الخميس، 26 أبريل 2012

قصة القديس سمعان العمودي




ولد سمعان في قرية سيسان بين سورية وقيليقية في الربع الأخير من القرن الرابع. ونشاء راعياً فألف الصمت والتأمل. وما لبث أن حمل عصاه وجرابه وذهب بطريق باب أحد الأديار القريبة فتردد الرئيس في قبوله لحداثة سنه ثم أخذ برصانته فقبله. وقضى سمعان الفتى سنتين في هذا الدير ثم انتقل إلى غيره طالباً فقراً أكبر وإماتة عظمى. فكان ما كان من أمر الحبل الذي شده على وسطه فأدماه وقرّح جلده وتفنن سمعان في أساليب القهر والإماتة فطلب إليه رئيسه أن يترك الدير ويذهب حيث يشاء ليكون حراً في أساليبه ونفسه. فأقام سمعان في صومعة على سفح جبل لا يبعد كثراً عن أنطاكية. وهنا تعرّف إلى الكاهن باسوس الذي كان يتفقد شؤون النساك من قبل البطريرك الأنطاكي وينقل إليها الأسرار الإلهية. ثم رغب سمعان في الصوم أربعين يوماً من غير طعام وشراب فردعه باسوس مؤكداً أن الله لا يرضى الإنتحار فقبل سمعان النصيحة وأبقى في كوخه بعض الخبز والماء وطلب إلى الكاهن أن يسد عليه باب الكوخ بالحجارة. ففعل الكاهن ومضى. وصام سمعان الأربعين بدون خبز أو ماء وجاء الكاهن في اسبوع الآلام يحمل القربان المقدس فوجده على الأرض لا يتحرك. فعني به وناوله. ومارس سمعان هذا النوع من الصوم سنين كثيرة. ثم توغل في الجبل وبنى صومعة جديدة بلا سقف وقيد نفسه بالحديد إلى إحدى زواياها وأقام فيها عرضة لتقلبات الطقس. فمر به نائب بطريركي فدهش لطريقته ثم قال له مشير إلى القيد: "من لم يكن إيمانه قيداً له فلا ينفعه قيد" فأذعن سمعان ونزع القيد من رجله.
وشرَّف الله سمعان بالعجائب فأقبلت الناس عليه تبركاً وإعجابا. فخشي أن يضيع روح الصمت والصلاة. فتوغل بعيداً وبنى لنفسه عموداً وصعد إليه ليأمن شر الوحوش الضارية ويعيش في العراء. فجدَّ الناس في طلبه من جديد. فرأى في سعيهم إرادة العلي فجعل عموده منبراً يبشر منه ويردع باسم يسوع. وطار صيته فتوافدت الناس عليه زرافات وبينهم الأمراء والأساقفة طالبين نصيحة أو تعزية أو بركة أو شفاء. وكانوا ينتشرون حوله مشتركين في الصلاة فيطل عليهم عند العصر مرشداً معزياً شافياً. وأتاه يوماً خليفة الرسولين حاملاً القربان الأقدس. فناوله بيده وعاد معجباً متخشعاً.
ويُروى أن انطيوخوس ابن سبينوس حاكم دمشق قال أن النعمان ملك الحيرة جاء بربعه وحلّ في بادية دمشق ودعاه لتناول الطعام معه. فقام إليه وما أن استوى بهما المقام حتى سأله النعمان عن سمعان العامودي قائلاً هل هو إله في نظر قومه أم بشر. فأجاب أنطيوحوس إنما هو بشر مثلنا ولكنه يخدم الله. فقال النعمان لقد طبق صيت هذا الرجل الآفاق ولقد عظم شأنه بين عشائرنا فإنهم ما فتئوا يفدون عليه زرافات زرافات وينقادون إلى وعظه وإرشاده. ويخشى شيوخنا أن تؤدي هذه الزيارات المتكررة دخول قومنا في المسيحية وإلى موالاة الروم بدافع الدين. وقد اضطررت أنا بدافع المصلحة أن أحرم على قومي الاتصال بهذا الرجل مهدداً بعذاب الموت كل من تخوله نفسه الالتجاء إلى سمعان والإصغاء إليه. ولكني رأيت في منامي رجلاً جليلاً يدخل علي ممسكاً سيفاً ويأمر بجلدي فيطبق بي خمسة من أعواني ويجلدوني جلداً. ثم سمعته يقول لي حذار حذار لما منعت قومك عن زيارة سمعان أولا تدري إني أقطعك إرباً إرباً. فألغيت المنع وسمحت باعتناق المسيحية. وقد انتشرت المسيحية بيننا وأصبح لنا أساقفة وقساوسة.
وكان سمعان كلما ازداد الناس عليه إقبالاً ازداد هو لنفسه تعذيباً وإذلالاً. وفوق تعذيبه افتقده الله بأمراض مؤلمة وسمح بالحط من سمعته والنيل من قداسته. ولكنه كان يصبر ويسكت ويتواضع بل كان يشكر لأولئك الذين أرادوه بسوء لأنهم على رأيه كانوا يعاملونه كما تستحق آثامه ونقائصه. ثم فاضت روحه في السنة 469. وظنه الناس يصلي فسجدوا حول عموده واشتركوا في الصلاة. وطالت عليه صلاته يومين كاملين فصعدوا إليه فوجدوه جثة هامدة. فجعلوا ذخائره في كنيسة كاسياني ثم نقلوه إلى كنيسة الإتحاد بالتوبة. وبقي عموده مزاراً شهيراً وبنى الرهبان حوله ديراً وكنيسة لا تزال آثارها تنطق بالعظمة حتى يومنا هذا

                                                  بركته فلتكن معنا امين

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق