الاثنين، 7 مايو 2012

أيهما أفضل‏:‏ الصمت أم الكلام 01/01/2012 بقلم: البابا شنودة الثالث





أيهما أفضل‏:‏ الصمت أم الكلام 01/01/2012

بقلم: البابا شنودة الثالث


كثيرا ما يتحير الإنسان‏:‏ أيهما أفضل أن يصمت أم أن يتكلم؟ وهكذا عليه أن يحدد موقفه بين الصمت والكلام‏,‏ فضيلة الصمت‏

نلاحظ أن غالبية قديسي البرية قد فضلوا الصمت. واضعين أمامهم قول سليمان الحكيم: كثرة الكلام لا تخلو من معصية. وفي ذلك أيضا قال القديس أرسانيوس معلم أولاد الملوك عبارته المشهورة: كثيرا ما تكلمت فندمت. وأما عن سكوتي فما ندمت قط.
من أجل هذا صلي داود النبي قائلا: ضع يارب حافظا لفمي, بابا حصينا لشفتي. وقال الوحي الإلهي: الاستماع أفضل من التكلم.
وما أكثر ما تحدثت الكتب الروحية عن فضيلة الصمت, ودعت إليها, وذلك لكي يتخلص بها الإنسان من أخطاء اللسان وهي كثيرة: منها الكذب, والمبالغة, وكلام الرياء والتملق والنفاق, ومنها التهكم والكلام الجارح, والسب واللعن والإساءة إلي الآخرين. والنميمة, والتحدث بالباطل في سيرة الناس. ومنها الافتخار بالنفس, والتباهي ومدح الذات. ومنها الكلام البذئ, والقصص والفكاهات الخليعة. وكلام المجون ومنها أخطاء الإنسان في حق الله, كالتجديف, وكلام الكفر, والتذمر علي الله, ومنها التعليم الخاطيء, والضلالة والبدع.
ومن أخطاء اللسان أيضا الثرثرة. ذلك لأن الله لم يخلق اللسان عبثا, لكي يتكلم بلا فائدة.
لكل هذا فضل القديسون الصمت... ليس فقط لكي يبعدوا عن أخطاء اللسان, إنما أيضا لكي يتيح لهم الصمت فترة للصلاة والتأمل. ذلك لأن الإنسان لا يستطيع أن يتكلم مع الله والناس في الوقت نفسه. لهذا قال الشيخ الروحاني: سكت لسانك, لكي يتكلم قلبك وقال مار إسحق: الشخص الكثير الكلام, يدل علي أنه فارغ من الدخل أي أن قلبه فارغ من مناجاة الله, وفارغ من العمل الروحي للتأمل والصلاة.
كلام المنفعة:
يبقي بعد كل هذا سؤال مهم وهو:
هل كل صمت فضيلة؟ وهل كل كلام خطيئة؟!
كلا طبعا, قال داود النبي في المزمور: فاض قلبي بكلام صالح. إذا هناك كلام نافع مفيد. وذلك حينما نتكلم الصالحات.
إن الصمت حالة سلبية, بينما الكلام حالة إيجابية.
وإنما يدرب الناس أنفسهم علي الصمت, حتي يتدربوا علي الكلام النافع,الصمت إذن هو وضع وقائي, يحمينا إن كنا نتكلم بدافع بشري.
أما إن كان الله هو الذي يفتح شفاهنا, وهو الذي يضع كلاما في أفواهنا, فحينئذ يكون كلامنا ـ لا صمتنا ـ هو العمل الفاضل.
كان السيد المسيح يتكلم, والناس يتعجبون من كلمات النعمة الخارجة من فمه والشهيد استفانوس تكلم, فأفحم المجامع الخاطئة ولم يقدروا أن يقاوموا الحكمة والروح الذي كان يتكلم به.
وقد قال سليمان الحكيم: فم الصديق ينبوع حياة وقد كان عظماء الناس يجوبون البر والبحر, لكي يسمعوا كلمة منفعة من المتوحدين والنساك في براري مصر وقفارها.
كلام المنفعة هذا هو كلام من الله يضعه في أفواه أحبائه ليقدموه للآخرين, هادئا كان أم شديدا.
ومن كلام المنفعة: كلمة النصح لمن يحتاج إليها. وكلمة العزاء لقلب حزين. وكلمة التشجيع ليائس أو لأحد الناشئين. وكلمة التعليم لبناء النفوس. وكلمة الحق للهداية والإرشاد. وكلمة البركة, وكلمة الحكمة.
نسأل سؤالا بعد هذا, وهو: إن كان الكلام هكذا نافعا في بعض الأوقات. فهل يمكن أحيانا أن يعتبر الصمت خطيئة, تماما كما يحسب كلام الشرير خطيئة؟! وهل يمكن أن ندان علي صمتنا, كما ندان علي كلامنا في بعض الأوقات؟!
نعم أحيانا ندان علي صمتنا.
إن لكل شيء تحت السموات وقتا. وقد قال سليمان الحكيم: للسكوت وقت, وللتكلم وقت.
فإن كان للتكلم وقت فلا شك أننا ندان إذا صمتنا فيه.
الإنسان البار لا يتكلم حين يحسن الصمت. ولا يصمت حين يجب الكلام. إنما يعرف متي يتكلم وكيف يتكلم. ويضع لكلامه هدفا روحيا. وقد قال الحكيم: تفاحة من ذهب, في مصوغ من فضة, كلمة مقولة في موضعها.
وكثيرا ما أمر الله الناس بالكلام, فكان يرسلهم أحيانا للإنذار, وأحيانا لإعلان حقه بين الناس.
إن الله لا يكلم البشر مباشرة وإنما يكلمهم عن طريق خدامه من البشر هو يريدنا أن نعلن وصاياه للناس. وقد طلب منا أن نكون شهوده علي الأرض.
فإن صمتنا عن الشهادة للحق, ندان علي صمتنا. وإن صمتنا, وبصمتنا أعطينا مجالا للباطل أن ينتشر وأن ينتصر, فإننا ندان علي صمتنا.
وإن قصرنا في إنذار البعض, فأضر بنفسه أو بغيره, فحينذاك ندان أيضا علي صمتنا.
إن رأيت إنسانا يكاد يسقط في حفرة وهو لا يدري, هل تقول وقتذاك إن الصمت فضيلة أم تحذره؟! وإن لم تحذره, ألا تدان علي صمتك, ويطالبك الله بدم ذلك الشخص؟!
لهذا يكون هناك واجب من الرعاة والقادة أن يتكلموا وواجب مثله علي الآباء والأمهات, وعلي المعلمين وعلي كل من هو في مسئولية... كل هؤلاء عليهم أن يقولوا كلمة الحق, وأن يشهدوا لوصايا الله في العالم... ومثل هؤلاء يكون كلامهم في قول الحق أفضل من الصمت.
فيلعطنا الرب أن نعرف كيف ومتي نتكلم, وليعطنا الكلمة التي تتفق ومشيئته الصالحة... ولاترجع فارغة. بل تثمر ثمرا في قلوب الناس.






ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق