الاثنين، 6 أغسطس 2012

كتاب اللاهوت المقارن (1) لقداسة البابا شنودة الثالث 30- شفاعتان: شفاعة المسيح وشفاعة القديسين



كتاب اللاهوت المقارن (1) لقداسة البابا شنودة الثالث

30- شفاعتان: شفاعة المسيح وشفاعة القديسين

 
البروتستانت ينكرون الشفاعة كلية سواء بالعذراء أو القديسين، ويعتمدون في ذلك علي قول يوحنا الرسول (لنا شفيع عند الآب، يسوع المسيح البار) (1يو1:2). وأيضًا قول الرسول (لأنه يوجد إله واحد، ووسيط واحد بين الله والناس، الإنسان يسوع المسيح) (1تي1:2).
1- والحقيقة أن هناك فارقًا أساسيًا كبيرًا بين شفاعة المسيح وشفاعة القديسين: فشفاعة المسيح شفاعة كفارية..
أي أن السيد المسيح يشفع في مغفرة خطايانا باعتباره الكفارة التي نابت عنا في دفع ثمن الخطية.
فكأن شفاعته معناها أن يقول للآب (أترك لهم حساب خطاياهم، لأني حملت عنهم هذه الخطايا) (اش6:53). وهكذا يقف وسيطًا بين الله والناس. بل أنه الوسيط الواحد الذي وقف بين الله والناس: أعطي الآب حقه في العدل الإلهي، وأعطي الناس المغفرة، بأن مات عنهم كفارة عن خطاياهم.
St-Takla.org Image: Kingdom of Heaven with Jesus, by Tasony Sawsan
صورة في موقع الأنبا تكلا: ملكوت السماوات مع المسيح رسم تاسوني سوسن
وهذا هو المعني الذي يقصده القديس يوحنا الرسول، فهو يقول "إن أخطأ أحد، فلنا شفيع عند الآب، يسوع المسيح البار، وهو كفارة لخطايانا. ليس لخطايانا فقط بل لخطايا كل العالم أيضًا" (1 يو 2: 1، 2). هنا تبدو الشفاعة الكفارية واضحة، فهي شفاعة في الإنسان الخاطيء "إن أخطأ أحد"؛ وهذا الخاطئ يحتاج إلي كفارة. والوحيد الذي قدم هذه الكفارة هو يسوع المسيح البار. لذلك يستطيع أن يشفع فينا، بدمه المسفوك عنا.
ونفس المعني أيضًا يحمله قول بولس الرسول عن السيد المسيح باعتباره الوسيط الوحيد بين الله والناس. فيقول في ذلك "وسيط واحد بين الله والناس، الإنسان يسوع المسيح، الذي بذل نفسه فديه لأجل الجميع" (1تي5:2).
فهو هنا يشفع باعتباره الفادي الذي بذل نفسه ودفع خطايانا.
هذا اللون من الشفاعة لا نقاش فيه مطلقًا. إنه خاص بالمسيح وحده أما شفاعة القديسين في البشر فلا علاقة لها بالكفارة ولا الفداء. وهي شفاعة فينا عند السيد المسيح نفسه.
2-  شفاعة القديسين فينا هي مجرد صلاة من أجلنا ولذلك فهي شفاعة توسلية غير شفاعة المسيح الكفارية.
والكتاب يوافق عليها، إذا يقول "صلوا بعضكم لأجل بعض" (يع16:5). والقديسون أنفسهم كانوا يطلبون صلوات الناس عنهم. فالقديس بولس يقول لأهل تسالونيكي "صلوا لأجلنا" (2تي1:3). ويطلب نفس الطلبة  من العبرانيين (عب18:13) (اقرأ مقالًا آخر عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في قسم الأسئلة والمقالات). ويقول لأهل أفسس "مصلين بكل صلاة وطلبة.. لأجل جميع القديسين، ولأجلي لكي يعطي لي كلام عند افتتاح فمي" (أف18:6). وطلب الصلاة لا حصر له في الكتاب المقدس.
فإن كان القديسون يطلبون صلواتنا، أفلا نطلب نحن صلواتهم؟
وأن كنا نطلب الصلاة لأجلنا من البشر الأحياء، الذين لا يزالون في فترة الجهاد (تحت الآلام مثلنا). أفلا نطلبها من القديسين الذين أكملوا جهادهم، وانتقلوا إلي الفردوس، يحيون فيها مع المسيح..
وهل هؤلاء قلت مكانتهم بعد انتقالهم من الأرض إلي الفردوس. بحيث كان يجوز لنا أن نطلب صلواتهم  وهم علي الأرض. وأصبحت صلواتهم محرمة وهم قريبون من الله في الفردوس.
وأن كنا نطلب صلوات البشر، هل كثير أن نطلب صلوات الملائكة؟!

- أمثلة للشفاعة



3- إن الله يطلب من الناس شفاعة الأبرار فيهم.
يطلب ذلك بنفسه ويقبله ويفسح له مجالًا لكي يحدث. وسأضرب بعض أمثلة لهذه الشفاعات التي قبلها الله:
أ)* قصة أبينا إبراهيم وأبيمالك الملك:-
لقد أخطأ أبيمالك وأخذ سارة زوجة إبراهيم، وضمها إلي قصره وفعل ذلك بسلامة قلب، لأن إبراهيم كان قد قال عنها أنا أخته. فظهر الرب لأبيمالك في حلم، وأنذره بالموت. ثم قال له "فَالآنَ رُدَّ امْرَأَةَ الرَّجُلِ، فَإِنَّهُ نَبِيٌّ، فَيُصَلِّيَ لأَجْلِكَ فَتَحْيَا" (سفر التكوين 20: 7).
St-Takla.org Image: Saint Rebecca and Her Five Children, Refka
كان يستطيع أن يغفر للرجل، بمجرد رده للمرأه إلي زوجها، ولكنه اشترط للمغفرة، أن يصلي إبراهيم لأجله، فيحيا. وهكذا نري أن الله اشترط وطلب شفاعة إبراهيم في أبيمالك.
ب)* قصة أيوب الصديق وأصحابه الثلاثة (أي42).
بنفس الطريقة أشترط الرب شفاعة أيوب الصديق في أصحابه الثلاثة وصلاته من أجلهم لكي يغفر الرب لهم. وفي هذا يقول الكتاب (إن الرب قال لأليفاز التيماني قد أحتمي غضبي عليك وعلي صاحبيك. والآن فخذوا لأنفسكم سبعة ثيران وسبعة كباش، واذهبوا إلي عبدي أيوب واصعدوا محرقة. وعبدي أيوب يصلي من أجلكم، لأني أرفع وجهه لئلا أصنع معكم حسب حماقتكم" (أي42: 7، 8).
في كلا الحادثين، الله يكلم الشخص بنفسه، ولكنه لا يعطيه غفرانًا مباشرًا، وإنما يشترط صلاة القديس من أجله، لكي ينال المخطئ هذا الغفران، ولكي يرفع الله وجه هذا القديس ويعطيه كرامة أمام الناس. ويقبل الله هذه الوساطة، بل يطلبها.
ج) شفاعة إبراهيم في سادوم:
كان يمكن لله أن يعاقب سادوم، دون تدخل أبينا إبراهيم في الموضوع. وإبراهيم لم يتدخل من نفسه، وإنما الرب هو الذي عرض عليه الأمر وأدخله فيه، وأعطاه فرصة للتشفع في هؤلاء الناس، وقبل شفاعته. وسمح أن تسجل لنا هذه الحادثة، لكي يرفع وجه إبراهيم أمام العالم كله، ويرينا الله كيف يكرم قديسيه.. وفي هذا قال الكتاب: "فقال الرب هل أخفي عن إبراهيم ما أنا أفعله؟!" (تك17:18).
وعرض الرب موضوع سادوم علي إبراهيم وأعطاه فرصة أن يتشفع فيها، عسي أن يوجد في المدينة خمسون، أو 45، أو 40، أو 30، أو 20، أو 10، فلا يهلك الرب المدينة من أجل هؤلاء.
ومجرد أن الرب لا يهلك المدينة من أجل هؤلاء الأبرار الذين في المدينة لا يعطينا فقط مجرد فكرة عن كرامة إبراهيم أمام الرب. إنما أيضًا كرامة هؤلاء الأبرار أمام الله.
"فقال الرب: إن وجدت في سادوم خمسين بارًا.. فإني أصفح عن المكان كله من أجلهم".. "لا أفعل من أجل الأربعين..".. "لا أهلك من أجل العشرين".. "لا أهلكهم من أجل العشرة" (تك18: 26 إلي 32).
إن عبارة "من أجل.." لها قيمتها اللاهوتية الدالة علي إنقاذ الله لأشخاص، من أجل آخرين وتعطي دلالة واضحة علي وساطة الأبرار من أجل الخطاة، وقبول الله هذه الوساطة، حتى أن يطلب هؤلاء وأولئك..
د) شفاعة موسى في الشعب:
أراد الله أن يهلك الشعب لعبادة العجل الذهبي. ولكنه لم يفعل مباشرة، وإنما عرض الأمر علي موسى النبي، وأعطاه فرصة للشفاعة فيهم وقبل شفاعته.
وكما قال له إبراهيم "حاشاك يا رب"، قال له موسى "ارجع يا رب عن حمو غضبك، وأندم علي الشر بشعبك اذكر إبراهيم واسحق وإسرائيل عبيدك الذين حلفت لهم.." ويقول الكتاب بعد هذا "فندم الرب على الشر الذي قال أنه سيفعله بشعبه" (خر32: 7-14).
هـ) هذه أمثلة صلوات أحياء من أجل أحياء. أما الذين انتقلوا فلهم مكانة أكبر لدرجة أن الله كان يرحم الناس من أجلهم حتى دون أن يصلوا. فكم بالأولي إن صلوا لأجل أحد:
ومن أمثلة ذلك ما فعله الرب من أعمال الأشفاق والرحمة من أجل داود عبده بسبب خطية سليمان (اقرأ مقالًا آخر عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في قسم الأسئلة والمقالات). قرر الله يمزق مملكته. ولكنه يقول له عن تقسيم المملكة.
"إلا أنني لا أفعل ذلك في أيامك من أجل داود أبيك، بل من يد ابنك أمزقها. علي أني لا أمزق منك الملكة كلها، بل أعطي سبطًا واحدًا لابنك، لأجل داود عبدي، ولأجل أورشليم التي اخترته") (1مل11: 12، 13). ويكرر الرب نفس الكلام في حديثه مع يربعام "هأنذا أمزق المملكة من يد سليمان وأعطيك عشرة أسباط. ويكون سبط واحد من أجل داود عبدي، ومن أجل أورشليم التي اخترتها" (1مل11: 31، 32)…
"ولا آخذ كل المملكة من يده، بل أصيره رئيسا كل أيام حياته، لأجل داود عبدي، الذى اخترته، الذي حفظ وصاياى وفرائضى (1 مل 11 : 34 ).
الله يكرر نفس العبارة ثلاث مرات في اصحاح واحد "من أجل داود عبدى" لهذا قال المرتل "من أجل داود عبدك لا ترد وجهك عن مسيحك" (مز10:132). إن كنت هكذا مكانة داود عند الرب، فكم بالأكثر تكون مكانة العذراء، والملائكة ومكانة يوحنا المعمدان أعظم من ولدته النساء. وكم تكون مكانة الشهداء الذين تعذبوا وذاقوا الموت من أجل الرب.
لذلك، مادمنا نطلب صلوات رفقائنا علي الأرض، فلماذا لا نطلب صلوات أولئك الذين "يضيئون كالكواكب إلي أبد الدهور" (دا3:12)؟! ولماذا لا نطلب صلوات أولئك الذين "جاهدوا الجهاد الحسن، وأكملوا السعي  وحفظوا الإيمان" (2تي7:4). وأن كانت الشفاعة – وهي صلاة – تعتبر وساطة، وإن كانت كل وساطة غير مقبولة، تكون إذن كل صلاة إنسان من أجل إنسان آخر هي أيضًا وساطة مرفوضة إذ لنا وسيط واحد..!
ويرفض وساطات الصلاة، يكون الرسول إذن قد أخطأ (حاشا) حينما قال "صلوا بعضكم لأجل بعض" (يع16:5)، علي اعتبار أن العلاقة بين الإنسان  والله، علاقة مباشرة، وهي في ظل الحب الإلهي لا تحتاج إلي صلاة من أحد..!
وبالتالي تكون كل الصلوات من أجل الآخرين التي وردت في الكتاب لا معني لها وضد الحب الإلهي!!
لأن الله يحب الناس، وهو غير محتاج إلي الآخرين يصلون عن أولاده ويذكرونه برعايته الأبوية لهم وبحبه الأبوي!
ويكون هؤلاء أيضًا قد أساءوا فهم القصد الإلهي، حينما طلب الله من أبيمالك  أن يصلي عنه إبراهيم (تك7:20). وحينما طلب من أصحاب أيوب أن يصلي عنهم أيوب ( أي 8:42).
إن صلوات البشر بعضهم لأجل بعض (منتقلين ومجاهدين) دليل علي المحبة المتبادلة بين البشر ودليل علي إيمان البشر الأحياء بأن الذين انتقلوا ما يزالون أحياء يقبل الله صلواتهم، دليل علي إكرام الله لقديسيه.
من أجل هذا سمح الله بهذه الشفاعات، لفائدة البشر. وهذه الشفاعة أقامت جسرًا ممتدًا بين سكان السماء وسكان الأرض. ولم تعد السماء شيئًا مجهولًا مخفيًا في نظر الناس. وأصبح للناس إيمان بالأرواح وعملها ومحبتها.



هل يعرف الملائكة والقديسون حالتنا على الأرض؟


 
هناك سؤال هام كثيرًا ما يقدمه منكروا الشفاعة وهو:
هل يعرف الملائكة والقديسون حالتنا علي الأرض؟
ونجيب علي هذا السؤال بنعم. أما الأدلة فهي:
أ- لا شك أن معرفة السماء أكثر من معرفة الأرض.
لذلك من المذهل أن يسأل أحد: هل القديسون في السماء يعرفون أخبارنا وصلواتنا علي الأرض؟
St-Takla.org Image: Intercession of Virgin Mary
صورة في موقع الأنبا تكلا: طلب شفاعة مريم العذراء
هوذا بولس الرسول يجيب ويقول "فإننا ننظر في مرآة في لغز لكن حينئذ وجهًا لوجه، الآن أعرف بعض المعرفة، لكن حينئذ سأعرف كما عرفت" (1كو12:13).
إذن معرفتنا في العالم الآخر ستزيد، وستنكشف لنا أسرار كثيرة عندما نخلع هذا الجسد المادي الذي يقيد الروح، حينئذ، هناك ستتسع معرفة الروح، وستخرج من نطاق (بعض المعرفة) إلي مجال أوسع.
يضاف إلي هذه المعرفة، ما يعلنه الرب للأرواح، أي ما يدخل في نطاق الكشف الإلهي.
ب- معرفة الملائكة واضحة من قول الرب أنه "يكون فرح في السماء بخاطئ واحد يتوب أكثر من 99 بارًا لا يحتاجون إلي توبة" (لو10:15).
ومعني هذا أن أخبار الأرض تصل إلي سكان السماء، سواء كانوا ملائكة أو أرواح قديسين. فيعرفون من يتوب، ومن لا يحتاجون إلي توبة، ويسرون لتوبة الخاطئ لأنهم إن كانوا لا يعرفون فكيف سيفرحون؟!
ج- الملائكة تعرف صلواتنا، لأنها تحمل صلواتنا إلي عرش الله.
والشهادات كثيرة علي هذا في سفر الرؤيا.
ورد في سفر الرؤيا (8: 3-5): "وجاء ملاك آخر ووقف عند المذبح ومعه مبخرة من ذهب، وأعطي بخورًا كثيرًا لكي يقدمه مع صلوات القديسين جميعهم علي مذبح الذهب الذي أمام العرش، فصعد البخور مع صلوات القديسين من يد الملاك أمام الله".
وهنا تري صلوات القديسين تصعد أمام الله، من يد الملاك ومبخرته. فكيف لا يعرفها..؟
وكما يعرف الملائكة صلواتنا ويعرفونها، كذلك الحال أيضًا بالنسبة إلي الأربعة والعشرين قسيسًا:
ورد في (رؤ8:5) عن الأربعة والعشرين قسيسًا: (ولهم كل واحد قيثارات، وجامات من ذهب، مملؤءة بخورًا هي صلوات القديسين، داخل مجامرهم يرفعونها إلي الله. وهذا دليل علي معرفتهم لهذه الصلوات التي يرفعونها إلي الله (اقرأ مقالًا آخر عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في قسم الأسئلة والمقالات). ولا شك أنه مما يمكن أن يقال أيضًا ذكر "ملائكة الأطفال" حيث قال الرب: "أنظروا لا تحتقرا أحد هؤلاء الصغار، لأني أقول لكم أن ملائكتهم في السموات كل حين ينظرون إلي وجه أبي الذي في السموات" (مت10:18)
د- مثال آخر هو قصة إبراهيم  والغني ولعازر (لو16).
قال أبونا إبراهيم للغني "اذْكُرْ أَنَّكَ اسْتَوْفَيْتَ خَيْرَاتِكَ فِي حَيَاتِكَ، وَكَذلِكَ لِعَازَرُ الْبَلاَيَا" (لو25:16). فمن أين عرف أبونا إبراهيم البلايا التي احتملها لعازر المسكين، ومن أين عرف تَنَعُّمات الرجل الغني؟ وكيف قال عن أهل الغني انه "عندهم موسى والأنبياء"، بينما أبونا إبراهيم انتقل من الأرض قبل موسى بمئات السنين، وقبل باقي الأنبياء، ولكنه عرف هذا كله؟ وكيف لا يعرف إبراهيم، وهو الذي قال عنه الرب "رأي يومي ففرح" (يو56:8).
هـ- شهادة من أنفس الذين استشهدوا:
يقول القديس يوحنا في سفر الرؤيا (6: 9-11).إنه لما فتح الختم الخامس، رأي نفوس الذين استشهدوا تحت المذبح، يصرخون بصوت عظيم قائلين "حتى متي أيها السيد القدوس والحق، لا تقضي وتنتقم لدمائنا من الساكنين علي الأرض؟ فأُعْطِيَ كل واحد ثيابًا بيضًا، وقيل لهم أن يستريحوا زمانًا قليلًا حتى يَكمَل العبيد رفقاؤهم" سلسلة الشهداء..
إذن فهؤلاء قد عرفوا – بعد وفاتهم – أن الرب لم ينتقم لهم بعد. وهو يصرخون إلي الله: إلي متي يترك الشر ينتصر في الأرض؟ وإلي متي تترك الأقوياء بالجسد يحطمون أولادك؟ وإلي متي سيسفكون هذه الدماء؟
فمن أين لهؤلاء أن يعرفوا كل هذا؟
أنهم يعرفون. وعندما سيكمل العبيد رفقاؤهم، سيعرفون..
قصة عجيبة عن إيليا النبي (2أي21).
تروي القصة أن يهورام الملك قتل جميع أخوته، وسلك في الفساد في طريق آخاب الردية، وأقام مرتفعات للأصنام، وعمل الشر في عيني الرب..
وإذ بكتابة من إيليا النبي تصل إليه.. كان إيليا قد ترك الأرض، وصعد إلي السماء منذ سنوات خلت.
أتت إليه كتابة من إيليا النبي تقول: "هكذا قال الرب إله داود أبيك: من أجل أنك لم تسلك في طريق يهوشافاط أبيك وطرق آسا ملك يهوذا، بل سلكت في طرق ملوك إسرائيل.. وقتلت أيضًا أخوتك من بيت أبيك الذين هم أفضل منك، هوذا الرب يضرب شعبك وبنيك ونساءك وكل مالك ضربة عظيمة.." (2أي21: 12-14).
كيف حدث كل هذا، وكيف عرف إيليا كل هذه الأخبار بعد انتقاله من الأرض؟ وكيف أرسل كتابه إلي يهورام ينذر فيها بأن الرب سيضربه وأهله وشعبه ضربة عظيمة بسبب خطاياه..؟
هل بعد هذا نتكلم عن معرفة القديسين؟
5- أمور تشرح عظمة القديسين ومعرفتهم ورسالتهم:
أ‌- صموئيل النبي في حياته استشير في موضوع الأتن الضائعة (1صم9). وقيل: "هوذا رجل الله في هذه المدينة، والرجل مكرم. كل ما يقوله يصير. لنذهب الآن إلي هناك لعله يخبرنا عن طريقنا التي نسلك فيها" (1صم9-6).
فإن كان رجل الله – وهو علي الأرض – يكشف له الله الخفيات.. فكم بالأولي حينما يكون بالروح طليقة في السماء، مع الله؟!؟
ب‌- لقد عرف إليشع -وهو علي الأرض- بما فعله جيحزي في الخفاء، حين أخذ هدايا من نعمان السرياني (2مل5: 15-27).
ج– وقال عنه واحد من عبيد ملك آرام لسيده الملك "إليشع النبي الذي في إسرائيل، يخبر ملك إسرائيل بالأمور التي تتكلم بها في مخدع مضجعك" (2مل12:6).
د- وقد عرف أليشع في الخفاء أيضًا –في وقت المجاعة- أن ملك إسرائيل قد أرسل رسولًا يقتله (2مل32:6).
فإن كان إليشع –وهو في الجسد– له هذه الموهبة التي يعرف بها أشياء في الخفاء، فكم بالأولي تكون معرفته بعد خلع الجسد، وهو في السماء.
هـ- بنفس الوضع عرف القديس بطرس الرسول بما فعله حنانيا وسفيرا في الخفاء، وأعلن ذلك لهما وعاقبهما ( أع 5:3، 9).
و – كذلك عرف القديس بولس الرسول بأنه بعد ذهابه ستدخل بين أهل أفسس ذئاب خاطفه لا تشفق علي الرعية (أع29:20).
فإن كان الرسل يعرفون هذه المعرفة وهم على الأرض، فكم بالأولي سيكشف الله لهم في السماء؟!
إن هؤلاء القديسين لهم معرفة ولهم رسالة من أجل الناس. كما أن حياتهم التي كانت علي الأرض، لم تنته بذهابهم إلي السماء.
ونحن نطلب تدخلهم أكثر مما نطلب من الذين يجاهدون مثلنا علي الأرض ولم يصلوا بعد..
6- أمثلة أخري عن عظمة هؤلاء القديسين:
إن كانت عظام إليشع النبي. قد أستطاعت أن تعمل عملًا، وتكون بركة لقيام ميت، بمجرد الملامسة، بدون صلاة، وهي عظام لا روح فيها (2مل21:13). فكم بالأكثر إذن تكون روح إليشع، ولا شك أنها أقوي من عظامه قدرة، ومعرفة، وحياة، ودالة عند الله! وكم تكون إذن أرواح أمثال إليشع من القديسين.
ب – إذا كانت المناديل والعصائب التي علي جسد بولس الرسول لها بركة لشفاء المرضي واخراج الأرواح الشريرة (أع13:19) فكم بالأولي روح بولس الرسول وأرواح أمثاله من القديسين.
7- القديسون الذين انتقلوا، مازالوا أحياء:
وقد شرح الرب ذلك بقوله للصدوقيين "أما قرأتم ما قيل لكم من قبل الله القائل أنا إله إبراهيم وإله اسحق وإله يعقوب. وليس الله إله أموات بل إله أحياء" (مت22: 31، 32).
إذن هؤلاء القديسون لا يزالون أحياء. لماذا نعتبرهم موتي فلا نطلب صلواتهم؟!
لا ننسي أيضًا ظهور موسى وإيليا مع الرب علي جبل التجلي موسى هذا الذي كان قد مات بالجسد منذ حوالي أربعة عشر قرنًا، هو ما يزال حيًا مع الرب تمامًا مثل إيليا الذي صعد إلي السماء. إن أرواحهم لم تمت بل هي في الفردوس وهي تري أكثر مما نري نحن.
8- أمثلة من شفاعة الملائكة:
نري في سفر زكريا النبي مثالين لشفاعة الملائكة هما:
أ- شفاعة ملاك الرب في أورشليم، إذ صلي وقال "يا رب الجنود إلي متي أنت لا ترحم أورشليم ومدن يهوذا التي غضبت عليها هذه السبعين سنة" (زك12:1).
فإن كان ملاك الرب بالأكثر يشفع هكذا في أورشليم حتى دون تطلب هذا منه، فكم بالأكثر إن طلبت صلواته؟!
ب- شفاعة ملاك الرب في يهوشع الكاهن، ووقوفه ضد الشيطان الذي يقاومه وقوله له "لينتهرك الرب يا شيطان، لينتهرك الرب. أفليس هذا شعلة منتشلة من النار" (زك3: 1،2).
ج‌- مثال آخر من سفر التكوين هو: حراسة الملاك لابينا يعقوب وتخليصه له. وقد تحدث عن هذا فقال عند مباركة أفرايم ومنسي "الملاك الذي خلصني من كل شر يبارك الغلامين" (تك16:48).
د- لا ننسي أيضًا قول الكتاب عن الملائكة أنهم "أرواح خادمة مرسلة للخدمة لأجل العتيدين أن يرثوا الخلاص" (عب14:1). فإن كان لهم عمل من أجل البشر علي الأرض، ألا يكون لهم نفس العمل في السماء؟!


- دالة القديسين عند الله



أ) إننا نطلب شفاعة القديسين من أجل الدالة العظيمة التي لهم عند الله. ومن أجل إمكانياتهم الواسعة بعد خروجهم من الجسد، وطاقاتهم الروحية الأكثر قدرة ومن أجل محبة الله لهم وتكليفه لهم بأعمال رحمة وخدمة للبشر، ومن أجل معرفتهم وهم خارج الجسد بشكل أوسع بكثير من معرفتهم وهم في الجسد.
ب) ونحن نذكر في هذه الدالة للقديسين كيف أن الله كان أحيانًا يتسمى بأسمائهم، فيقول "أنا إله إبراهيم وإله اسحق وإله يعقوب" (خر6:3).
St-Takla.org Image: Many Saints and martyrs of the Coptic Orthodox Church
ج)  ولهذا فإن الآباء والأنبياء كانوا يذكرون الرب بقديسيه، حتى يحن قلبه ويشفق، بمجرد سماع أسمائهم وتذكر عهوده لهم. وهكذا فإن موسى النبي حينما شفع في الشعب حتى لا يفني، قال للرب (اذكر إبراهيم واسحق وإسرائيل عبيدك، الذين حلفت لهم بنفسك، وقلت لهم أكثر نسلكم كنجوم السماء) (خر13:32).
د  - ونحن نتذكر أنه لما حدث أن حزائيل ملك آرام ضايق إسرئيل، يقول الكتاب "فنحن الرب عليهم ورحمهم، والتفت إليهم، لأجل عهده مع إبراهيم واسحق ويعقوب. ولم يشأ أن يستأصلهم وأن يطرحهم عن وجهه" (2مل13: 22-23).
هـ– وفي دالة القديسين عند الله، نضرب مثلًا لذلك بتوبيخ الله لهرون ومريم لما تكلما على موسى النبى. فنزل الرب في عمود السحاب، وقال لهرون ومريم أمام موسى: "إن كان منكم نبي للرب، فبالرؤيا استعلن له، في الحلم أكلمه. وأما عبدي موسى فليس هكذا، بل هو أمين في كل بيتي. فمًا إلي فم وعيانًا أتكلم معه، لا بالألغاز. وشبه الرب يعاين. فلماذا لا تخشيان أن تتكلما على عبدي موسى؟!" (عدد12: 5-8).
و  - ومن أمثلة هذه الدالة، قول الرب لرسله "الذي يسمع منكم، يسمع مني والذي يرذلكم يرذلني" (لو16:10). وقوله أيضًا "إن كان أحد يخدمني يكرمه الآب" (يو26:12).
10- اعتراضات. والإجابة عليها:
أ- يقول إننا في التشفع بالقديسين نتوجه إليهم بالصلاة.
ونحن نقول إننا لا نصلي للقديسين، وإنما نطلب صلواتهم، ونطلب معونتهم لنا.
حديثنا إلي العذراء ليس هو صلوات موجهة إليها، إنما هي مخاطبة بنين لأمهم، نوع من المناجاة وليس من الصلاة، راجين منها أن تشفع فينا، وهي الملكة القائمة عن يمين الملك.
ب-   يقولون إن الشفاعة هي نوع من الوساطة:
فنقول: وماذا في ذلك؟ مادام الله نفسه قبل هذه الوساطة، بل وطلبها بنفسه، حينما طلب من أبيمالك أن يصلي إبراهيم لأجله لئلا يهلك (تك7:20). وحينما طلب من أصحاب أيوب أن يصلي أيوب لأجلهم لئلا يصنع معهم حسب حماقاتهم (أي8:42) (اقرأ مقالًا آخر عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في قسم الأسئلة والمقالات). وكذلك حينما سمح لإبراهيم أن يشفع في سادوم (تك18). وسمح لموسى أن يشفع في الشعب (خر32). وسمع لكليهما وقبل شفاعتهما.


روحانية التشفُّع بالقديسين


 
أ – الشفاعة بالقديسين تحمل معني الإيمان بالحياة الأخري، الإيمان بأن الذين أنتقلوا ما زالوا أحياء، ولهم عمل. إنه إيمان بالصلة الدائمة بين السماء والأرض. وإيمان أيضًا باكرام القديسين، مادام الله نفسه يكرمهم.
ب- الشفاعة هي بركة حب بين أعضاء الجسد الواحد..
الكنيسة هي جسد واحد، المسيح رأسه وكلنا أعضاؤه سواء في السماء أو علي الأرض. والحب والصلوات والشركة، أمور متبادلة بين أعضاء الجسد الواحد: نحن نشفع فيهم بصلواتنا عن الراقدين. وهم يشفعون فينا بصلواتهم أيضًا، أنها رابطة لا تنفصم.
St-Takla.org Image: Many Saints and martyrs of the Coptic Orthodox Church
لماذا يريد منكرو الشفاعة تحطيم هذه الشركة؟ فلا صلاة منا لأجل الراقدين، ولا شفاعة من الراقدين فينا؟ هل المحبة القائمة بين كل مؤمن والله والآب، تمنع وجود المحبة والصلة بين الأنبياء وبعضهم البعض؟
أليس السيد المسيح قد طلب من الآب قائلًا "ليكونوا واحدًا كما نحن"، "ليكونوا هم أيضًا واحدا فينا" "أنا فيهم، وأنت فى، ليكونوا مكملين إلى واحد" (يو 17).
ج- الشفاعة فائدة، من ينكرها يخسرها ... بلا مقابل.
الذين يؤمنون بالشفاعة، ينتفعون برابطة الحب التي بينهم وبين القديسين، وينتفعون بمجرد الصلة التي بينهم وبين أرواح المنتقلين. ويضيفون إلي صلواتهم الخاصة صلوات أقوي وأعمق صادرة لأجلهم، من العالم الآخر.. وفي كل ذلك لا يخسرون شيئًا.
أما منكرو الشفاعة، فإنهم يخسرون هذه الصلة وهذه الصلوات بلا مقابل.. بل يخسرون إيمانا بسيطًا غير معقد، نلاحظه في كل من يحتفلون بأعياد القديسين، ومن يزورون كنائسهم، ومن يطلبون صلواتهم..
بأي وجه سيقابلون القديسين في العالم الآخر، وقد رفضوا إكرامهم ورفضوا صلواتهم وشفاعتهم؟!
د- والشفاعة تحمل في طياتها تواضع القلب..
فالذي يطلب الشفاعة، هو إنسان متضع، غير مغرور بصلته الشخصية بالله، يأخذ موقف الخاطيء الضعيف الذي يطلب شفاعة غيره فيه (اقرأ مقالًا آخر عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في قسم الأسئلة والمقالات)..
وعلي العكس فمنكر الشفاعة، قد يسأل في انتفاخ:
ما الفرق بيني وبين هؤلاء القديسين؟ إن الصلة بيني وبين الله، أقوي من أن تحتاج إلي وساطتهم!! (واضعًا نفسه في مصاف القديسين والشهداء والملائكة).
يخجل هؤلاء قول بولس الرسول (صلوا لأجلنا) (عب18:13).، ولأجل جميع القديسين (أف8:6).
هـ– الشفاعة دليل علي عدل الله في مبدأ تكافؤ الفرص..
إن كان الله قد سمح للشيطان أن يحارب أولاد الله، ويجربهم ويظهر لهم في رؤي وفي أحلام كاذبة، ويضايقهم. فبالأولي يقتضي العدل ومبدأ تكافؤ الفرص أن يسمح للملائكة وللأرواح الخيرة، أن يساعدوا  أولاده علي الأرض، كما سمح للأرواح الشريرة أن تضايقهم. وبهذا يظهر العدل من جهة تدخل العالم الآخر (الأرواح) في حياة البشر.
وإن كان الله قد سمح للشيطان أن يضرب أيوب فليسمح أيضًا للملائكة أن تعصب ضربات البشر، وأن تخدم
أولاده  حتى بدون طلبهم، فكم بالأولي إن طلبوا "أليسوا جميعهم أرواحًا خادمة، مرسلة للخدمة، لأجل العتيدين أن يرثوا الخلاص؟" (عب14:1). فمادام هؤلاء مرسلين لهذا الغرض، فلا مانع إذن من أن نطلب تدخلهم لمساعدتنا، وهو قريبون منا.
12- الشفاعة واقع نعيش فيه:
شفاعة القديسين – بالنسبة إلينا – ليست مجرد بحث لاهوتي تثبته آيات من الكتاب المقدس، إنما هو واقع عملي نعيشه.
إنه تاريخ حي علي مدي الأجيال، يروي الرابطة العجيبة التي بين المنتقلين ومن يحيون علي الأرض.
إنه صلة حية بالقديسين الذين يشفقون علي أوضاعنا أكثر منا، وباشفاق حقيقي. حتى أن كثير من مشاكلنا تُحَل أحيانًا دون أن نصلي، من أجل تشفعات القديسين فينا، دون أن نطلب ذلك. إنهم أكثر منا فهما وتطبيقًا لتلك الآية التي تقول "بكاء مع الباكين، وفرحًا مع الفرحين" (رو15:12).
إن الشفاعة دليل علي الرابطة بين أعضاء الكنيسة الذين علي الأرض والذين في السماء – إنها كنيسة واحدة – جزء منها علي الأرض (ونسميه الكنيسة المجاهدة) وجزء منها في السماء (نسميه الكنيسة المنتصرة). وهما يتبادلان الصلاة.
والذين يرفضون شفاعة القديسين، كأنما هم يتجاهلون المعجزات العجيبة التي يشهد الناس بحدوثها لهم، بصلوات القديسين، أو في أعيادهم، أو في كنائسهم وأديرتهم.
إنها محاولة لالغاء الواقع والتاريخ، وليسن مجرد إنحرافات في التفكير النظري اللاهوتي.
يكفي أن نذكر هنا المعجزات التي حدثت في ظهور العذراء في الزيتون سواء للمسيحيين أو للمسلمين، وسجلت بأصوات الناس مجرد أو بكتاباتهم.. وكذلك المعجزات الي تحدث باسم مارجرجس والملاك ميخائيل وباقي القديسين.
كل هذا لا يكفي عند البروتستانتية التي ترفض صلوات القديسين وترفض شفاعاتهم، وترفض معجزاتهم لغير ما سبب.
اقرأوا  أيضًا سير القديسين، لكي تروا تدخلات الملائكة والقديسين في حياة الناس:
 ظهوراتهم، وتنبؤاتهم، ووعودهم، وتبشيراتهم، سواء بميلاد  قديس من أم عاقر أو باختبار قديس لخدمة الله، أو لإرشادة في طريق ما..
والموضوع بالنسبة إلي الشعب وصلتهم بالقديسين، ليس هو معرفة يوم وليلة، إنما هي عشرة زمن طويل، وعلاقة لا نستطيع أن نفصلها أبدًا. إنها صداقة بين الشعب عامة، والملائكة والقديسين.
ولذلك فإن إدعاءات البروتستانت ضد القديسين، ولا تجد لها مجالًا إطلاقًا، لأنها تتحدي اعتقادات ومشاعر تجري في دم الناس.

'- الصورة الطقسية للسيدة العذراء مريم


 


الصورة الطقسية التي تعطي معاني عقيدية هامة منها:
1-   العذراء مع المسيح.
       فأهميتها العقيدية أنها والدة الإله.
2-   تلبس تاجًا كملكة،
       كما يلبس المسيح تاجًا كملك الملوك.
3-   هي عن يمين المسيح.
       كما قيل في المزمور: "قامت الملكة عن يمينك أيها الملك" (مز 45).
4-   النجوم والملائكة في الصورة،
       باعتبار العذراء السماء الثانية.
5-   هالة النور فوق رأسها كقديسة (مت14:5).
      وكذلك فوق رأس المسيح.





هل مريـم بتول قبل الولادة ؟





هل مريـم بتول قبل الولادة ؟

هل مريـم بتول قبل الولادة ؟



المريمات كثيرات ، اما مريم العذراء فواحدة، ولقب العذراء لاينفصل عن مريم بل يكاد يكون مرادفا لمريم:"وها أنت تحبلين وتلدين إبنا وتسمينه يسوع... فقالت مريم للملاك: كيف يكون هذا وأنا لا أعرف رجلاً ؟(لوقا1: 31-34).


"يايوسف بن داود: لاتخف أن ان تأخذ إمرأتك مريم فإن المولود فيها هو من الروح القدس"(متى1: 20).

في هذه اللحظة التي فيها لاتعرف مريم رجلا تُدعى مع ذلك إمرأة. لأن الزوجة تُدعى بعد إمرأة بعد كتابة كتابها حتى لو بقيت بتولاً.


قال لها الملاك في لوقا1: 28 وأليصابات في لوقا1: 43"مباركة انت في النساء أي بين جنس النساء، ولم يقصد أنها لم تعد بتولاً.
هكذا أكد بولس الرسول في غلاطية 4: 4: "أرسل الله ابنه مولودا من إمرأة، اي من جنس حواء ومن طرف واحد، من إمرأة، لا من إمرأة ورجل.
وبرهان ذلك في لوقا1: 34:" وأنا لاأعرف رجلاً، أي أنا عذراء














مريم العذراء والخطيئة الاصلية



 

مريم العذراء والخطيئة الاصلية

مريم العذراء والخطيئة الاصلية


يعترض علينا بعضهم قائلين: تعتقدون ان مريم العذراء سَلـَمت من الخطيئة الاصلية مع انها قالت في لوقا1: 47" وتبتهج روحي بالله مخلصي !"

لكن بلاغ البشارة الرسمي في لوقا1: 28 يوضح لهم الأمر:"السلام عليك ياممتلئة نِعمة"(ممتلئة أي لاينقصها نِعمة وعبارة المُنعَم عليها نراها في اناجيل كثيرة وهي غير صحيحها وتعنى ان ان الله انعم عليها فقط عند البشارة فقط) الرب معك(أي معها بأستمرار من اول حياتها) مباركة أنت في النساء(أكرم من حواء قبل سقوطها)
1. فالملاك يعرفها بأنها دون سواها هي التي نالت الإنعام.


هذه الآية تبين بوضوح أن الله قد حرّف غضبه عن مريم منذ أول كيانها في احشاء أمها. فيكون أنه تعالى سبق فخلصها بالوقاية لا بالمعالجة وذلك بفضل فداء ابنه المنتظر ومن أجل كرامة نفسه. وبهذا يكون الخلاص قد شمل مريم. وهذا الأمتياز هو حلقة من سلسلة الفضل الاعظم والإنعامات التي مَنّ بها عليها الرب القدير، وإلا لكان يوحنا المعمذان أوفر منها حظاً إذ يقول فيه الملاك نفسه لوالده زكريا:"إنه يمتلئ من الروح القدس وهو في بطن أمه")لوقا1: 15).
ألم تقل مريم في لوقا1: 49" القدير صنع بي عظائم"؟ وهذه إحدى عظائمه فيها.











شفاعة العذراء مريم






شفاعة العذراء مريم



تعتبر شفاعة أمنا القديسة العذراء مريم هي أقوى وأعلى شفاعة في كنيستنا. وقد قبلها السيد المسيح وارتضى أن تكون شفاعة أمه مصاحبة لأول معجزة يقوم بها في قانا الجليل وتكون نموذجاً لعقيدة الشفاعة وكان ذلك في واقعة تحويل الماء إلى خمر في عرس قانا الجليل. .

تُرى ما هو سر شفاعة أمنا البتول القديسة العذراء مريم؟! .

الواقع أننا لانستطيع أن نحصي أسرار شفاعة أمنا ويكفي أننا ندعوها أم بل وأكثر من هذا أمنا. فكم تكون شفاعة الأم لأبنائها! وكم تكون شفاعة الأم عند ابنها الملك! ولما كانت أُم الملك ملكة، فكم تكون شفاعة الأم الملكة عند ابنها الملك! وكم تكون استجابة الابن الملك لأمه الملك! وكم تكون شفاعة ابنة الملك عند ابيها الملك إذ ما أيقنا أنه ? حسب التاريخ ? هذه الملكة الأم قبل أن تكون أم للملك كانت ابنة للملك ذاته وصارت في ? ملء الزمان- أماً له. فكم تكون شفاعة الإبنة عند أبيها! وهل يرفض الأب أي مطلب لأبنائه! فكم تكون شفاعة الملكة الابنة الأم من الملك أبيها وابنها؟! .

بعض من أسرار شفاعة أمنا العذراء لأجلنا: .

 من أسرار شفاعة أمنا ما نطقت به هي ذاتها ? وكان ذلك في بداية الحبل المقدس ? "هوذا منذ الآن جميع الأجيال تطوبني لأن القدير صنع بي عظائم واسمه قدوس" (لو1: 48). .

 في مبدأ الشفاعة في عرس قانا الجليل لما خاطبت العذراء مريم ابنها السيد المسيح قائلة "ليس لهم خمر" ... كانت هي شفيعة العُرس كله وكل الموجودين وكل المسيحيين بل وكل العالمين. ومازال العالم ينظر إليها في توسل ورجاء كيما تنقل سؤال البشرية إلى ابنها وإلهها. وهذا ليس يعني أن الرب غافل عنا ? بالطبع لا- إنما الله يريد أن يسمع وتصل إلى أذنه كلمة مملوءة بالثقة ومن شفاه طاهرة ومؤمنة وهذا سر قوي من أسرار شفاعة أمنا العذراء عنا ولأجلنا وهذا أيضاً عمق أسرار لجؤنا إليها. وهو سر قوة شفاعات العذراء لنا. .

 وتتجلى شفاعة أمنا في واقعة تحويل الماء إلى خمر لما التفتت العذراء مريم إلى هؤلاء المحتاجين الطالبين وقالت "مهما قال لكم فافعلوه" (يو 2: 5). وهذه في الحقيقة وصية من أمنا العذراء لنا ولكل الأجيال التي بعدنا كما كانت وصيتها لمن قبلنا. اننا نسمع للرب ونحفظ وصاياه ونطيع ومهما قال لنا نفعله ولسوف نرى عجائب في شريعته. .

 ومن أسرار شفاعة أمنا عنا أيضاً أننا نظهر لها بحق مدى احتياجنا من داخلنا من قلوبنا بكل صراحة وأننا نريد تدخلها، وأن لجوءنا إليها لثقتنا أنها قادرة بحق على التشفع لأجلنا. والتاريخ يحدثنا بهذه الثقة في شفاعة العذراء في حادثة نقل جبل المقطم عندما ظهرت العذراء للبابا ابرآم ابن زرعة وتشفعت لإتمام المعجزة وأخبرته على الشخص المملوء بالإيمان والثقة والمُساق بالروح القدس وهو سمعان الخراز وكان يعمل وقتها سقى ? بمعنى يقوم بتوصيل المياه للمنازل ? فلقد كانت أجران المياه التي له ليس فقط مملوءة بالماء إنما أيضاً مملوءة بالإيمان والثقة. .

س/ تُرى ماذا كانت علاقة هذا الرجل البسيط بالقديسة العذراء مريم حتى تتدخل وتتشفع وتظهر للبابا وتخبر عنه؟!!! .

 أيضاً من أسرار شفاعة أمنا العذراء مريم نجد في معجزة تحويل الماء إلى خمر أيضاً أن السيد المسيح لما قال لأمه "مالي ولكِ ياإمرأة لم تأتِ ساعتي بعد" (يو 2: 4) وقد احتار في هذه العبارة الفهماء واختلف المفسرون ? نجد أن القديسة مريم هيّ الوحيدة التي فهمتها بالضبط وقالت في بساطة وثقة "مهما قال لكم فافعلوه" .

 من أسرار شفاعة أمنا العذراء مريم عنصر الاتضاع فقد نطقت في تسبحتها الخالدة "لأنه نظر إلى اتضاع أمته" (لو 1: 47) فهذا الاتضاع قد رفعها وجعلها أعلى عضو في أعضاء جسد السيد المسيح (الكنيسة) بل ويفوق كل عضو ويشعر بكل عضو ويعرف طلبات كل عضو ويتشفع من أجل كل عضو حتى أن القديسين أنفسهم يلجئون إليها. .

 من أسرار شفاعة القديسة العذراء أيضاً ذلك التطويب الذي أجاب به الرب بنفسه إذ جاء في انجيل معلمنا لوقا 11: 27 "وفيم هو يتكلم بهذا رفعت إمرأة صوتها من الجمع وقالت طوبى للبطن الذي حملك والثديين الذين رضعتهما أما هو فقال بل طوبى للذين يسمعون كلام الله و.... ويحفظونه). فالسيد المسيح بهذه الإجابة في الحقيقة قد طوّب أمه وأكرمها ورفعها. فهي قد حملته في بطنها وسمعت كلامه وحفظته في قلبها (لو 2: 11). .

مما سبق نجد أن القديسة العذراء مريم كان لديها ما يفوق كل نفس انسانية وهي على الأرض "نساء كثيرات عملن فضلاً أما أنتِ ففقتي عليهن جميعاً" (أم 31: 29)، فكم وكم تكون شفاعة أمنا البتول القديسة العذراء مريم وهي الآن جالسة عن يمين ابنها تطلب وتتشفع لأجلنا ولاسيما هؤلاء الذين يطوبونها إلى مدى الدهر. .

دروس في إيجاز: .

- شفاعة العذراء مريم تثبت لنا أنها ليست علاقة أمومة مع ابنها فحسب وإنما هي ثقة كاملة تقول له "ليس لهم ..." وتقول لنا "مهما قال لكم افعلوه". .

- شفاعة تثبت إمكانية تشفع العذراء مريم لأجل الآخرين ومقدرتها على تحقيق طلباتهم. .

- شفاعة أمنا مريم العذراء ليس لتحقيق طلب لنفسها وإنما لأجلنا. وباب شفاعتها دائماً مفتوح. .

- شفاعة أمنا البتول القديسة العذراء مريم شفاعة معجزية. .




شفاعة العذراء مريم مكفولة ولو بغير أوانها

شفاعة العذراء مريم مكفولة ولو بغير أوانها


مالي ولك ياإمرأة

إعتراض:كيف تعتقدون بشفاعة العذراء، وقد كان السيد المسيح قاسيا معها بقوله في عرس قانا:"مالي ولك ياامرأة لم تأت ساعتي بهد ؟"(يوحنا2: 4).

الــــرد: إن الأعجوبة فعلا تمت. على كل حال، فلنتأمل الحادث كله ثم نحكم:

1-العرس قائم، والفرح في أشده؛ 2-فراغ الخمر موقف حرج للعروسين وللمدعوين؛ 3-العذراء الرؤوفة ربة بيت حكيمة واعية لاحظت أن نغمة الفرح كادت تميل الى الحزن لفراغ الخمرة؛ 4-أرادت استدراك الأمر وإصلاح الموقف وعرضت القضية على ابنها وقالت له:ليس عندهم خمرة ؛ 5-عرضها الأمر ليسوع هو طلب حازم ودبلوماسي في الوقت عينه لمعجزة ، وهو تعبير قوي عن ايمانها الوطيد بقدرة ابنها الخارقة ؛ 6- أجابها يسوع: مالي ولك ياإمرأة، لم تأتِ ساعتي بعد !
نلاحظ أن هذا الجواب ليس برفض بل اعتذار ؛ وأن يسوع لم يقل مالك ومالي ياإمرأة بل مالي ولك فجمع نفسه معها وقبلها ؛ وقوله ياإمرأة لايدل على احتقار ولا إزدراء لأنه في اشد المواقف رصانة وحزنا، على الصليب، إستخدم نفس الكلمة بقوله لأمه"ياإمرأة هوذا إبنك(يوحنا19: 26)، مما يدل على انه يَـعُد مريم أمه مثال النساء الأعلى، ففي هذه العبارة في فمه وعلى زمانه مافيها من العظمة والجلال؛ وقوله لم تاتِ ساعتي بعد يعني إنك تطلبين بكل بساطة تقديم توقيت العجائب .
واستدرارا للأعجوبة تستخدم العذراء أسلوبا حازما استنادا الى نفوذها كوالدة وتصدر أوامرها للخدام بأسم المسيح رغم إعتذاراته وتحفظاته، وهي واثقة كل الثقة من انه لن يردها خائبة ، وهذا بالطبع على مسمع يسوع: مهما يأمركم به فافعلوه !
وتستخدم العذراء، إن جاز التعبير سياسة الأمر الواقع، فتأمر الخدام:" مهما أمركم به فأفعلوه "،مع أنه ماكان يرغب في أن يأمر شيئاً.
وتتـم الخطة بنجاح،إذ يصدر يسوع الآمر حالاً بملأ الآجاجين ماء ويحولها خمراً، وخمرا جيدة. فكانت الأعجوبة، وكان الإعجاب وكان ايمان ،إيمان الرسل الأولين. والكل تم بإيعاز من مريم ، من نفوذها وحنانها الوالديين.
ومن المحتمل جدا أن يسوع تباطأ في القيام بالمعجزة إما لكي يستر امام المدعوين السر الكبير الذي يتلخص في انه المسيح القدير، لذا رغب في تأجيل كشف هذا السر قدر الإمكان. مثلا حتى عندما كان يسوع يقوم بالمعجزات وعندما كانت الارواح النجسة تعرفه كان يوصي الجميع بأن لايخبروا أحداً(مرقس1: 25، 44؛9: 9، الخ). وقد يكون الهدف من كلام يسوع اختبار إيمان والدته أو رغبته في أن تكرر الطلب. ونرى مثل هذه السياسة عند المسيح مع المرأة الكنعانية التي طلبت منه أن يشفي إبنتها (متى15: 26؛ مرقس7: 27) وعندما يوجه يسوع الى اعمى السؤال البديهي :" ماذا تريد أن اصنع لك ؟"يريد ان يسمع طلبه وتضرعه:"يارب أن أبصر( مرقس10: 51).
فقول يسوع لوالدته"ياإمرأة" ليس إذن من باب الأستهتار ولاعدم الأحترام، فمن المحال أن لايحترم المسيح والدته خلافا للوصية" أكرم أباك وأمك". أما كلمته ياإمرأة التي يوجهها اليها في أشد المواقف رصانة فهي الصيغة الأدبية التي تعني: أيتها السيدة. وقد إستخدم المسيح عبارة "ياإمرأة بإعجاب إذ قال للكنعانية ايتها المرأة عظيم إيمانك(متى15: 28).
وفي بعض البلاد مثل اسبانيا، ينادي الناس والدتهم بقولهم "أيتها السيدة" (سنيورا).
في اللغة الآرامية "أنتت"(ايتها المرأة) كما في اليونانية "جيناي" لاتعنيان عدم البتولية بل تعنيان جنس النساء . إذن: إمرأة ليست ضد بتول بل ضد رجل. مع الأسف إعتدنا في لغتنا العامية أن نَـعُد كلمة :"إمرأة "ضداً لكلمة" بنت" فصرنا نفهم منها عدم البتولية.
في الكتاب المقدس ، كما في اللغه العربية السليمة، كلمة "أمرأة" تعني بشكل عام، حتى الطفلة في المؤنث هي إمرأة اي من جنس حواء. وإليك بعض الأمثلة:
حالما يخلق الله تعالى حواء يسميها الكتاب المقدس "إمرأة" لأنها من إمرئ أخذت، يسميها"إمرأة" من أنها كانت بعد بتولا عذراء. لنقرأ في تكوين2: 22:
" وبنى الرب الإله الضلع التي أخذها من ادم إمرأة فأتى بها آدم".
سميت حواء البتول "إمرأة"، من"إمرئ"(تكوين2: 23)، بالعبرية"ايشاه" من"ايش"؛" وايشاه" العبرية تقابلها تماما"انتت" الآرامية ، وتقابلها لفظا بالعربية كلمة "إنثى". المسيح يقول لأمه أيتها أي المنتمية الى جنس النساء.
في انجيل لوقا توصف مريم العذراء البتول بالمباركة بين النساء(لوقا 1: 28، 42). أكيد أن " النساء" لاتعني غير البتولات بل جنس حواء.
والجدير بالذكر أن الإسلام يشهد أيضا أن الله فضل مريم"على نساء العالمين" أي على جنس حواء بأسره.
ورب سائل يسأل: لماذا لاينادي المسيح والدته أماه بدل"ياإمرأة" .
قد يكون السبب أن الابناء والبنات في عصره، وخصوصا الرجال ، كانوا يستخدمون صيغة الاحترام في حديثهم مع والدتهم امام الناس بينما كانوا يتركون
ألفاظ الحنان لمحيط الاسرة الدافئ. وقد يكون عدم استخدام الذكور لكلمة"أماه" في العصور الماضية، وخصوصا عند الشرقيين الساميين ، رفضا للميوعه. وأننا أحيانا في أيامنا مثل هذه الميوعة عند الابناء والبنات في حديثهم مع والديهم.
وقد يسأل البعض كذلك: ألم يحتقر المسيح أمه بقوله في متى 12: 48:" من امي ومن إخوتي" ؟
نلاحظ أنه كلما ذكر أحد أمام المسيح أهله وأقاربه لتبجيله وتكريمه،يغير وجهة تفكيرهم ويصححها لأنهم كانوا يتوهمون أن شؤف الإنسان قائم بآبائه وأجداده أي بالحسب والنسب. فنراه يلفت نظرهم الى ماهو عملي أي الى واجبهم الخاص بتلخيص أنفسهم بتتميم مشيئة الله. وبهذه الطريقة يكتسب الإنسان شرفا يوازي شرف قرابة المسيح الدموية. والدليل على ذلك قوله في متى12: 50:"لأن من يعمل مشيئة أبي الذي في السماوات هو أخي واختي وأمي". وهذا مديح للعذراء أمه فهي أتمت مشيئة الله بقولها للملاك المبشر:"ها انا أمه الرب فليكن لي بحسب قولك









الشفيعة المؤتمنة






الشفيعة المؤتمنة

نيافة الأنبا رافائيل


"طوبى للبطن الذي حملك والثديين اللذين رضعتهما... بل طوبى للذين يسمعون كلام الله ويحفظونه" (لو 27:11،28).

"طوبى التي آمنت أن يتم ما قيل لها من قبل الرب" (لو 45:1).

طوبى لمريم العظيمة التي "كانت تحفظ جميع هذا الكلام متفكرة به في قلبها" (لو 19:2).

طوبى لمن تكلمت بالروح القدس معلنة "فهوذا منذ الآن جميع الأجيال تطوبنى" (لو 48:1).

نطوبك يا ذات كل التطويب لأنك بالحقيقة ارتفعت على كل السمائيين وصرت سماء ثانية تحمل القدوس كالشاروبيم وأبهى.

يا للعجب.. الأم الأعجوبة.. الأم والعذراء.. الأم والأمة.. الملكة العبدة كيف لعقلى الصغير أن يستوعب هذه الأعجوبة.

فتاة صغيرة يهودية تحمل في حضنها (يهوه).. إخبرنى يا أمى كيف استوعب الخبر.. وكيف احتملت الخبرة.. من تخافه الملائكة وترتعب أمامه القوات.. من يقف الكهنة أمامه بكل احتشام ويتطهرون عندما يكتبون اسمه.. كيف حملتيه أنت في بطنك وحضنك وكف رضع من لبن ثدييك.

أخبرينى يا عروس المسيح الباهرة كيف كان (يحبو) يسوع.. ومتى تكلم.. وكيف نطق الحروف الأولى.. أخبرينى عن أسرار الملك إذا أنه (شابهنا في كل شئ) وكان مثلنا "يتقدم في الحكمة والقامة والنعمة عند الله والناس" (لو 52:2) ولكنه كان "ينمو ويتقوى بالروح ممتلئًا حكمة وكانت نعمة الله عليه" (لو 40:2).

أحكى يا أم النور عن النور والهاء الذي كان يحيط بطفلك العجيب.. وخبرينا عن المجد والوقار والرزانة والنعمة المنبعثة من شخصه القدوس طوباك يا مريم لأنك عاينت ما لم تره عين.. وخبرت ما لم يختبره إنسان وصدقت ما يفوق العقل.. وعقلت ما يصيب بالذهول.
 
St-Takla.org Image: Portrait of the Holy Family
صورة في موقع الأنبا تكلا: العائلة المقدسة
إننى أقف من بعيد يحجبنى الزمان السحيق والمكان البعيد... أقف مذهولًا من الأمر نفسه الذي استوعبته أنت وعشته.
قلبى ولسانى وعقلى وحواسى يتيهون.. وقلمى يسبق الكلمات.. ومشاعرى مختلطة ولا أستطيع الكلام أن أرتب العبارات.. لأننى مأخوذ ومشدود بسبب بهائك الكامل يا أم كل طهر واصل البتولية.

العذراء عروس الله.

"هاأنت جميلة يا حبيبتى. ها أنت جميلة عيناك حمامتان" (نش 15:1)، "كلك جميل ياحبيبتى ليس فيك عيبة" (نش 7:4)، "قد سبيت قلبى ياأختى العروس.. قد سبيت قلبى ما أحسن حبك ياأختى العروس.. شفتاك يا عروس تقطران شهدًا، تحت لشانك عسل ولبن ورائحة ثيابك كرائحة لبنان، أختى العروس جنة مغلقة عين مقفلة، ينبوع مختوم" (نش 9:4-12).

لم تكن العذراء فقط أم الله "طوبى البطن الذي حملك والثديين اللذين رضعتهما" (لو 27:11)، بل هي أيضًا عروس الله وصديقته التي كانت "تحفظ كلامه في قلبها" (لو 51:2)، لذلك فقد نالت الطوبتين "إن القديسة مريم استحقت التطويب من اجل إيمانها بالمسيح أكثر من ونها حبلت به، إن صلة أمومتها بالمسيح لم تعطها أي ميزة.. الميزة الحقيقية التي للقديسة مريم، هي في كونها حملت المسيح في قلبها ولى في بطنها" أغسطينوس.

لقد خضعت العذراء في حى وفرح "هأنذا أمة الرب ليكن لى كقولك" (لو 38:1). واحتملت سيوفًا كثيرة "وأنت يجوز في نفسك سيف لتعلن أفكا من قلوب كثيرين" (لو 35:2).

ولكنها في هذه لكها كانت أنموذجًا رائعًا للاحتمال والهدوء والوداعة.. صم صاغت هبرتها هذه في عبارة نصيحة لكل الأجيال "مهما قال لكم فافعلوه" (يو 5:2).

نعم يا أمى الطاهرة سأطيع أبنك واخضع لتدبيره.. هوذا أنا عبد للرب ليكن لى كقولك وكتدبيرك لحياتى وكخطتك لى قبل أن أولد وليتمجد اسمك القدوس في وفي كنيستك.

وأنت يا أمى المحبوبة..

أتوسل إليك يا حبيبتى العروس.. اسنيدينى بعطفك لكى أتمم مشيئة ابنك فى.. ولكى اخضع لصوته الإلهى. دون تردد أو تذمر أو إحجام.

وأتمم عمله في دون عائق أو مانع.. مجدًا وإكرامًا للثالوث القدوس وسلامًا وبنيانًا لكنيسة الله. العذراء صديقة الإنسان.

لقد فشلت حواء أن تكون "أم كل حى" (تك 20:3) لأنها جلبت علينا حكم موت فصار كل مولود منها ومن نسلها ابنًا للموت ووقودًا للهلاك، ولن مريم العذراء صارت وسيلة وسلمًا ينزل عليه الله الحى.. لكى يحيى جنس البشر.. يحينا عندما نتحد به في تجسده بواسطة المعمودية والافخارستيا فنصير أيضًا أعضاء فيه.. ونصير أيضًا أبناء لمريم بسببه.. وهكذا تصير العذراء مريم (أم جميع الأحياء) وتصير بالحق (حواء الثانية) ورفعت من شأن جنسنا (أنت بالحقيقة فخر جنسنا) وصارت لنا شفيعة ترفع احتياجاتنا لابنها الحبيب، "ليس لهم خمر" (يو 3:2) وتتوسط لديه لغفران خطايانا ولكى يسندنا في جهادنا وتوبتنا وفي خدمتنا ونمونا.

إن العذراء عندما رفعت احتياج الناس لابنها (ليس لهم خمر) لم تكن تلفت نظره إلى حدث فاته ولم تكن تحاول الحصول على موافقة صعبة ولكن وساطتها تكون بسبب اتحاد قلبها الرقيق برحمة ابنها وشفقته وموقفها النبيل يعبر عن محبة ابنها وحنانه غير المحدودين إنها وهي الأم التي تعرف قلب الابن تفجر فيه ينابيع الحب تجاه البشر وتشفع فينا لتستجلب مراحم الله الصادقة ولكنها أيضًا فيما تشفع فينا توجهنا أن نطيعه "مهما قال فافعلوه" (يو 2:5). فرسالة العذراء لنا أن نطيع ونخضع وننفذ مشيئة الله فيا ونحن دائمًا الرابحين لأن إرادة الله لحياتنا هي دائمًا للخير والبنيان.
"ونحن نعلم أن كل الأشياء تعمل معًا للخير للذين يحبون الله الذين هم مدعوون حسب قصده" (رو28:8).
فطوبى للنفس التي تخضع للمسيح، ستستفيد بشفاعة العذراء. وطوبى للقلب الذي يعشق المسيح، ستكون العذراء سنده. وطوبى لمن جعل المسيح منتهى أمله، ستحضر العذراء إليه عند انفصال نفسه من جسده.
لقد صارت العذراء أمًا لكل البشرية عندما قرر المسيح على الصليب مخاطبًا إياها بخصوص يوحنا الحبيب "يا امرأة هوذا ابنك" (يو 26:19) وليوحنا "هوذا أمك" (يو 27:19) لم يكن يوحنا هنا إلا نموذجًا للبشرية المخلصة المحبوبة والتي ترافق السيد حتى في آلامه.. إن كل نفس تشارك المسيح صليبه وترافقه في آلامه تنصير ابنًا للعذراء إن مكان لقاء العذراء مع يوحنا وارتباطها برباط الأمومة والبنوة كان أمام الصليب يا سيدى هبنى صليبًا يجعلنى ابنًا لأمك.. إن كل آلام الصليب تهون واستخفت بها... في مقابل أن أكون ابنًا لأمك البتول آخذها إلى خاصتى (يو 27:19) وتصير معى في مسكنى تشاطرنى الأكل والصلاة... النوم والسهر الخدمة والخلوة... كأم معينة ومنقذة في الشدائد.

العذراء نموذج للكنيسة :

"هؤلاء كلهم (الكنيسة) كانوا يواظبون بنفس واحدة على الصلاة والطلبة، مع النساء ومريم أم يسوع ومع اخوته" (أع 14:1) إن العذراء مريم هي عضو أساسى ومشارك مع الكنيسة حتى اليوم في الصلاة والطلبة وإقتبال الروح القدس ولكن عضوية أم النور عضوية متميزة فهي نموذج ومثال رائع لما ينبغى أن تكون عليه النفس البشرية التي هي اللبنة الصغيرة في بناء الكنيسة الكبير.
St-Takla.org Image: St. Mary Theotocos Mother of God
صورة في موقع الأنبا تكلا: أيقونة العذراء مريم الثيؤتوكوس والدة الإله
1- فكما أن العذراء ولدت المسيح الذي هو رأس الكنيسة فإن الكنيسة في كل يوم تلد أعضاء جددًا للمسيح في الجسد بالمعمودية "أما أورشليم العليا فهي حرة وهي أمنا جميعًا فهي حرة" (غل4:26).

2- وكما أن ولادة العذراء للمسيح كانت بالبتولية بسبب اتحادها بالروح القس فكذلك تلدنا الكنيسة بفعل الروح القدس بالأسرار.

3- وكما أن العذراء بقيت عذراء بعد الولادة كذلك الكنيسة تحفظ عذراوية كيانها المقدس بالرغم من وجودها في العالم بكل أغراء أته فالكنيسة للعالم هي نور وملح ولكنه نور لا ينبغى أن ينطفئ وملح لا يجب أن يفسد.

4- والعذراء وقد صارت أمًا لله نظرت إلى نفسها كأمة متواضعة وكذلك الكنيسة تسلك بروح الوداعة والاتضاع والمسكنة بالروح والأسرار التي كثرة المواهب والأسرار التي تمتلكها بقوة وفعل الروح القدس.

5- والعذراء في هدوء "آمنت أن يتم ما قيل لها من قبل الرب" (يو 45:1) وسلمت أمرها للرب "ليكن لى كقولك" (لو 38:1) وكذلك تمسكت وحافظت بالإيمان السليم وحافظت عليه وحياتها في قلبها وطقسها وحياتها مسلة كل المشيئة لله الذي يقود ويدبر الكنيسة بحكمته وعين رعايته الساهرة.
6- والعذراء مريم جاز في نفسها سيف الألم عندما شك يوسف فيها.. وعندما ظن اليهود فيها ظنونًا. وبالأكثر عندما رأت أبنها الحبيب الحنون معلقًا على الصليب "العالم يفرح لقبوله الخلاص وأما أحشائى فتلتهب عندما أنظر إلى صلبوتك، الذي أنت صابر عليه من أجل الكل يا ابنى وإلهى" (الأجبية). وكذلك الكنيسة عاشت وتعيش مضطهدة ومتألمة ومرفوضة من العالم ، كحملان وسط ذئاب (لو 3:10) ولكما ازداد الألم والضغط على الكنيسة كلما نمت وتمجدت لأن الآلام دائمًا معبرنا للمجد ولأن رئيس خلاصنا ورأس جسدنا هو المسيح المصلوب.
7- والعذراء خدمت البشرية واجتذبتها للخلاص بهدوئها وصمتها، "لأنك قدمت لله ابنك شعبًا كثيرًا من قبل طهارتك" (التسبحة اليومية).

وكذلك الكنيسة تعمل في البشرية كمثل الخميرة التي يسرى مفعولها في هدوء لتخمر العجين كله. فليست الخدمة الفعالة هي ذات الرنين العالى والشهوة الواسعة والدعاية الجوفاء.. ولكن الخدمة الفعالة هي خدمة العمق والهدوء والرزانة تلك التي خدم بها انطونيوس وأبو مقار وغيرهم فربحوا نفوسًا كثيرة للملكوت وكان النموذج الرائع لهذه الخدمة الأم العذراء بطهارتها وعمقيها وزانتها المؤثرة.

إن مجرد ذكر اسم العذراء يبعث النفس على الخشوع والصلاة ويملأ القلب بهجة ووقار ويشيع في الجسد قداسة ونقاء.. إنها كأم تجمعنا حولها.. وتقدمنا لابنها.. فلنهتف إذًا مع
أليصابات "مباركة أنت في النساء" (لو 42:1).