌ عن النساءِ فاذكر أين ذَهَبَت الأوليات منهن وأين حسنهن وجمالهن. وكل هذه الأمور يختبرها الإنسانُ بالإفراز ويميزها. ولن يأتينا الإفرازُ ما لم نتقنِ أسبابَ مجيئهِ وهي السكوت لأنه كنزُ الراهبِ. والسكوتُ يولِّد النسكَ، والنسكُ يولِّد البكاءَ، والبكاءُ يولِّد الخوفَ، والخوفُ يولِّد التواضعَ، والتواضعُ مصدرُ التأملِ فيما سيكون. وبُعد النظر يولِّد المحبةَ، والمحبةُ تولِّد للنفسِ الصحةَ الخالية من الأسقامِ والأمراض، وحينئذ يَعلم الإنسانُ أنه ليس بعيداً من الله فيُعدُّ ذاتَه للموتِ. فالذي يريد إدراك هذه الكرامات كلّها، عليه ألا يهتم بأحدٍ من الناسِ ولا يدينه. وكلما يصلي تنكشف له الأمور التي تقرِّبه من الله فيطلبها منه، ويُبغض هذا العالمَ، فإن نعمةَ اللهِ تَهِبُ له كلَّ صلاحٍ.
لذلك اعلم يقيناً أن كلَّ إنسانٍ يأكلُ ويشربُ بلا ضابطٍ ويحبُّ أباطيلَ هذا العالم فإنه لا يستطيع أن ينالَ شيئاً من الصلاحِ بل ولن يدركه، لكنه يخدع نفسَه. إن آثرتَ أن تتوبَ إلى الله فاحترز من التنعمِ فإنه يثير سائرَ الأوجاعِ ويطرد خوفَ الله من القلبِ. اطلب خوفَ الله بكلِّ قوتِك فإنه يُزيلُ كلَّ الخطايا. لا تحب الراحةَ ما دمتَ في هذه الدنيا. لا تأمن للجسدِ إذا رأيت نفسَك مستريحاً من المحاربات في أي وقتٍ من الأوقات. لأنه من شأن الأوجاعِ أن تثورَ فجأة بخداعٍ ومخاتلةٍ عسى أن يتوانى الإنسانُ عن السهرِ والتحفظِ، وحينئذ يهاجمُ الأعداءُ النفسَ الشقية ويختطفونها. لذلك يحذِّرُنا ربنا قائلاً: «اسهروا»، له المجدُ الدائم إلى الأبد، آمين.
وله أيضاً في الفضائلِ والرذائلِ: خوفُ اللهِ يطردُ جميعَ الرذائلِ، والضجرُ يطرد خوفَ الله. هذه الأربعة يجب اقتناؤها: الرحمةُ، غلبةُ الغضبِ، طولُ الروحِ، التحفظ من النسيانِ. العقلُ محتاجٌ في كلِّ ساعةٍ إلى هذه الأربع فضائل الآتية: الصلاةُ الدائمة بسجودٍ قلبي، محاربةُ الأفكارِ، أن تعتبرَ ذاتَك خاطئاً، وأن لا تدن أحداً. وهذه الفضائل الأربعة هي عونُ الراهبِ الشاب: الهذيذُ في كلِّ ساعةٍ في ناموسِ الله، ومداومةُ السهر، والنشاطُ في الصلاة، وأن لا يعتبر نفسَه شيئاً. ومما يدنس النفسَ والجسد ستةُ أشياءٍ: المشي في المدن، إهمال العينين بلا تحفظ، التعرف بالنساء، مصادقة الرؤساء، محبة الأحاديث الجَسَدَانية، الكلام الباطل. وهذه الأربعة تؤدي إلى الزنى: الأكل والشرب، الشبع من النوم، البطالة واللعب، والتزين بالملابس. وهذه الأربعة مصدرُ ظلمةِ العقل: مُقت الرفيق، الازدراء به، حسده، سوء الظن به. بأربعةِ أمورٍ يتحرك في الإنسانِ الغضبُ: الأخذ والعطاء، إتمام الهوى، محبته في أن يُعلِّم غيرَه، ظنه في نفسِه أنه عاقلٌ. وهذه الأربعة تُقتنى بصعوبةٍ: البكاء، تأمل الإنسان في خطاياه، جعل الموت بين عينيه، أن يقول في كل أمرٍ: أخطأتُ، اغفر لي. فمن يحرث ويتعب فإنه يَخلص بنعمة ربنا يسوع المسيح.
وله أيضاً: «أيها الحبيب، ما دامت لك فرصةٌ للتوبةِ فارجع وتقدم إلى المسيح بتوبةٍ خالصة، سارع قبل أن يُغلَق البابُ فتبكي بكاءً مراً، فَتَبِلَّ خديْك بالدموع بدون فائدة. اجلس وترقَّب البابَ قبل أن يُغلق. أسرع واعزم على التوبةِ، فإن المسيح إلهنا يريدُ خلاصَ جميعِ الناسِ وإتيانِهم إلى معرفةِ الحقِّ. وهو ينتظرك وسوف يَقبلك. له المجد إلى الأبد آمين».
سأل أحدُ الآباءِ أنبا بيمين قائلاً: «لماذا تقاتلنا الشياطين يا أبي»؟ أجاب الشيخُ قائلاً: «الحقيقة إن الشياطين لا تحاربنا إلا عند ما نتمِّم ميولَنا الرديئة التي هي في الحقيقة شياطيننا التي تحاربنا، فنُهزم أمامها برضانا. أما إن شئتَ أن تعرفَ مع من كانت الشياطين تصارعُ، قلتُ لك مع  أنبا موسى وأصحابهِ».

تمجيد للقديس الانبا ارسانيوس ..Glorification of the saint Anba Arsanios







تمجيد للقديس الانبا ارسانيوس




فى بستان الرهبان
ظاهر باجلى بيان

معلم ملوك الرومان بنيوت آفا ارسانيوس
نشا فى اسرة نقية فى بلاد الرومية
نال احسن تربية بنيوت آفا ارسانيوس
سمع الملك بحكمته وعلمه وقداسته
اخذه الى خاصته بنيوت آفا ارسانيوس
ها ابناى الاميران لك هما خاضعان
وبعلمك ينتفعان بنيوت آفا ارسانيوس
سمع دعوة سماوية اهرب للبرية
فتخلص بالكلية بنيوت آفا ارسانيوس
جاء الى شيهيت الى اباء الاسقيط
وبسرعة انتشر الصيت بنيوت آفا ارسانيوس
عاش فى هدوء و سكون بعيدا عن العيون
يناجى الرب الحنون بنيوت آفا ارسانيوس
قال حين تكلمت كثيرا ما ندمت
لكن بالصمت فرحت بنيوت آفا ارسانيوس
فى اثناء القداس يختفى عن الناس
يصلى بكل حواس بنيوت آفا ارسانيوس
الليل كله صلاة وحديث مع الاله
ساهرا كالعذارى بنيوت آفا ارسانيوس
اثناء الاغابى قال انا الخاطئ
واللطمة على وجهى بنيوت آفا ارسانيوس
قال وقت النياحة بكيت طول الحياة
لاجل هذه الساعة بنيوت آفا ارسانيوس
فقالوا له طوباك بكيت هنا على خطاياك
فلن تبكى هناك بنيوت آفا ارسانيوس
يا معلم الامراء يا عظيم بين الاباء
اذكرنا فى السماء بنيوت آفا ارسانيوس
تفسير اسمك فى افواة كل المؤمنين
الكل يقولون يا اله انبا ارسانيوس اعنا اجمعين









الأنبا إيسيذوروس قس الإسقيط..Bishop Aasivoros priest Alasagat





الأنبا إيسيذوروس قس الإسقيط

قيل عن الأبِ الكبير إيسيذوروس قس الإسقيط: إنّ كلَّ من كان عنده أخاً صغيرَ النفسِ أو شتَّاماً أو عليلاً ويطرده من عندِه، كان القس إيسيذوروس يأخذُه إلى عندِه ويطيلُ روحَه عليه ويخلِّص نفسَه.
سأله الإخوةُ مرةً قائلين: «لماذا تفزع منك الشياطين»؟ فقال لهم: «لأني منذ أن صرتُ راهباً حتى الآن لم أَدَع الغضبَ يجوزُ حلقي إلى فوق».
وقال أيضاً: «ها أنا لي أربعون سنة، كنتُ إذا أحسستُ بعقلي بالخطيةِ خلالها، لا أخضع لها قط حتى ولا للغضبِ».
وقيل عنه أيضاً: إذا أوعزت إليه الأفكارُ بأنه إنسانٌ عظيمٌ، كان يجيبُها قائلاً: «ألعلي مثل أنبا أنطونيوس أو أصبحتُ مثل أنبا بموا»؟ وإذ كان يقولُ ذلك يستريحُ فكرُه. وإذا قالت له الشياطين: «إنك ستمضي إلى العذابِ». فكان يجيبُهم: «إن مضيْتُ إلى العذابِ فسوف تكونون تحتي».
وكان يقول: «هكذا يجبُ أن يكونَ فهمُ القديسين أن يعرفَ الإنسانُ مشيئةَ اللهِ وأن يكونَ بكليتِهِ سامعاً للحقِّ خاضعاً له، لأنه في صورةِ اللهِ ومثالِهِ، وأن من أشرِّ الأعمالِ كلِّها أن يطيعَ الإنسانُ إرادَتَه ويخالفَ إرادةَ اللهِ، وأن يكون له هوىً في شيءٍ وفي غيرهِ هوىً آخر. فأما الذي يجدُ طريقَ القديسين ويمشي فيها فإنه يُسَرُّ بالأحزانِ، لأن سبيلَ الخلاصِ مملوءٌ أحزاناً».
توجّه الأنبا إيسيذوروس مرةً إلى البابا ثاؤفيلس بطريرك الإسكندرية، ولما رجع سأله الإخوةُ عن حالِ مدينة الإسكندرية. فقال لهم: «إني لم أبصر فيها إنساناً إلا البطريرك وحدَه». فتعجبوا وقالوا له: «أتريدُ أن تقولَ إن مدينةَ الإسكندرية خاليةٌ من الناسِ». قال: «كلا، لكني لم أسمح لعقلي أن يفكرَ في رؤيةِ أي إنسانٍ».
وقال: إن السيرةَ الصالحةَ بدونِ كلامٍ نافعةٌ، أما الكلامُ بغيرِ عملٍ فهو باطلٌ. لأن أحدَهما بسكوتِه ينفعُ والآخرَ بكثرةِ كلامهِ يُقلِقُ. فإذا استقام القولُ مع العملِ كَمُلَت فلسفتُه.
وقال أيضاً: إن الشرَ أزاغ الناسَ عن معرفةِ اللهِ. وفرَّق الناسَ بعضهم عن بعضٍ. فلنبغض إذاً الشرَ ولنطلب السلامةَ لبعضِنا البعضِ وبذلك تكمُل فلسفةُ الفضيلةِ.
وقال أيضاً: إن شرفَ التواضعِ عظيمٌ وسقوطَ المتعاظمِ فظيعٌ جداً، وإني أُشير عليكم بأن تلزموا التواضعَ فلن تسقطوا أبداً.
وقال أيضاً: إن محبةَ المقتنياتِ متعبةٌ جداً تؤدي إلى نهايةٍ مريرةٍ لأنها تسببُ اضطراباً شديداً جداً للنفسِ. فسبيلُنا أن نطردَها منذُ البدءِ، لأنها إن أزمَنَت فينا صار اقتلاعُها صعباً.
وقيل عنه: اتفق أن دعاه أحدُ الإخوةِ إلى تناولِ الطعامِ، فرفض الشيخُ قائلاً: «إن آدمَ بالطعامِ خُدع فصار خارج الفردوس بأكلةٍ واحدةٍ». فقال له الأخُ: «أبهذا المقدارِ تخشى الخروجَ خارج القلايةِ»؟ قال له الشيخُ: «وكيف لا أخشى يا ولدي، والشيطانُ يزأرُ مثلَ سبعٍ ملتمساً من يبتلعه».
وكثيراً ما كان يقول: «من يُذلُّ نفسَه لشربِ الخمرِ لا يمكنه أن يخلصَ من شرِ الأفكارِ وقُبحِ الأعمالِ. فإن لوطاً لما امتلأ من السُكرِ وقع في مجامعةٍ مغايرةٍ للناموس الطبيعي».
وقال أيضاً: «إن كنتَ مشتاقاً إلى مُلك السماءِ، فاترك غنى العالم. وإن آثرتَ النياحَ هناك، فالزم التعبَ ها هنا، وإن أردتَ الفرحَ هناك، لا تكف عن البكاءِ ها هنا».
وقال أيضاً: لا يمكنك أن تحيا حياةً إلهيةً ما دمتَ محبّاً للَّذاتِ.
وكان إذا مضى إليه إنسانٌ فإنه يدخلُ إلى القلايةِ الداخليةِ ويكلِّمه من داخلِ البابِ. فقال له الإخوةُ: «لماذا تفعلُ هكذا»؟ فقال لهم: «إن الوحوشَ إذا أبصرت من يُخيفها هربت إلى جحورِها ونجت».
وقال أنبا بيمين: إن أنبا إيسيذوروس كان يُضَفِّرُ في كلِّ ليلةٍ حزمةَ خوصٍ. فسأله الإخوة قائلين: «أيها الأب، أَرِح نفسَك لأنك قد شختَ». فأجابهم: «لو أحرقوا إيسيذوروس بالنارِ وذرُّوا رمادَه، فلن يكون لي فضلٌ، لأن ابنَ اللهِ من أجلي نزل إلى الأرض».
 

تمجيد للقديس الانبا باخوميوس..Glorification of the saint Saint Pachomius





تمجيد للقديس الانبا باخوميوس



السلام لك ياقديس يا انبا باخوميوس

اخذت اكليل نفيس اجيوس اجيوس اجيوس

اسمك معناه جميل نسر يحلق ويطير
جهادك كان طويل وانتصرت على الشرير
نشات فى طيبة من عائلة وثنية
وخرجت محاربا من الجيوش الرومانية
لقاؤك في اسنا جذبك للمسيحية
في معاملة اهله المست التضحية
اعتمدت واخذت الميرون بيد انبا سرابيون
واسكيم الرهبان بيد انبا بلامون
ظهر لك ملاك الله وامرك ببناء الدير
للشركة الرهبانية وقد اعطاك تدبير
علي لوح من نحاس لارشاد الرهبان
بفضائلك قد جمعت كثيرا من الشبان
نظام الشركة الباخومية انتشر في كل مكان
للرهبان والراهبات موجود حتي الآن
قيادتك حكيمة بدون أي رياء
بأبوة عظيمة احببت الضعفاء
قدوة ومثال واضح امام كل اولادك
بطول الاناة فهموا ارشادك
تادرس كان تلميذك في طاعة وخضوع
اتعلم فضائلك وخدم الرب يسوع
طلبت ارادة الله في كل حياتك
وطلبت للرهبان النسك بلجاجة في صلاتك
في رؤي كثيرة الله قد ظهر لك
بمحبة كبيرة قد مدح اعمالك
هربت من الرتب الكهنوتية
ونصحت اولادك لحياة البرية
ظهر لك الشيطان في منظر امراة
بقوة المسيح قاومته بجراءة
اعترف لك الشيطان انه ضعيف جدا
امام قوة يسوع المملوءة مجدا
فنصحت الرهبان بالصوم مع الصلاة
والسهر الدائم والاتكال علي الله
اعظم معجزة عندك هي توبة الخطاة
ورجوعهم لالهك ليفوزوا بالنجاة
في بعض الاديرة انتشر مرض الطاعون
شجعت اولادك وطلبت لهم العون
خدمت المرضي باتضاعك فاصابك الوباء
وعلمت بانتقالك فاخبرت الآباء
اربعة عشر بشنس هو يوم نياحتك
قوية شفاعتك وكثيرة عجائبك
وصل لنا كل حين حتي نغلب ابليس
وننمو في المحبة والعبادة والتقدير
اذكرنا نحن اولادك امام عرش الهك
فنتمثل بجهادك كتادرس تلميذك
يا رب اذكر بطريركنا وشركاءه اساقفتنا
وسائر كهنتنا ورهباننا وشمامستنا
وكل الشعوب المسيحيين احفظهم في الايمان ثابتين
كن لنا معين انفوز بالايمان آمين
تفسير اسمك في افواه كل المؤمنين

الكل يقولون يا اله انبا باخوميوس اعنا اجمعين






الأنبا أغاثون..Abba Agathon





الأنبا أغاثون

قيل عن القديس الكبير أنبا أغاثون: إن أناساً مضوْا إليه لما سمعوا بعظمِ إفرازِهِ وكثرةِ دعته. فأرادوا أن يجرِّبوه فقالوا له: «أأنت هو أغاثون الذي نسمعُ عنك أنك متعظمٌ»؟ فقال: «نعم، الأمرُ هو كذلك كما تقولون». فقالوا له: «أأنت أغاثون المهذار المحتال»؟ قال لهم: «نعم أنا هو». قالوا له: «أأنت أغاثون المهرطق»؟ فأجاب: «حاشا وكلا، إني لستُ مهرطقاً». فسألوه قائلين: «لماذا احتملتَ جميعَ ما قلناه لك ولم تحتمل هذه الكلمة»؟ فأجابهم قائلاً: «إن جميعَ ما تكلمتم به عليَّ قد اعتبرتُه لنفسي ربحاً ومنفعةً إلا الهرطقة، لأنها بعدٌ من اللهِ، وأنا لا أشاءُ البعدَ عنه». فلما سمعوا عجبوا من إفرازِهِ ومضوْا منتفعين.
جاءه أخٌ مرةً وقال: «يا أبي أريدُ أن أسكنَ مع أخٍ، فارسِم لي كيف أقيمُ معه»؟ فقال له الشيخُ: «كن معه دائماً كمثلِ اليومِ الذي بدأتَ سكناك عنده. واحفظ غربتَك هكذا كلَّ أيامِ حياتِك، وإياك أن تكون بينكما دالةٌ». فقال له الأخُ: «ولماذا نتحاشى الدالةَ»؟ أجابه الشيخُ: «إن الدالةَ تشبه ريحَ السمومِ. عند هبوبها يهربُ الناسُ جميعاً من أمامِها وهي تُهلك ثمارَ الأشجارِ». فقال الأخُ: «أبهذا المقدارِ تكون الدالةُ رديئةً»؟ أجابه أنبا أغاثون: «لا يوجد وجعٌ آخر أردأ منها، لأنها مصدرُ كلِّ الأوجاعِ. لذلك يجبُ على الراهبِ الحريص أن لا تكونَ له دالةٌ حتى ولا على القلاية ولو كان وحيداً فيها. لأني رأيتُ أخاً يسكنُ في قلايةٍ زماناً، وكان له فيها مضجعٌ، وقال لي: إني خرجتُ من القلاية، ولما عدتُ إليها لم أعرف المضجعَ لو لم يدلُّني آخر عليه.. وهكذا يجبُ أن يكونَ العمَّالُ المجاهدُ».
وقال أيضاً: إن الدلالَ والمزاحَ والضحكَ أمورٌ تُشبه ناراً تشتعلُ في قصبٍ فتُحرقُ وتُهلكُ.
وقال أيضاً: إن الراهبَ هو ذلك الإنسانُ الذي لا يَدَع ضميرَه يلومُهُ في أمرٍ من الأمورٍ.
وقال أيضاً: بدونِ حفظِ الوصايا الإلهية لا يستطيعُ أحدٌ أن يقتربَ إلى واحدةٍ من الفضائلِ.
وقال أيضاً: ما رقدتُ قط وأنا حاقدٌ على إنسانٍ، ولا تركتُ إنساناً يرقدُ وهو حاقدٌ عليَّ حسب طاقتي.
وقيل عنه: إنه مكث زماناً يبني مع تلاميذهِ قلايةً، فلما تمت وجلسوا فيها ظهر له في الأسبوعِ الأولِ أمرٌ ضايقه. فقال لتلاميذه: «هيا بنا ننصرفُ من هنا». فانزعجوا جداً قائلين: «حيث إنك كنتَ عازماً على الانصرافِ فلماذا تعبنا في بناءِ القلايةِ؟ ألا يصبح من حقِّ الناسِ الآن أن يشكُّوا قائلين: إن هؤلاءَ القومِ لا ثبات لهم»؟ فلما رآهم صغيري النفوس هكذا، قال لهم: «إن شكَّ قليلون منهم فكثيرون سوف ينتفعون ويقولون: طوبى لأولئك الذين من أجلِ الربِّ انتقلوا واختبروا كلَّ شيء. فمن أراد منكم أن يتبعني فليجئ لأني قد اعتزمتُ نهائياً على الانصرافِ». فما كان منهم إلا أن طرحوا أنفسَهم على الأرضِ طالبين إليه أن يأذنَ لهم بالمسيرِ معه.
وقيل عنه أيضاً: إنه لما كان ينتقلُ، ما كان يرافقُه أحدٌ سوى الجريدةِ التي كان يشقُّ بها الخوصَ لا غير.
وسُئل مرةً: «أيهما أعظمُ؛ تعبُ الجسدِ أم الاحتفاظُ بما هو من داخلِهِ»؟ فأجاب وقال: «إن الإنسانَ يشبه شجرةً، فتعبُ الجسدِ هو الورقُ، أما المحافظةُ على ما هو من داخلٍ فهي الثمرةُ، لذلك فكلُّ شجرةٍ لا تُثمرُ ثمراً جيداً تُقطع وتُلقى في النيرانِ. فلنحرص على الثمرةِ التي هي حفظُ العقلِ، كما يحتاجُ الأمرُ أيضاً إلى الورقِ الذي يغطي الثمرةَ ويزينها، وما الورقُ إلا تعبُ الجسدِ كما ذكرنا».
سأل بعضُ الإخوةِ الأنبا أغاثون قائلين: «أيُّ فضيلةٍ أعظمُ في الجهادِ»؟ فقال: «اغفروا لي، ليس جهادٌ أعظمَ من أن نصلي دائماً للهِ، لأن الإنسانَ إذا أراد أن يصلي كلَّ حين حاول الشياطين أن يمنعوه. لأنهم يعلمون بأن لا شيءَ يُبطل قوَّتهم سوى الصلاةِ أمام الله. كلُّ جهادٍ يبذُلُه الإنسانُ في الحياةِ ويتعبُ فيه لا بدَّ أن يحصدَ منه الراحةً أخيراً. إلا الصلاة فإن من يصلي يحتاجُ دائماً إلى جهادٍ حتى آخرِ نسمةٍ».
كان أغاثون القديسُ حكيماً في معرفتِهِ، بسيطاً في جسمِهِ وكُفئاً في كلِّ الأمورِ، في عملِ اليدين وفي طعامِه وفي لبسِه. فقد حدث مرةً بينما كان سائراً مع تلاميذِه؛ أن وَجدَ أحدُهم جُلْباناً أخضرَ في الطريقِ (أي حمص أخضر). فقال له: «يا معلم هل تأذن لي أن آخذَه»؟ فنظر إليه الشيخُ متأملاً وقال: «هل أنت تركتَه»؟ فقال: «لا». فقال له الشيخُ: «وكيف تأخذ شيئاً ليس لك»؟
أتاه أخٌ مرةً يريدُ السكنى معه، وقد أحضر معه قليلاً من النطرون وجده في الطريقِ أثناء مجيئهِ. فلما رآه الشيخُ قال له: «من أين لك هذا النطرون»؟ قال له الأخُ: «قد وجدتُه في الطريقِ وأنا سائرٌ». فأجابه الشيخُ قائلاً: «إن كنتَ تشاءُ السُكنى مع أغاثون امضِ إلى حيث وجدتَه وهناك ضعه».
قيل عن الأنبا أغاثون والأنبا آمون: إنهما لما كانا يبيعان عملَ أيديهِما كانا يقولان الثمنَ مرةً واحدةً، وما كان يُعطى لهما كانا يأخذانه بسكوتٍ. كذلك إذا احتاجا لشيءٍ يشتريانه كانا يقدمان المطلوب بسكوتٍ ولا يتكلمان.
أخبروا عن الأنبا أغاثون: إنه وضعَ في فمهِ حجراً ثلاثَ سنين حتى أتقنَ السكوتَ.
وقد كان يقول: «لو أن الغضوبَ أقام أمواتاً فما هو بمقبولٍ عندِ اللهِ. ولن يُقبِل إليه أحدٌ من الناسِ».
وقال أيضاً: «إن أنا ربحتُ أخي فقد قدمتُ قرباناً».
وسأله الإخوة بخصوصِ قتالِ الزنى فقال: «امضوا واطرحوا ضعفَكم قدامَ اللهِ فتجدوا راحةً».
وقال أنبا يوسف مرةً بخصوصِ المحبةِ: إن أخاً جاء إلى أنبا أغاثون فوجد معه مَسلَّة خياطة، فأُعجب الأخُ بها لأنها كانت جيدةً، فما كان من الشيخِ إلا أنه لم يتركه يمضي إلا بها.
مضى الأب أغاثون مرةً ليبيعَ عملَ يديه، فوجد إنساناً غريباً مطروحاً عليلاً وليس له من يهتمُ به. فحمله وأجّر له بيتاً وأقام معه يخدمُه ويعملُ بيديه ويدفعُ أجرةَ المسكنِ وينفقُ على العليلِ مدة أربعة أشهر حتى شُفي. وبعد ذلك انطلق إلى البريةِ. وكان يقولُ: «كنتُ أشاءُ لو وجدتُ رجلاً مجذوماً يأخذ جسدي ويعطيني جسدَه».
قيل عنه إنه كان يَحرِصُ على إتمامِ كلِّ الوصايا، ولما كان يعبُرُ النهرَ كان يُمسِكُ المجدافَ بنفسِه. وإذا رافق أخاً كان يهيئُ بنفسِه المائدةَ لأنه كان مملوءاً حلاوةً ومحبةً ونشاطاً.
حدث مرةً أن مضى إلى المدينةِ ليبيعَ عملَ يديه، فوجد إنساناً مجذوماً على الطريقِ، فقال له المجذومُ: «إلى أين تذهبُ»؟ قال له: «إلى المدينةِ». فقال له المجذومُ: «اصنع معي رحمةً وخذني معك». فحمله وأتي به إلى المدينةِ. ثم قال له المجذومُ: «خذني إلى حيث تبيعُ عملَ يديك»، فأخذه. ولما باع عملَ يديه سأله المجذومُ: «بكم بعتَ»؟ فقال: «بكذا وكذا». فقال له المجذومُ: «اشترِ لي شبكةً». فاشترى له. ومضى وباع ثم عاد وقال له المجذومُ: «بكم بعتَ»؟ فقال: «بكذا وكذا». فقال له المجذومُ: «خذ لي كذا وكذا من الأطعمةِ»، فأخذ له. ولما أراد المُضي إلى قلايتهِ قال له المجذومُ: «خذني إلى الموضعِ الذي وجدتني فيه أولاً». فحمله وردَّه إليه. فقال له الرجلُ: «مباركٌ أنت من الربِ إلهِنا الذي خلق السماءَ والأرضَ». فرفع أنبا أغاثون عينيه فلم يره لأنه كان ملاكَ الربِّ أُرسِل إليه ليجربَه.
وقيل عنه: إنه كان إذا تصرّف في أمرٍ وأخذ فكرُه يلومُه، فكان يخاطبُ نفسَه قائلاً: «يا أغاثون، لا تفعل أنت هكذا مرةً أخرى»، وبذلك كان يُسكِّن قلبَه.
وقال أيضاً: «إن كان أحدٌ يحبني وأنا أحبه للغايةِ، وعلمتُ أنه قد لحقني نقيصةٌ بسببِ محبتهِ فإني أقطعه منى وأنقطع منه بالكليةِ».
وقيل أيضاً: لما كان الأب أغاثون عتيداً أن ينطلقَ إلى الربِّ، مكث ثلاثةَ أيامٍ وعيناه مفتوحتان لا يتحرك. فأقامه الإخوةُ وقالوا له: «يا أبانا أنبا أغاثون: أين أنت»؟ فقال: «أمام مجلسِ قضاءِ الله أنا واقفٌ». فقالوا له: «أتفزع أنت أيضاً»؟ فأجابهم قائلاً: «على قدرِ طاقتي حفظتُ وصايا الله. إلا إنني إنسانٌ، من أين أعلمُ إن كان عملي أرضى اللهَ». فقالوا له: «ألستَ واثقاً بأن عملَك مرضيٌ أمام الله»؟ فقال الشيخُ: «لن أثقَ دونَ أن ألقى الله، لأن حكمَ الناسِ شيءٌ وحكمَ اللهِ شيءٌ آخر». فطلبوا منه أن يكلِّمهم كلمةً تنفعهم. فقال لهم: «اصنعوا محبةً، ولا تكلموني لأني مشغولٌ في هذه الساعة». وللوقت تنيح. فأبصروا وجهَه كمن يُقَبِّل حبيبَه. فهذا القديس كان متحفِّظاً جداً إذ كان يقول: «بغيرِ تحفظٍ كثيرٍ لا يقدرُ أحدٌ أن يصلَ إلى الفضيلةِ».

الأنبا أرسانيوس...Bishop Arsanios




الأنبا أرسانيوس

 
ِ
جاء عن القديس أرسانيوس إنه كان من روميا العظمى، وكان من أفاضلِ فلاسفتِها. وكان والدُه من أكابرِ البلاطِ المقرَّبين إلى الملكِ. فلما ملك ثاؤدوسيوس أرسلَ إلى الملكِ والبابا بروما طالباً رجلاً فيلسوفاً يُحسن اللغتين الرومية واليونانية لكي يعلمَ أولادَه الحكمَةَ والأدبَ. فلم يجدوا في كلِّ فلاسفة روما رجلاً يشبه أرسانيوس في الحكمةِ والفضلِ ومخافةِ الله. فأرسلوه إلي الملكِ بالقسطنطينية، ففرح به الملك وأحبه لفيضِ معرفتِهِ، ولأجلِ نعمةِ الله التي كانت عليه، فسلَّم له الملكُ أولادَه وقدَّمه على أكابرِ مملكتِهِ. وكان إذا رَكِبَ يكونُ قريباً من الإمبراطور. وكان له أمرٌ نافذٌ وعبيدٌ كثيرون يقومون بخدمته. ولم يتخذ في بيتهِ امرأةً. فلما بلغ مركزاً عظيماً هكذا بدأ يفكر في نفسِهِ قائلاً: «إن كلَّ هذا لا بدَّ له من أن يتلاشى كما ينحلُّ المنامُ، وإن كلَّ غنى الدنيا ومجدِها وجاهِها عبارةٌ عن حلمٍ، ولا يوجد شيءٌ ثابتٌ غيرُ قابلٍ للتغيير، وأنه لا ينفعُ الإنسانَ إلا خيرٌ يقدمه قدامه». فزهدتْ نفسُه كلَّ شيءٍ، وصار يطلبُ من الله كلَّ وقتٍ قائلاً: «عرِّفني يا ربُّ كيف أخلُص». فجاءه يوماً صوتٌ يقول له: «يا أرساني اهرب من الناس وأنت تخلص». فقام لوقتِهِ وترك كلَّ شيءٍ ونزل إلى البحرِ فوجد سفينةً إسكندرية تريد السفرَ، فركب فيها وجاء بها إلى الإسكندرية، ومن هناك أتى إلى الإسقيط إلى الأب مقاريوس، ذاك الذي أسكنه في إحدى القلالي الخارجةِ عن الديرِ لأنه وجده عاشقاً للهدوءِ. وبعد حضورهِ بأيامٍ قلائل تنيَّح الأب مقاريوس. وقد بدأ أرسانيوس حياتَه الرهبانية بنسكٍ عظيمٍ وصلاةٍ وقداسةٍ وزهدٍ حتى فاق كثيرين. وسمع بفضلِهِ أولادُ أكابر القسطنطينية ودواقستها، وابتدأ كثيرون منهم يتزهدون ويجيئون إلى ديارِ مصر ويترهبون.
فسمعتْ بخبرِهِ عذراءٌ من بناتِ رؤساءِ البلاطِ في روما. وكانت غنيةً جداً وخائفةً من الله، فلما جاءت لتُبصرَه ومعها مالٌ كثيرٌ وحشمٌ وجنودٌ، تلقاها البابا ثاؤفيلس البطريرك بوقارٍ كثيرٍ وأضافها. فسألته أن يطلبَ إلى الشيخِ بأن يُفسِحَ لها الطريقَ للمضي إليه. فكتب يقول له: «إن السيدة لارية السقليكي ابنه فلان من بلاطِ ملكِ رومية تريدُ أن تأذنَ لها برؤيتِك لأخذِ بركتَك». وكتب كذلك لمقدمِ الأديرةِ بأن يُمكِّن السيدةَ السقليكي من زيارةِ الآباءِ القديسين وأخذ بركتهم. فلم يشأ الأنبا أرسانيوس أن تأتي إلى البريةِ، وأنفذ لها بركةً من عندِهِ وقال لها: «هو ذا قد علمتُ بتعبِك وسفرِك، ونحن مصلين لأجلِك. فلا تحضري لأني لا أشاءُ أن أُبصرَ وجهَ امرأةٍ». أما هي فلم تقبل وقالت: «إن ثقتي باللهِ أن أُبصرَ وجهَك الملائكي، لأني ما تعبتُ وجئتُ لأنظرَ إنساناً، فبلدي كثيرةُ الناسِ، بل أتيتُ لأعاينَ ملاكاً». وأمرتْ أن يشدُّو على الدوابِ حتى أتت إلى البريةِ. فلما وصلت إليه كان القديسُ أرسانيوس خارجَ قلايته. فما أن أبصرته حتى خرَّت عند قدميهِ، فأقامها بغضبٍ وقال: «لقد آثرتِ أن تُبصري وجهي، وها أنت قد أبصرتِه فماذا استفدتِ»؟ أما هي فمِن حِشمتها لم تستطع النظرَ في وجههِ. فقال لها: «إذا سمعتِ بأعمالٍ فاضلةٍ فاعملي على أن تمارسيها ولا تجولي طالبةً فاعليها. كيف تجرأتِ فعبرتِ هذه البحار؟ أما تعلمين أنك امرأةٌ ولا يليقُ بك الخروج إلى مكانٍ ما. أتريدين المضي إلى رومية قائلةً للنساءِ الباقيات إنني رأيتُ أرساني، فتُحوِّلين البحرَ طريقاً للنساء ليأتوا إليَّ». فأجابته السيدةُ قائلة: «إني لإيماني يا أبي أتيتُ إليك وإن شاء اللهُ لن أَدَع امرأةً تأتي إليك، فصلِّ من أجلي واذكرني دائماً». فأجابها منتهراً قائلاً: «لا. بل إني أصلِّي إلى اللهِ أن يمحوَ خيالَكِ واسمَكِ وذِكرَكِ وفكرَكِ من قلبي». وتركها ودخل قلايته. فلما سمعت ذلك لم تَرُدَّ له جواباً ورجعت وهي قلقةُ الأفكارِ. ولما دخلت الإسكندرية اعترتها حمى لفرطِ حزنِها. أما البابا البطريرك فإنه استقبلها بإكرامٍ جزيلٍ، وسألها عن أمرِها. فقالت: «يا أبتاه، ليتني ما قابلتُ الشيخَ لأني لما سألتُه أن يذكرَني أجابني: إني أصلِّي إلى الله أن يمحوَ خيالَكِ واسمَكِ وذِكرَكِ وفكرَكِ من قلبي. وهو ذا عبدتُك تموتُ من الحزنِ». فقال لها البابا البطريرك: «ألا تعلمينَ أنكِ امرأةٌ، وأن العدوَ يُقاتلُ الرهبانَ بالنساءِ. فإلى ذلك أشار الشيخُ. وأما عن نفسِك فهو يصلِّي دائماً وغيرُ ناسٍ تعبَك وسفرَك». فطاب قلبُها ورجعت إلى بلادِها مسرورةً.
جلس الأب أرسانيوس في بعضِ الأيامِ يأكلُ فولاً مسلوقاً مع الإخوةِ، وكانت عادتهم أن لا ينقُّوه. أما هو فكان يُنقِّي الفولَ الأبيضَ من بين الأسودِ والمسوِّس ويأكلُه. فلم يوافق رئيسُ الديرِ على ذلك، وخشي أن يَفسدَ نظامُ الديرِ. فاختار رئيسُ الديرِ أحدَ الإخوةِ وقال له: «احتمل ما أفعله بك من أجلِ الربِّ». فأجابه الأخُ: «أمرُكَ يا أبي». قال: «اجلس بجانب أرسانيوس ونقِّ الفولَ الأبيضَ وكُلْهُ». فعمل الأخُ كما أمره رئيسُ الديرِ، الذي فاجأَهُ بلطمةٍ مُرَّةٍ على صدغِهِ وقال: «كيف تنقي الفولَ الأبيضَ لنفسِك وتترك الأَسودَ لإخوتك»؟ فسجد أرسانيوس للرئيسِ وللإخوةِ وقال لذلك الأخ: «يا أخي، إن هذه اللطمةَ ليست لك ولكنها موجهةٌ لخَدِّ أرسانيوس». وأردف قائلاً: «هوذا أرسانيوس معلمُ أولادِ الملوكِ اليونانيين لم يعرف كيف يأكلُ الفولَ مع رهبانِ إسقيطِ مصرَ، وهكذا ازداد فهماً واحتفاظاً بموهبتهِ».
قيل إن أحدَ الإخوةِ المجاورين لقلاية أنبا أرساني خرج يوماً ليقطع خوصاً. وكان يوماً حرُّه شديدٌ. فلما قطع الخوصَ ورجع أراد أن يأكلَ، فلم يمكنه أن يبلعَ الخبزَ اليابسَ لأن الحرَّ كان قد يبَّس حلقَه. وفي ذلك الوقتِ كان الإخوة بالإسقيط يسلكون بتقشفٍ عظيمٍ ونسكٍ زائدٍ، فأخذ الأخُ وعاءً به ماء وأذاب فيه قليلاً من الملح، وبلَّ فيه الخبزَ وبدأ يأكلُ. فدخل إليه الأب إشعياء ليفتقِدَه، فلما أحسَّ الأخُ بالأنبا إشعياء رفع الوعاءَ وخبَّأه تحت الخوصِ. وكان أنبا إشعياء رجلاً ذكياً حاراً في الروحِ جداً. وكان يعلمُ بأن أنبا أرسانيوس يعمل صِنفَين من الطعامِ: بَقلاً وخلاً، ولكن لأجلِ احتشامهِ لم يُرِد الآباءُ أن يكسروا قلبَه سريعاً. فوجد أنبا إشعياء أنها فرصةٌ مناسبةٌ لأن يؤدِّبَ أنبا أرسانيوس بواسطةِ هذا الأخ. فقال للأخِ: «ما هذا الذي خبأته مني»؟ فقال الأخُ: «اغفر لي يا أبي من أجلِ محبةِ السيد المسيح. لقد دخلتُ البريةَ لأقطعَ خوصاً فاشتدَّ عليّ الحرُّ جداً لدرجةِ أنه سدَّ حلقي. فلما دخلتُ القلايةَ أردتُ أن آكُلَ فلم أستطع بلعَ الخبزِ لجفافِ فمي وحلقي، فأخذتُ ماءً وأذبتُ فيه قليلاً من الملح وبللتُ به القراقيش ليَسهُلَ لي بلعه». فأخذ الأنبا إشعياء الوعاءَ وخرج ووضعه قدام قلاية أنبا أرسانيوس وقال للمراقب: «دُقَّ الجرسَ كي يحضرَ الإخوةُ ليبصروا الأخ زينون كيف يأكلُ مَرَقاً»، فلما حضروا التفتَ إلى الأخِ وقال له أمام الإخوةِ: «يا أخي، لقد تركتَ تنعمَك وكلَّ ما لك وجئتَ إلى الإسقيط حباً في الربِّ وفي خلاصِ نفسِك. فكيف تريدُ الآن أن تُلذِّذَ ذاتَك بالأطعمةِ؟ إن كنتَ تريدُ أن تأكلَ مَرَقاً امضِ إلى مصرَ لأنه لا يوجد في الإسقيط تنعمٌ». فلما سمع الأنبا أرسانيوس قال لنفسِهِ: «هذا الكلام موجَّهٌ إليك يا أرساني». وفي الحال أمر خادمَه أن يعملَ له بقولاً فقط. وقال: «ها أنا قد تأدبتُ بسائرِ حكمةِ اليونانيين أما حكمةُ هذا المصري بخصوصِ الأكلِ وحُسنِ تدبيرهِ فإني لم أصل إليه بعد. لقد صدق الكتاب إذ يقول: وتأدَّب موسى بكلِّ حكمةِ المصريين».
قيل عن أنبا أرسانيوس إنه بعد ما هرب من القسطنطينية وأتى إلى الإسقيط كان يداوم الصلاةَ والتضرعَ إلى اللهِ أن يرشدَه إلى ما ينبغي له أن يعملَ وكيف يتدبَّر؟ وبعد مضي ثلاث سنين جاءه صوتٌ يقول له: «يا أرسانيوس الزم الهدوءَ والبعدَ عن الناسِ واصمت وأنت تخلص، لأن هذه هي عروق عدم الخطية». فما أن سمعَ الصوتَ دفعةً ثانيةً حتى كان يهرُبُ من الإخوةِ ويُلزِم نفسَه الهدوءَ والصمتَ.
وقيل عنه: قَصَدَه الشياطين مرةً ليجرِّبوه. فلما جاءه الذين يخدمونه سمعوا صوتَه وهم خارج القلاية وهو يصرخُ إلى اللهِ ويقول: «يا ربُّ، لا تخذلني فإني ما صنعتُ قدامك شيئاً من الخيرِ. لكن هَبني من فضلِك أن أبدأ في عملِ الخيرِ».
وقيل عنه: «كما أنه لم يكن أحدٌ في البلاطِ الملكي يلبسُ أشرفَ من لبسِهِ، كذلك بعد خروجهِ إلى الرهبانيةِ لم يكن أحدٌ يلبسُ أحقرَ من لبسِهِ».
وقال عنه دانيال أحدُ تلاميذه: «إن مَئونتَه في السنةِ تليس قمح. وإذا جئنا إلى عندهِ كنا نأكلُ منها». وما كان يجدِّدُ ماءَ الخوصِ إلا دفعةً واحدةً في السنةِ، فكلما نَقُصَ الماءُ أضاف إليه قليلاً منه، وهكذا صارت له رائحةٌ كريهةٌ جداً ونتن لا يُطاق، وكان يعمل الضفيرةَ ويُخيِّط إلى ست ساعات. وحدث أن زاره الأب مقاريوس الإسكندري، فلما اشتمَّ الرائحةَ قال له: «يا أبانا أرسانيوس، لِمَ لا تغيِّر هذا الماء لأنه قد أنتن»؟ فأجابه أنبا أرسانيوس قائلاً: «الحق إني لا أستطيعُ أن أطيقها، لكني أكلِّف نفسي باحتمالِ هذه الروائح الكريهة وذلك عوض الروائح الذكية التي تلذَّذتُ بها في العالمِ». فلما سمع الإخوةُ الموجودون ذلك انتفعوا.
وقيل عنه: إنه إذا جلس يُضفِّر الخوصَ كان يأخذ خِرقةً ويضعها على ركبتيه لينشفَ بها الدموعَ التي كانت تتساقط من عينيه. وفي زمانِ الحرِّ كان يرطِّب الخوصَ بدموعهِ وهو يُضفِّر. ولما سمع الأنبا بيمين بنياحتِهِ تنهد وقال: «طوباك يا أنبا أرسانيوس، لأنك بكيتَ على نفسِك في هذا العالم. فإنَّ مَن لا يبكي على نفسِهِ ها هنا زماناً قليلاً، فسوف يبكي هناك زماناً طويلاً. فإن كان ها هنا بكاءٌ فبإرادتنا، وأما هناك فالبكاءُ من العذابِ. وعلى تلك الحالتين لن ننجوَ من البكاء. وعلى ذلك فما أمجد أن يبكي الإنسانُ على نفسِهِ ها هنا».
قيل: كان أنبا أرسانيوس دفعةً يسأل أحدَ الشيوخِ المصريين عن أفكارِهِ، فرآه شيخٌ آخر وقال له: «يا أبتاه أرسانيوس كيف وأنت المتأدِّب بالرومية واليونانية تحتاج إلى أن تسألَ هذا المصري الأمي عن أفكارِك»؟ أجابه أنبا أرسانيوس قائلاً: «أما الأدب الرومي واليوناني فإني عارفٌ به جيداً. أما ألفا فيتا التي أحسنها هذا المصري فإني إلى الآن لم أتعلَّمها»، وهو يقصدُ طريقَ الفضيلةِ.
قيل: «أتى ذات يومٍ البابا ثاؤفيلس البطريرك ومعه والي البلادِ إلى أنبا أرسانيوس وسألوه كلمةً، فسكت قليلاً ثم قال لهم: «إن قلتُ لكم شيئاً فهل تحفظونَه»؟ فلما ضَمِنَ له البابا البطريرك أمرَ حفظِهِ، قال لهم: «أينما سمعتم بأرساني فلا تدنوا منه».
وحدث مرة أن اشتهى البابا البطريرك أن يراه، فأرسل إليه يستأذنه إن كان يفتحُ له. فأجاب: «إن جئتَ فتحتُ لك، وإن فتحتُ لك فلن أستطيعَ أن أغلقَه في وجهِ أحدٍ. وإن أنا فتحتُ لكلِّ الناسِ فلن أستطيعَ الإقامةَ ها هنا». فلما سمع الأب البطريرك هذا الكلام قال: «إن مضينا إليه فكأننا نطردُه. فالأفضل ألا نمضي إليه».
وأيضاً سأله الأخُ أن يقولَ له كلمةً. فقال له الشيخُ: «جاهد بكل قوَّتِك أن يكونَ عملُك الجواني باللهِ لتستطيعَ أن تغلبَ الأوجاعَ البرانية».
وقال آخر: «ماذا أصنعُ، فإن الأفكارَ تحزنني وتقول لي: إذا لم تستطع الصومَ أو العملَ فلا أقل من أن تذهبَ لافتقادِ المرضى، فهذه هي المحبةُ». فقال له الشيخُ: «امضِ وكُلْ واشرب وارقد ولا تخرج من قلايتك». لأن الشيخَ عرف أن الصبرَ في القلايةِ يردُّ الراهبَ إلى طقسِهِ. فذهب ذلك الأخُ إلى قلايته. فلما استمر ثلاثةَ أيامٍ كما أمره الشيخُ ضجر، فأخذ قليلاً من الخوصِ وشقَّقه وبدأ يُضفِّرُ. فلما جاع قال لفكرِهِ: «لنفرغ من هذا الخوصِ القليل الذي معنا ثم نأكلُ». فلما فرغ من الخوصِ قال أيضاً: «لنقرأ في الإنجيلِ ثم بعد ذلك نأكلُ». فلما قرأ قال: «لأتلوَ مزاميري ثم بعد ذلك آكل بلا همٍّ». وهكذا قليلاً قليلاً بمعونةِ اللهِ كان يفعلُ حتى رجع إلى سيرتِهِ الأولى وأخذ سلطاناً على الأفكارِ وكان يغلبُها.
وسأله آخر: «لأيِّ شيءٍ أضجرُ إذا ما جلستُ في قلايتي»؟ فأجابه الشيخُ قائلاً: «لأنك إلى الآن لم تبصر ولم تتيقن من نياح الآخرةِ ولا عذابها. لأنك لو تيقَّنتَ من ذلك حقاً وكانت قلايتُك مملوءةً دوداً وأنت غارقٌ فيه إلى عنقِك لما ضجرت بالمرةِ».
وسأله مرقس أحدُ تلاميذهِ مرةً قائلاً: «لماذا تهرب منا يا أبتاه»؟ فأجابه الشيخُ قائلاً: «الله يعلمُ إني أحبُكم، ولكني لا أستطيع أن أكونَ مع اللهِ ومع الناسِ. لأن ألوفَ الملائكةِ والربوات العلوية لهم إرادةٌ واحدةٌ، أما الناسُ فلهم إرادات كثيرة، وهكذا لا أستطيعُ أن أتركَ اللهَ وأصيرَ مع الناسِ».
وأيضاً قيل عنه: إنه كان يستمرُ الليلَ كلَّه ساهراً. فإذا كان الغد كان يرقد من أجلِ الطبيعةِ مستدعياً النوم قائلاً: «هلمَّ يا عبدَ السوءِ». وكان يغفو قليلاً وهو جالسٌ، ولوقتهِ يقوم، وكان يقولُ: «يكفي للراهب أن يرقدَ ساعةً واحدةً من الليلِ إن كان عمَّالاً».
جيء إلى الإسقيط مرةً بقليلٍ من التين، فاقتسمها الرهبانُ فيما بينهم. ولأجلِ أنه شيءٌ ضئيلٌ استحوا أن يرسلوا له منه شيئاً قليلاً وذلك لجلالِ منزلته. فلما سمع الشيخُ امتنع عن المجيء إلى الكنيسةِ وقال: «أفرزتموني من الإخوةِ، ولم تعطوني من البركةِ التي أرسلها الله كأني لستُ أهلاً لأن آخُذَ منها، ولوجهِ آخر نسيتموني بسبب كبريائي». فلما سمعت الجماعةُ انتفعوا من اتضاعِ الشيخِ وانطلق القسُّ وأتاه بنصيبٍ من التينِ، ففرح وجميعُهم سبَّحوا الله وجاء معهم إلى المجمع.
مرض الأنبا أرسانيوس مرةً واحتاج إلى شيءٍ قيمته خبزةً واحدةً، وإذ لم يكن له ما يشتري به، أخذ من إنسانٍ صدقةً وقال: «أشكرك يا إلهي يا من أهلتني لأن أقبلَ الصدقةَ من أجل اسمِك».
وقيل إن قلايته كانت على بعدِ اثنين وثلاثين ميلاً وما كان يأتي بسرعةٍ، وكان آخرون يهتمون به. فلما خرب الإسقيط خرج باكياً وقال: «أهلك العالمُ رومية وأضاع الرهبانُ الإسقيط».
جاء دفعةً الأب أرسانيوس إلى ألكسندروس أحد تلاميذهِ وقال له: «إذا أنت شققتَ خوصَك، هلمَّ إلينا لنفطرَ، وإن أتوك غرباءُ فكُلْ معهم». فلما جاءت الساعةُ ولم يحضر لأنه لم يكن قد أتم تشقيق الخوصِ، فظن أنبا أرسانيوس أنه قد جاءه غرباءٌ فأكل معهم. ولما أتم ألكسندروس عملَه، أتى إليه، فقال له الشيخ: «هل كان عندك غرباء»؟ قال: «لا». فقال له: «فلماذا لم تأتِ بسرعةٍ»؟ فأجابه: «لأنك قلتَ لي إذا فرغتَ من تشقيقِ الخوصِ هلمَّ إليَّ، والساعةُ فقط أكملتُهُ». فتعجَّب الشيخُ من أقصى طاعتِه وقال: «قم أسرع وخذ طعامَك».
ومرةً أتى إلى مكانٍ به قصبٌ، فتحرَّك القصبُ من الريحِ، فقال الشيخُ للإخوة: «ما هذا الزلزال»؟ قالوا له: «إن هذا قصبٌ يا أبانا». فقال الشيخُ: «إن من كان جالساً في سكوتٍ وهدوءٍ وسمع صوتَ عصفورٍ فلن يكون لعقلِهِ نياحٌ. فكم بالحري إذا سمعتم هذا الزلزالَ من القصبِ».
ودفعةً أتى إليه رجلٌ يُدعى جسريانوس بوصيةٍ من رجلٍ شريف من جنسِهِ مات وأوصى له بمالٍ كثيرٍ جداً. فلما علم القديسُ بذلك همَّ بتمزيقِ الوصية، فوقع جسريانوس على قدميه وطلب إليه ألا يمزقها وإلا فرأسه عوضها. فقال له القديسُ: «أنا قد متُّ منذ زمانٍ، وذاك مات أيضاً». وبذلك صرفه ولم يأخذ منه ولا فلساً واحداً.
وقيل عنه: «إن أحداً لم يُدرك ولم يصل إلى معرفةِ كيف كان تدبيرُه وجهادُه».
وقيل عنه: «إنه في ليلةِ الأحدِ كان يخرجُ خارج قلايته ويقف تحت السماءِ ويجعلُ الشمسَ خلفه ويبسط يديه للصلاةِ حتى تسطع الشمسُ في وجهِهِِ ثم يجلس».
قيل عن أرسانيوس وتادرس الفرمي إنهما كانا مُبغضَيْن للسُبح الباطلِ جداً أكثر من غيرهم من الناس. أما أنبا أرسانيوس فلم يكن يلتقي بالناسِ كيفما اتفق. وأما أنبا تادرس فإنه وإن كان يلتقي بهم لكنه كان يجوزُ بسرعةٍ كالرمحِ.
تحدَّث القديسُ أرسانيوس عن إنسانٍ وفي الحقيقةِ كان يتحدثُ عن نفسِهِ، فقال: «كان أحدُ الشيوخِ جالساً في قلايته متفكراً، فأتاه صوتٌ قائلاً: هلمَّ فأريكَ أعمالَ الناسِ. فنهض إلى خارجِ فرأى رجلاً أَسودَ يقطعُ حِملاً من الحطبِ، وبدأ يجرِّبُ إن كان يستطيعُ حملَه فلم يستطع. فبدلاً من أن يُنقص منه، قام وقطع حطباً وزاد عليه. وهكذا صنع مراراً كثيرةً. ثم أنه مشى قليلاً فرأى رجلاً آخر واقفاً على حافةِ بئرٍ يتناول منه الماءَ ويصبُّه في جرنٍ مثقوبٍ، فكان الماءُ يرجع إلى البئرِ ثانية. وجاز قليلاً فرأى رجلين راكبين فرسين حامليْن عموداً على المجانبةِ، كلٌّ من طرفٍ وسائريْن بعرضِ الطريق، فلم يتضع أحدُهما ليكونَ خلفَ الآخرِ فيُدخلان العمودَ طولياً. وعلى ذلك بقيا خارج الباب». وأردف قائلاً: «هؤلاء هم الحاملون نير ربنا يسوع المسيح بتشامخٍ ولم يتواضعوا أو يخضعوا لمن يهديهم. لذلك لم يستطيعوا الدخولَ إلى ملكوتِ السماوات. أما قاطعُ الحطبِ فهو إنسانٌ كثيرُ الخطايا، فبدلاً من أن يتوبَ، يُزيد خطايا على خطاياه. وأما المستقي الماءَ فهو إنسانٌ يعملُ الصدقةَ من ظلمِ الناسِ فيَضيعُ عملُهُ».
قيل عن الأنبا أرسانيوس: أتى أناسٌ من الإسكندريةِ في بعضِ الأوقاتِ لينظروه، وكان أحدهم خال تيموثاوس بطريرك الإسكندرية، وكان الشيخُ في ذلك الوقت مريضاً. فلم يشأ أن يلقاهم لئلا يأتي آخرون فيسجسوه. وكان الشيخُ يسكنُ في طرواوس. فرجع الإخوةُ حزانى. فاتفق حضور البربر، فجاء وسكن في الأرض السفلى. فلما سمعوا عنه جاءوا إليه أيضاً ليبصروه فقبلهم بفرحٍ. فقالوا له: «هل عرفتَ يا أبانا أننا جئنا إلى طرواوس ولم تقبلنا»؟ فأجاب الشيخُ: «أنتم أكلتم خبزاً وشربتم ماءً. وأما أنا يا أولادي فما أكلتُ خبزاً ولا ذقتُ ماءً، بل كنتُ جالساً معذِّباً نفسي حتى علمتُ أنكم وصلتم إلى مواضعكم. لأن تعبَكم كان من أجلي، لكن الآن اغفروا لي»، فرجعوا مسرورين.
وحدث وهو في الإسقيط أن مرض فمضى القسيسُ وجاء به إلى الكنيسةِ ووضعه على فراشٍ صغير، ووضع تحت رأسهِ وسادةً من جلدِ الغنم. فلما جاء بعضُ الشيوخ ليفتقدوه ورأوا الفراشَ والوسادةَ قالوا: «أهذا هو أرسانيوس المتكئ على هذا الفراش»؟! فما كان من القسيس إلا أن يختلي بأحدهم ويسأله قائلاً: «ماذا كان عملُك في بلدتِك قبل أن تترهبن»؟ قال: «راعياً». قال له: «وكيف كان تدبيرُك في معيشتك»؟ أجابه: «تدبيرٌ كثيرُ المشقةِ والتعب». ثم سأله: «والآن كيف حالُك في قلايتك»؟ فأجابه: «بكلِّ ارتياحٍ، أفضلُ مما كنتُ في العالمِ». فقال له القسيس: «ألا تعلم أن أنبا أرسانيوس هذا كان في العالم أبَ الملوكِ. وكان له ألفُ غلامٍ من أصحابِ المناطق الموشاةِ بالذهبِ وأطواق اللؤلؤ. وكان له عبيدٌ وخدمٌ يقومون بخدمتهِ وهو جالسٌ على الكراسي الملوكية وتحته البرفير والحرير الخالص الملون. فأما أنت فقد كنت راعياً ولم يكن لك في العالمِ ما هو لك الآن من النياح. أما هذا فليس له شيءٌ من النعيمِ الذي كان له في العالمِ. فالآن أنت مرتاحٌ أما هو فمتعَبٌ». فلما سمع الشيخُ ذلك ندم وصنع مطانية قائلاً: «اغفر لي يا أبي فقد أخطأتُ. بالحقيقةِ هذا هو الراهبُ لأنه أتى إلى الاتضاع، وأما أنا فقد أتيتُ إلى نياحٍ»، وانصرف منتفعاً.
ودفعة أتاه أحدُ الإخوةِ وقرع بابَه، ففتح ظاناً أنه خادمه، فلما رآه أنه ليس هو وقع على وجهِهِ. فقال له الأخُ: «قم يا أبي حتى أسلِّمَ عليك ولو على البابِ». فقال له الشيخُ: «لن أقومَ حتى تنصرفَ». وألح الأخُ في الطلبِ فلم يقُم. فتركه الأخُ وانصرف.
وحدث مرةً أن جاء أخٌ غريب إلى الإسقيط ليبصرَ الأنبا أرسانيوس، فأتى إلى الكنيسة وطلب من الإكليروس أن يروه له، فقالوا له: «كُلْ كِسرة خبزٍ وبعد ذلك تبصره». فقال: «لن أتذوقَ شيئاً حتى أبصره». فأرسلوا معه أخاً ليرشده إليه لأن قلايته كانت بعيدةً جداً. فلما قرع البابَ فتح له فدخل وصليا وجلسا صامتين. فقال الأخُ الذي من الكنيسةِ: «أنا منصرفٌ فصلِّيا من أجلي». أما الأخُ الغريبُ لما لم يجد له دالةً عند الشيخِ قال: «وأنا منصرفٌ معك كذلك». فخرجا معاً. فطلب إليه أن يمضي به إلى قلاية أنبا موسى الذي كان أولاً لصاً. فلما أتى إليه قبله بفرحٍ ونيح غربتَه وصرفه. فقال له الأخُ الذي أرشده: «ها قد أريتُك اليوناني والمصري، فمَن مِن الاثنين أرضاك»؟ أجابه قائلاً: «أما أنا فأقولُ إن المصري قد أرضاني». فلما سمع أحدُ الإخوةِ ذلك صلَّى إلى الله قائلاً: «يا ربُّ اكشف لي هذا الأمرَ، فإن قوماً يهربون من الناسِ من أجلِ اسمِك، وقوماً يقبلونهم من أجلِ اسمِك أيضاً. وألحَّ في الصلاةِ والطلبةِ، فتراءت له سفينتان عظيمتان في لُجَّةِ البحرِ. ورأى في إحداهما أنبا أرسانيوس وهو يسير سيراً هادئاً وروحُ الله معه. ورأى في الأخرى أنبا موسى وملائكةُ الله معه وهم يُطعمونه شهدَ العسلِ.
زاره مرةً بعضُ الشيوخِ وسألوه عن السكوتِ وعن قلةِ اللقاءِ، فقال لهم: «إن العذراءَ ما دامت في بيتِ والديها فكثيرون يريدون خطوبتها. فإن هي دخلت وخرجت فإنها لن تُرضي كلَّ الناسِ لأن بعضَهم يزدريها وبعضَهم يشتهيها، ولن تكون لها الكرامةُ إلا وهي مختفيةٌ في بيتِ أبيها. هكذا النفسُُ الهادِئةُ المعتكفةُ، متى اشتُهِرت تبهدلت».
قال أنبا أرسانيوس هذا التعليمَ لتلاميذهِ قبل نياحته: «ثلاثةُ أشياءٍ تكونُ من جودةِ العقلِ: الإيمانُ باللهِ والصبرُ على كلِّ محنةٍ وتعبُ الجسدِ حتى يُذَّل. وثلاثةُ أمورٍ يفرحُ بها العقلُ: تمييزُ الخيرِ من الشرِ والتفكر في الأمرِ قبل الإقدامِ عليه والبعدُ عن المكرِ. وثلاثةُ أشياءٍ يستنيرُ بها العقلُ: الإحسانُ إلى من أساء إليك، والصبرُ على ما ينالك من أعدائك، وتركُ النظرِ أو الحسد لمن يتقدمك في الدنيا. وستةُ أشياءٍ يتطهرُ بها العقلُ: الصمتُ، حفظُ الوصايا، الزهدُ في القوتِ، الثقةُ باللهِ في كلِّ الأمورِ مع ترك الاتكال على أيِّ رئيسٍ من رؤساء الدنيا، قمعُ القلبِ عن الفكرِ الرديء وعدم استماع كلام الأغنياء والامتناع من النظر إلى النساء. وأربعةٌ تحفظُ النفسَ: الرحمةُ لجميعِ الناسِ، تركُ الغضب، الاحتمالُ، إخراج الذنب وطرحه من قلبك بالتسبيح. وأربعةٌ تحفظُ الشابَّ من الفكرِ الرديء: القراءةُ في كتبِ الوصايا، طرحُ الكسلِ، القيامُ في الليلِ للصلاةِ والابتهال، والتواضع دائماً. وثلاثةٌ تُظلم النفس: المشي في المدن والقرى، النظرُ إلى مجد العالم، الاختلاطُ بالرؤساءِ في الدنيا. من أربعةِ أمورٍ تتولد للجسد النجاسةُ: الشبع من الطعامِ، السُكر من الشرابِ، وكثرة النوم، نظافةُ البدنِ بالماءِ والطيبِ وتعاهد ذلك كل وقت. وأربعةٌ تُعمي النفس: البغضةُ لأخيك، والازدراءُ بالمساكين خاصةً، الحسدُ، والوقيعةُ. وأربعةٌ يتولد عنها هلاكُ النفسِ وخسارتُها: الجوَلان من موضعٍ إلى موضعٍ، محبةُ الاجتماعِ بأهلِ الدنيا، الإكثارُ من الترفِ والبذخِ، كثرةُ الحقدِ في القلبِ. من أربعةِ أمورٍ يتولد الغضبُ: المعاملةُ، المساومةُ، الانفرادُ برأيك فيما تهواه نفسُك، عِدولك عن مشورةِ الآخرين واتِّباع شهواتك. وثلاثةٌ إذا عَمل بها الإنسانُ يسكنُ في الملكوتِ: الحزنُ والتنهدُ دائماً، البكاءُ على الذنوبِ والآثامِ، وانتظارُ الموتِ في كلِّ يومٍ وساعةٍ. وثلاثةٌ تحاربُ العقلَ: الغفلةُ، الكسلُ، وتركُ الصلاةِ».
ولما قَرُبَ وقتُ نياحته دعا تلاميذَه وعزَّاهم ووعظهم وقال لهم: «اعلموا أن زماني قد قَرُبَ، فلا تهتموا بشيءٍ سوى خلاصِ نفوسِكم ولا تنزعجوا بالنحيبِ عليَّ. ها أنذا واقفٌ معكم أمام مِنبرِ المسيحِ المُهاب، فإذا جاءت الساعةُ رجائي ألا تُعطوا جسدي لأحدٍ من الناسِ». فقالوا له: «فماذا نصنعُ لأننا لا نعرف كيف نكفِّنه»؟ فقال لهم الشيخُ: «أما تعرفون كيف تربطون رجليَّ بحبلٍ وتجرونني إلى الجبلِ لتنتفعَ به الوحوشُ والطيورُ». وكان الشيخُ يقول لنفسِه دائماً: «أرساني أرساني تأمَّل فيما خرجتَ لأجلهِ».
وقال: «كثيراً ما تكلمتُ وندمتُ، وأما عن السكوتِ ما ندمتُ قط».
ولما دنت نياحته نظروه يبكي فقالوا له: «يا أبانا أتفزع أنت أيضاً»؟ أجابهم قائلاً: «إن فزعَ هذه الساعةِ ملازمٌ لي منذ جئتُ إلى الرهبنةِ». وهكذا رقدَ ودموعُه تسيلُ من عينيهِ. فبكى تلاميذُه بكاءً مُرّاً وصاروا يقبِّلون قدميه ويودِّعونه كإنسانٍ غريبٍ يريدُ السفرَ إلى بلدهِ الحقيقي.
وقد أخبر عنه دانيال تلميذُه فقال: «إنه ما طلب قط أن يتكلمَ من كتابٍ، بل كان يصلِّي من أجلِ ذلك لو أرادَ. وما كان يكتبُ رسالةً. ولما كان يأتي إلى الكنيسةِ كان يقفُ خلفَ العمودِ لئلا يبصرَ إنسانٌ وجهَه. وما كان ينظرُ إلى وجهِ إنسانٍ. وكان منظرُه يشبه منظرَ ملاكٍ. وكان كاملاً في الشيخوخةِ وصحيحَ الجسمِ مبتسماً. وكانت لحيتُه تصلُ إلى بطنهِ، وكان شعرُ جفونِه يتساقط من كثرةِ البكاءِ. وكان طويلُ القامةِ، لكنه انحنى أخيراً من الشيخوخةِ. وبلغ من العمرِ سبعاً وتسعين سنةً، أربعون سنةً منها حتى خروجِه من بلاطِ الملك، وباقيها في الرهبنةِ والوحدةِ. وكان رجلاً صالحاً مملوءاً من الروحِ القدس والإيمان. وقد ترك لي ثوباً من الجلدِ وقميصاً من الشعرِ ونعالاً من ليفٍ، وبهذه الأشياءِ كنتُ أنا غيرُ المستحق أتبارك بها».
قيل عن البابا ثاؤفيلس البطريرك لما حضرته الوفاة، قال: «طوباك يا أنبا أرسانيوس لأنك لهذه الساعةِ كنتَ تبكي كلَّ أيامِ حياتك».