الأحد، 20 مايو 2012

اسباب الغفوه الروحيه لقداسه البابا شنوده الثالث







تحدثنا في المقال السابق عن بعض أسباب الغفوة الروحية وذكرنا من بينها المشغولية الدائمة التي لا تترك وقتا للعمل الروحي‏.‏

وحقا أننا في عالم مشغول‏..‏ مشغول بأمور عديدة جدا‏.‏ وسيظل مشغولا إلي نهاية هذا الدهر‏,‏ وإلي أن تأتي الأبدية‏.‏ الكل يدور في دوامته‏.‏ والشيطان يجهز لكل إنسان الدوامة التي تتناسبه‏,‏ والتي يتحرك فيها بلا توقف‏.‏ ويظل يتحرك إلي أن يأتي الموت فيسحبه منها علي الرغم من إرادته‏.‏ وعجيب أنه ربما في ساعة الموت يوجد أشخاص تشغلهم أمور أخري عن خلاص أنفسهم‏.‏ وكل منهم يجب دوامته التي يحركها‏,‏ أو التي تحركه‏..‏ فمتي يستطيع العالم أن يخرج بعض الوقت من مشغولياته لكيما يجد متعته في الوجود مع الله؟

إن الله ـ تبارك اسمه ـ يريدنا أن نكون معه‏,‏ ولكننا للأسف لا نريد‏!‏ لقد منحنا يوما في الأسبوع نتحرر فيه من مشغولياتنا ويكون يوما مقدسا له‏,‏ عملا عن الأعمال لا نعمل فيه سوي ما يختص بأرواحنا وأرواح غيرنا وصلتنا بالله‏..‏ حتي إن غفت أنفسنا طوال الأسبوع تستيقظ في هذا اليوم‏.‏ ولكن هل استجاب الناس لبركة يوم الرب؟‏!‏ إنهم مازالوا مشغولين حتي في هذا اليوم أيضا‏.‏ والأعمال الخاصة التي لم يستطيعوا أن ينجزوها في أيام العمل الرسمي‏,‏ يحاولون إنجازها في يوم الرب‏.‏ وإن استطاعوا أن يجدوا وقتا فراغا‏,‏ يقضونه في ملاهيهم ومتعهم وبدلا من تسمية يوم الرب باليوم المقدس‏HolyDay,‏ فإنه يغيرون هذا الاسم إلي‏Weekend‏ أي نهاية الأسبوع‏.‏ وقد تكون مشغولياته وسقطاته أكثر مما في باقي أيام الأسبوع‏..‏ وتستمر الكرة تتدحرج فيه بعيدا عن المجال الروحي‏.‏

والله ـ جل جلاله ـ يريد أن يقضي ولو يوما في الأسبوع هكذا معنا‏,‏ ونحن لا نستجيب‏,‏ ونحن تستهوينا أمور العالم بالأكثر‏.‏ يغرينا الحديث مع الناس أكثر من الحديث مع الله‏.‏ أليس من العقل ومن الحكمة أن ننزع أنفسنا من الكلام الكثير مع الناس لكي نتكلم ولو قليلا مع الله الذي ينتظرنا‏.‏ إن أية مشكلة طارئة مفاجئة تقابل الإنسان‏,‏ لابد أنه سيجد وقتا للتصرف فيها‏.‏ وذلك لشعوره بأهمية هذا الأمر‏.‏ فهل أنت يا أخي تشعر بأهمية حياتك الروحية وبأهمية مصيرك في الأبدية‏.‏ وبأهمية الغذاء الروحي اللازم لك؟ إن شعرت بكل ذلك فلابد ستوجد وقتا للصلاة وللتأمل وللقراءة الروحية وللتسبيح وللترتيل وما إلي ذلك‏,‏ عندئذ ستحاول أن تنظم وقتك‏,‏ وتحتفظ دائما بالتوازن بين عملك الرسمي وواجباتك الاجتماعية‏,‏ وعملك الروحي أيضا‏.‏ نظم وقتك‏.‏

كذلك عقل الانسان‏,‏ حسب نوعيته‏,‏ يمكن أن يقرب الانسان إلي الله أو يبعده عنه‏.‏ لأنه كثيرا ما يكون العقل جهازا تنفيذيا لرغبات النفس أو لشهواتها‏.‏ فإذا ما انحرفت النفس‏,‏ ما أسهل أن تجذب العقل خلفها‏,‏ كخادم مطيع لها يبرر لها سلوكها الخاطئ‏.‏ وتشتهي النفس شهوة منحرفة‏,‏ أو تود أن تستريح بعيدا عن تعب الجهاد الروحي وهنا نجد العقل يقدم لها ما تشاء من التبريرات‏,‏ ومن الأدلة والبراهين لكي يقنعها بصحة ما تشتهيه‏,‏ وحتي لا يثور الضمير علي خطأ يود إبعاده عنها‏,‏ عجيب أن يكون العقل أحيانا واقعا تحت تأثير الآخرين‏,‏ أو أن الفهم الخاطئ قد يدفع العقل أحيانا إلي المجاملة الخاطئة أو المنفعة المادية أو إلي تغيير الحقائق للوصول إلي هدف ما‏.‏

إن العقل قد يقود أحيانا إلي الخطأ‏,‏ أو يقدم للخطأ اعذارا‏.‏ وربما يحاول الضمير أن يوقظ الإنسان‏,‏ بينما يعمل العقل علي إنامته وتخديره‏.‏ فيقول مثلا عن الخطأ‏:‏ هذا الأمر ما كنت أقصده إطلاقا‏.‏ لقد أتي عفوا‏,‏ والنية غير متوافرة فيه‏!‏ أو هذه الخطية حدثت علي الرغم منه‏.‏ الضغطات الخارجية كانت شديدة جدا‏,‏ لا يستطيع أحد الفكاك منها‏!‏ ويمكن أن تدخل هذه الأمور من الأعمال غير الإرادية‏.‏ وهذا الخطأ تبرره الظروف‏,‏ وذاك تشفع فيه النية الحميدة والقصد السليم‏!‏ وذلك الموضوع طبيعي جدا يحدث لكل أحدا‏!‏ لماذا ندع الضمير يوبخنا عليه؟‏!‏ ولا شك أن التدقيق الزائد في الحكم علي أمثال هذا الأمر غير جائز‏.‏ إنه يقودنا إلي الوسوسة ويفقدنا بساطتنا‏!‏ وهكذا إلي ما لا ينتهي من التبريرات‏.‏







ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق